الاثنين، 30 أغسطس 2021

مختبر الحب

تأليف : امل شانوحة

توازن التفكير والمشاعر


بعد ثلاثة أشهر من الخطوبة ، لاحظت رؤى محاولات أحمد للإنسحاب من العلاقة ! وأصبحت عاداته السيئة وتجاربه الماضية عائقاً لإتمام الزواج 


ولأن رؤى موظفة في مجال التجارب العلميّة ، إتفقت مع زميلتها منال على خطةٍ إستثنائية .. فالمختبر الذي تعملان فيه نجح بعد إختباراتٍ سرّية على تصغير مجموعة من الحيوانات الى حجم الحشرات ! 


فخطر في بال رؤى أن تقوم منال بتصغيرها ، ووضعها فوق وردة تُهديها لأحمد  

وحين يشتمّها ، تتسلّل الى عقله وقلبه لإصلاح سلوكه وفكّ عقده النفسيّة لتسهيل زواجهما المستقبليّ 

***


ونفذّت منال الخطة وأهدت أحمد الوردة ، كإعتذارٍ من رؤى عن خصامهما الأخير .. 

فشكرها ووضعها جانباً .. فأصرّت منال أن يشمّها ، مبرّرةً ذلك :

- هذه وردة رؤى المفضّلة .. أنصحك بتميز رائحتها ، لتصالحها بها بعد الزواج 


فاشتمّها بقوةّ ، ليسحب شهيقه رؤى الى داخل أنفه .. وكاد يعطس ، لولا إسراعها بدخول تجويفه الأنفي ، متجهةً للدماغ 

***


حين وصلت الى المخّ ، وجدت فيه مراكز مضيئة ! 

فبحثت عن قسم الذاكرة الذي كان عبارة عن مجموعة من الحبال الكهربائية .. من بينها حبال مُلتفّة حول نفسها على شكل عقدٍ صغيرة وكبيرة ، فعلمت انها عقده النفسيّة القديمة !


ولكيّ تفكّ عقده ، كان عليها مشاهدة ذكرياته المخزّنة بداخلها .. منها يعود إلى أحداث حصلت في طفولته ، وأخرى في مرحلة الدراسة والعمل .. اما أكثريتها فبسبب علاقاته العاطفية الفاشلة 


فبدأت اولاً بذكريات طفولته : كتفرقة الأهل بينه وبين إخوانه ، وحمله مسؤولية أكبر من عمره ، وفرض واجبات عليه تخالف قناعاته ، وإجباره بتطبيق قوانين امه الصارمة .. ولأن تلك العقد تتلاشى أهميتها بمرور السنوات ، إستطاعت رؤى فكّها بسهولة.. وكذلك فعلت بمشاكل الدراسة والعمل .. 


اما العقدة الحسّاسة التي واجهتها : فهي مشاعره المضّطربة بعد موت أعزاءٍ له بعمرٍ صغير ! مما أدّى لخوفه الدائم من خسارة أحبائه ، فصار يتعلّق بهم بشكلٍ مرضي : كفرض سيطرته عليهم والتحكّم بقراراتهم ، مُستخدماً طرقاً ملتوية للوصول لمراده .. مما أفقده العديد من علاقاته العاطفية


كما كانت لديه عقداً أخرى بسبب طعنات الغدر من الأقارب والأصدقاء ، جعله يشكّ بنوايا الناس ، ويلومهم دائماً على أخطائه .. وقد عملت رؤى جهدها لفكّها جميعاً  


اما العقدة الأصعب : فهي محاولته الظهور كشخصٍ قويٍّ صارم ، مُخفياً رقّة مشاعره ، لتجنّب سخرية وإستغلال من حوله لطيبته الزائدة .. 

ولم يكن بمقدور رؤى فكّ هذه العقدة ، قبل فحص قلبه.. 


