الأحد، 3 نوفمبر 2019

سرٌّ خلف الخزانة !

كتابة : امل شانوحة


هل هي قصة خيالية ام مذكّرات حقيقية ؟!

قام المدير الجديد للثانوية المختلطة بعمل إصلاحات شاملة بعد استلامه إدارة مدرسة بُنيت في اوائل الخمسينات , ومنها إزالة خزائن الطلّاب الصدئة .. 

وفي ظهر ذلك اليوم .. دخل عامل الحِدادة الى غرفة المدير وهو يحمل حقيبة جلديّة قديمة , وجدها مرمية خلف الخزائن

حين فتح المدير الحقيبة الحمراء , وجد فيها دفتراً كبيراً وبطاقة مكتبة لفتاة اسمها (ريمفولا) تعود لسنة 1957 !
***

في المساء .. عاد المدير الى بيته مع الحقيبة .. 
وحين جافاه النوم , بدأ يتصفّح الدفتر القديم .. فإذا هو أشبه بقصة درامية تتحدّث عن معاناة فتاة مع زوج امها الشرير الذي كان يضرب امها ويعتدي عليها , ويعاقبهما بالتجويع والحبس في القبو لأيامٍ متتالية .. لكنه سمح للفتاة بالذهاب الى المدرسة كيّ لا يثير انتباه جارتهم المحامية 

ويبدو ان (ريمفولا) توقفت عن الكتابة في منتصف القصة ! 
فرجّح المدير انها لم تُكمل بسبب بدء حصتها الدراسية , لتضع حقيبتها فوق الخزانة التي سقطت الى الخلف , ثم نستها هناك !

لكن شيئاً ما حرّك مشاعر المدير , فوصف ريمفولا للألم والتعذيب النفسيّ والجسديّ الذي مارسه الرجل على بطلة قصتها تبدو واقعية بشكلٍ مخيف ! فهل هي قصة خيالية كُتبت بشكلٍ مُبدع , ام هي مذكرات حقيقية ؟!

ولم يجد نفسه الا وهو يقضي ليلته في البحث عن الطالبة المجهولة بكافة وسائل التواصل الإجتماعي .. 

وحين يأس من إيجادها , وضع اعلاناً على صفحة خرّيجي القدامى لمدرسته .. لعلّ احد اصدقائها يخبره بما حصل لها 
***

ووصلته رسالة بعد اسبوع من صديقتها المقرّبة (سالي) التي بلغت سن السبعين , التي أخبرته بأن ريمفولا عانت بالفعل من قساوة زوج امها .. حتى انها مازلت تذكر يوم أضاعت صديقتها مذكراتها : ((حين قامت طالبة متنمّرة بسحب الدفتر منها وقراءة بعض أسطره امام الطلاّب , ممّا أفقد ريمفولا اعصابها .. فتضاربا بعنف , الى ان قامت المتنمّرة برمي مذكراتها فوق الخزانة .. وقد عاقبتهما المديرة بالطرد ليومين.. وبعد عودة ريمفولا للمدرسة , طلبت مراراً إحضار عامل التصليحات لإزالة الخزانة من اجل دفترها , لكن المديرة رفضت طلبها .. وبعد ايام سافرت مع امها الى خارج المنطقة , وانقطعت اخبارها عن الجميع !))

بعد معرفة المدير بأن الدفتر هو مذكرات طالبة مُعنّفة , اراد إكمال بحثه لمعرفة مصيرها .. 
وحاول بكل الطرق , لكن لم يجد لها اثراً .. ورغم شكّه بوفاتها , الا انه لم ييأس بسهولة .. وذهب الى مكتب المخابرات الذي يعمل فيه صهره , وطلب منه البحث عنها 
***

بعد ايام .. علموا بأنها في دار رعاية العجزة بالمنطقة المجاورة .. 
فذهب المدير الى هناك بعطلة الأسبوع , برفقة صديقتها القديمة (سالي) التي وافقت على الذهاب لرؤيتها ..

وهناك اخبرهم الطبيب انها تعاني من الخرف , فهي تدّعي بأن زوج امها حبسها في قبو منزله لنصف قرن بعد وفاة امها .. واعتدى عليها آلاف المرات , وقتل طفليها امامها فور إنجابهما ! 

