تأليف : امل شانوحة
معلوماتٌ لا نهائيّة
مع تزايد الضغوطات الدوليّة على تلقيح أكثر من 80 % من سكّان العالم ضدّ فيروس كورونا ، توجهت أنظار أهالي قريةٍ ريفيّة فرنسية نحو طبيبها الوحيد (ألبير) الذي سئُل كثيراً : إن كانت الإشاعات المنتشرة بوسائل التواصل الإجتماعي عن أضرار اللقاح صحيحة ام لا ؟ وهل يوجد بالفعل شريحة إلكترونية داخل العقار لتقليل عدد البشر ، حمايةً لمصادر المياه المحدودة في الكرة الأرضية ، حسب زعم الأمريكان ؟
بينما شكّك المسيحيّون المتدينون أن يكون غرض الشريحة هو السيطرة على قرارات البشر بعد ظهور الدجّال ، بدلاً من إتباع المسيح العيسى الذين انتظروا عودته منذ قرونٍ عدّة !
وبين إلحاح اهل قرية الطبيب البير على معرفة الحقيقة وبين ضغط الإدارة الطبيّة عليه ، قرّر المجازفة بمهنته (فور استلامه صناديق الدواء لتلقيح شعبه في غضون شهرٍ واحد ، على أبعد تقدير)
وكانت نيته شراء 300 شريحة جوجل ذكيّة (تكاد لا ترى بالعين المجرّدة) من الإنترنت المظلم من خبيرٍ إلكتروني متقاعد ، صدمه بامتلاك نصف العدد فقط !
وبعد شرائهم .. أفرغ الطبيب 150 عقاراً طبيّ ، ووضع مكانه محلولاً ملحيّ مع إضافة شريحة جوجل .. لعلمه أن المراقبين لديهم أجهزة توضع على الذراع بعد التطعيم ، فتصدر صوتاً يؤكّد بوجود شريحة إلكترونية مزروعة بيد الملقّح ..
وبعد تفكيرٍ مطوّل ، قرّر المجازفة بكبار السن بإعطائهم العقار الأمريكيّ العالميّ (مُستثنياً نفسه) وتخصيص الشريحة الذكيّة للشباب ومراهقين قريته
***
وفي الأيام التالية .. ألقى محاضرات علنيّة في ساحة القرية لتأكيد أهمية اللقاح ضدّ الفيروس القاتل كورونا ، وأن عليهم التجمّع في عيادته في نهاية الإسبوع للتطعيم الجماعيّ ..
فوافقوا بتردّد ، لأنهم يثقون بطبيبهم الوحيد الذي أنقذ الكثير منهم سابقاً
***
وفي الصباح الباكر .. قدم خبيران من العاصمة باريس مع طبيبين أمريكيّن لمراقبة عملية تلقيح (ألبير) لسكّان قريته البالغ عددهم 300 شخصاً ..
فبدأ اولاً بالعجائز الذي أعطاهم اللقاح الحقيقيّ ..
وكلما لقّح شخصاً ، قام المراقبان بوضع الجهاز على ذراعه لتأكّد من اختراق الشريحة لجسمه !
وبعد انتهائه من نصف العدد ، أحسّ ألبير بتعب المراقبين والطبيبين الأجنبين ، فاقترح عليهم الجلوس ومراقبته من بعيد ..
فوافقوا بعد وثوقهم بألبير الذي أدّى واجبه جيداً مع العجائز .. وأخذوا يتناقشون اموراً طبية بينهم ، دون علمهم بأن ألبير يلقّح الشباب بالعقار الذكيّ
***
بحلول العصر ، إنتهى من تطعيم جميع سكّان قريته .. فهنّأ الطبيب الأمريكي ألبير على قيامه بالمهمّة الصعبة وحده ، وطلب منه كشف ذراعه ليقوم بتطعيمه .. فتدارك إلبير الموقف بحقن نفسه بالعقار الذكيّ ، وهو يقول للطبيب :
- لا عليك ، أنا متعوّد على معالجة نفسي
ثم ودّعوه للعودة الى العاصمة قبل حلول المساء .. ليتنفّس ألبير الصعداء بعد نجاح خطته التي كادت تُنهي مسيرته الطبّيبة
***
في الأسابيع التالية .. لاحظ اساتذة الثانويّة تزايد ذكاء طلابهم بشكلٍ تصاعديّ ومفاجئ ! حتى الكسالى منهم عرفوا أدّق التفاصيل العلميّة والأدبية .. مما أسعد اهاليهم بعد ارتفاع علاماتهم بشكلٍ ملحوظ
وبمرور الوقت .. تزايدت تعليقات الطلاّب الساخرة ، لتفوّق معلوماتهم على أساتذتهم .. حتى إن بعضهم ترك المدرسة ، لحفظه المواد وحلّه جميع واجبات العام الدراسيّ !