لكن قبل خروجها من دماغه ، دخلت الى غرفة التحكّم الرئيسية التي وجدت بداخلها جهازاً يحوي أزراراً كثيرة (تشبه معالجة تقنية الصوت في الإستديوهات الغنائية) حيث كان مستوى الإحباط عنده مرتفعاً ، والطموح والآمال والأحلام منخفضاً للغاية .. 

فقامت بعكس الأزرار ، لتضيء الشاشة امامها بأنوار التفاؤل والأمل 


فتنهّدت بارتياح : 

- هكذا أحسن ، نظرته للحياة ستتغير أخيراً .. الآن لأذهب وأرى مشكلة قلبه

***


فنزلت عبر الأوردة عن طريق ركوبها إحدى الكريات الحمراء التي أوصلتها الى قلب أحمد الذي بدى من نبضاته القوية إن مداومته على التمارين الرياضية نفعه صحيّاً .. 


لكن حين تسلّلت للداخل ، وجدت المكان مظلماً وكئيباً ! بسبب اللمبة المعلّقة في سقف قلبه التي تبدو مكسورة منذ مدةٍ طويلة ، مما جعله يائساً من الحياة 


فبحثت بالأرجاء ، إلى أن وجدت لمبة جديدة .. فتسلّقت نياط قلبه الزلقة بصعوبة .. إلى أن ركّبتها بدل القديمة ، مما جعل قلبه يشعّ من جديد .. 


وبعد انتهائها من مهمّتها الشاقة ، تعمّقت أكثر داخل حجيرات قلبه .. في البداية حاولت الصعود إلى الأذين الأيسر ، لكن لزوجة الصمام التاجي جعل الأمر شاقاً .. فقرّرت إكتشاف الحجرتين السفليتين .. لتلاحظ آثار جروحٍ قديمة في جدران البطين الأيمن !


وكلما وضعت يدها على إحدى الخدوش ، شعرت بصدمة أحمد لحظة حصوله على ذلك الجرح ! ومعظمها كان بسبب العلاقات العابرة .. 


ولشدّة فضولها وغيرتها ، ارادت معرفة لائحة الفتيات اللآتي مررّن من قلبه ..

فدخلت الدهاليز الضيقة بين الشرايين والأوردة ، الى أن وصلت الى غرفةٍ خفيّة داخل قلبه .. وسمعت ضحكات نساء من الداخل ، واللآتي رفضن فتح الباب  رغم طرقها الشديد عليه ! 

مما أغضب رؤى ، التي قالت في نفسها :

((لا ترغبن بوجودي ، إذاً سأدخل بالقوة))


وخلعت الباب بقدمها .. لتتفاجأ بعشرات الفتيات من كافة الأعمار ، معظمهن حسنات المظهر ومن جنسياتٍ مختلفة ! 

جميعهن نظرنّ اليها شزراً ، لدخولها دون إستئذان ..


مما أفقد رؤى صبرها ، لغيرتها على حبيبها .. فأخذت تطردهنّ الواحدة تلوّ الأخرى .. حتى إنها اضطّرت لسحب بعضهن من إقدامهن ، ورميهن بعنف الى خارج الغرفة..

 

وبقيت واحدة ! داخل قفصٍ ذهبيّ معلّق بسقف قلبه ، والتي قالت لها:

- لا تحاولي يا رؤى ، سأبقى دائماً في قلبه .. انا حبه الأول ، وتوفيت بحادث قبل عرسنا بمدةٍ وجيزة 

رؤى : آه ! أنت أميرته ، أخبرني عنك كثيراً.. حسناً يمكنك البقاء ، فإخلاصه لك يدلّ على رفعة أخلاقه .. هل تسمحين بحفر إسمي في قلبه ؟ خوفاً من نسياني بعد طول الخصام 

- لا يحقّ لأحد فعل ذلك ، فأحمد حرّ باختيار من تتربّع قلبه .. ولولا رغبته الداخلية بنسيان اولئك الفتيات ، لما تمكّنتي من طردهنّ .. الآن عودي الى عقله ، فعملك لم ينتهي هناك


وفجأة تدفّق الدم من نوافذ الحجيرات الأربعة للقلب ، الذي تحوّل بثواني إلى نهرٍ هائج ! دفع رؤى الى خارج الغرفة المخلوع بابها  


وماهي الا لحظات ، حتى عادت رؤى للشريان الأساسيّ الذي نقلها الى العقل من جديد

***


بعودتها الى الدماغ .. وجدت غرفةً خلفية لم تلاحظها من قبل ، عليها لافتة كبيرة بإسم (السلوك والعادات) .. 

