الأربعاء، 7 أغسطس 2019

أزمة إنتماء

تأليف : امل شانوحة

 
القلب المُهاجر !

قاد مراد سيارته الفارهة باتجاه الحارة الشعبية لزيارة أخيه الأصغر , والمباركة بولادة طفلته السادسة 
وكان مراد يشعر بالضيق كلما زار أخاه , ليس لفقر حاله .. بل بسبب الغيرة , فهو طلّق مرتين بسبب عقمه !
***

فور دخول بيت أخيه , تراكض الأولاد لتقبيل عمهم الوحيد ..فاستقبلهم ببرود , وأعطاهم النقود كعادته لهم  ..
لحظات .. وأتت الطفلة المولودة حديثاً ووضعت بين يديه , فأحسّ بقشعريرة تسري بجسده ! لشبهها بوالدته التي فارقتهم قريباً , والذي كان متعلّقاً بها ..

فسأل أخاه :
- ما أسمها ؟
- فوزية 
مراد بحماس : لا !! سمّها مروى على اسم أمنا , الا ترى الشبه بينهما ؟! 
سعيد بابتسامة : حسناً , كما تشاء أخي  
***

بعد انتهاء الزيارة وعودة مراد الى قصره .. لم يستطع النوم طوال الليل وهو يفكّر بالصغيرة التي حرّكت فيه مشاعر الأبوّة لأول مرة ! قائلاً بقهر:
- ربي ! لما لم تهبني هذه الصغيرة ؟ لكانت عاشت ملكة في قصري .. امّا اخي الجاهل فلن يهتم بتعليمها او تأمين حياتها 
وبعد تفكيرٍ مطوّل , قال بخبث :
- لابد ان أجد طريقة للإستيلاء على الطفلة !! 
***

وشاءت الأقدار ان تهبّ مراد ما اراد .. فبعد بلوغ مروى عامها الأول , تعرّض الإبن الأكبر لسعيد (وهو الصبي الوحيد بين خمسة بنات) الى حادث سيارة اثناء لعبه الكرة مع اصدقائه بالشارع ..
فاتصل الأب بمراد وهو يبكي , طالباً المساعدة 
***

بعد ساعة .. حضر مراد برفقة محاميه الى المستشفى , ليركض سعيد اليه وهو يقول :
- لقد تأخّرت يا اخي .. إبني في حالة خطرة ويحتاج الى ..
فقال مراد لمحاميه (مقاطعاً) : أخرج الأوراق الرسمية
فقام المحامي بوضع اوراق امام سعيد , وطلب منه التوقيع عليها.. 
سعيد مُستفسراً : على ماذا تريدني ان أوقع يا اخي ؟!
مراد : على اوراق التبنّي 
- لم أفهم !
مراد بلؤم : لن أدفع فلساً واحداً لإبنك , ان لم تتنازل لي عن مروى 
سعيد بصدمة : ماذا ! لكنها طفلتي
- وستكون ابنتي بعد قليل .. 

فسمعته زوجة سعيد , واقتربت منه غاضبة وهي تحمل مروى (حيث تركت البنات في المنزل).. 
- من قال اننا نقبل بيع ابنتنا !!
مراد بحزم : هذا شرطي .. لن أنقذ ابنكم الا بعد تسليمي الصغيرة , والقرار لكما
وهنا اقترب الطبيب منهم وهو يقول :
- الفحوصات أكّدت وجود نزيف داخلي للصبي .. وان لم أجري له العملية بعد قليل , قد تخسرونه .. عليكم تدبير المبلغ في الحال

وهنا فاجأ سعيد زوجته بتوقيع الأوراق على عجل , وهو يقول لأخيه باكياً: 
- خذّ مروى , وانقذ ابني ارجوك
فابتسم مراد بخبث , وأشار لمحاميه بالذهاب لدفع تكاليف العملية الى صندوق المستشفى .. 
الأم معاتبة : سعيد ! ماذا فعلت ؟!
فأجابها زوجها : لن أخسر ابني الوحيد !! ..كما ان ابنتنا ستعيش مُنعّمة في قصر اخي ..أليس كذلك مراد ؟
مراد : طبعاً !! وسأعلّمها في أفضل المدارس الأجنبية لتحصل على أعلى الشهادات , وتكون فخراً لعائلتنا 

