الاثنين، 1 يوليو 2019

حرب الروبوتات

تأليف : امل شانوحة


حربٌ عالميّة بقوانينٍ جديدة !

في المستقبل القريب .. وبعد تزايد أطماع الرؤساء بثروات الدول المجاورة , إزدادت معها الحروب العشوائية التي أدّت لإنقاص أعداد الرجال بشكلٍ يُهدّد إستمراريّة البشريّة , ممّا أجبر القادة على عقد إجتماعٍ عاجلٍ سرّي لمناقشة المشكلة .. 

وبعد ساعات من الحوارات المتبادلة .. إتفقوا جميعاً بأن إلغاء الحروب بشكلٍ نهائيّ أمرٌ مُستبعد , لِذا قرّروا وضع قوانين جديدة للمعارك القادمة 

حيث اقترح أحدهم : تجنيد النساء , لإعادة توازنهنّ مع ما تبقّى من الرجال الأصحّاء !
اما الآخر فاقترح : إستخدام أيتام العالم لإنشاء جيشٍ قوي , فموتهم لن يؤثّر كثيراً على المجتمع .. 

فأُعجب رئيس دولةٍ عظمى بفكرته , وأضاف عليها : بأن يتمّ تعقيمهم منذ الصغر , وان يتعلّموا في مدارسٍ عسكرية بأنظمةٍ قاسية .. مع الغرس في أذهانهم : إنهم خُلقوا فقط للدفاع عن بلادهم .. ليغدون فرقةً عسكريّة لا أهل لهم , ولا يمكنهم تكوين عائلاتٍ مستقبلية .. وبذلك لن يشعر أحد بخسارتهم في الحروب ! 

الا ان طرفاً ثالثاً إعترض على الفكرة لأنها تحتاج الى سنواتٍ طويلة لتطبيقها , واقترح حلّاً أفضل : وهو تجميع المشردين من حول العالم وتجنيدهم مع فقراء الدول النامية لتلاعب في مصائرهم كيفما شاؤوا , فهم بالنهاية حثالة المجتمع 

وانتهى الإجتماع بالإتفاق على تقسيم تلك الجيوش فيما بينهم , بالشروط التالية :

اولاً : إختيار أرضٌ واسعة بعيدة عن العمران تفصل بين دولتين , تُقام عليها الحرب البرّية .. حيث يُمنع إستخدام الصواريخ طويلة المدى او الطائرات .. وبذلك تنحسر الخسائر بين الجيشين المتعاركين دون إيقاع ضحايا بين المدنيين , او تدمير البُنى التحتيّة والمؤسسات الحيّوية لهما ..

وثانياً : يتمّ مراقبة مجريات الحرب من خلال قمرٍ صناعيّ ينقل بثاً مباشراً للحدث على شاشات رؤساء الدول المتحاربة

وثالثاً : يحقّ للفائز بالمعركة فرض ضرائبه والعقوبات الجزائية على الدولة الخاسرة لسنةٍ كاملة , او إجبارها على رعاية شؤون دولةٍ نامية للمدّةِ ذاتها

امّا القانون الأخير : فيُمنع تكرار الحرب بين ذات الدولتين , الا بعد مرور خمس سنوات على السلام بينهما 

ثم قام رؤساء الدول المشاركة بالتوقيع على بنود الإتفاقية السرّية 

لتشتعل بينهم المعارك الودّية (كما لقّبوها) كل ثلاثة اشهر بين دولتين مجاورتين مختلفتين , دون الإكتراث بضحايا جيوشهم الذين تمّ تجنيدهم قسّراً , رغم افتقارهم للخبرة العسكريّة ..
فالأمر برمّته عبارة عن تسلية لكبار المسؤولين الذين راهنوا على الفائز وهم يحتسون الخمور أثناء مشاهدتهم للمعارك الدامية وكأنها فيلم آكشن , فموتهم برأيهم سيقلّل من اعداد البشر الذين لا لزوم لهم!
***