فدخلت اليها .. لتجد خزانة بدُرجين ، فيهما ملفات مقسّمة الى : سلوكٌ حسن ، وطباعٌ سيئة ..

 

فتركت صفاته الحميدة التي تعجبها كثيراً : كموهبته الفنّية ، وعذوبة لسانه ، وإنصاته الجيد لمشاكل الناس ، وحسّه الفكاهيّ ، وذوقه الرفيع .. وغيرها من الصفات الجيدة


وفتحت درج صفاته السيئة ، وأخذت تقرأ الملفّات بصوتٍ مسموع :

- شرب الخمر بالأعياد والمناسبات .. لا طبعاً !! الدين عندي خطٌ أحمر

ومزّقت عادته السيئة .. ثم تابعت القراءة :

- حب إقتناء الكلاب .. لا يا عزيزي ، الكلاب نجسة 

ومزّقت هوايته التي لم تعجبها .. ثم فتحت ملفّ العلاقات : 

- العلاقات العابرة مقبولة طالما لا تصل للخيانة الجسدية .. لا يا حبيبي !! لن يكون هناك المزيد من علاقات الإنترنت ، فمشاعر البنات ليست لعبة 

ومزقت عادته بغضبٍ وغيرة ..


إلى أن انتهت من جميع عاداته السيئة ..

رؤى : ماذا بقيّ امامي .. فككّت عقده النفسيّة ، وأشعلت التفاؤل بداخله ، وطردت اللعينات من قلبه ، وقضيت على عاداته وسلوكياته السيئة..أظنني انتهيت ، سأتصل بمنال بعد إتمامي المهمّة 


واتصلت بجوالها (الذي صغر حجمه معها) :

- الو منال .. نجحت خطتي ، وعاد أحمد كيوم ولدته أمه ، خالي من العقد والمشاكل .. اريدك غداً أن تهديه وردة كإعتذارٍ مني عن غيابي ، ولا تنسي رشّها بالفلفل .. وقبل أن يعطس ، أعطيه منديلك الحريريّ .. ثم خذيه منه ، لتغسليه لاحقاً.. بعدها تأخذيني الى المختبر وتضعي قطرتين من المحلول السرّي فوقي ، لأعود الى حجمي الطبيعي ..  

فأجابتها منال : لا أظن خروجك من جسمه بهذه السهولة 

- بلى !! سأنتظرك في فتحة أنفه .. إكثري من رشّ الفلفل ، واتركي الباقي عليّ 


منال بلؤم : ما قصدته إنني لا أرغب بعودتك الى حياة أحمد

رؤى بصدمة وقلق : ماذا تعنين ؟!

- انا أحببته قبلك ، لكنك سبقتني اليه ..والآن بعد غيابك المفاجىء لأسابيع.. 

رؤى مقاطعة بدهشة : اسابيع ! تركت أحمد البارحة 

- لا يا عزيزتي ، لك ثلاثة اسابيع واربعة ايام في جسمه .. ربما الحشرات أمثالك لا يشعرنّ بالوقت .. المهم اين كنا .. نعم بغيابك تقرّبت منه ، وأخبرته بخيانتك له .. بل أكثر من ذلك ، أقنعته أن أفضل إنتقام هو زواجه مني .. ولشدة قهره ، وافق على خطبتي قريباً

- مستحيل !! هو لم ينساني بهذه السرعة

منال : إستخدمت وسائلي الخاصة لإقناعه .. أتمنى لك مغامرة ممتعة داخل جسمه ، إلى أن يتخلّص منك في دورة المياه

وضحكت بمكر ، قبل إغلاقها المكالمة ..


