فكرة : أختي أسمى
كتابة : أمل شانوحة
إلاّ أولادي !!
بعد وضع أبنائها الثلاثة في الفِراش ، استلقت على سريرها متعبة . وقبل إستسلامها للنّوم ، وصلها إتصال من رقمٍ مجهول :
- سيدرا ، ألاقيك اللّيلة في الموعد المحدّد ؟
- من المتكلّم ؟!
- لا وقت لهذه الآلاعيب ، سأكون خارج محل المجوهرات القريب من النّادي الرّياضيّ . وبعد وضعك الرّقم السرّي في القفل الكهربائيّ ، نتقاسم أرباحنا مناصفةً كما اتفقنا.
- أتقصد اننا سنسرق ..
الرجل مقاطعاً بعصبيّة : سيدرا !! لا وقت للمزاح ، سآراك بعد ساعة.. ولا تنسي قناعك ، فهذا الشارع مليء بالكاميرات الخفيّة .
- أقلت قناع ؟! .. إذاً أنا قادمة .
***
حين وصلت إلى المحل المراد سرقته ، وجدت رجلاً مقنّعاً ينتظرها هناك ، والذي اقترب منها هامساً :
- هيا أسرعي بوضع الرقم السرّي الّذي تحفظينه .
فتجمّدت قليلاً قرب الجهاز الأمنيّ ، قبل ضغطها بعض الأزرار . لتتفاجأ بالباب الخارجيّ للمحل يرتفع للأعلى !
فربّت على ظهرها بحماسٍ وسعادة :
- أحسنتِ يا شريكتي !! الآن لنستعجل قبل أن يلاحظنا أحد .
ودخلا محل المجوهرات لسرقة كل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه . ووضعاه في حقيبة الظّهر ، قبل خروجهما من هناك .
وركبت سيارته التي قادها إلى مقرّه السّري .
***
فور وصولهما إلى مخزنٍ صغير ، أخرجا المسروقات لمعاينتها .
فسألها باستغراب :
- لما زلتي تضعين القناع ؟ لا يوجد كاميرات في مخزني الحقير .
فقالت بارتباك : حسناً سأزيله ، لكن عدني أن تتمالك أعصابك .
وأزالته ببطء ، ليسارع برفع مسدسه في وجهها بخوف :
- من أنتِ ؟! هل أنت شرطيّة ؟!
فرفعت يديها مُستسلمة ، وهي تقول بخوف :
- بصراحة ، إتصالك كان خاطئاً .
فصرخ بعصبيّة : ولما لم تخبريني بأنّك لست سيدرا ؟!!
فقالت بنبرةٍ منكسرة : لأنني أرملة فقيرة ، ولديّ ثلاثة أولاد . أبوهم كان مقامراً ، وانتحر بعد إضاعته أموالنا . وقبل إتصالك كنت أفكّر بالبحث عن عملٍ لدفع إيجار منزلنا المتأخّر ، بعد أن هدّدنا المالك بطردنا في الشّارع خلال اسبوع . وحين أخبرتني بسرقة المجوهرات ونحن مُقنّعين ، وجدتها فرصة مناسبة لحلّ أزمتي الماليّة .
الرجل باستغراب : وكيف عرفتي الرقم السّري للمحل ؟!
- لأني أملك منذ طفولتي موهبةً فريدة لم يصدّقها أحد ، حتى المرحوم زوجي . فالأرقام السريّة تظهر بوضوح في مخيّلتي ، دون إرادةٍ مني !
الرجل باستنكار : لوّ كان كلامك صحيحاً لفزتِ بجوائز اليانصيب !
- ذهبت مرة الى محطّةٍ إعلامية ، وأخبرتهم (قبل بثّهم المباشر لنتائج اليانصيب) عن الأرقام الرّابحة . لكنّهم لم يعطوني الجائزة لأنّي لم أشتري البطاقة . فأنا أرى الأرقام فقط وليس العناوين ، لهذا لم أعرف من أيّ محلٍ أشتري البطاقة الفائزة .
الرجل : كان على الأقل بإمكانك مساعدة زوجك المقامر .
فأجابته بعصبيّة : رجاءً لا تذكر هذا الأمر أمامي !! فالقمار دمّر حياة أسرتي بالكامل . ولا اريد الذهاب إلى تلك الأماكن المشبوهة التي أودت بحياة زوجي المستهتر .
