الخميس، 24 يونيو 2021

ملاكٌ في عالم الجريمة

تأليف : امل شانوحة 

براءةٌ لا تقاوم 


توقفت السيارة أخيراً .. ونزل السائق وهو يسترحم الرجل الضخم أن يدعه وشأنه ، وبأن لا دخل له بما حصل لقائدهم ! 


رفعت رأسها الصغير ببطء من اسفل المقاعد الخلفيّة ، لترى الرجل يقتاد والدها عنوةً الى قصرٍ مهيب 


وبعد دخول الحارسان خلف الرجل الضخم وأبيها إلى القصر ، خرجت من السيارة باتجاه الباب الحديديّ التي دفعته بكل قوتها ، حتى تمكّنت العبور من خلاله ..


لتقف امام ردهةً طويلة بأنوارها الخافتة ، في نهايتها سلّمٌ حلزونيّ يصل الى غرفةٍ مضاءة بالطابق العلويّ .. 

فصعدت إلى هناك ، لعتمة بقية الغرف داخل القصر الكبير  

***


بعد وصولها الى الغرفة .. شاهدت من شقّ الباب ، رجلاً كهلاً يجلس بسكون فوق كرسيه المتحرّك امام المدفأة .. 


فاقتربت منه بحذر .. وحين انتبه إليها ، رمقها بدهشة من خلف نظّارته الطبّية السميكة !


فقالت له : مرحباً .. إسمي ريمي ، وعمري 8 سنوات .. قبل ساعة ، خرجت من المدرسة لأجد رجلاً ضخماً بجانب ابي الذي طلب مني إخبار مديرتي أن تتصل بأمي لتعيدني الى المنزل ، لأن عليه الذهاب مع الرجل لعملٍ طارئ ، وكان واضحاً عليه الخوف والإرتباك ! فاستغلّيت إنشغالهما بالحديث ، للإختباء بالسيارة .. وحين وصلنا ، أدخله حارسك إلى هنا .. لكني لم أجده بالصالة ، أتعلم اين هو الآن ؟ 


فاكتفى العجوز بحركةٍ بسيطة لشفتيه ، كأنه يحدّث نفسه ! 

فقالت له : آسفة ، لم أسمعك ! أتريدني أن أبعدك عن المدفأة ؟ فأنت قريبٌ جداً منها .. أخاف أن يتطاير شِرار الجمر ، فيحرق معطفك القطنيّ .. هذا ما حصل مع قطتي التي أحرقت ذيلها .. سأبعدك قليلاً ، زيادةً في الحرص


وأبعدت كرسيه المتحرّك ، دون أن يقاومها !

فأكملت كلامها :

- مابك جدي ؟ لما لا تتكلّم ؟ .. انا ناديتك جدي لأني معتادة على مناداة كبار السن بهذا الإسم ، فهل تمانع ؟

فهزّ رأسه بالنفيّ ..

ريمي : جيد .. الآن إخبرني ، هل انت مشلول ؟

فأومأ برأسه إيجاباً..

- آسفة ، لم أكن أعرف .. عافاك الربّ وأمدّك بالصّحة والعافية


ثم أخذت تتجوّل في غرفته ، وهو يراقبها باهتمام .. ثم سألته :

- من يهتم بك جدي ؟ هل الرجل الضخم هو خادمك ؟ يبدو سيئاً ، فهو شتم ابي طوال الطريق .. رجاءً ناده لإحضار ابي ، لكيّ نعود الى المنزل .. آه آسفة ! نسيت انك لا تتكلّم .. حسناً سأبحث عنه بنفسي .. لكن سأضع لك الموسيقى ، قبل ذهابي


وتوجّهت نحو (فونوغراف قديم) موضوع في زاوية الغرفة .. فرفع العجوز يده ، كأنه يريد إيقافها.. 