رؤى بصدمة : الملعونة ! خطّطت منذ البداية لتخلّص مني ، لهذا ساعدتني في خطتي المجنونة ..

ثم فكّرت قليلاً ، قبل أن تقول : 

- عليّ زيارة قلبه ، لأتأكّد إن وصلت منال الى غرفته الخاصة ام لا 

***


حين عادت الى غرفة قلبه .. وجدت هناك خيال منال التي ضحكت ساخرة :

- شكراً رؤى على مساعدتك .. فخلعك الباب بسبب غيرتك ، سهلّ دخولي الى قلبه  


ثم أشارت الى الأميرة النائمة في قفصها الذهبيّ بالسقف..

منال : وأنوي ايضاً التخلّص منها 

رؤى : دعيها وشأنها !! هي حبه الأول

منال بعصبية : لا تدخلي بشؤوني الخاصة ، أخرجي من قلبه !! فلا مكان لك هنا


وفتحت النوافذ الجانبية ، لتتدفّق الدماء من كل مكان والتي دفعتها الى خارج قلبه 


لكن رؤى العنيدة لم تستلم بسهولة ، وسبحت بكل قوتها عكس التيّار .. إلى أن تمسّكت بإحدى شراين القلب .. 

وحين تسلّقته ، وجدت فتحة في البطين الأيمن ..تلصّصت منها على منال التي تحاول إنزال القفص الذهبيّ من السقف ، لتبقى وحدها في قلب أحمد 

 

وفجأة ! صرخت رؤى برعب ، بعد ظهور مخلوقٍ اسود مخيف بجانبها وهو يقول :

- مرحباً ، انا شيطان أحمد .. أتريدني أن أوسّوس له بمشاعر اماني المزيفة ، ونواياها السيئة اتجاهه ؟

فأجابت رؤى بتردّد : نعم ، اريده أن يرتاب من تصرّفاتها نحوه

- كما تشائين ، اساساً هذا واجبي 

- سأدعك تقوم بعملك ، فورائي عمل بمكانٍ آخر

  

ثم ركبت رؤى إحدى الكريات الحمراء التي أخذتها إلى نفق الشرايين .. واثناء مرورها بالدهليز الطويل ، لامت نفسها : 

- أمعقول انه وصل بي الجنون لقبول مساعدة الشيطان ! يبدو انني فعلاً غيورة كما وصفني أحمد .. 


ثم أخذت تفكّر بما قالته صديقتها الخائنة :

- ترى ماذا قصدت منال بامتلاكها قلبه بطرقها الخاصة ؟ ..أتمنى أن لا يكون الذي في بالي.. عليّ تفقّد معدته في الحال 

***


حين نزلت الى معدته .. تفاجأت بوجود شعرٍ اسود عالق في ممرّ المريء ، وطرفه يتدلّى من بوّابة المعدة .. يشبه شعر الخاروف الأسود ، ومليئاً بالعقد الصغيرة !


رؤى بصدمة : أيعقل إنها أشربته سحراً كيّ يحبها ؟!.. إن كان كذلك ، فطبيعي أن ينساني بسهولة.. ترى كيف يمكنني إبطال السحر ؟ .. ليس أمامي الا فكّ العقد الواحدة تلوّ الأخرى 


وتسلّقت الشعر .. وكلما وصلت الى عقدة ، أخذت تقرأ المعوذات وهي تفكّها بحذر .. 


وما أن فكّت جميع العقد 13 ، حتى ارتفع الأسيد في معدته ! 