فقالت الأم باكية : اذاً لتعيش عندك , لكن دعها تزورنا من وقتٍ لآخر .. ولا داعي لأن تنسبها اليك , فالتبنّي حرام !
مراد بلؤم : إسمعي يا زوجة اخي .. لن أخاطر بنفسيّة الطفلة وهي ترى حياتكم البائسة .. لهذا لا اريدكم ان تقتربوا منها بعد اليوم ..
سعيد : على الأقل إخبرها إنني عمها !
مراد بحزم : لا !! لن يكون لها أقارب سوايّ .. وانت وقّعت على الأوراق وانتهى دورك .. والمحامي يدفع التكاليف الآن .. هيا هات الطفلة 

الأم وهي تحاول إبعاد مروى عن يدين العم : لا !! هذه ابنتي .. أتركها !!
لكن زوجها سحبها منها بالقوة , وأعطاها لمراد الذي حضنها بحنان وهو يقول له :
- أتمنى لإبنك الشفاء العاجل

وبعد خروجه من المستشفى .. إنهارت الأم باكية وهي تلوم زوجها على التخلّي عن ابنته , فحاول الدفاع عن قراره الى ان احتدّ النقاش بينهما .. لكن سرعان ما انشغلا بعملية ابنهما الوحيد
***

ومرّت السنوات .. كبرت فيها مروى , وهي تظنّ بأن عمها هو والدها الذي ربّاها بعد وفاة امها .. وبدوره عاملها كأميرته المدلّلة 

أمّا في بيت سعيد .. وبعد شفاء ابنه حسام (الذي قرّر ترك المدرسة , والعمل مع والده في المحل) كان دائم الشعور بالذنب , لأن حادثته تسبّبت بخسارة اخته الصغرى .. لذلك كان يتسلّل من وقتٍ لآخر الى منزل عمه لتصوير اخته (بكاميرا قديمة) اثناء ذهابها الى المدرسة او لعبها في ساحة القصر .. ثم مشاركة الصور مع عائلته التي يبدو انها تقبّلت خسارتها , بعد ان خصّص لهم العم راتباً شهريّاً !
***

وفي أحد الأيام .. مرض الأب سعيد كثيراً , وأحسّ بقرب أجله ... فأسرع حسام (بناءً على طلبه) الى القصر , لأخذ مروى لتوديع والدها .. لكن عمه طرده من القصر , وهدّده من الإقتراب منها !
وحين أخبر اباه بما حصل , إنهار سعيد باكياً .. مُعتذراً من عائلته لبيعه ابنته .. وظلّ يلوم نفسه , الى ان مات بحسرته ! 

ولم يتجرّأ مراد على حضور العزاء خوفاً من معاتبة الناس والأقارب له , واكتفى بإرسال مالٍ إضافي لتكاليف الدفن !

وبعد العزاء .. أخبر حسام امه برغبته في البحث عن عملٍ اضافيّ لكيّ يستغنوا عن مساعدات عمه , الذي لقبها : بالمال الحرام.. 
فأخبرته امه بأن لديها خطة أفضل , لكنها لم تبوح له بالفكرة !  
***  

بعد اسبوعين , وفي ساحة المدرسة .. إقتربت الحارسة من مروى , لتسألها بعينين دامعتين :
- ما اسمك يا حلوة ؟
- مروى ..هل انت الحارسة الجديدة ؟
- نعم , لما تجلسين وحدك ؟
مروى بنبرةٍ حزينة : لأني غاضبة من أصدقائي , فهم يعايروني بأني يتيمة الأم 
الحارسة : أهذا ما أخبرك به والدك ؟
- نعم .. فأمي كانت عقيمة لسنوات , قبل ان يعالجها والدي في الخارج .. لكنها توفيت اثناء ولادتي 

