السبت، 17 أغسطس 2019

الوسيط الروحيّ

تأليف : امل شانوحة


الطفل المعجزة !

عادت ناديا الى قريتها بعد وفاة زوجها , برفقة ابنها لؤيّ (12 سنة) .. 
وفي أحد الأيام .. زارتها جارتها العجوز وهي تحمل صحناً كبيراً من الطعام ..
ناديا : لما أتعبت نفسك بهذه الكمية ؟ فأنا أسكن وحدي مع ابني الصغير 
العجوز : انت تتعبين بالخياطة ولا وقت لديك للطبخ , وأردّت الترحيب بعودتك للقرية
ناديا : اذاً سأحضر الصحون لنأكل سويّاً
العجوز بارتباك : لا !! أقصد .. تناولت طعامي قبل ان آتي اليكم 
- اذاً سأغلي ابريق الشاي

وبعد ذهاب ناديا الى المطبخ .. إقترب ابنها بوجهٍ غاضب , مُعاتباً العجوز:
- لما وضعت السحر في الطعام ؟!!
فشهقت الجارة بارتباك : ماذا قلت يا ولد ؟!
لؤيّ : قرينتك أخبرتني بنواياكِ الشريرة 
العجوز وهي تتلفّت حولها بقلق : قرينتي ! هل تراها ؟!
- نعم , أراهم دائماً .. هم يشبهوننا كالتوائم بنظراتهم الخبيثة , ويطفون خلفنا كالظلال .. (ثم نظر خلفها) .. قرينتك تنصحني بفعل هذا..

ورمى بصحنها الزجاجيّ على الأرض لينكسر الى أجزاءٍ صغيرة , ويتطاير الطعام في كل مكان .. 
فركضت ناديا الى الصالة , لترى الفوضى التي أحدثها ابنها .. فضربته بقوة , وأمرته بدخول غرفته .. 
وبعد ذهابه غاضباً .. إعتذرت مراراً من جارتها التي سلّمت عليها , وخرجت من المنزل وهي تفكّر ملياً بالطفل المعجزة !
***

في اليوم التالي .. إنتظرت العجوز عودة لؤيّ من المدرسة , على مفترق الشارع ..
وحين رآها , قال مبتسماً : كنت أعرف انني سألاقيك هنا , فقرينتك أخبرتني هذا الصباح بما تنوين فعله .. فإلى اين تأخذينني ؟

وقبل إستيعاب العجوز قدرته على قراءة افكارها ! وضعت المخدّر على انفه , ورمته في سيارتها القديمة .. وأسرعت به الى قريتها الثانية 
***

إستيقظ لؤيّ في قبو منزلٍ ريفيّ مظلم , لا ينيره سوى قنديلٌ قديم .. وهو مقيّد اليدين والقدمين في سريرٍ حديديّ .. فصار يصرخ , طالباً النجدة

وبعد قليل .. نزلت العجوز اليه , وهي تأمره بالسكوت.. 
فسألها غاضباً : ماذا ستفعلين بي ؟!!
- سأجعلك فتىً مشهوراً  
- لم افهم !
العجوز : قبل قليل أجتمعت بنساء القرية وأخبرتهنّ بموهبتك الفريدة.. وسيحضرون غداً لسؤالك عن مشاكلهنّ , وانت ستحلّها بناءً على نصائح قرائنهنّ .. وبذلك أجمع المال الوفير ..
لؤيّ : وماذا أستفيد انا من الموضوع ؟
فأجابته بلؤم : على الأقل لن اقتلك او أعذّبك .. ما رأيك بهذا ؟ 

فقال باكياً : ارجوك أعيدني الى امي !!!
- سأكون غبية ان تخلّيت عن هذا الكنز .. المهم الآن .. أحضرت لك شطيرة الجبن مع الحليب الساخن .. وسأفكّ قيودك لتأكل وتدخل الحمام , ثم أربطك من جديد
- ولماذا تربطينني ؟ فأنا لا أعرف طريق العودة .. وأعدك بأن لا اهرب من هنا
العجوز : انا لا أثق بك  