ريمي بدهشة : آه ! حرّكت يدك .. اذاً لست مشلولاً بالكامل ، كجارتنا ... لا تقلق جدي ، أنا اعرف كيف استخدمه .. فوالد ابي يملك واحدة مثلها ، إشتراها من المزاد العلني 


ثم فتحت الخزانة الزجاجية ، لتختار إحدى إسطواناته القديمة ..فشهقت باستغراب : 

- أنت ايضاً مُعجب بهذا الفنان الراحل ! جدي مهووسٌ به ، ويملك جميع إسطواناته ..  فيما عدا هذه ! فهي ما تنقص مجموعته الغنائية


وهنا نطق العجوز ، قائلاً باهتمام :

- وهل جدك يملك إسطوانة الطائر الحزين ؟ 

فقفزت بسعادة : يا سلام !! أخيراً تكلّمت 

- لست أخرساً ، لكن شللي النصفيّ أفقدني الرغبة بالحديث ثانيةً .. المهم أجيبني !! 

ريمي : نعم ، سمعتها مع جدي مراراً 

- هي الإسطوانة الوحيدة التي بحثت عنها في كل مكان ، ولم أجدها !

- اذاً عليكما الإتفاق معاً لنسخ الإسطوانات الناقصة ، وإكمال مجموعتكما .. فجدي أخبرني بأن أغاني ذلك الفنان الموهوب ، لم تعدّ متوفرة في السوق

فقال العجوز بامتعاض : هذا صحيح


ثم راقبها وهي تضع إحدى الإسطوانات ببراعة في الجهاز ، وهي تقول : 

- إخترت هذه ، لأنها الوحيدة التي لم أسمعها بعد .. لكني للأسف لن أكملها حتى النهاية ، فعليّ البحث عن ابي مجدداً

- هو الآن مشغول في عمله ، إجلسي للإستماع اليها سوياً 


وبعد أن طمّأنها على ابيها ، جلست فوق سجّادةٍ صغيرة قريبة من كرسيه المتحرّك .. وأخذا يستمعان للإغنية الرومنسية بإعجابٍ وتقدير ..


وبعد انتهائها ..

ريمي : كلمات الأغنية جميلة ، ولحنها هادئٌ جداً 

- كانت المفضّلة للمرحومة زوجتي ، فهي الأغنية التي رقصنا عليها في عرسنا ..

- غريب ! جدي دائماً يبحث عن هذه الإسطوانة ، لأن حبيبته السابقة تعشقها بجنون 

العجوز : أعرف هذا ، فحبيبته هي سبب إنقسام عصابتنا

- ماذا تعني بعصابة ؟!

- كيف لا تعرفين معناها ، وأنت تضعين هذه القلادة القبيحة 

ريمي : أمي ايضاً لم تعجبها هدية جدي في عيد ميلادي الفائت ، وعاتبته بأن العقرب المحفور في العقد لا يناسب الفتيات الصغيرات 

- هذا لأن جدك رئيس عصابة العقرب المُنشقّة عن عصابتنا الأفعى ، التي انا زعيمها 


ريمي : وما سبب خلافكما ؟

العجوز : كلانا أحب السيدة ذاتها ، لكنها اختارتني زوجاً لها

- أأنت سرقت حبيبة جدي ؟!

- على الأقل كنت مخلصاً لها ، بدل جدك المعروف بزير النساء

ريمي : ماذا يعني زير ؟

- لا تهتمّي لهذه الأمور .. ودعينا نأكل شيئاً ، فأنا جائعٌ جداً 

- لابد إن ابي جائعٌ ايضاً ، هل تظن إجتماعه إنتهى الآن ؟ 

العجوز : هو بضيافة ابني ، سأناديهما بعد قليل 


ريمي : وهل لديك الكثير من الأبناء ؟ 

- خمسة ، معظمهم يعيشون في اوروبا

- وهل هم في مثل عمري ؟

العجوز : بل أحفادي من جيلك 


ثم جرّ كرسيه باتجاه ثلاّجته الصغيرة ، وأخرج منها علبة شوكولا فاخرة وأعطاها لها :

- هذه ستشبعك قليلاً ، لحين تحضير الخدم للغداء 

ريمي : هل يمكنني الإحتفاظ بهذه القطعة ، فجدي يحب الشوكولا المحشوّة بالفراولة 

- وانا ايضاً .. (ثم تنهّد بضيق) ..كان لدينا الكثير من القواسم المشتركة بيننا .. 