فكتمت الحارسة غيظها , وقالت في نفسها بغضب : ((مراد !! ايها العقيم النذل)) 
ثم قالت لمروى : لا تلومي نفسك يا ابنتي , هذا هو قدرها 
مروى بقهر : ما يحزنني ان غداً عيد الأم , وطلبت منّا المعلمة إحضار صور أمهاتنا كيّ نعلّقها على لوحةٍ كبيرة اثناء الحفل .. وحين سألت والدي , أخبرني إنه مزّق جميع صورها بعد وفاتها , فقلبه لا يتحمّل آلام الماضي . وبرأيّ ما فعله أنانية منه !! لأن من حقي معرفة شكلها ..اليس كذلك يا خالة ؟

فأسرعت الحارسة بالقول : انا معي صورتها
مروى بدهشة : وكيف تعرفين امي ؟!
فحاولت الحارسة تدارك الأمر , وأجابتها بارتباك : 
- كنت خادمتها , قبل ان يطردني والدك بعد وفاتها .. واثناء تنظيفي الأخير للقصر , وجدت صورة سليمة بين الصور الممزّقة .. فاحتفظت بها , لعلمي بأنك سترغبين في رؤيتها حينما تكبرين
مروى بسعادة وحماس : أحقاً يا خالة ! واين الصورة الآن ؟
- في منزلي , سأحضرها غداً 
- سأكون ممتنّة جداً .. شكراً جزيلاً لك
***

في المساء , وفي منزل سعيد..
حسام بقلق : امي ! سيُجنّ عمي ان علم بعملك الجديد
الأم بقهر : لي سنوات أحاول العمل في مدرستها الإبتدائية , لكني لم أوفّق الا بعد إنتقالها للمدرسة المتوسطة .. وأنوي التقرّب منها , الى ان ترتاح لي ..وتفضفض لي عن متاعبها 
- وماذا عن الصورة ؟
- سأعطيها صورة عرسي 
حسام : وماذا لوّ لاحظت إنها انت ؟
- ملامحي هرِمَت كثيراً بعد خسارة مروى , ولا أظنها ستعرفني .. كما اني سأنبّهها ان لا تريها لوالدها , كيّ لا يمزّقها ايضاً.. المهم يا حسام ان لا تخبر أخوتك بالأمر , وليبقى هذا سرّاً بيننا
فأومأ برأسه إيجاباً , وهو مازال يشعر بالقلق !
*** 

نزلت دمعةٌ حارة على وجنة مروى , وهي تُمعن النظر في الصورة القديمة... وبعد شكرها للحارسة , أسرعت الى معلمتها كيّ تعلّقها على اللوحة , بعد ان أرتها لجميع صديقاتها .. بينما كانت امها الحقيقية تراقبها من بعيد , والألم يعتصر قلبها !
*** 

ومع مرور الأيام .. لاحظ مراد تغيراً كبيراً في سلوك مروى , حيث ازدادت مرحاً ! (دون إخباره بشأن الصورة) 
وفي يوم العطلة الأسبوعية .. دخل غرفتها , ليتفاجأ بلوحةٍ كبيرة لإمرأةٍ مجهولة ..
فسألها بابتسامةٍ وفخر : موهبتك تزداد براعةً مع الأيام .. لكن من هذه السيدة ؟.. هل رسمتي معلمتك ؟
مروى معاتبة : أمعقول انك نسيت شكل امي !

وحين أمعّن النظر في اللوحة , عرف إنها صورة زوجة اخيه يوم عرسها.. فغضب غضباً شديداً , وسأل ابنته : 
- من أعطاك الصورة ؟.. هيا تكلّمي !!
- ابي ! انك تؤلم ذارعي .. ثم لا أفهم سبب رفضك رؤية أمي , فهذا من حقّي !!  