فنظر لؤيّ الى شيءٍ خلفها , ثم قال بخوف : حسناً كما تشائين , فقرينتك نصحتني بإطاعة اوامرك لأنك أخبث منها ! 
فقالت مبتسمة : يبدو ان قرينتي تعرفني جيداً
وضحكت ضحكةً شريرة , بينما كان لؤيّ يتناول شطيرته بيديه المرتجفتين
***

في الصباح الباكر .. بدأت نساء القرية بالتوافد الى منزل العجوز , التي قامت بإنزالهنّ الواحدة تلوّ الأخرى الى القبو على حسب دورها , بعد ان دفعنّ لها اجرة الإستشارة  
وهناك وجدنّ لؤيّ جالساً في سريره , بعد ان أخفت العجوز رجليه المقيدتين اسفل البطانية , وحرّرت يداه ..

وكانت اول الواصلات , عروسٌ جديدة سألته بقلق :
- عزيزي لؤيّ , اريدك ان تجيبني على سؤالي .. زوجي تزوجني على نسائه الثلاثة .. وبعد العرس , عانيت من صداعٍ مزمن .. فهل قامت إحداهنّ بسحري ؟
فنظر بتمعّن الى بؤبؤ عينيها , لتظهر فجأة قرينتها من خلفها ! فسألها لؤيّ ذات السؤال :
- ايتها القرين , هل قامت إحدى ضرائرها بسحرها ؟

وسكت لؤيّ قليلاً وهو يستمع للإجابة , بينما كانت العروس تتلفّت حولها بخوف , دون ان ترى شيئاً ! لكنها شعرت بروحٍ ثقيلة تحوم حولها ..
ثم أجابها لؤيّ : نعم هناك سحر .. من الزوجة الثانية 
العروس بدهشة : أحقاً ! كنت أشكّ بها , فهي غيورة جداً .. واين وضعت السحر ؟
لؤيّ : على غصن الشجرة التي بجانب بيتك .. وقد ربطتها لك في صباحيّة عرسك 

فقامت العروس وهي تقول : سأزيلها في الحال
فأوقفها لؤيّ قائلاً : إنتظري !! أحضري العمل الى هنا , وانا أفكّه لك بناءً على تعليمات قرينة ضرّتك .. والاّ سيتضاعف السحر
العروس : حاضر مولايّ الصغير , سأجلبه لك في الحال
وأسرعت الى بيتها وهي تلعن ضرّتها..
***

اما الزبونة الثانية : فكانت امرأة كبيرة في السن قدِمَت مع حفيدها , وهي تشكو آلاماً مبرحة في انحاء جسمها ..
وبصعوبة نزلت الى القبو , وهي تنهج وتأنّ من التعب .. 

وهناك تكلّم لؤيّ مع قرينتها لبعض الوقت .. ثم وضع يده على رأسها , وبدأ يتلو آية قرآنية .. ما ان أنهاها , حتى خرج من فمّ المرأة شعرة طويلة بها ثلاثة عقد 
فقال لها : جارتك القديمة قامت بقلب الآية التي تلوتها عليك قبل قليل , كيّ تعاني من امراضٍ عديدة ومشاكل مع زوجك  
السيدة باستغراب : ولما فعلت ذلك ؟! 
- لأنها تعلم كم يودّك زوجك , بعكس زوجها الذي ينهال عليها بالضرب والشتائم 
- لكن زوجي مات منذ سنة ! 
لؤيّ : نعم .. بعد ان عكّرت حياتكما في ايامه الأخيرة , وهذا الإنتقام يكفيها 
السيدة بغضب : اللعينة , الحقودة !! سأذهب اليها في الحال 
لؤيّ مُحذّراً : إيّاك !! فهي امرأة شريرة , والأفضل ان تبتعدي عنها كلّياً .. والآن دعيني أفكّ عقدك الثلاثة , كيّ تخفّ امراضك المزمنة 