- قبل أن تفرّقكما امرأة ، كما يحدث بالأفلام

العجوز بنبرةٍ حزينة : صحيح


واثناء تناولها الحلوى ، سألها بتردّد : 

- هل جدك بخير ؟

- هو مريضٌ جداً ، أظنه يحتضر في المستشفى

العجوز بقلق : أحقاً ! كان رياضيّاً في شبابه ، وكنت مُدمن سجائر ..توقعت إنني سأموت قبله

- طالما انك تعرفه جيداً ، لما لا تزوره ؟

فسكت وهو يفكّر بالأمر ..


ريمي : أتدري إن جدي حدّثني كثيراً عن صديق طفولته ، وكيف أنقذه من الموت 

- هو يقصدني انا

ريمي بدهشة : أحقاً ! ومتى حصل ذلك ؟ 

- في عراكنا مع العصابات الأخرى

- يبدو كنتما مشاغبان في شبابكما ؟

العجوز بابتسامة : كثيراً .. وكل هذا بسبب طموحنا بأن نصبح اثرياء بأسرعٍ وقت ممكن .. فنحن نشأنا في بيئةٍ فقيرة ، وطُردنا من عدّة وظائف بعد إعتراضنا على رواتبنا الزهيدة 


ريمي باستغراب : وكيف أصبح لديكما الآن قصوراً وسيارات ومزارع ؟! 

العجوز : تغيّرت حياتنا بعد قدوم تاجر مخدرات الى حارتنا ، الذي أعطانا أجراً مغرياً مقابل توزيع الممنوعات على الشباب والمراهقين 

ريمي بعصبية : لكن هذا خطأ ! فالمعلمة أخبرتنا عن مضار المخدرات

- كنّا حينها يافعين ، ولم يهمّنا سوى تجميع المال .. 


ريمي : ألم تقبض الشرطة عليكما ؟

- كان جدك سريعٌ في الهرب .. أما انا ، فقبضوا عليّ .. وسُجنت عامين ، كانتا الأسوء في حياتي .. وحين أفرجوا عني ، وعدني جدك بتعليم أحد ابنائه المحاماة ، لإنقاذنا من قوانين الحكومة الصارمة 

- ابي يعمل محامياً ! 

العجوز : أعرف هذا ، وأصبحت أتابع أعماله بعد تبرأته لبعض رجال عصابتكم 

- الهذا أحضرته الى هنا ؟


فصدمته بكلامها الذي جعله يفكّر : 

((كيف لم تخطر ببالي هذه الفكرة ؟!))


بهذه الأثناء .. تلاعبت كشّافات الإضاءة في الغرفة ! فعلم إن ابنه يعذّب المحامي بالصعقات الكهربائية .. 

فأسرع بجرّ كرسيه باتجاه الدرج ، وهو يصرخ بعلوّ صوته :

- جاك توقف حالاً !! لا تقتله ، نحن بحاجةٍ إليه 


في هذا الوقت .. كان ابنه ورجاله يعذّبون المُختطف في القبو ، فلم يسمعوا صرخات زعيمهم الذي حاول الإقتراب أكثر من الحافّة ..


وقبل تمكّن الطفلة من إمساك كرسيه ، سقط من فوق الدرج بقوة ..مُطلقاً صرخةً عالية موجعة ، سمعها كل من في القصر ! الذين سارعوا نحو مصدر الصوت 

***


حين رآه ابنه واقعاً على وجهه ، أمر حارسه الضخم بحمله ووضعه فوق كنبة الصالة.. 

ثم اقترب منه خائفاً :

- ابي ، هل انت بخير ؟ .. تبدو قدمك مكسورة ! 

العجوز : لا تقلق ، انا مشلول ولا أشعر بشيء 

- علينا الذهاب الى المستشفى لتجبيرها في الحال

- سنذهب بعد قليل .. إخبرني عمّا فعلته بوالد الطفلة


وأشار لريمي التي كانت ترتجف أعلى الدرج ، بعد رؤيتها لنظرات الخدم المندهشة من تسلّلها الى القصر !