لكنه أصرّ على معرفة ما حصل بالتفصيل المملّ .. فأخبرته مُرغمة عن حارسة المدرسة الحنونة .. فتركها , ليذهب مُسرعاً الى بيت اخيه
*** 

وهناك , قامت مشاجرة عنيفة بينهم.. 
مراد صارخاً في وجه الأم : 
- انت خالفتِ بنود العقد , لذا سأمنع عنكم المعونات الشهريّة!!
حسام بغضب : اساساً نحن لا نريد منك شيئاً !! فقط أعدّ لنا أختنا
مراد بلؤم : ابنتي لا تمتّ لكم بصلة .. وبسبب غلطة امكم , لن تروها في حياتكم !! 
الأم باكية : ارجوك يا مراد , انا لم أخبرها بالحقيقة 
مراد : انا أعرف مروى جيداً , وهي لن تهدأ قبل ان تعرف القصة كاملة .. لكني لن أسمح لكم بتعكير صفو حياتنا !! 

وأغلق الباب خلفه بغضب .. ليخيّم الحزن على وجوه الأخوة , وهم يستمعون لبكاء امهم المرير بعد ان حبست نفسها في الغرفة !
***

في اليوم التالي .. علمت الأم ان ملفّ ابنتها سُحب من المدرسة ! فبحثت كالمجنونة في جميع مدارس المتوسطة للبنات في المنطقة , لكن دون جدوى .. الى ان علمت لاحقاً بأن القصر معروض للبيع , بعد هجرة العم مع مروى الى الخارج .. وبذلك تلاشت احلامها باجتماع شمل ابنائها من جديد !
***

ومرّت السنوات ..أنهت فيها مروى دراستها الجامعية .. لكنها بعد التخرّج أصيبت بعارضٍ صحّي .. 

وفي المستشفى .. أخبرهم الطبيب بأنها بحاجةٍ ماسّة الى كلية .. وبعد إجراء الفحوصات , لم تتناسب كلية العم معها  .. كما انه لم يجد متطوّعاً مناسباً لفصيلة دمها النادرة ..
لكنه تذكّر بأن حسام وامه يحملان الزمرة نفسها , لهذا إضّطر لإرسال تذكرتين لهما , لإنقاذ حياة ابنته الغالية ..

وبعد وصولهما الى المستشفى , لم توافق الأم على إخضاع ابنها للعملية .. وتطوّعت هي لتبرّع بكليتها لمروى , بشرط ان يخبرها الحقيقية فور شفائها 
***

بعد شهر , عادوا جميعاً الى بيته الفخم بجانب الشاطىء .. وهناك أخبر العم مروى بالحقيقة ..فانفجرت في وجهه غاضبة , وهي تشير الى امها :
- أبعد كل هذه السنوات تخبرني بأن حارسة المدرسة هي امي الحقيقية .. وبأن هذا أخي .. ولديّ ايضاً اربعة أخوات !! وبأن ابي مات حسرةً عليّ .. فكيف تريدني ان اسامحك , بعد ان عشت عمري ألوم نفسي على موت امي ؟!

العم بقلق : اهدأي يا مروى , فأنت مازلتي متعبة 
ابنته بغيظ : ليتك تركتني اموت قبل ان أعرف الحقيقة
الأم : اهدأي يا ابنتي ..
مروى مقاطعة بقهر : وانت يا امي العزيزة ! كيف قبلتِ ان تُباع طفلتك ؟!
حسام : لا تلومي أمنا يا مروى , فموتي الوشيك هو ما أجبر والدي على فعل ذلك .. ولوّ رأيتي دموعه وقت وفاته , لعلمتِ كم عانى لفقدانك

فسكتت مروى , والغضب يشتعل في صدرها .. فحاول العم تهدأتها :
- مروى حبيبتي , فعلت ذلك لتحصلي على حياةٍ هانئة
مروى بلؤم : أتدري يا عمي

فشهق مراد متفاجئاً ! فهي المرة الأولى التي لم تناديه أبي .. بينما أكملت مروى كلامها بنبرة تحدّي :
- قرّرت ان أعود معهما الى بيتي الحقيقي 
العم بعصبية : ماذا ! لا طبعاً !! لا اوافق على هذا .. انا من ربّيتك وتعبت عليك , وانت ابنتي بالقانون .. ومعي ما يثبت ذلك ؟
مروى بلؤم : لا تهمّني اوراقك الرسمية , سأعود معهما ..وهذا قراري النهائي !!
الأم وهي تمسح دموعها بارتياح : حبيبتي الغالية , اخوتك سيفرحون كثيراً بلقياك 
***

وعادت مروى مع اخيها وامها الى بلدتها , رغماً عن العم الذي انهار باكياً في المطار اثناء توديعها .. لكن مروى لم تكترث لدموعه !