وبدأ لؤيّ يتلو المعوذات وهو يفكّ العقد .. وبعد انتهائه , حرق الشعرة المسحورة في القنديل الذي امام سريره , وهو يسألها :
- كيف تشعرين الآن ؟
السيدة وهي تحرّك يداها ورجلاها بسهولة : 
- أحسن بكثير ! فمفاصلي لم تعد تألمني , شكراً لك .. (ثم قالت لحفيدها المراهق) .. هيا بنا نذهب
المراهق : لحظة جدتي , اريد ان اسأل لؤيّ سؤالاً .. 
لؤيّ : تفضّل
المراهق : كيف لا تخاف من القرائن الشيطانية ؟ وكيف التقيت بهم اول مرة ؟

فأخبرهما لؤيّ : انه شاهد قرينه اول مرة قبل سنتين , وهو من أخبره بسارق دراجته من اولاد الحارة .. لكن امه لم تصدّقه , ولم تشجعه يوماً على تنمية موهبته الفريدة ... كما انها عاتبته حين حذّرها من بعض اقاربها السيئين , بعكس المرأة العجوز
فسألته السيدة باستغراب : أتقصد ان صاحبة المنزل ليست جدتك؟!

وهنا سمعتهم العجوز , فاستعجلت بنزول القبو وهي تقول بارتباك:
- بلى !! انا ام والد لؤيّ .. وكنّتي ناديا تزوجت بآخر بعد وفاة ابني , وانا ربّيت لؤيّ منذ ان كان طفلاً .. وبما ان حفيدي عالجك من سحرك , فقد انتهى دورك .. هيا بنا الى فوق

وبعد خروج السيدة وحفيدها .. حذّرت العجوز لؤيّ من الكلام مع الزبائن بمواضيع جانبية .. وطلبت منه ان يناديها بجدته امامهم منعاً للشبهات , فأجابها لؤيّ :
- كما تشائين جدتي.. آه صحيح لم اسألك .. لما أردّت سحر امي , رغم انك لا تعرفينها جيداً ؟
- كنت أرغب بخدمة من الجن , وهم بالعادة لا ينفّذون طلباتي الا بعد إيذاء إحدهم ..وامك ضعيفة الشخصية ومن السهل سحرها
لؤيّ باهتمام : وهل الجن تنفّذ لك جميع طلباتك ؟ فأنا اتعامل فقط مع القرائن الشيطانية التي لا تفيدني الا بمعلومات عن ماضي الزبائن !

فأجابته بابتسامةٍ شريرة : انا أنوي تعليمك كل شيء عن عالم الجن حين تنتقل للمرحلة الثانية , فأنت لست مستعداً بعد لهذه التجربة .. وأؤمن انك يوماً ما ستفوقني خبرة بأسرار العالم الآخر 
لؤيّ : أتعديني بذلك يا جدتي ؟ 
فأجابته بابتسامةٍ حنونة : أعدك يا صغيريّ الغالي
***

ومرّت الأيام .. وقفت فيها النسوة طوابيراً امام بيت العجوز لاستشارة لؤيّ الذي أعجبه مديحهنّ وانصياعهنّ لأوامره , عدا عن الهدايا والحلويات التي أغرقوه بها .. 

وبعد ان استشعرت العجوز حماسته للعمل في فكّ اسحارهنّ القديمة , لم تعدّ تقيده بالفراش .. وجهزّت له الصالة لاستقبال الزبائن الذين وقفوا لساعات بانتظار دورهم ! 
***

وفي إحدى الأيام .. واثناء امتلاء الصالة بالزبائن , إقتحمت سيدة مجنونة المكان وهي تطلب من لؤيّ إيجاد ابنتها المخطوفة منذ عشرين سنة ..فحاولت العجوز تذكيرها بأنها غرقت في النهر , بعد ان وجدت الشرطة فستانها الصغير هناك .. ولم تستطع النسوة تهدأتها , وأصرّت على التحدّث مع لؤيّ اولاً .. وحين سمح لها , سألته بلهفة : 
- ابنتي لم تمت , فقد رأيتها البارحة في المنام وهي تطلب مني مساعدتها 
العجوز : مرام رجاءً .. حفيدي لؤيّ لا يعيد الأموات الى الحياة , هو فقط يفكّ الأسحار

