تأليف : امل شانوحة
كانت حياة ديانا المراهقة بائسة للغاية بعد تعرّضها لاعتداء من أستاذها في المخيّم الصيفي .. ورغم العلاج النفسي المكثّف التي خضعت له الا انها باتت تكره كل الرجال والذكور .. لهذا عندما اقتربت من سن الأربعين أرادت إنجاب طفلة عن طريق التلقيح الصناعي .. وبما ان رحمها تضرّر بسبب عنف المعتدي , فكانت امامها محاولة وحيدة لكيّ تصبح أماً ..
وكم كانت فرحتها كبيرة حين علمت بحملها , بعد ان أظهرت أشعة الرنين المغناطيسي بأنها حاملاً ببنت كما تمنّت دائماً
لكن عند الولادة صُعقت ديانا حين أخبروها بإنجابها لولد !
ورفضت ذلك بهستيريا واتهمت الطبيبة بتزويرها لنتائج الأشعة , فهي لوّ علمت منذ البداية بأنها حاملاً بولد لكانت أسقطت الجنين على الفور .. كما اتهمت الممرّضات بأن إحداهنّ قامت باستبدال ابنتها بطفل امرأةٍ أخرى !
***
وبعد شهر من رفع شكوتها للقضاء .. أثبتت تحاليل الدم بأن الطفل ابنها , كما أسقط القاضي تهمة الإهمال عن الطبيبة بعد استشارة عدّة إختصاصين أكّدوا جميعاً بأنه احياناً لا تُظهر صور الأشعة جنس الجنين بوضوح , وكان ذلك خطأً غير مقصوداً
***
بالنهاية رضخت ديانا للواقع ! وأخذت الطفل معها الى البيت وهي تمقت حتى النظر الى وجهه البريء ..
وقد فكّرت جدّياً بإيداعه إحدى دور الأيتام او عرضه للتبني , لكنها تخلّت عن الفكرة بعد أن قرّرت معاملته كفتاة .. وحين بلوغه , ستأخذه الى العيادة لإجراء عملية جراحية تحوّله فيها الى امرأةٍ جميلة (على حسب تخيّلاتها)
***
وكبر اندريه على انه اندريا .. وقد حرصت امه (المضّطربة نفسيّاً) على إبعاده عن كل افراد عائلتها بعد ان أخذته الى قريةٍ بعيدة , وهناك تعرّفوا عليها على إنها امٌ ارملة مع طفلتها , فهم لم يلاحظوا ذلك الولد الصغير المُختبئ في فستانه الزهريّ وشعره الأشقر الذي وصل الى كتفه بعد ان بلغ الخمس سنوات
***
وبعد بلوغ اندريه سنّه الثامنة , أحسّ بشيءٍ غير طبيعي في حياته ! فهو انتبه الى التشابه الذي بينه وبين الأولاد في مدرسته , فهو مثلهم يحب الكرة والجري والإشتراك في الشجارات التي تحصل عادة بين الطلاّب , ولم يكن يشعر بالرغبة في مصاحبة البنات اللآتي يشعرنهُ بالمللّ
لكن امه لم تسمح له يوماً باللعب مع الأولاد , حيث اعتادت على القول :
- لا حبيبتي اندريا .. الأولاد سيأذونك بلعبهم الخشن .. الا ترين الندبة التي في جبينك بسبب لعبك معهم المرة الماضية , والذي شوّه جمال وجهك
- انا لا تهمّني الجروح يا امي
- ستهمّك حين تتزوجين في المستقبل .. المهم الآن ..إصعدي الى غرفتك , فقد أحضرت لك دمية جديدة
فصرخ اندريه عليها غاضباً : لا اريد المزيد من الدمى والعرائس يا امي .. قلت لك الف مرة !! اريد كرة وسيارات وطائرات , فألعاب البنات سخيفةٌ جداً .. كما اريد لبس البنطال , لأن الفساتين غير مريحة بالجريّ
فأمسكته امه من ذراعيه بقوة , وهي تعاتبه :
- اندريا !! انت فتاة وعليك التصرّف كالبنات ..هل فهمتي ؟!!
فصعد الى غرفته باكياً وهو يصرخ :
- كم أكره حياتي !!