وما ان وصلت الى حارتها الشعبية , حتى انقبض قلبها من منظر الناس البائس .. كما أغلقت انفها طوال الطريق تجنّباً لرائحة المجاري والنفايات!

وكان وضع البيت اسوء ممّا تصورت .. ففيه 3 غرف صغيرة .. 
غرفة لأخوها وغرفة لأمها .. وغرفة للبنات الأربعة , التي نقصت منهنّ واحدة بعد زواجها .. لتستلقي مروى على فراشها فوق الأرض , بعد ان تناولت الخبز والحليب فقط على العشاء !

وطوال الليل .. حاولت مروى التحدّث مع اخواتها , لكنها لم تجد قاسماً  يجمعها بهنّ .. فهنّ لم يكملنّ دراستهنّ , وكان همّهن الوحيد هو إيجاد عريس بأسرع وقتٍ ممكن ! 
كما تضايقت كثيراً من اسئلة اختها الوسطى التي كانت تحسدها على إختيار عمهنّ لها , رغم انها أجمل منها !

فتحجّجت مروى بالتعب من السفر كيّ تنام , وترتاح من اسئلتهنّ حول حياتها المرفّهة ..وأدارت رأسها نحو الحائط المُتشقّق الذي تنبعث منه رائحة الرطوبة العفنة .. ولم يمرّ وقتٌ طويل حتى غفت من شدة التعب ..

لكنها عادت واستيقظت في منتصف الليل , لتجد صعوبة في استخدام الحمام الأرضيّ الذي لم ترى مثله في حياتها ! 

ثم وقفت في الشرفة الصغيرة التابعة للصالة , مُستغلّة نوم الجميع .. لتنهار باكية , شوقاً لحياتها السابقة .. حيث شعرت بمشاعرٍ مختلطة : كغضبها من عمها لنزعها من عائلتها الحقيقة .. وبذات الوقت , مُمتنّة له لإخراجها من حياتهم البائسة .. كما شعرت بالشفقة على إخوانها الذين لم يكونوا محظوظين مثلها .. الا ان مشاعرها الغالبة : كانت التقزّز من حياتهم البسيطة التي ليس بمقدورها تحمّلها !
***

ومرّ شهران كأنهما الدهر على مروى .. حاولت فيها مساعدة اخوتها بشؤون المنزل .. لكن الأمر كان صعباً عليها , فهي تعوّدت على وجود من يخدمها .. وهاهي يداها الناعمتان تتجرّحان اثناء محاولاتها الفاشلة لتعلّم الطبخ .. كما ان أكلهم الدسم لا يناسب نظامها الغذائي , وخافت ان تتدهوّر صحتها من جديد ..والأسوء ان العطلة الصيفية على وشك الإنتهاء وهي ترغب في إكمال دراستها العليا في الحقوق ..ومُحال ان يحدث هذا في عائلتها التي لم يُكمل فيها احد تعليمه ! كما ان إلحاح اختها الغيورة عليها بالعمل للمساعدة بمصروف المنزل , زاد من الضغط على أعصاب مروى التي تكاد تنفجر !
***

وفي صباح أحد الأيام.. طلبت مروى من امها السماح لها بالبحث عن عملٍ في المدارس القريبة من الحارة ..  
وفور خروجها من المنزل , توجّهت لأقرب محل كمبيوتر .. حيث لا يوجد انترنت في أزقّة الحارة .. 