فحاولت رؤى التمسّك بالشعر ، الذي سرعان ما ارتفع للأعلى  


لتتفاجأ بخروجها بقوة من فم أحمد ! ووقوعها فوق طاولة المطعم ، بعد تقيؤه طعامه دون سيطرةٍ منه 


فوقفت رؤى متألّمة بعد إرتطامها القويّ بالطاولة ، وهي تسدّ أنفها كي لا يصيبها الغثيان .. 


وحين نظرت للأعلى ، إنصدمت برؤية منال وهي تحاول تنظيف فستانها بضيق ، وأحمد يعتذر عمّا حصل .. ثم يسارع الى دورة المياه لإفراغ ما تبقى في معدته 


بهذه الأثناء .. إتصلت رؤى بمنال التي كانت تنادي النادل لتنظيف المكان ، والتي ردّت على إتصالها بعصبية :

- انت ثانيةً !! ماذا فعلتِ لتجعليه يشعر بالغثيان هكذا ؟

رؤى : انا هنا !! على الطاولة .. رجاءً إرفعيني بمنديلك ، قبل أن يرميني النادل في سلّة النفايات ..


منال بلؤم : ولما عليّ فعل ذلك ؟

- ارجوك منال .. في حال أعدّتني الى حجمي الطبيعي ، أعدك إنني سأدع أحمد وشأنه .. اساساً عليك أن تشكريني ، فأنا فكّكت عقده النفسيّة وأنهيت عاداته السيئة ، وهذا سيجعل زواجكما سعيداً في المستقبل .. على الأقل قدّري تعبي ومجهودي.. هيا منال !! النادل يقترب منا .. رجاءً إنقذي صديقتك وزميلتك في العمل


بهذه الأثناء إقترب النادل لمسح الطاولة ، فرمت منال منديلها فوق شيءٍ يتحرّك كحشرةٍ صغيرة .. وذهبت الى دورة المياه لإكمال حديثها مع رؤى

***


في حمام المطعم ، إتصلت رؤى بمنال لتشكرها على إنقاذها لها ..

منال : حسناً سأطلب من أحمد توصيلي الى المنزل .. وبعد ذهابه ، آخذ سيارة أجرة الى المختبر 

رؤى : انا مدينة لك يا صديقتي

***  


في المختبر .. فاجأت منال رؤى برميها داخل إنبوب إختبار زجاجيّ ، وضعته بجانب الأنابيب الأخرى التي تحوي حيوانات مصغّرة .. وهي تقول بلؤم :

- أعدّت التفكير بالموضوع ، ووجدت انه ليس من صالحي أن تعودي الى حياتي .. 

رؤى باستغراب : لكني وعدتك أن لا أقابل أحمد ثانيةً ! 


منال : ليس هذا فحسب ، بل تفوقكِ بالعمل يغيظني ايضاً .. لهذا قرّرت الإحتفاظ بك ، لحين إعلان مختبرنا عن محلوله السرّي .. حينها أقدّمك للعالم كأول متطوّعة للتجربة ، وأنال بسببك جائزةً علميّة .. (ثم نظرت الى ساعتها).. تأخّر الوقت ، سأعود الى المنزل .. تركت لك قطرتيّ ماء ، وقطعة جبن تكفيك لأسابيع .. سلام


وبعد ذهابها ، إتصلت رؤى بأحمد الذي أقفل الخط في وجهها مرتين ! فعلمت انه متضايق منها ، بعد أكاذيب منال حول خيانتها له.. 

فكان عليها إيجاد حلٌ آخر 

*** 


في الصباح الباكر ... واثناء وجود رؤى داخل الخزانة الزجاجيّة في المختبر .. شاهدت عامل النظافة العجوز يكنّس المكان .. فبحثت عن رقمه بجوالها ، واتصلت به :

- عم مرتضى ، انا رؤى

- اهلاً آنسة رؤى ، لم نرك منذ اسابيع .. هل انت بخير ؟


فاخبرته مختصر الموضوع ، لكن عقله لم يستوعب ما قالته ! 