وسرعان ما انضمّ اليه الكثير من الطلاّب الذين رفضوا تضييع عمرهم بتعلّم معلومات يحفظونها مُسبقاً
ولم يتوقف تمرّدهم على الأساتذة ، بل على اهاليهم ايضاً الذين احتاروا بين قرارين : إمّا إجبار اولادهم بالعودة الى المدارس للحصول على شهادة نهاية السنة ، او تركهم يثقّفون أنفسهم بعد تفوّقهم بأشواط على اساتذتهم
***
لم تمضي شهور ، حتى خلت المدارس من الطلاّب ! فأضرب المعلمون إعتراضاً على إهانة التلاميذ واستخفافهم بمجهوداتهم طوال السنوات الماضية..
فقرّر رئيس البلدية إقامة امتحانٍ شفويّ للمتنمّرين (الطلاّب الكسالى سابقاً) امام اهالي القرية ، بطرحه اسئلة معقّدة عليهم (لإحراجهم امام اقاربهم واصدقائهم ، وإفهامهم ضرورة العودة الى المدارس)
إلاّ أنهم أثبتوا للجميع تفوّقهم الفكريّ ، وبأن روتين المدارس الطويل والمملّ لم يعد يناسب تطلّعاتهم وآمالهم !
وبسبب براعتهم المذهلة ، أُغلقت المدارس نهائياً ..
فرحل المعلمون الى مدنٍ مجاورة ، واضّطر الآخرون لامتهان أعمالٍ أخرى
***
تزايدت الأزمة بعد تخرّج طلاب الثانوية المتمرّدين من الجامعات في غضون أشهرٍ قليلة ، بعد نجاحهم بحلّ جميع اسئلة الإمتحانات لسنوات الأربعة المتتالية .. فلا توجد معلومة أدبيّة او علميّه او فنية او رياضية إلاّ وعرفوا إجابتها خلال ثواني ، كأن أدمغتهم تحوّلت إلى حواسيب متطوّرة!
وبعد نيلهم الشهادات الجامعية ، إمتهنوا عدّة مجالات ، مُنافسين الموظفين القدامى من كبار السن الذين أفنوا عمرهم بتلك المهن ..
وحاول رئيس البلدية إقناع بعضهم بدخول المعاهد التقنيّة والحرفيّة ، ليتميزوا فيها بأقل مجهودٍ يُذكر !
بل نجحوا ايضاً بتعلّم اللغة التي يريدونها في غضون ايام .. وبسببهم أغلقت معاهد اللغات في قريتهم ..
حتى أنهم برعوا في المجالات الفنيّة والإبداعية !
وفي مجال الطبخ ايضاً ، لينافسوا المطاعم الشعبيّة التي أُجبر أصحابها على الرحيل من القرية ، بعد تزاحم الزبائن على مطاعم الشباب الحديثة بوصفاتهم الأجنبية العالمية !
ومن قرّر من الشباب إكمال تعليمه ونيل الشهادات العليا ، أصبح محامياً بارعاً لدرجة أرغمت 5 محامين قدامى في قريته على الإعتزال ، بعد فوزه بجميع القضايا ضدّهم .. فهو يحفظ جميع القوانين ، ويتقن الطرق الملتوية لاستغلال ثغرات القانون في سبيل إنقاذ وكيله ، حتى لوّ كان من المجرمين الخطيرين !
ولم يتوقف ذكائهم بالمجال القانوني فحسب .. بل في مجال الطب والجراحة ، منافسين الدكتور ألبير في عمله !