جاك باستغراب : كيف دخلت هذه الى هنا ؟!

فنادى العجوز بصوتٍ مرتفع : 

- ريمي !! تعالي يا صغيرتي .. هيا لا تخافي 


فنزلت ريمي الدرج بتردّد : 

- جدي .. هذا الرجل المخيف عامل ابي بقسوة (وأشارت للحارس الضخم)

العجوز : لا تقلقي ، والدك بخير


ثم همس لإبنه : المحامي بخير ، اليس كذلك ؟

فأجابه جاك بصوتٍ منخفض : ضربناه قليلاً ، لأنه يصرّ على عدم معرفته لمخزن والده السرّي !

العجوز : إذهب واحضره حالاً 

- لكنك لم تخبرني ، كيف وصلت ابنته الى هنا ؟! 

- إختبات في سيارة والدها لحظة اختطافه ..الآن نفّذ اوامري يا ولد !!

جاك بقلق : لكن وجه المحامي متورّم ، وأنفه ينزف بشدة .. ومنظره سيخيف ابنته حتماً

- لا يهمّ ، أحضره الآن

فأشار جاك الى حارسه الضخم الذي عاد الى القبو .. 


ثم نادى العجوز : تعالي يا ريمي !!

فاقتربت من العجوز المستلقي على الكنبة ، لتصرخ فزعة بعد رؤية قدمه الملتوية..

- جدي ! قدمك مزّرقة جداً

- سأعالجها لاحقاً ، فهي لا تؤلمني مُطلقاً .. (ثم أمسك يدها بحنان) ..إسمعيني حبيبتي .. والدك تعثّر ايضاً اثناء نزوله القبو ، وتأذّى قليلاً 

ريمي بقلق : هل هو بخير ؟

- سيأتي بعد قليل ، لا اريدك أن تخافي من وجهه المُدمّى.. فأنا سأكّلمه قليلاً ، قبل ذهابنا الى المستشفى لعلاج جروحنا 

- حسناً جدي

***


حين صعد والدها مع الحارس ، صُعق برؤية ابنته بجانب رئيس العصابة .. فبكى بخوف :

- ارجوك لا تؤذي ابنتي ، سأفعل كل ما تأمرني به

العجوز : لا تقلق ، أنا وابنتك أصبحنا أصدقاء 

ريمي : هو كان ايضاً صديق جدي القديم 

المحامي بدهشة : أحقاً !

العجوز : نعم نشأنا في الحارة ذاتها ، وواجهنا الكثير من المصاعب معاً .. لهذا اريدك أن تخبرني بعنوان المستشفى ، لأطمئن على صحته 

فالتزم المحامي الصمت بخوف ..


العجوز : لا تقلق ، لن اؤذيه .. صحيح إننا تنافسنا بشراسة على توزيع الممنوعات لزبائننا المشتركين .. لكنه يبقى صديق الطفولة ، وأريد رؤيته قريباً .. فهل ستخبرني العنوان ؟


قال ذلك وهو يمسّد شعر ريمي .. فظن المحامي إن حركته تهديداً بقتلها ، فأجابه برعب :

- حاضر سيدي !! سأجمعك به ، لكن دعني أرحل الآن مع ابنتي بسلام

- بل ستذهب وحدك

- لم افهم !

العجوز بغضب : انت تعلم تماماً سبب وجودك هنا 

فتنهّد المحامي بضيق : نعم .. أخي الصغير الأحمق أطلق النار عليك في البار ، وتسبّب في عجزك .. ثم هرب الى خارج البلاد .. ولا ذنب لي في هذا الموضوع !


العجوز بلؤم : وأنا لن أغفر لعائلتك الاّ في حالةٍ واحدة 

المحامي بقلق : ماهي ؟  

- إن نجحت في إطلاق سراح ابني ورفيقيه المحتجزين في مركز الشرطة قبل اسابيع

المحامي : ما علمته ، إن الكاميرات صوّرتهم اثناء إقتحامهم البنك ! وقُبض عليهم لاحقاً ، بسبب لوحة سيارتهم التي نسيوا تغيرها بعد هروبهم بالأموال  

- لا ادري ، تصرّف !! فأنت نجحت سابقاً بإنقاذ بعض رجال والدك 


المحامي بضيق : لأن ابي أجبرني على ذلك 

العجوز بحزم : وانا ايضاً أجبرك !! فإبنتك ستبقى في ضيافتي ، لحين نجاتهم من هذه الورطة 

المحامي بقلق : قد يتطلّب الأمر شهوراً !