فألحّت عليه بإخراج الأنبوب ذوّ الغطاء الأحمر من الخزانة ، ورمي ما بداخله فوق طاولة المختبر .. 


وحين فعل ، أكملت حديثها معه بالجوال :

- سامحك الله يا عم ، رميتني على رأسي بقوة 

- اين انتِ ؟ لا أرى سوى حشرةً صغيرة

رؤى : ستجدّ المكبّر في الدرج ، شاهد الحشرة من خلاله 


وحين نظر ، كاد قلبه يتوقف حين شاهدها تلوّح بيديها ، وهي تتابع حديثها معه بالجوال :

- حاول تنظيم أنفاسك ، فأنا لا اريد قتلك يا رجل

العجوز بصدمة : كيف يعقل هذا !

- تجربة علمية سرّية ، الآن رجاءً نفّذ ما سأقوله لك


وطلبت منه أن يضع فوق رأسها قطرتين من المحلول المتواجد في خزنة الحائط ، التي أعطته رقمها السرّي .. 


وما أن فعل ، حتى رآها واقفة فوق الطاولة بحجمها الطبيعي .. 

فسقط العجوز على الأرض ، وهو على وشك الإغماء .. 

فسارعت رؤى بمسح وجهه بالمياه ..

 

وبعد إسترداد وعيه .. أخبرته إنها سترسل حارس المختبر للإهتمام به ، لأن عليها الذهاب لمكانٍ آخر .. 

وطلبت منه أن لا يخبر أحداً بما حصل ، كيّ لا يطردا من وظيفتهما 

وقبل ذهابها سألته عن منال .. فأخبرها انها بإجازة ، لأن خطبتها الليلة !


فتوجهت رؤى الى منزلها لتجهيز نفسها للحفلة ، وهي تنوي مفاجئة العروس بأناقتها ، للإنتقام منها

*** 


في المساء .. وجدت باب الشقة مفتوحاً ، لتوافد المعازيم الى منزل العائلة للمباركة بخطبة إبنتهم منال .. 


فتسلّلت رؤى بثوبها الأنيق بينهم .. ووقفت بوجه العريس وهي تقول :

- مبروك يا عريس !!

أحمد بصدمة : رؤى ! اين كنت طوال الشهر الماضي ؟ أخبرتني منال انك هاجرت مع حبيبك للخارج 


فنظرت بعينيّ منال بحنق ، والتي كانت ترتجف بارتباك ..

رؤى بصوتٍ منخفض كي لا يسمعها الضيوف : 

- أحقاً قالت ذلك !.. أحمد لوّ سمحت ، أريد التحدّث معك في مكانٍ آخر .. عليك معرفة الحقيقة قبل إكمالك الخطوبة  

منال بغيرة وعصبية : لن أسمح بذلك !!

رؤى بلا مبالاة : اذاً تعالي معنا ، فليس من صالحك أن يعرف الجميع بالسرّ الذي سأبوحه له 


فاعتذرت منال من أقاربها ، ودخلت مع مروى وأحمد الى غرفتها الفارغة

***


في الغرفة .. أخبرته مروى بموجز ما حصل

أحمد : أتريديني أن أصدّق أنك صغّرت نفسك لدخول جسمي ، كيّ تحلّي مشاكلي النفسية ؟! 

رؤى : نعم ، ولم يكن الأمر سهلاً  

أحمد : منال ، أحقاً مختبركم إخترع ذلك المحلول العجيب ؟

منال : لا طبعاً ، هي تهذي من شدّة غيرتها 

رؤى : توقعت ذلك منكِ .. أحمد ، إلبس هذه النظّارة المكبّرة

أحمد : وماذا أفعل بها ؟

رؤى : ضعها لترى الحقيقة


وبعد لبسه النظّارة ، أرته إنبوب اختبار فيه ثلاثة حيوانات مُصغّرة : قطة وفأر وقرد ، بحجم الحشرات 


رؤى : هذه تجاربنا السابقة التي أثبتتّ فعالية المحلول السرّي.. وإن مازلت لا تصدّقني ، كتبت في هذه الورقة ملخّصات عن عقدك الماضية .. وحوادث لا أظنك أخبرت بها احداً ، وجدتها عالقة بين ثنايا عقلك وقلبك


فأخذ أحمد يقرأ الورقة باهتمام .. ليتفاجأ بقصصٍ قديمة نسيها تماماً ، دون علمه بأن أثرها يُعرقل حياته الحالية !