وهناك أجرت بحثاً سريعاً لموقع الطيران .. فعلمت بوجود رحلة بعد ساعة متوجهة لبلدة العم في الخارج .. فاتصلت من جوّالها الثمين على عمها بعد تردّدٍ كبير .. وأخبرته بموجز ما حصل معها في الشهرين الماضيين .. وطلبت منه الغفران , وترجّته كثيراً لإخراجها من هذا الجحيم .. فقبل العم إعتذارها , لشوقه الكبير لها .. وطلب منها إنتظار محاميه خارج الحارة ليأخذها مباشرةً الى المطار , ويدفع لها ثمن التذكرة .. 
***

بعد ساعتين .. تنفّست مروى الصعداء بعد إقلاع طائرتها في الجوّ!
***

وبحلول العصر .. طلبت الأم من حسام البحث عن أخته , بعد تأخّرها بالعودة .. 
لكن قبل خروجه من المنزل , نادته اخته الوسطى : 
- أخي !! مروى تركت رسالة تحت وسادتها ! 

فاجتمعوا حوله وهو يقرأها بصوتٍ عالي :
((آسفة امي وأخوتي الأعزّاء .. لقد حاولت التأقلم معكم , لكني حقاً لم استطيع .. فحياتكم صعبة جداً بالنسبة لي .. لهذا سأعود للعيش مع عمي .. وسأطلب منه إرسال المعونات الشهرية لكم , الى ان أجد عملاً لائقاً يجعلني أتكفّل بكم مادياً .. لكني لا استطيع فعل أكثر من ذلك .. وهذا ليس خطأي .. فأنتم من قبلتم بيعي منذ البداية .. لكني سامحتكم جميعاً , لأن القدر أرسلني لحياةٍ أفضل .. وسأحاول تحسين حياتكم قدر المستطاع .. إنتبهوا على أنفسكم .. واعتبرونني منذ اليوم : ابنة العمّ مراد))

وما ان أنهى قراءة الرسالة , حتى انهارت الأم باكية بين احضان ابنها الذي وقف عاجزاً بعد تأكّده من خسارة مروى للأبد !

هناك 6 تعليقات:

  1. ملاحظة :
    هذه القصة مستوحاة من حلقة في برنامج (المسامح كريم) لجورج قرداحي , حيث لم تهتم الأخت الغنية لدموع عائلتها الفقيرة , ورفضت العودة اليهم بعد ان باعوها وهي طفلة !

    ردحذف
  2. رائعة كالعادة

    ردحذف
  3. أكملي إبداعك موفقة ..

    ردحذف
  4. صحيح تخلو عنها
    وصحيح أن اختها الوسطى مزعجه
    ولكن مع هذا كان يجب أن تضحي بدراستها وتبحث عن عمل وترتقي بأسرتها
    لكنها انانيه احبت نفسها
    تذكرني القصه بمقال في كابوس عن كيم
    حيث في اثناء الولاده تبدلت مع فتاه ولدت بنفس اليوم في المستشفى
    وعاشت مع اسره غنيه كيم اساساً عائلتها فقيره ولكن التبادل الذي حدث قلب حياة كيم والفتاه الأخرى
    نهاية قصتها انها مثل مروى لم تقبل العيش مع عائلتها الحقيقيه بعد علمها بأنهم اهلها حقا

    والسؤال هنا
    هل هي انانيه منا أن نفعل ما فعلته مروى بترك عائلتها
    ام هو شيء طبيعي
    وتحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. صعب على أيّ إنسان ان يعيش الفقر بعد عيشه حياة الغنى والرفاهية ، وبرأيّ هي ليست انانية بل الطبيعة الإنسانية بحاجة الى الأمان الماديّ ..

      وهذه القصة مستوحاة من احداث حقيقية ، لكن بالقصة الحقيقية أعاد الأب ابنته بالقانون ، وزوّجها من رجلٍ فقير ..أنجبت منه ولدان ، ثم تطلّقت منه .. وهي الآن سيدة كبيرة في السن تعاني من امراض نفسية بسبب عدم نسيانها طفولتها المرفّهة ، وعدم تقبّلها فقر عائلتها الحقيقية .. فما أصعب ان يعاني الإنسان من أزمة انتماء !

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...