لكن لؤيّ فاجأها قائلاً : لحظة جدتي .. إبنتها فعلاً بخير
فشهقت النسوة (المتواجدات بالصالة) بدهشة : ماذا !
لؤيّ : هي مخطوفة , وليست ميتة
المجنونة بسعادة غامرة : كنت أعرف هذا !! اين هي الآن ؟
لؤيّ : سأستدعي قرين خاطفها لأسأله عن العنوان .. انتظري قليلاً

وأغمض عيناه , وبدأ يتمّتم بكلماتٍ غير مفهومة .. بينما الجميع يراقبه بدهشة وحماس !
لؤيّ : هآقد وصل قرين خاطفها 
المجنونة بغضب : ومن هو ذلك اللعين ؟!!
لؤيّ : استاذ قريتكم القديم
الجميع بدهشة : ماذا !
المجنونة : نعم .. هو كان يعلّمها الأحرف الأبجدية , فإبنتي أصغر تلاميذه 

لؤيّ : صحيح .. وفي ذلك اليوم إنشغلتي عن احضارها من المدرسة , فاستغلّ غيابك وخطفها الى بيته.. وبعد ان وجدت الشرطة ملابسها التي رماها في النهر , أغلقت القضية بموت الصغيرة غرقاً .. وبعدها عاد الى مدينته مع ابنتك , بعد ان أخرج لها اوراقاً قانونية مزوّرة بأنها ابنته ..لأنه رجلٌ عقيم
المجنونة بقلق : وهل اعتدى على ابنتي ؟
لؤيّ : لا , هو عاملها كأبنته تماماً.. وهي ايضاً تحبه .. لذلك لا أنصحك باستعادتها , فهي متعلّقة به جداً

المجنونة بغضب : مُحال ان أتركها له !! أعطني عنوان بيته في المدينة وسأبلّغ الشرطة عنه .. وان لم يقبلوا شهادتي , سأقتحم بيته بنفسي !!
العجوز : مرام ..دعي رئيس بلدتنا يتكفّل بالأمر .. فهو أحد زبائن لؤيّ , وسيصدّق كلامه
المجنونة للعجوز : اذاً اتصلي به الآن , ودعيه يأتي الى هنا ليأخذ عنوان الأستاذ اللعين من لؤيّ .. والا سأتصرّف بنفسي !!

وبالفعل !! قام رئيس البلدة بإخبار شرطة المدينة عن الأستاذ الخاطف , الذي تبيّن لاحقاً من التحاليل إنه ليس والد الصبية التي رفضت تصديق ما حصل ! 

واثناء محاولة امها اقناعها بالعودة معها الى القرية , رمت بنفسها من شرفة الشقة العالية .. لتُجنّ امها تماماً بعد ان شاهدتها تقفز امام عينيها , وأُودعت في مستشفى المجانين .. 

وهذا ما أحزن لؤيّ الذي لام نفسه كثيراً على حلّه للغز إختفاء الطفلة .. الا ان ما حصل , جعل اهالي المخطوفين يتوافدون بكثرة الى منزل العجوز لسؤال لؤيّ عن عناوين خاطفيّ اطفالهم ! 
فأخبرهم لؤيّ ان بعضهم يعملون في الدعارة او الشحاذة في الطرقات , بينما البعض الآخر قتلوا بعد ان أُخذت منهم اعضائهم ..ودلّهم على قبورهم في اماكنٍ مهجورة ..ورغم قساوة الخبر على الأهالي الا انهم ارتاحوا بعد نقل رفات ابنائهم الى مقابر العائلة , وأقاموا العزاء لراحة أرواحهم .. 

وبذلك استطاع لؤيّ حلّ عشرات القضايا التي عجزت الشرطة عن حلّها لسنواتٍ طويلة ! 
***

وفي إحدى الليالي .. نزلت العجوز الى القبو , لتجد لؤيّ يبكي بقهر بعد ان أخبرته قرينة امه بمرضها من شدة شوقها له .. وطلب منها إعادته الى بيته في الحال .. 