أحمد بدهشة : هل استطعتي فعلاً فكّ كل هذه العقد ؟!

رؤى : نعم ، ومزّقت عاداتك السيئة

أحمد : كنت مستغرباً من تغير أفكاري وطباعي في الأيام الماضية ، وكرهي المفاجىء للسكر والسهر وتضيع وقتي مع الفتيات التافهات !


فحاولت منال تقليل أهمية مجازفة رؤى بنفسها : 

- أنت تغيرت لأنك تحبني ، لهذا قرّرت الإخلاص لي

رؤى بعصبية : لم تكن لتحبها يا أحمد ، لولا السحر الذي وضعته لك في شرابك او طعامك .. أتذكر يوم تقيّأت في المطعم ، الم يخرج من فمك شعراً أسود ؟ كان صوف الخاروف الذي ذبحته للمشعوذة ، للقيام بسحرٍ يوجّه مشاعرك نحوها 

 

وهنا تذكّر أحمد الكوابيس التي شاهدها على مدار اسابيع بعد شربه القهوة التي أعدّتها منال ، حين زار المختبر لسؤالها عن غياب رؤى المفاجىء !

رؤى : لا تقلق يا أحمد ، فكّكت سحرك ايضاً


فنظر أحمد بغضب ، لمنال الخائفة :  

- أسحرتني لأتزوجك ؟!! .. فهمت الآن لما إنطفأ حماسي قبل قدومي الليلة الى منزل أهلك ! لكني لم أردّ إحراجك امامهم .. وطالما لم تنكري قيامك بالسحر ، فهذا يعني إن علاقتنا انتهت !! 

منال بعصبية : رؤى ايتها اللعينة !! لما تحطمين كل احلامي ؟

رؤى بغضب : أحمد هو حبيبي !! وانت من فرّقتنا عن بعضنا


أحمد بضيق : كلاكما خسرتما حبي واحترامي لكما

رؤى : لكنني أنقذتك !

أحمد : انتِ لم تثقي إن بإمكاني تغير وحلّ مشاكلي وحدي .. ولشدّة غيرتك ، غامرت بنفسك لتنظيف قلبي وعقلي من ذكرياتي العاطفية السابقة .. (ثم قال لمنال) .. وانت اسوأ منها ! سحرتني لأحبك.. لهذا قرّرت !!


وأزال خاتم الخطوبة من أصبعه ، ووضعه في يد منال ..قائلاً :

- أن لا أتزوج أياً منكما !! سأهاجر للخارج وأتزوج اجنبية ليس لديها تفكيركما المنحرف  

وخرج من الغرفة ، تاركاً الفتاتين منصدمتين من قراره المفاجىء !


ولم يهتم أحمد بأسئلة المعازيم اثناء خروجه غاضباً من الشقة ، متوجهاً الى بيته وهو ينوي السفر قريباً ، رغم إنه لا ينكر فضل رؤى بإنهاء مشاكله النفسية التي عانى منها طوال حياته .. لكنه قرّر إكمال حياته دونها ، لأنه ليس سهلاً أن تعيش مع شخصٍ يعرف كل اسرارك الخفيّة ، أليس كذلك ؟!

هناك 15 تعليقًا:

  1. ربما أنشغل في الأيام القادمة ، سأحاول قدر المستطاع أن لا أطيل عليكم ..