- وإن يكن !! .. (ثم سكت قليلاً) .. لا تقلق على ابنتك ، سأعيّن مدرّسة لتعليمها ما فاتها من الحصص .. والآن إذهب وعالج جروحك لاستلام قضيتهم غداً ، حتى لوّ اضّطررت لوضع مساحيق التجميل على وجهك المتورّم.. المهم أن يعود ابني قريباً .. وحينها فقط أتغاضى عن إعاقتي التي تسبّب بها اخيك الأرعن


وعندما رأت ريمي دموع ابيها تنساب على وجنتيه ، قالت له :

- لا تقلق ابي .. سأنتظر هنا لحين إنهاء عملك ، فهو صديقي ولن يؤذيّني

العجوز : نعم ، هي في مَعزّة أحفادي 

المحامي وهو يمسح دموعه : على الأقل ، دعني أودّعها 


وفور سماحه بذلك ، إحتضنها بقوة وهو يرتجف بشدة ..

ريمي : لا تقلق ، انا بخير .. فهو يشبه والدك كثيراً ، فكلاهما يسمعان الأغاني ذاتها  

العجوز : آه تذكّرت ! عليّ التفاوض مع والدك بشأن الإسطوانة الناقصة في مجموعتي .. وأعدك أن أراعي ظروفه الصحيّة ، ولا أتطرّق لأمور العمل .. فقط نستذكر معاً الماضي الجميل 


فأخبره المحامي بتردّدٍ وارتباك عن رقم غرفة والده في المستشفى ، قبل توديعه ابنته ..وخروجه مهموماً من القصر

*** 


في الأسابيع اللاحقة .. واصل المحامي عمله ليلاً نهاراً في محاولاته المستميتة لنقض الشهادات الدامغة والأدلة الواضحة ، لإخراج ابن رئيس عصابة الأفعى وصديقيه من ورطةٍ مُحكمة .. 


وكلما زارته طليقته لرؤية ابنتها ، تحجّج بأكاذيبٍ مختلفة : كقوله انها في منزل جدتها ، او بنزهةٍ مع أصدقائها ، او مُنشغلة بنشاطاتٍ مدرسيّة .. فهو لم يردّ مشاكل إضافية ، تزيد من همومه ومشاغله

***


بعد ثلاثة اشهر من العمل المضني .. إستطاع بمهارةٍ وأعجوبة ، إنقاذ الموقوفين الثلاثة من الحكم عليهم بالسجن لسنواتٍ طويلة .. 


وقد نقل جاك (الإبن الآخر لزعيم العصابة) أخبار المحامي وبراعته في المرافعات لأبيه الذي طالب بإحضاره مُعزّزاً مُكرّماً الى قصره ، بعد نجاحه بمهمّته الصعبة 

***


في القصر .. حضن المحامي بشوقٍ كبير ابنته الصغيرة التي حُرم منها لشهورٍ عدة .. وبدورها كانت سعيدة بعودته اليها ، كما وعدها.. 


فهمس لها بقلق :

- هل أذوك يا ابنتي ؟

ريمي : بالعكس ابي .. فالمعلمة التي أحضرها جدي ، رفعت مستوايّ الدراسيّ .. كما وظّف معلّمين لدروس البيانو والرقص .. وعلّمني الشطرنج والغناء الطربي الأصيل .. وزرعنا معاً الحديقة الخلفيّة ، وصرت صديقه لكلبه وقطته .. كما قرأ لي الكثير من كتب الشعر امام المدفأة ..وأمضينا وقتاً سعيداً ، فهو أكثر مرحاً من والدك .. لذا أتمنى أن تسمح لي بزيارته من وقتٍ لآخر


فارتبك والدها من طلبها المفاجىء ، قائلاً :