وفي مجال الدين ايضاً ، فمنهم من حفظ الإنجيل عن ظهر قلب ، أكثر من راهب القرية العجوز !
***
ولاحقاً إجتمع الأهالي عند رئيس البلدية للشكوى على اولادهم الذين تحوّلوا الى عباقرة بين يومٍ وليلة !
فقالت أم باكية :
- ابني المراهق لم يعد يسمع كلامي ، ويعيّرني بقلّة معلوماتي .. حتى انه عرف كل شيء عن الزواج وامور البالغين ، رغم انني حريصة على حذف المواقع السيئة من حاسوبه ، ولا ادري من اين أتى بتلك المعلومات المنحرفة !
الأم الثانية : هل مازال ابنك يستخدم الحاسوب ؟ فإبني أخبرني أنه لم يعد بحاجة للتكنولوجيا ، لأن كل شيء مخزّن بدماغه .. ولم أفهم ما يعنيه !
الأم الثالثة : اما ابني فرفض عروسته التي خطبناها من القرية المجاورة ، لأنها فشلت بامتحانه للمعلومات العامة ! فهو يريدها ذكية مثله
- الم يكن ابنك يعيد السنة الدراسيّة مرتين ؟
- بلى ، لكنه الآن يرغب أن يكون كاتباً مشهوراً
- كاتب ! قريبتي كانت معلمته للغة الفرنسية ، وكانت تشكو كثرة أخطائه الإملائية واللغوية ، مالذي تغيّر ؟!
- لا ادري ! فهو يصرّ على امتلاكه موهبةً فريدة ، وأنه نشر في الشهور الماضية قصصاً وروايات من تأليفه
رئيس البلدية : إذاً أعطنا إسم مدونته ، لنتأكّد من موهبته بأنفسنا
الأم : هذا ما يحيّرني ، فهو أخبرني انه كتبها في مخيّلته ، وهي منشورة في عقول زملائه ، أظنه يقصد شباب قريتنا ! ويرفض العمل في أيّ مجالٍ آخر
فقال أحد الآباء : اما ابني فلم يعد يساعدني بالزراعة او رعيّ الأغنام مع امه ، لأنه أذكى من وظائفنا الوضيعة ، على حسب قوله!
الأب الثاني غاضباً : على الأقل ابنك لم يتسبّب بطردك من العمل .. فإبني النجيب قدم الى معملي ، وأهان مديري لاستخدامه ماكينات غبية وبطيئة .. فراهنه رئيس عملي بصنع أفضل منها .. وخلال ايام ، فاجأ ابني العمّال بماكينته المتطوّرة التي أنتجت في دقائق ، ضعف ما أنتجه مع زملائي خلال اسبوع .. مما أسعد رئيسي الذي اشترى منه الماكينة ، بعد طردي مع نصف العمّال ..
- الم يعتذر ابنك عن..
الأب مقاطعاً بعصبية : بل رحل اليوم الى المدينة دون توديع امه ، وبعد تركي عاطلاً عن العمل !!
أم أخرى : على الأقل ابنك في المدينة ، بينما إبني خارج الكرة الأرضية
- ماذا تقصدين ؟!
- إتصل صباحاً ليخبرني انه وصديقيه بنوا صاروخاً حديثاً ، وتطوّع هو لتجربته .. وأرسل لي صورته من الفضاء !
رئيس البلدية : سمعنا صوتاً قوياً قبيل الفجر ، أكان صاروخه ؟
- نعم
- ومن اين حصل على معلومات لبناء الصاروخ ؟
الأم : سرقه من حاسوب الناسا
ريس البلدية : قد يُسجّن على تهكيره تلك المعلومات السرّية !
- ما يفقدني عقلي إن ابني وصديقيه لا يملكون الحواسيب ، فجميعهم ابناء مزارعين فقراء .. فمن اين حصلوا على تلك المعلومات الخطيرة ؟
الأب : الا تلاحظون إن ذكاء ابنائنا إزداد بعد لقاح كورونا ؟
- لكنّا جميعا تلقّحنا ، ولم يحصل ما حصل لشبابنا !