بعد ثلاثين سنة من إشتعال الحروب اللاّ إنسانية.. أُبيدت معظم الجيوش المُستحدثة بين قتلى ومصابين بإعاقةٍ دائمة , ليعود الوضع الى نقطة الصفر .. فمازال الرؤساء يرفضون إستخدام جنودهم المدرّبين , او خسارة الأيدي العاملة والمنتجة في بلادهم  

وبعد تفكيرٍ مطوّل .. إقترح عليهم رئيسٌ شاب (لدولةٍ صغيرة) : بأن يستبدلوا البشر بالروبوتات , خاصةً بعد تطوّر العلم في هذا المجال .. 

ورغم التكلفة الباهظة لإنشاء جيشٍ كامل من الروبوتات , الا ان رؤساء الدول العظمى وافقت على إقتراحه ! وحدّدوا موعد الحرب القادمة بعد سنة , لحين انتهاء مصانعهم من بناء أكبر عددٍ من الجيش الإلكترونيّ التي بإمكانها إطلاق شُعاع الليزر الكفيل بتدمير أجهزة روبوت العدو ! 
***

وفي اليوم المحدّد .. تابع الرئيسين من غرفتهما السرّية مجريات الحرب (الفريدة من نوعها) بين دولتيهما اللتان أنهتا برمجة أول جيشين الإلكترونيّن في العالم ..

بينما تابع بقيّة المسؤولين عبر شاشاتهم العملاقة , تحرّكات الروبوتات المتخاصمة بناءً على تعليمات قائدين عسكريّن مُحنّكين , أعطيا اوامرهما بعيداً عن ساحة التصادمات 

لتنتهي المعركة بعد ثلاث ساعات , بفوز الدولة صاحبة الخطة العسكريّة المُحكمة بينهما 
***

وماهي الا بضعة شهور ... حتى انضمّت بقية الدول الصناعية الى هاذين الفريقين , ضمن حلفين معاديين : كل فرقة تحوي مجموعة من الدول الصغيرة التي شاركت بجيشها الروبوتيّ المتواضع للفوز على المجموعة الأخرى , ضمن حربٍ عالمية بقوانين متطوّرة تناسب العصر الحديث 

واتفقوا على قيام تلك المعركة الضخمة في جزيرةٍ نائية , كيّ لا تُسبب الفوضى والخسائر بين المدنيين .. 
بحيث يحقّ للمجموعة الفائزة فرض قوانينها على الحلف الخاسر بجميع الدول المنضمّة اليه 
*** 

وفي صباح الموعد المحدّد .. نُقلت الروبوتات الى الجزيرة عن طريق السفن والطائرات , لتصطفّ هناك بانتظار بدء المعركة .. مع إختلاف ألوانها وأحجامها وجودة صنعها حسب الدولة المصنّعة : 
حيث تفوّقت الروبوتات اليايانية بالتقنية , والأمريكية بالصلابة .. بينما الصينية تفوقت بالعدد , رغم سهولة القضاء عليها لسوء التصنيع !

لكن ما لا يعلمه الجميع , ان الرئيس الشاب إتفق مع عالم كمبيوتر عبقريّ على صنع فيروسٍ يغزو ذاكرة الروبوتات أيّاً كان نوعها , ويمكن بواسطته السيطرة على جميع الجنود الإلكترونيين !

واجتمع الرؤساء في مكانين مختلفين لمتابعة أحداث الحرب التي ستقرّر مصير دولهم , والضرائب المستقبلية التي ستُفرض على الحلف الخاسر
***

بعد مرور ساعة على بدء المعركة .. توقفت جميع الروبوتات فجأة عن الحركة ! ولم يستطع التقنيون وخبراء الكمبيوتر التابعين للحلفين المعاديين من تحركيها مجدداً , رغم اوامر رؤسائهم الغاضبة