فسأله المدير : ومنذ متى هي في الدار ؟
الطبيب : قبل 5 سنوات , أبلغ أحد الجيران الشرطة بانبعاث رائحة كريهة من البيت المجاور .. وحين كسروا الباب , وجدوا رجلاً في التسعينات من عمره ميتاً في الصالة وقد تحلّل جسده .. واثناء إخراجهم الجثة من البيت , سمعوا طرقاً من القبو الذي وجدوه مقفلاً بإحكام من الخارج .. وتفاجؤا بوجود ريمفولا هزيلة هناك .. وبالكاد أنقذنا حياتها بعد ان بقيت اياماً دون طعام

فبكت سالي بقهر : كم تعذّبت المسكينة ! لا أصدّق انها لم تتخلّص من ذلك اللعين طوال هذه المدة ! .. رجاءً دكتور , إسمح لنا برؤيتها

فأخبرهما بأن حالتها النفسية سيئة للغاية , وتعاني من نوبات غضبٍ مفاجئة ..وأحياناً اضطّروا الى ربطها بالسرير , بعد قيامها بضرب نزلاء المستشفى دون سببٍ واضح !
***

حين دخلت الغرفة , لم تعرفها ريمفولا ! رغم محاولات سالي تذكيرها بأيامهما سوياً في المدرسة , ومعلمتها المفضّلة , وزميلها جيم التي كانت معجبة به في مرحلة المتوسطة قبل زواج امها بذلك الشيطان .. لكن يبدو ان ذاكرتها مُسحت تماماً , او ان عقلها حذف الماضي لحماية ما تبقى من نفسيّتها المدمّرة !

وظلّت ريمفولا تنظر بشرود من النافذة , غير آبهة بكلام سالي التي بدأت تيأس من استجابتها لها .. 
وهنا دخل المدير ليضع المذكرات بين يديها وهو يقول :  
- لقد وجدّتُ دفترك يا ريمفولا 

وما ان تصفّحته , وقرأت بعض عناوينه .. حتى انهارت بالبكاء , قائلةً بقهر : 
- لقد عذّبني كثيراً , وقتل ابنائي الإثنين
سالي : اهدأي يا صديقتي , فهو يتعذّب في الجحيم الآن 
ريمفولا معاتبة : لما ذكّرتماني بالماضي ؟ كنت سعيدة بنسيان ذلك الحقير
سالي : إسمعيني جيداً , انا عملت كطبيبة نفسيّة لخمسين سنة .. وسأتكفّل بعلاجك.. 
ريمفولا مقاطعة : وماذا ستعالجين ؟ فأنا محطّمة تماماً , وميتة منذ سنوات طويلة .. (ثم تنهّدت بضيق) .. لوّ كانت المديرة وافقت على إخراج دفتري من خلف الخزانة , لما حصل لي كل هذا

المدير : ماذا تقصدين ؟
ريمفولا : كنت اتفقت مع صاحب المطبعة على نشر قصتي , آملةً ان يفضح كتابي زوج امي , فيتمّ إنقاذي انا ووالدتي من شروره
سالي بقهر : بل هو ذنبي , كان عليّ إخبار الشرطة منذ ان أخبرتني بأفعاله المشينة .. لكن إنتقالك المُفاجىء من المنطقة , جعلني أظن بأنك تمكّنت وامك من الهرب منه , كما كنت تخطّطين دائماً .. ولم أكن أعرف انه هو من أبعدكما عن الأقارب والأصدقاء .. سامحيني ارجوك
وقامت باحتضانها , ليبكيا سويّاً ..
***

منذ ذلك الحين , دوامت سالي على زيارة ريمفولا لمتابعة علاجها النفسيّ من خلال تشجيعها على التحدّث بتفاصيل معاناتها الأليمة 

كما طلب منها المدير إكمال قصتها لأنها تملك الموهبة الأدبية , ووعدها بنشرها فور انتهائها ..وهذا ما اعطى ريمفولا دافعاً جديداً للحياة .. فقامت بطباعتها على الحاسوب الذي أهدته لها سالي .. الى ان أنهت الفصل الأخير من قصتها الحزينة .. 

وقام المدير بدوره بإخبار طلاّب مدرسته بموجز تجربتها المريرة , ممّا شجّعهم على التبرّع لنشر قصتها التي بيعت جميع نسخها فور عرضها في المكاتب 
***

وفي اليوم المنتظر لعمل مقابلة تلفزيونية مع ريمفولا في دار العجزة , للتحدّث عن معاناتها وعن نجاح كتابها .. تفاجؤوا جميعاً بموتها الهادىء في سريرها وهي تحضن قصتها المطبوعة , وعلى وجهها ابتسامة عريضة لتحققّ حلمها بعد سنواتٍ طويلة من العذاب والألم !
***********

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من حادثتين حقيقيتين :
1- قصة الحقيبة المفقودة منذ الخمسينيات , تجدونها في هذا الفيديو : 
https://www.youtube.com/watch?v=LxmstYqeTJk&t=41s

2- وقصة الرجل الذي حبس ابنته 24 سنة , تجدونها في هذا الرابط : 
https://www.youtube.com/watch?v=gsC46249mpQ

وقمت بدمج القصتين معاً .. أتمنى ان تعجبكم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...