فحاولت العجوز إقناعه بأن الله اعطاه هذه الموهبة لمساعدة الناس , وبأن امه ستعيده الى مدرسته المملّة , وستمنعه عن عمله الخيريّ ..ووعدّته بأنها ستعيده اليها , بعد ان يجمعا ثروة يتقاسماها بالتساوي بينهما .. حيث قالت له :  
- بذلك المال يا لؤيّ , يمكنك شراء أرضٌ زراعية لتريح امك من عناء الخياطة , الم تخبرني بأنه حلمك ؟ 
فقبل لؤيّ بعد تفكيرٍ مطوّل بالبقاء مع العجوز لحين تجميع ثروته 
*** 

وبعد قبض الشرطة على الكثير من الشبكات المختصّة بخطف الأطفال بسبب المعلومات التي أحضرها لهم رئيس البلدية (الذي أخفى عنهم موضوع لؤيّ) وصل الخبر الى إحدى رؤساء العصابة الذي تمكّن من معرفة المصدر الأساسي للمعلومات , فطلب من رجاله خطف الولد لؤيّ الذي أضرّ بأعماله .. 

وفي إحدى الليالي .. تسلّل رجالٌ ملثمين الى بيت العجوز , وخطفوا لؤيّ النائم من القبو 
***

إستيقظ لؤيّ في اليوم التالي وهو مازال يشعر بالدوار من ذلك المخدّر , ليجد نفسه في سجنٍ كبير , مُحاطاً بأطفالٍ بملابسهم البالية ورائحتهم النتنة 
فأغلق انفه باشمئزاز وسألهم : من انتم ؟!
- نحن اطفال الشوارع 
لؤيّ : يعني شحاذين ؟
فأجابه كبيرهم (10 سنوات) : كنت عائداً من المدرسة , حين قام رجلٌ ملثّم بخطفي .. ثم أجبرني الرئيس على الشحاذة .. ومعظم الأطفال هنا من المخطوفين 
لؤيّ : ولما لم تحاولوا الهرب وانتم طلقاء في الشارع ؟

الولد بحزن : حاولت مرة , دون ان اعلم انهم يراقبوننا من بعيد .. فلحقني احدهم واحضرني الى الرئيس الذي عاقبني بكسر رجلي , واصابني بالعرج الدائم كما ترى .. وبعد الذي حصل معي , لم يجرأ احد منهم على الهرب ! 
فقال ولدٌ آخر (8 سنوات) : ربما انتم مختطفون , لكني يتيم ولا مكان لي غير هنا ..
فأجابه لؤيّ : لا لست يتيماً , فقرينك أخبرني بأنهم خطفوك من مستشفى التوليد .. ووالداك مازالا يبحثان عنك حتى اليوم
الولد الكبير : ماذا يعني قرين ؟!
لؤيّ : سأخبركم لاحقاً .. عليّ الآن إيجاد خطةً مناسبة للهروب 

وهنا انفتح باب الزنزانة , ليقول الحارس للؤيّ : واخيراً استيقظت , الرئيس في انتظارك 
***

وفي مكتب رئيس العصابة أخبره بأنه لن يجبره على الشحاذة مع بقية الأطفال , بل سيدعه يُكمل عمله في فكّ الأسحار , معللاً ذلك بالقول :
- انت كالدجاجة التي تبيض ذهباً , وسأحاول الإستفادة منك بفتح كشكٍ لك لاستقبال الزبائن 
لؤيّ : وماذا لوّ سألوني عن اولادهم المختطفين عندك ؟ 
الرئيس بنبرة تهديد : تخبرهم انهم ماتوا , والا قطعت لسانك .. مفهوم !!
- حاضر سيدي
- يالك من ولدٍ مطيع .. هيا اعيدوه الى الزنزانة
***

في تلك الليلة , وبعد ان نام جميع اولاد .. جلس لؤيّ في الزاوية , وبدأ يهمس لقرينه :
- كما اخبرتك ..اريدك ان تقنع قرين الحارس بالقدوم اليّ في الحال 
فأوما قرينه برأسه إيجاباً..