***
كانت ام اندريه حريصة ان لا يعرف يوماً بأنه ولد لهذا لم تحضر التلفاز او المجلاّت الى بيتها , كما كانت تمنع ابنها من التسكّع مع الأولاد وتسمح له فقط بإحضار صديقاته الى المنزل .. لكنها تعلم جيداً بأنه حين يصل الى سن المراهقة سيتعرّف على هويته الحقيقية , لهذا بدأت تسأل الأطبة عن عملية تحويل جسد ابنها الى فتاة , لكنهم رفضوا جميعاً إجراء العملية له قبل بلوغه .. لهذا لم يبقى امامها سوى تثبيت فكرة الأنوثة في ذهن ابنها
لهذا بعد ان بلغ 12 من عمره ..أصبحت تساعده على ازالة شعر يديه ورجليه بالشمع , وتحديد حواجبه ..كما أهدته اول علبة مكياج التي لم يحب إستخدامها يوماً ..
***
وجاء اليوم الذي كانت تخاف منه امه كثيراً حين بلغ سن 15
وتغير صوته ليصبح أقرب الى صوت زملائه الأولاد في المدرسة , كما لاحظت ابتعاده عن صحبة البنات وأصراره على لبس البناطيل ..
***
وفي يوم ..عاد غاضباً الى المنزل وبدأ بالصراخ على امه التي فهمت بأن صديقه أعاره حاسوبه المحمول الذي وجد فيه جميع الأسئلة التي كانت تحيّره لسنوات ..
حيث قال لها بعصبية : اليوم فقط عرفت بأنني ولد !! فلما كنتِ تعامليني كفتاة طوال هذه السنوات يا امي ؟! بأيّ حق تحرمينني من هويتي ؟!
امه بعد ان أخافها صراخه : اندريا ! إهدئي رجاءً , فأنا ..
مقاطعاً بغضب : اسمي من اليوم اندريه !! أفهمتي ؟ اسمي اندريه وانا شاب , ولن اسمح لك بعد اليوم ان تعامليني كفتاة .. انا ابنك وعليك تقبّل الأمر
ودخل الى غرفته بعد ان صفق الباب بقوة ..
***
في صباح اليوم التالي .. خرج اندريه من غرفته وهو مازال غاضباً من امه , وقد فاجأها بعد حلقه لشعره الأشقر الطويل لأول مرة في حياته , كما لبس ثياب صديقه الذي استعاره منه .. وقد صدمها منظره كولد كثيراً ! فحاولت ردعه عن فعل ذلك , قائلة ً:
- اندريا !! ...أقصد اندريه .. ان ذهبت هكذا الى مدرستك سيستهزأ منك الجميع , فكل اصدقائك يعرفونك لسنوات على انك بنت , أتريد حقاً وضع نفسك بهذا الموقف المحرج ؟
فصرخ عليها قائلاً : انت من وضعتني بهذا الموقف السخيف !! لكنني اليوم سأخبر الجميع بمن أكون , ولا يهمّني ما يحصل .. لأنك انتِ من..
مقاطعة : أسمع بنيّ .. ما رأيك ان نعود الى المدينة ؟ وهناك أسجّلك في ثانوية للأولاد لتبدأ من جديد بدون فضائح .. المهم ان لا تخرج اليوم من البيت بهذا الشكل ..
وظلّت تكلّمه الى ان أقنعته بالفكرة .. وأخبرته بأنها ستذهب الى مدرسته لسحب ملفه ..ومن بعدها يسافران في جنح الظلام , كيّ لا يروهما اهل القرية بعد ان عاشا فيها لعشر سنوات ..
***
وبعد اسبوع .. استفاق اندريه (في بيته الجديد بالمدينة) وهو يشعر بدوخةٍ شديدة ! فاتكأ على الجدار ليخرج من غرفته , وحينها سمع امه بالصدفة وهي تكلّم طبيباً على الهاتف وتخبره : بأنها قامت بوضع المخدّر في عصيره ! وكانت تطالب الطبيب : بأن يرسل لها سيارة اسعاف لأخذه الى عيادته السريّة ليقوم بعملية تحويله الى فتاة , وذكّرته : بأنها دفعت له الكثير من المال ليقوم بهذه العملية الغير قانونية ..
وما ان أغلقت الهاتف , حتى صرخ ابنها من اعلى السلالم بغضب:
- امي !! أتخدّرينني لكيّ تدمرين حياتي ؟!
فصعدت امه السلالم وهي تترنّح من السكر , ويبدو انها شربت كثيراً لتقوى على فعل ذلك بإبنها الوحيد ..