- سنفكّر بالأمر لاحقاً ، الآن لنعد الى منزلنا 

العجوز بلؤم : لكنك لم تجبها بعد : هل ستمح لها بزيارتي ام لا ؟ 

ريمي بإصرار : ارجوك ابي !! فأنا تعلّقت بجدي كثيراً ، فهو لديه العديد من القصص الجميله

المحامي بقلق : وما نوعها ؟

العجوز مبتسماً : لا تفزع ، هي قصص اطفال بريئة .. آه صحيح ..ألم يخبرك والدك اننا تصالحنا أخيراً ؟


المحامي بدهشة : أنا لم أزره منذ مدة ، لانشغالي بقضية ابنك .. هل أصبح بخير ؟

- خرج من العناية المركّزة ، وسيعود غداً الى منزله 

- كنت قاطعته في بداية العام بعد إجباري على توسيخ سمعتي ، لمساعدة اخي الصغير على الهرب الى خارج البلاد ، بعد.. (وسكت)

فأكمل العجوز بغيظ : إكمل !! بعد أن تسبّب بشللي .. (ثم تنهّد بضيق) .. برأيّ والدك فعل الصواب لإنقاذ ابنه 

- دلاله الزائد أفسده تماماً .. (ثم أمسك يد ابنته) .. على كلٍ ، لم يعد أمر اخي يهمّني .. اما ابي ، فسأزوره لاحقاً .. والآن لنذهب يا ريمي ، فأمك تسأل عنك دائماً

- الى اللقاء جدي !!

العجوز وهو يلوّح لها بحنان : الى اللقاء حبيبتي

***


وبعد ايام .. زار المحامي اباه في مقرّه السرّي ، على أمل أن يكون نجاته من الموت سبباً في ابتعاده عن عالم الجريمة .. إلا أن والده فاجأه بضمّ العصابتين معاً بعد مصالحته مع زعيم الأفعى ، ليكونا اكثر قوةً وانتشاراً من بقية العصابات في المنطقة ! 

مما أثار مشكلة كبيرة بين الأب وابنه .. إنتهت بقطع العلاقة به تماماً ، خوفاً على سمعته المهنيّة .. وخرج من عنده وهو يشعر بخيبة أملٍ كبيرة ! 

***


ورغم كره المحامي للعصابتين ، الا انه لم يستطع منع ابنته من زيارة جدّيها اللذين أخذاها بنهاية كل اسبوع الى الحديقة العامة للعب مع الأطفال ، بينما جلسا بعيداً وهما يستذكران مغامراتهما الشقيّة الماضية .. حيث بديا للمحامي (الذي راقبهما من بعيد) كشخصين لطيفين حَسنا السيرة والسلوك! 

فلم يكن بيده سوى الدعاء أن تتمكّن ابنته من هدايتهما ، كما استطاعت بإعجوبة جمعهما بعد عقودٍ من فراقهما المدمّر ومنافستهما الشرسة التي تضعّضعت بلطفها ولسانها الجميل وبراءتها الطفولية التي آلانت قلبيّ العجوزين القاسيين الأشرار !


هناك 7 تعليقات:

  1. آسفة على تأخري بنشر القصة ، فتشنّج ذراعي من وقتٍ لآخر يمنعني من الطباعة بسهولة ، عدا عن مشكلة الكهرباء في لبنان .. كان الله في العون

    ردحذف
  2. كان الله في عونكم وعافاكِ الله من كل شر وسوء

    ردحذف
  3. ما شاء الله تبارك الله قصة جميلة ومبدعة ورائعة ، الله يوفقكِ ويسهل لكِ كل تسير يارب.

    ردحذف
  4. رائعة ياكنز الابداع وفقك الله . وسلمت يداك

    ردحذف
  5. مسليه جدا وسلسه شكرا جزيلا . وكل التقدم والنجاح

    ردحذف
  6. جميلة جداً ، لكننا اشتقنا لقصص الرعب و الغموض المميزة :)

    ردحذف
  7. برافو عليك ...بسم الله العظيم الاعظم يشغي تشنج يدك ويعطيك الصحه والعافيه

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...