وبعد دقائق من وقف الحرب .. إندهش الجميع عند رؤية روبوتاتهم تتجه ناحية السفن المتوقفة قرب الجزيرة (التي قامت بنقلهم اليها) ..مصوّبين اسلحة الليزر في وجه ملّاحي السفن (البشريين) لإرغامهم على إعادة كل فرقة منهم الى بلادهم (التي تمّ صنعهم فيها)  

ولم يفهم الرؤساء ما حصل ! ولما جيشهم قرّر الإنسحاب فجأة من المعركة والعودة الى بلادهم .. 
بينما كان الرئيس الشاب وعالمه التقنيّ الخبير يسيطرون على الوضع تماماً 
***

فور عودة الجيوش الإلكترونية الى دولهم , إنتشرت الأخبار السيئة سريعاً بعد قيامهم بتدمير كل شيء يعترض طريقها , وقتل البشر والحيوانات وإحراق الأراضي الزراعية .. ليعمّ الدمار ارجاء العالم خلال الأسابيع المتلاحقة , مع فشل علماء الدول بالسيطرة عليها مجدداً

حتى ان بعض الروبوتات قامت بتفجير نفسها داخل المراكز الحسّاسة : كالبنك المركزي وثكنات الجيش والمقرّات السياسية وغيرها .. ولم يستطع التقنيون اصلاح العطل الذي أفسد جيوشهم الإلكترونية ! 
***

ودامت الحرب العشوائيّة لسنةٍ كاملة دون توقف , لم يستطع فيها الجنود (البشريين المدرّبين) القضاء الا على القليل من الروبوتات ذات النوعيّة الرديئة 
وبدأت الدول بالإنهيار الواحدة تلوّ الأخرى .. 
***

وفي يوم .. لاحظ رئيس دولةٍ عظمى : بأن دولة الرئيس الشاب لم يمسّها ضرّر , رغم انه كان مشتركاً معهم بالحرب ! فعلم أنه المتسبّب بهذه الفوضى بعد تلاعبه بروبوتاتهم .. فإستخدامهم بالحروب كان إقتراحه منذ البداية .. 
واتفق مع بقيّة الرؤساء للقضاء على الخائن .. 

لكن حين ارسلوا الى دولته الصغيرة أقوى جنودهم (البشريين) , تفاجأوا بروبوتاتٍ قوية الصنع تحرس قصره , والتي قامت بحرقهم جميعاً بقاذفاتٍ ناريّة !

بعدها بساعتين .. بثّ الرئيس الشاب على جميع قنوات العالم نقلاً مباشراً لخطبته التي أعلن فيها : قوانيه الجديدة , بعد إحكام سيطرته على العالم 
وقبل إنهاء كلامه , أُطلق النار على رأسه من الخلف ! ليشاهد الجميع مقتله على الهواء مباشرةً .. 

ثم اقترب القاتل المقنّع من الشاشة , وتكلّم امامهم قائلاً :
- انا هو العالم الخبير الذي برمج الفيروس الذي سيّطرت به على روبوتات العالم , وانا من يستحق ان يحكمكم جميعاً !! لذلك أنسوا كل ما قاله هذا الغبي (وأشار على الرئيس الشاب المقتول) فأنا لا أنوي البتّة إعمار الأرض من جديد , بعد ان قام جيشي بتدميره عن بكرة أبيه .. بل سأجبر الجميع على دفع الضرائب لي : من أموالٍ وطعامٍ وخدمات ..الى ان تموتوا جوعاً .. وأبقى البشريّ الوحيد الحيّ في هذه الدنيا الكئيبة

وضحك ضحكةً هستيريّة , علِمَ معها رؤساء الدول بتورّطهم مع عالمٍ مجنون لا يملك في ضميره ذرّة إنسانية !

هناك تعليقان (2):

  1. طريقة سرد رائعة💚
    و تغيير مفاجئ في أحداث القصة 😊
    دمتي رمزاً للأبداع استاذة امل❤

    ردحذف
  2. رائع ، اكتشفت هذه المدونة الرائعة بالصدفة عن طريق موقع كابوس ، فأصبحت مدمناً عليه.

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...