وكانت تقول له وهي تبكي :
- لن اسمح لك يا اندريا ان تتحوّلي الى شاب متوحش يغتصب الفتيات كما حصل معي
(وكانت أخبرته مرة بما حصل معها في الماضي وسبب كرهها للرجال)
فصرخ اندريه بغضب !! وهو يحاول الإستناد بسياج السلّم كيّ لا يقع بسبب دوخته :
- وما دخلي انا بما فعله استاذك بكِ ؟!! لما تعاقبني بدلاً منه ؟! فأنا لا اريد ان اكون بنتاً !! انا ولد يا امي ..ولد !!
ومن غير وعيٍ منه , دفعها بقوة لتسقط من أعلى الدرج على رأسها ! قبل ان يُغمى عليه هو ايضاً بسبب المخدّر ..
***
وحين استفاق اندريه وجد نفسه بالمستشفى ! فارتعب كثيراً أن يكون ذلك الطبيب أجرى له عملية التحويل ..
لكنه انصدم حين عرف بأن الطبيب ذاته هو من نقله مع امه الى المستشفى الحكومي بعد وصوله الى البيت ورؤيته للأم (من خلال النافذة) غارقة بدمائها اسفل الدرج ! لهذا كسر الباب لينقذهما , لكنها فارقت الحياة في الطريق ..
وأظهر التشريح : ان سبب الوفاة هو سقوطها من اعلى الدرج بسبب نسبة السكر العالية في دمها ..
وبذلك برّأت الشرطة الولد الذي كتم سرّ قتله لأمه لبقية حياته
***
ولاحقاً أُرسل اندرية الى الثانوية العسكرية بناءً على رغبته , وهناك أحسّ بذكوريته لأول مرة في حياته , حيث كان سعيداً بالمعاملة القاسية التي يعامل فيها الضباط التلاميذ الذي اندمج معهم سريعاً , بعكس سنوات طفولته التعيسة التي عاشها كفتاة
***
وسريعاً تقلّد اندريه أعلى الرُتب العسكرية بسبب جلافته وصلابته المبالغ فيها , حيث عُرف بين اصدقائه بسرعة غضبه وقساوته , وهم لا يدرون كم عانى بحياته ليصل الى هذه المرحلة من الرجولة
***
ولاحقاً تزوج وانجب ولداً كان قاسياً بتعامله معه , كما كان قليل الحنان مع زوجته التي صبرت كثيراً على جلافة طباعه ..
لكن المرة الوحيدة التي وقفت في وجهه : كان حينما اراد إجبار ابنه الصغير في عيد ميلاده الخامس على شراء سيارةٍ حربية كلعبة له , لكن الصغير أصرّ على شراء دمية (سنوّ وايت) بعد مشاهدته لفلمها ..فغضب الأب كثيراً ورفض شرائها له , ليُعيده الى البيت باكياً
زوجته مُعاتبة : هو طفلٌ صغير واراد تلك الدمية , فلما لم تشتريها له ؟!
اندريه بعصبية : لن اسمح لأبني ان يصبح شاذاً !! هو ولد وعليه شراء العاب الأولاد ..
- انت تبالغ كثيراً بردّة فعلك , هو طفل يا رجل !
- عليه ان يتعوّد منذ صغره على أنه صبي .. وان رأيتكِ يوماً تفسدينه بدلالك , فأحلف بأنني سأسجّله في المدارس العسكرية
***
وهذا ما حصل بالفعل , حيث درس ابنه في المدارس العسكرية من المرحلة الإبتدائية حتى تخرّجه كضابط بحرية ..
ومن ثم تزوج ابنه لينجب طفلة استطاعت ببراءتها أخذ عقل جدها الذي ما ان حملها لأول مرة حتى حوّلته من انسانٍ صارم الى كائنٍ لطيف ! حيث قال اندريه العجوز في نفسه :
((لا غرابة يا امي انكِ كنتِ تردين فتاة , فهنّ بالفعل كائناتٌ لطيفة !))
***
وبعد سبع سنين , ولأول مرة في حياته ..وافق اندريه على أخذ عائلته الى بيت امه القديم الذي ظلّ مُغلقاً منذ يوم وفاتها هناك , لكنهم لا يعلمون كيف ماتت بالضبط
***
وما ان دخل بيته حتى شعر بضيق نفس , خاصة بعد إقترابه من الدرج الذي ماتت عليه امه ..