- حسناً إهدأي ، لم أقصد مضايقتك .
ثم سكت قليلاً ، قبل أن يقول :
- أعتقد إنك ستنفعيني أكثر من شريكتي السّابقة ، ومعاً سنكسب الكثير من الأموال .
السيدة بحماس : إذاً أنت موافق على مشاركتي أرباحك اللّيلة ؟!!
- ليس بهذه السهولة ، عليّ أولاً أخذ الذّهب إلى صديقي لصهرها وتحويلها إلى سبيكة ، كيّ لا تلاحقنا الشّرطة إن بعناها بشكلها الحاليّ .
- وماذا ستفعل بالسّبيكة ؟
- أبيعها لتاجرٍ بالسوق السّوداء ، ومن بعدها نتقاسم الثمن .
السيدة بخيبة أمل : يعني لن تعطيني حصّتي الآن ؟
- لا ، أحتاج لبعض الوقت .
- لكني بحاجة ماسّة للمال من أجل ..
فقال مقاطعاً : ستحصلين على أكثر من إيجار منزلك .
فانتبه أن كلامه ضايقها ، فقال لها :
- يمكنك الوثوق بي ، فأنا لن أغدر بك .. أنت كنزٌ بالنسبة لي ، وأريد الإستفادة من موهبتك الفريدة لتوسيع نشاطي في المنطقة . وأعدك إننا قريباً سنصبح من الأثرياء .
السيدة : وماذا عن شريكتك السّابقة ؟
- آه سيدرا ! نسيت الإطمئنان عليها
وابتعد عنا للإتصال بصديقه.
وبعد قليل عاد اليها ، وهو يقول :
- الغبية ! ذهبت الى محلٍ آخر مزوّداً بجهاز إنذار ، وهي الآن في سجن التوقيف .
السيدة : ألن تساعدها للخروج من الورطة ؟
- مستحيل أن أذهب بنفسي الى الشرطة . ثم لا حاجة لي بها ، بعد تعرّفي عليك .
- أشعر بالفضول لمعرفة كيف تعرّفت عليها ؟
الرجل : كلانا عاش حياةً صعبة ، فهي يتيمة اضطّرت للزواج من عجوز بعد طردها من دار الأيتام ببلوغها سن 18، وكان يعمل في تركيب الخزائن الحديديّة داخل غرفٍ سرّية بالقصور الفخمة . ولثقة زبائنه به ، أوكله بعضهم بوضع الرقم السرّي للخزنة ، وبدوره سجّل الأرقام في جوّاله في حال نسيها زبائنه . وبعد وفاته ، إحتفظت أرملته (سيدرا) بجوّاله . وبعد فترة وأثناء تناولها الغداء في المطعم الذي كنت طباخاً فيه . شاهدت مديري وهو يطردني ، بعد أن رآني بالكاميرات وانا أسرق خزنته مساءً . ولولا أن المبلغ قليل ، لبلّغ عني الشرطة . فلحقتني لتسألني إن كنت بارعاً بفتح الأقفال ، فأخبرتها بأن زوج أمي علّمني السرقة منذ مراهقتي . فاتفقت معي على إعطائي عناوين الخزائن وأرقامهم السرّية التي نسختهم من جوّال زوجها ، بشرط مقاسمتها الأرباح . وكان محل المجوهرات الذي سرقناه اليوم ، هو عمليتنا الثالثة . وأكيد الشرطة إحتفظت بجوّالها الآن . لكن لا يهم ، فبموهبتك سنسرق عشرات المحلاّت والقصور ..(ثم مدّ يده مصافحاً).. بما أننا أصبحنا شركاء ، سأعرّفك بنفسي : إسمي جاك .. وإن كنتِ لا تريدين إخباري بإسمك ، سأناديك بسيدرا 2
- إسمي ديانا ، وأفضّل لقب : الأرملة السوداء
- كما تشائين أيتها العقربة الماكرة
وابتسما بخبث.
***
ثم توالت الأحداث ، ونجحنا معاً بسرقة سلّسلة من خزائن المحال لمُلّاكها الأثرياء.