وبعد قليل .. استطاع لؤيّ الإتفاق مع قرين الحارس للسيطرة على تحرّكاته 
وماهي الا لحظات , حتى قام الحارس (دون وعيّ منه) بفتح الباب  

فقام لؤيّ بإيقاظ الأطفال النائمين بالزنزانة , وأمرهم بمرافقته الى الخارج
الولد الكبير : وماذا عن اصدقائنا الذين يتسوّلون في المساء ؟
لؤيّ : معك حق ! المشكلة ان قرين رئيس العصابة شيطانٌ كبير , ولم يستطع قريني الإتفاق معه
الولد : لم افهم شيئاً !
لؤيّ : لا بأس, أسبقوني الى الخارج
الا ان الأولاد تجمّدوا في أماكنهم !

لؤيّ : لا تخافوا من الحارس , فهو ليس واعياً الآن .. هيا اخرجوا بسرعة قبل ان يأتي بقية الرجال .. لكن لا تبتعدوا كثيراً , كيّ استطيع اللحاق بكم بعد قليل 

وبعد خروجهم .. جلس لؤيّ في زاوية الزنزانة , وبدأ يتمّتم ببعض الكلمات التي جمعت له قرائن رجال العصابة .. فأخبرهم بخطته التي وافقوا عليها .. ثم اسرع للحاق برفاقه بالشارع .. وطلب منهم انتظار بقية رفاقهم الذين اتوا بعد ساعة , بعد قيام رجال العصابة (الذين طبقوا اوامر قرائنهم دون وعيّ منهم) بتجميعهم من الشارع وتسليمهم للؤيّ , ثم العودة الى وكرهم لإكمال نومهم !
الولد الكبير بدهشة : لا اصدّق انهم سلّموك جميع الأطفال ! هل سحرتهم يا لؤيّ ؟
لؤيّ : هذه قصة طويلة , هيا بنا الى الشرطة
لكن الأولاد رفضوا الذهاب الى هناك ..

لؤيّ : أعلم ان المجرمين أخافوكم من الشرطة , لكنهم الوحيدون القادرون على اعادتكم الى اهاليكم
الولد : لكننا لا نتذكّر شيئاً عنهم , فهم خطفونا ونحن صغار
لؤيّ : قرائنكم أخبروني بكل المعلومات عنكم .. ولا تسألوني عمّا أقصد , فقط الحقوا بي ..
***

في مركز الشرطة , اطلعهم لؤيّ على جميع المعلومات ..
الشرطي للؤيّ : لوّ لم تكن صغيراً مثلهم , لظننتك خاطفهم .. فكيف تعرف كل هذه المعلومات عنهم , ان كانوا انفسهم لا يتذكّرون شيئاً؟!

فاضطّر لؤيّ للكذب قائلاً : 
- سرقت ملف رئيس العصابة وقرأته بالكامل , وأملك ذاكرة حديديّة ..فرجاءً اتصل بالأرقام التي دوّنتها لك .. وانا متأكّد ان الأهالي سيتمكّنون من تميّز اولادهم , حتى من خُطف وهو رضيع .. وأنصحك بالإسراع , لأني أعتقد بأن رئيس العصابة ورجاله يبحثون عنا في كل مكان
الشرطي : ان صدق كلامك , فسيبيت المجرمون ليلتهم في السجن
***

بعد ساعة.. تجمّع الأهالي في مركز الشرطة , لينهاروا بالبكاء فور رؤيتهم لأبنائهم المختطفين منذ سنواتٍ طويلة .. لكن القليل منهم رفض استلام ابنه قبل القيام بالفحوصات اللازمة للتأكّد من النسب .. لهذا اضطّرت الشرطة لإبقاء بعض الأطفال عندها , لحين ظهور النتائج بعد ايام .. 