وأسرع ناحية العلّية , ليُخرج منها صناديقاً فيها العابه القديمة (حين كان بنتاً) لكنه أخبر ابنه وكنّته وزوجته وحفيدته : بأنها ألعاب كانت إشترتها امه حينما كانت حاملاً بإخته التي توفيت في سنتها الأولى .. وقد إختلق هذه القصة كيّ لا يعيّروه بماضيه الذي لم يكن له ذنباً فيه
***
واسترقت زوجة اندريه وابنها وكنّتها النظر من خلال شقّ الباب على الجدّ الذي كان يلاعب حفيدته بألعابه القديمة , وهو يخبرها بأسماء كل لعبة
- هذه اسمها انجلينا ..وهذه الدمية اسمها اليزابيث
فقالت الجدة (زوجة اندريه) من خلف باب باستغراب : لا أصدّق ان ابوك حنوناً هكذا !
ابنها بدهشة : وانا ايضاً مصدوم يا امي , وكأنه تحوّل الى شخصٍ آخر !
زوجة الولد : يبدو ان ابنتي أثّرت عليه كثيراً
لكنهم فجأة ! شاهدوه وهو يصرخ على حفيدته (ذات 7 سنوات) لأول مرة:
- لما كسرتي لعبتي ؟!! كان عليكِ الإنتباه أكثر
وتفاجؤا جميعاً من كلامه !
وحين رأى علامات الإستفهام على وجوههم ! حاول تدارك الموقف , قائلاً لحفيدته :
- آسف حبيبتي , لم أقصد إخافتك .. لكن هذه اللعبة كانت غالية على امي , لأنها اللعبة المفضلة لأختي المرحومة , لهذا انتبهي حين تلعبين بها .. إتفقنا جدي
***
في المساء .. عادوا جميعاً الى فيلا الجدّ بعد رفضه المبيت في بيت امه القديم ..
وقبل ان يذهب للنوم , سمع صوت ضحكاتٍ قادمة من غرفة حفيدته .. فرآهم من شقّ الباب وهم يشاهدون البوم صوره القديمة التي وجدته الصغيرة بالصدفة في غرفة جدها بمنزل امه ..
الحفيدة : انظروا الى جدي وهو يلبس الفستان الزهريّ !
الكنّة : كان عمي جميلاً .. لكن لما تصرّ امه في كل الصور على إلباسه كالفتيات ؟!
ابنه وهو يسأل امه : الم يخبرك بذلك امي ؟
الجدة (زوجة اندريه) : لا , حتى انا متفاجئة من الموضوع !
ابنه : ربما لا تكون كل الصور له
امه : بلى هذا هو .. الا ترى الندبة التي في جبين هذه الفتاة , هي نفسها جرح والدك !
الحفيدة ساخرة : يبدو جدي أجمل بالفستان
فضحكوا جميعاً ..
وهنا انتبهت الحفيدة على جدها الواقف خلف الباب : آه ! جدي
فشعر الجميع بالخوف لمعرفتهم بنوبات غضبه المفاجئة , لكنه هذه مرة لم ينطق بكلمة ! بل اكتفى بالضغط بقوّة على شفّته السفلية محاولاً كتم قهره وغيظه ودموعه , فشعر الجميع بالخجل لما قالوه عنه .. لكنه تركهم ودخل الى مكتبه التي ظلّ فيها طوال الليل
***
وفي صباح .. دخلت زوجته وابنه الى المكتب ليعتذرا منه , لكنهما لم يجدانه هناك .. بل وجدا عدّة اوراق على مكتبه مكتوباً عليها ملخّص حياته والتي اعترف فيها بقتله لأمه !
وبنهاية قصّته , كتب التالي :
((من أكون ؟! فأنا لست بأمراة ولست بشاذاً , لكني ايضاً لست برجل ! وربما أجرمتُ بقتلي لأمي عن طريق الخطأ , لكنها قتلتني آلاف المرات حين حطّمت كياني من الداخل , فبتُّ إنساناً بلا هويّة !.. كم أكرهها وأكره حياتي , وأشعر بأنه لم يعدّ بإمكاني تحمّل المزيد)
وفجأة ! سمعا صرخة الحفيدة من حديقة الفيلا .. فركض الجميع الى هناك ليتفاجؤا بالجد مشنوقاً بجذع شجرة !
فهل كان يستحق ان يعيش هذه الحياةِ المأساوية ؟!