رئيس البلدية : أفكّر بسؤال الطبيب ألبير إن كانت حقنة الشباب تختلف عن حقنتنا؟
الأهالي : نعم ، رجاءً إسأله
***
في البداية رفض الطبيب الإفضاح عما حصل ..
لكن بعد ضغط من رئيس البلدية الذي أخبره بحال كبار القرية الذين تأذّت أعمالهم بذكاء الشباب المفرط .. أطلعه الطبيب بتردّد على الحقيقة
رئيس البلدية بدهشة : أقلت شريحة جوجل ؟!
ألبير : أليس أفضل من شريحة الأمريكان الغامضة التي ربما تفني البشريّة ، او تجعلنا تابعين للدجال كما حذّرنا راهبنا من قبل ؟
- أخاف أن يتطوّر الأمر لأسوء من ذلك
- ومالسوء الذي سيحصل من عقول ابنائنا التي مُلئت بالعلم والثقافة ؟ يبقى أفضل من إنشغالهم بالنساء الساقطات والخمور والمخدرات .. فالعلم نور ، وهم سيكونون واجهة القرية في المستقبل ، ويرفعون رأسنا امام القرى والمدن المجاورة
وفجأة ! دوّى إنفجارٌ هائل .. فخرجا هلعين الى ساحة القرية الذي تجمّع فيها الأهالي .. ليكتشفوا أن أحد الشباب (الذي كان متنمّراً في مرحلة الثانوية) جمع الشباب الفاسدين لتجنيدهم في جيشه ، بعد اختراعه قنابل ذكيّة (باختراقه إنترنت المخابرات الدولية عبر شريحة جوجل المزروعة في عقله)
واستمع الأهالي بصدمة الى صوت الشاب الذي نُقل مباشرةً من مكبّرات الإذاعة المركزيّة ، وهو يعلن عن احتلاله القرية بعد تفجيره مركز الشرطة الوحيد فيها .. مُعرباً عن نيّته باحتلال القرى والمدن الصغيرة ، وصولاً لإسقاط الحكم في العاصمة باريس ..
وختم كلامه قائلاً :
- أتريدون معرفة ما حصل لأولادكم ، فأنا الوحيد الذي اكتشفت الحقيقة ..الطبيب ألبير زرع شريحة جوجل في عقول شباب القرية ، بعد أن اشتراها من مجهول في الإنترنت المظلم .. فأنا تسلّلت الى حاسوبه الخاص ، بعد شكّي فيه .. وبالحقيقة أشكره لجعلي أكتشف عشقي للمجال العسكريّة.. وأعدكم أن أستمر حتى النهاية ، فلا أحد يستطيع إيقافي بعد حذفي جميع المعلومات العسكريّة المنشورة في جوجل ، والإحتفاظ بها في عقلي ، والتي ستمكّنني قريباً من إحتلال العالم !!
ثم قهقه عالياً بشكلٍ مستفزّ ، بينما توجهت أنظار العتاب للطبيب الذي كان مذهولاً بمعرفة أن العلم والثقافة لا تناسب الجميع ! فالأشرار ازادوا خبثاً ودهاءً .. ووقف عاجزاً عن فعل شيء ، بعد أن صنعت خطته المتهوّرة ديكتاتوراً يخطّط لإبادة العالم !
****
ملاحظة :
بعد انتهائي من كتابة المسودّة ، بحثت في جوجل عن صورة مناسبة لها ، فوجدت مقالاً يتحدّث عن ذات الموضوع الذي ذكرته في القصة !
إلاّ أن مخترع شريحة جوجل كان متفائلاً من نتائج زرعها في العقول ! بينما سرّدت في قصتي الفرضيات السلبيّة من جعل كل الناس فائقيّ الذكاء ، فالله ميّز عقولنا لتناسب جميع الوظائف والمهن .. فهل توافقوني الرأيّ ؟
رابط المقال :
عاصم:كل التحيه والتقدير . خيال علمي رائق . هذه الشرائح صنع مثلها للتعقب . كورونا غيرت الكوكب واللقاح هذا قصته سىتتكشف قريبا .. كان العلماء قديما يقولون لا تعلموا أبناء السفلة بكسر السين العلم . وهذا تجلى في الشاب المتنمر ومن مثله .. كل الشكر .
ردحذف