    أتمنى أن تعجبكم قصتي الخيالية

    ردحذف
  2. من روائع الاستاذه امل
    لامست الجراح والعقل تحفه فنيه رائعه
    كل قصصك رائعه
    بها غيرة النساء ومكرهم وحبهم
    كحال قصص سابقه لك ولاسمى يستاهلون وربي الاسكار الادبي
    دائما اقر كل قصص
    ***
    مع تحياتي فؤاد نتظر دوما جديدك مع جاكلين الفتاه المدله
    استاذه امل اقترح عليك فكره هي قصه رومانسيه
    هي بين زملين بالعمل يعملون معا يحصل بينها دوما مشاكل بسبب تداخل العمل بينهم
    وتصل بينهم الى حدا الملاسنه والتجريح وحتى لكره
    وتدور الايام وتكون العلاقه مترجحه بين المناقره بالعمل والتجاوب طبعا بالعمل
    لحدا ياتي موظف جديد ويصبح بين هذان الثنائي يحاولان النهوض بالعمل ويترك الشاب عمله خلال فتره ويذهب لمكان اخرى ويبقى هو وهي على تواصل عن العمل السابق والاطمان ويقى الحال على هذا لاشهر ويحصل بينهم تقارب بعدها واخبار والباقي عندك استاذه امل
    علما القصه قد تكون واقعيه لما نسمعه
    اتمنى تنال اعجابك واذا في مجال اعرضها على اختك استاذه اسمى

    ردحذف
    الردود
    1. سأخبر أختي بفكرتك ، هي تستعد الآن لبدء المدارس ، فهي معلمة لغة عربية للمرحلة الإبتدائية.. سعيدة إن قصتي أعجبتك

      حذف
  3. غاية في الروعه والجمال والدقه كل الشكر والتقدير

    ردحذف
  4. (ابن اليمن) لا انا غير متزوجة ، ولا داعي للإعتذار عن السؤال .. وسعيدة إن نهاية قصتي لم تكن متوقعة .. شكراً لك

    ردحذف
  5. استاذة أمل أرجوا منكي الإطلاع علي مدونتي هي ليست للقصص بالرغم أني كتبت عدة قصص بها إلا انها مدونة للأساطير والرعب والغموض وآكلي لحوم البشر
    https://jeandoe27.blogspot.com/

    ردحذف
  6. ايوة كتبت كذا موضوع في موقع كابوس وحالياً في موضوع رئيسي في الموقع انا كتباه اسمه كلمنتاين بارنابت قاتلة سحر الفودو

    ردحذف
    الردود
    1. نعم رأيته بكابوس ، انا أدخل الى هناك من وقتٍ لآخر .. تابع هوايتك ، وابقى على تواصل مع قرّاء كابوس ، فهو موقع مفضّل للمراهقين والشباب.. تحياتي لك

      حذف
    2. شكرا لكي استاذة امل واتمني ان تزوري مدونتي حين يكون لديكي وقت فراغ

      حذف
    3. سأفعل ان شاء الله ، شكراً لك

      حذف
  7. لا تعرفين كم استمتعت بقراءة هذه التحفة، وكم انبهرت من الفكرة، أنتِ رائعة أمل وأنا أغبطكِ على خيالك الغزير وقلمك النشيط. حفظكِ الله ووفقك��

    ردحذف
    الردود
    1. هل أنت نوّار ، مشرفة موقع كابوس ؟ إن كنت أنت ، فأنا سعيدة إن قصصي المتواضعة أعجبتك ، فأنت من الكتّاب المميزين .. شكراً لك

      حذف
    2. أجل، أنا هي.. ويسعدني ويشرّفني أن أكون عندكِ من الكتاب المميزين، أما قصصكِ فهي جميلة دون الحاجة لشهادتي. أرجو أن تحقق مدونتكِ ما تصبين إليه.. مع كل الود والاحترام

      حذف
    3. نحن وأياكم إن شاء الله نحقق كل ما نتمناه من موهبة الكتابة ، شرّفتي مدونتي المتواضعة ، شكراً لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...