لا أعرف من أكون !
كانت حياة ديانا المراهقة بائسة للغاية بعد تعرّضها لاعتداء من أستاذها في المخيّم الصيفي .. ورغم العلاج النفسي المكثّف التي خضعت له الا انها باتت تكره كل الرجال والذكور .. لهذا عندما اقتربت من سن الأربعين أرادت إنجاب طفلة عن طريق التلقيح الصناعي .. وبما ان رحمها تضرّر بسبب عنف المعتدي , فكانت امامها محاولة وحيدة لكيّ تصبح أماً ..
وكم كانت فرحتها كبيرة حين علمت بحملها , بعد ان أظهرت أشعة الرنين المغناطيسي بأنها حاملاً ببنت كما تمنّت دائماً
لكن عند الولادة صُعقت ديانا حين أخبروها بإنجابها لولد !
ورفضت ذلك بهستيريا واتهمت الطبيبة بتزويرها لنتائج الأشعة , فهي لوّ علمت منذ البداية بأنها حاملاً بولد لكانت أسقطت الجنين على الفور .. كما اتهمت الممرّضات بأن إحداهنّ قامت باستبدال ابنتها بطفل امرأةٍ أخرى !
***
وبعد شهر من رفع شكوتها للقضاء .. أثبتت تحاليل الدم بأن الطفل ابنها , كما أسقط القاضي تهمة الإهمال عن الطبيبة بعد استشارة عدّة إختصاصين أكّدوا جميعاً بأنه احياناً لا تُظهر صور الأشعة جنس الجنين بوضوح , وكان ذلك خطأً غير مقصوداً
***
بالنهاية رضخت ديانا للواقع ! وأخذت الطفل معها الى البيت وهي تمقت حتى النظر الى وجهه البريء ..
وقد فكّرت جدّياً بإيداعه إحدى دور الأيتام او عرضه للتبني , لكنها تخلّت عن الفكرة بعد أن قرّرت معاملته كفتاة .. وحين بلوغه , ستأخذه الى العيادة لإجراء عملية جراحية تحوّله فيها الى امرأةٍ جميلة (على حسب تخيّلاتها)
***
وكبر اندريه على انه اندريا .. وقد حرصت امه (المضّطربة نفسيّاً) على إبعاده عن كل افراد عائلتها بعد ان أخذته الى قريةٍ بعيدة , وهناك تعرّفوا عليها على إنها امٌ ارملة مع طفلتها , فهم لم يلاحظوا ذلك الولد الصغير المُختبئ في فستانه الزهريّ وشعره الأشقر الذي وصل الى كتفه بعد ان بلغ الخمس سنوات
***
وبعد بلوغ اندريه سنّه الثامنة , أحسّ بشيءٍ غير طبيعي في حياته ! فهو انتبه الى التشابه الذي بينه وبين الأولاد في مدرسته , فهو مثلهم يحب الكرة والجري والإشتراك في الشجارات التي تحصل عادة بين الطلاّب , ولم يكن يشعر بالرغبة في مصاحبة البنات اللآتي يشعرنهُ بالمللّ
لكن امه لم تسمح له يوماً باللعب مع الأولاد , حيث اعتادت على القول :
- لا حبيبتي اندريا .. الأولاد سيأذونك بلعبهم الخشن .. الا ترين الندبة التي في جبينك بسبب لعبك معهم المرة الماضية , والذي شوّه جمال وجهك
- انا لا تهمّني الجروح يا امي
- ستهمّك حين تتزوجين في المستقبل .. المهم الآن ..إصعدي الى غرفتك , فقد أحضرت لك دمية جديدة
فصرخ اندريه عليها غاضباً : لا اريد المزيد من الدمى والعرائس يا امي .. قلت لك الف مرة !! اريد كرة وسيارات وطائرات , فألعاب البنات سخيفةٌ جداً .. كما اريد لبس البنطال , لأن الفساتين غير مريحة بالجريّ
فأمسكته امه من ذراعيه بقوة , وهي تعاتبه :
- اندريا !! انت فتاة وعليك التصرّف كالبنات ..هل فهمتي ؟!!
فصعد الى غرفته باكياً وهو يصرخ :
- كم أكره حياتي !!