اما لؤيّ ..فقد عاد الى الى بيت امه التي استقبلته بالأحضان والدموع , بعد ان أخفى عنها وعن الشرطة موضوع المرأة العجوز الذي مازال ممّتناً لها لاكتشافها موهبته الفريدة
***

وبعد شهور .. عاد لؤيّ الى حياته الروتينة , والى مدرسته المملّة.. كما ظلّت تراوده احلاماً بشأن اسحار الناس التي باستطاعته فكّها , كما انه اشتاق الى كلمات المديح والهدايا التي زادت من غروره وثقته بالنفس  
***

في ظهر احد الأيام .. إتصل لؤيّ بالعجوز من هاتف الشارع , وطلب منها إعادته للعمل .. 
فصُعقت العجوز ممّا سمعته ! وطلبت منه الإنتظار قرب مدرسته  

حين وصلت اليه .. قفز الى داخل السيارة , قائلاً بحماس : 
- هيا جدتي , لنذهب ونساعد العالم !! 
العجوز بابتسامة : كنت أعرف ان حياة الشعوذة ستعجبك 
لؤيّ باستغراب : الشعوذة !
العجوز : نعم , فقد حان الوقت لأعلّمك كل شيء عن العالم الآخر .. ولن يكون صعباً عليك .. فكما استطعت فكّ الأسحار , يمكنك بسهولة ربطها 
- لكني لا اريد إيذاء .. 
العجوز مقاطعة : إسمع يا لؤيّ .. سنقوم بأعمال الشعوذة بالخفاء , وبذلك نزيد من كسبنا الماليّ .. فبالعادة الأغنياء يطلبون الأعمال السحريّة , بعكس المسحورين الفقراء

ففكّر لؤيّ قليلاً , قبل ان يقول : حسناً قبلت .. فأنا اريد شراء ارضٌ زراعية , كما اخبرتك سابقاً 
العجوز : اذاً إتفقنا ايها الشرير الصغير .. لكن ماذا عن امك ؟
لؤيّ : سأغيب عنها بضعة شهور لأعود غنياً , وأعيش معها حياةً سعيدة
العجوز : الهذا السبب , ام لأنك تكره المدرسة ؟
لؤيّ مبتسماً : الأثنين معاً

وضحكت العجوز وهي تبتعد بسيارتها عن قرية لؤيّ التي لم يعدّ اليها يوماً!

هناك 7 تعليقات:

  1. اولاً اعتذر عن تأخري بنشر قصة جديدة لظروف خارجة عن ارادتي
    ثانياً : هذه القصة استوحيتها من فيديو قديم شاهدته باليوتيوب عن طفل لا يتجاوز 7 سنوات في ريف مصر , يصطفّ الناس طوابيراً امامه ليتكلّم مع قرائنهم عن اماكن السحر , بمجرّد تحديقه في بؤبؤ اعينهم ! .. فأردّت تحويلها الى قصة .. أتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. قصة جميلة أحببتها جداً.. سلمت يداكِ أستاذة أمل.

    ردحذف
  3. رائعة كالعادة ، قصص هذه المدونة مناسبة جداً لتحويلها إلى أفلام مع زيادة أحداث وتفاصيل ..

    ردحذف
  4. مبدعة ، كلمة مبدعة فيك قليلة والله ،،، واصلي ابداعك يا ربي يحفظك .

    ردحذف
  5. كما نعرفك استاذة امل دائما مبدعة وقد اعجبتني قصتك كثيرا واتمنى لكي المزيد من التفوق والابداع

    ردحذف
  6. ابداع
    ولكن النهايه حزينه. لماذا لم يعد الى امه
    واين المزرعه التي كان سيشتريها،
    اغلب نهايات قصصك حزينه وكئيبه
    رغم ان اسلوبك مبدع في الكتابه وبسيط
    باختصار جميل جدا
    لكن ممكن تكتبي قصص سعيده ومحفزه في خاتمتها..أرى انها افضل اليس كذلك .
    وتحياتي

    ردحذف
    الردود
    1. على حسب القصة ، فالقصص التحفيزية والدرامية أنهيها عادة بنهايات سعيدة .. اما القصص المخيفة فأغلبها نهايات سيئة ، تماماً كالأفلام العالمية .. وشكراً لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...