وزارها جاك في بيتها من وقتٍ لآخر لتقاسم الأرباح ، ممّا وطّد علاقته بأولادها الذين أحبوا إهتمامه بهم ، وأعجبتهم هداياه المميزة.. لهذا وافقت على عرضه للزواج بها . ثم انتقلوا جميعاً الى منزلٍ كبير ، إشترياه من أرباحهما معاً .
***
وذات يوم ، عادت ديانا من السوق لتجد أولادها يبكون بقهر بعد أن ضربهم زوجها ، لأنهم كانوا يلعبون بصخب اثناء نومه . فسألتهم بغيظ :
- وأين هو الآن ؟
- في غرفتكما
فذهبت اليه ، لتجده غارقاً في النوم
***
إستيقظ جاك مساءً وهو في قمّة نشاطه ، وطلب منها تحضير العشاء.
واثناء تناوله الطعام ، سألها بضيق :
- اين اولادك المشاغبين ؟
- أرسلتهم إلى منزل أهلي ، لقضاء عطلة الأسبوع هناك
- هكذا أفضل
وبعد إنهائه الحساء ، شعر بمغصٍ قويّ في بطنه .
- ديانا ! لما أشعر بالدوخة والغثيان ؟!
- هذا ما أحسّ به زوجي ايضاً قبل وفاته
فسألها بقلق : ماذا تقصدين ؟!
- هي أعراض طبيعية للسمّ الذي وضعته في طعامكما
فصرخ بغضبٍ شديد : ماذا تقولين ؟!!
ديانا بقهر : كان رجلاً عديم المسؤولية ، وتحمّلت جميع أخطائه . لكن بعد ضربه أبنائنا بعنف ، خطّطت أن يبدو موته إنتحاراً .. أمّا أنت !! فسأدفنك مباشرةً بالغابة .. فهمت الآن لما لقّبت نفسي بالأرملة السوداء ؟ لأني لا أسمح لأحد أن يؤذي اولادي ، أيّها الحقير !!
فقال باكياً وهو يتألّم بشدّة :
- آسف ، لن أضربهم ثانيةً . ارجوك خذيني الى المستشفى
فجلست امامه ، دون إكتراثها بآلامه :
- طالما مازال امامك دقائق قبل سريان السمّ في كلّ جسمك ، سأخبرك الحقيقة . انا لست موهوبة برؤية أرقام الخزائن . كما لم أكن ربّة منزل ، بل نادلة في المطعم الذي كنت تتفق فيه مع سيدرا على السرقة . وأثناء إنشغالكما باختيار الطعام من القائمة ، سرقت بخفّة جوّالها من فوق الطاولة ، بعد سماعي لما قالته عن عمل زوجها . يعني اتصالك لم يكن خاطئاً . لكن يبدو أن ذاكرتها ضعيفة جعلها تذهب إلى عنوانٍ آخر ، أوقعها في قبضة الشرطة . وطالما إننا استخدمنا جميع الأرقام السرّية للخزائن المسجّلة في جوّالها ، فدورك إنتهى بالنسبة لي . والمال الذي سرقناه معاً ، يكفي أولادي لسنواتٍ عدّة . لهذا لم أعدّ بحاجة اليك في حياتي . ألقاك لاحقاً في الجحيم يا زوجي العزيز .
ثم أخذت تراقبه وهو يتلوّى على الأرض بألم ، إلى أن فارق الحياة .
لتبدأ بسحب قدميه بصعوبة ، باتجاه المرآب الموجود داخل المنزل.
وبعد وضعه في صندوق السيارة ، أدرات المحرّك وهي تقول :
- مازال أمامي مهمّة دفن اللعين ، ومن بعدها أعيش بسلام مع ابنائي.
وانطلقت في الظلام ، باتجاه الغابة المُوحشة !
جميل جدا أن تخرج البطله من حين لآخر بدور قوي بعيدا عن ما يسمونه بالنسويه والصوره الملائكيه دائما . وإن كانت ديانا بنظري ليست مجرمه حقا بل أضطرت لما فعلته . شكرا جزيلا جزيلا . وحبذا لو أضيف للمدونه نوع أدب الرحلات كتجربه واقعيه أو حتى خياليه .
ردحذفسلمت أناملك أستاذة أمل
ردحذففي انتظار المزيد من القصص بشوق كبير