***
كانت ام اندريه حريصة ان لا يعرف يوماً بأنه ولد لهذا لم تحضر التلفاز او المجلاّت الى بيتها , كما كانت تمنع ابنها من التسكّع مع الأولاد وتسمح له فقط بإحضار صديقاته الى المنزل .. لكنها تعلم جيداً بأنه حين يصل الى سن المراهقة سيتعرّف على هويته الحقيقية , لهذا بدأت تسأل الأطبة عن عملية تحويل جسد ابنها الى فتاة , لكنهم رفضوا جميعاً إجراء العملية له قبل بلوغه .. لهذا لم يبقى امامها سوى تثبيت فكرة الأنوثة في ذهن ابنها
لهذا بعد ان بلغ 12 من عمره ..أصبحت تساعده على ازالة شعر يديه ورجليه بالشمع , وتحديد حواجبه ..كما أهدته اول علبة مكياج التي لم يحب إستخدامها يوماً ..
***
وجاء اليوم الذي كانت تخاف منه امه كثيراً حين بلغ سن 15
وتغير صوته ليصبح أقرب الى صوت زملائه الأولاد في المدرسة , كما لاحظت ابتعاده عن صحبة البنات وأصراره على لبس البناطيل ..
***
وفي يوم ..عاد غاضباً الى المنزل وبدأ بالصراخ على امه التي فهمت بأن صديقه أعاره حاسوبه المحمول الذي وجد فيه جميع الأسئلة التي كانت تحيّره لسنوات ..
حيث قال لها بعصبية : اليوم فقط عرفت بأنني ولد !! فلما كنتِ تعامليني كفتاة طوال هذه السنوات يا امي ؟! بأيّ حق تحرمينني من هويتي ؟!
امه بعد ان أخافها صراخه : اندريا ! إهدئي رجاءً , فأنا ..
مقاطعاً بغضب : اسمي من اليوم اندريه !! أفهمتي ؟ اسمي اندريه وانا شاب , ولن اسمح لك بعد اليوم ان تعامليني كفتاة .. انا ابنك وعليك تقبّل الأمر
ودخل الى غرفته بعد ان صفق الباب بقوة ..
***
في صباح اليوم التالي .. خرج اندريه من غرفته وهو مازال غاضباً من امه , وقد فاجأها بعد حلقه لشعره الأشقر الطويل لأول مرة في حياته , كما لبس ثياب صديقه الذي استعاره منه .. وقد صدمها منظره كولد كثيراً ! فحاولت ردعه عن فعل ذلك , قائلة ً:
- اندريا !! ...أقصد اندريه .. ان ذهبت هكذا الى مدرستك سيستهزأ منك الجميع , فكل اصدقائك يعرفونك لسنوات على انك بنت , أتريد حقاً وضع نفسك بهذا الموقف المحرج ؟
فصرخ عليها قائلاً : انت من وضعتني بهذا الموقف السخيف !! لكنني اليوم سأخبر الجميع بمن أكون , ولا يهمّني ما يحصل .. لأنك انتِ من..
مقاطعة : أسمع بنيّ .. ما رأيك ان نعود الى المدينة ؟ وهناك أسجّلك في ثانوية للأولاد لتبدأ من جديد بدون فضائح .. المهم ان لا تخرج اليوم من البيت بهذا الشكل ..
وظلّت تكلّمه الى ان أقنعته بالفكرة .. وأخبرته بأنها ستذهب الى مدرسته لسحب ملفه ..ومن بعدها يسافران في جنح الظلام , كيّ لا يروهما اهل القرية بعد ان عاشا فيها لعشر سنوات ..
***
وبعد اسبوع .. استفاق اندريه (في بيته الجديد بالمدينة) وهو يشعر بدوخةٍ شديدة ! فاتكأ على الجدار ليخرج من غرفته , وحينها سمع امه بالصدفة وهي تكلّم طبيباً على الهاتف وتخبره : بأنها قامت بوضع المخدّر في عصيره ! وكانت تطالب الطبيب : بأن يرسل لها سيارة اسعاف لأخذه الى عيادته السريّة ليقوم بعملية تحويله الى فتاة , وذكّرته : بأنها دفعت له الكثير من المال ليقوم بهذه العملية الغير قانونية ..
وما ان أغلقت الهاتف , حتى صرخ ابنها من اعلى السلالم بغضب:
- امي !! أتخدّرينني لكيّ تدمرين حياتي ؟!
فصعدت امه السلالم وهي تترنّح من السكر , ويبدو انها شربت كثيراً لتقوى على فعل ذلك بإبنها الوحيد ..
وكانت تقول له وهي تبكي :
- لن اسمح لك يا اندريا ان تتحوّلي الى شاب متوحش يغتصب الفتيات كما حصل معي
(وكانت أخبرته مرة بما حصل معها في الماضي وسبب كرهها للرجال)
فصرخ اندريه بغضب !! وهو يحاول الإستناد بسياج السلّم كيّ لا يقع بسبب دوخته :
- وما دخلي انا بما فعله استاذك بكِ ؟!! لما تعاقبني بدلاً منه ؟! فأنا لا اريد ان اكون بنتاً !! انا ولد يا امي ..ولد !!
ومن غير وعيٍ منه , دفعها بقوة لتسقط من أعلى الدرج على رأسها ! قبل ان يُغمى عليه هو ايضاً بسبب المخدّر ..
***
وحين استفاق اندريه وجد نفسه بالمستشفى ! فارتعب كثيراً أن يكون ذلك الطبيب أجرى له عملية التحويل ..
لكنه انصدم حين عرف بأن الطبيب ذاته هو من نقله مع امه الى المستشفى الحكومي بعد وصوله الى البيت ورؤيته للأم (من خلال النافذة) غارقة بدمائها اسفل الدرج ! لهذا كسر الباب لينقذهما , لكنها فارقت الحياة في الطريق ..
وأظهر التشريح : ان سبب الوفاة هو سقوطها من اعلى الدرج بسبب نسبة السكر العالية في دمها ..
وبذلك برّأت الشرطة الولد الذي كتم سرّ قتله لأمه لبقية حياته
***
ولاحقاً أُرسل اندرية الى الثانوية العسكرية بناءً على رغبته , وهناك أحسّ بذكوريته لأول مرة في حياته , حيث كان سعيداً بالمعاملة القاسية التي يعامل فيها الضباط التلاميذ الذي اندمج معهم سريعاً , بعكس سنوات طفولته التعيسة التي عاشها كفتاة
***
وسريعاً تقلّد اندريه أعلى الرُتب العسكرية بسبب جلافته وصلابته المبالغ فيها , حيث عُرف بين اصدقائه بسرعة غضبه وقساوته , وهم لا يدرون كم عانى بحياته ليصل الى هذه المرحلة من الرجولة
***
ولاحقاً تزوج وانجب ولداً كان قاسياً بتعامله معه , كما كان قليل الحنان مع زوجته التي صبرت كثيراً على جلافة طباعه ..
لكن المرة الوحيدة التي وقفت في وجهه : كان حينما اراد إجبار ابنه الصغير في عيد ميلاده الخامس على شراء سيارةٍ حربية كلعبة له , لكن الصغير أصرّ على شراء دمية (سنوّ وايت) بعد مشاهدته لفلمها ..فغضب الأب كثيراً ورفض شرائها له , ليُعيده الى البيت باكياً
زوجته مُعاتبة : هو طفلٌ صغير واراد تلك الدمية , فلما لم تشتريها له ؟!
اندريه بعصبية : لن اسمح لأبني ان يصبح شاذاً !! هو ولد وعليه شراء العاب الأولاد ..
- انت تبالغ كثيراً بردّة فعلك , هو طفل يا رجل !
- عليه ان يتعوّد منذ صغره على أنه صبي .. وان رأيتكِ يوماً تفسدينه بدلالك , فأحلف بأنني سأسجّله في المدارس العسكرية
***
وهذا ما حصل بالفعل , حيث درس ابنه في المدارس العسكرية من المرحلة الإبتدائية حتى تخرّجه كضابط بحرية ..
ومن ثم تزوج ابنه لينجب طفلة استطاعت ببراءتها أخذ عقل جدها الذي ما ان حملها لأول مرة حتى حوّلته من انسانٍ صارم الى كائنٍ لطيف ! حيث قال اندريه العجوز في نفسه :
((لا غرابة يا امي انكِ كنتِ تردين فتاة , فهنّ بالفعل كائناتٌ لطيفة !))
***
وبعد سبع سنين , ولأول مرة في حياته ..وافق اندريه على أخذ عائلته الى بيت امه القديم الذي ظلّ مُغلقاً منذ يوم وفاتها هناك , لكنهم لا يعلمون كيف ماتت بالضبط
***
وما ان دخل بيته حتى شعر بضيق نفس , خاصة بعد إقترابه من الدرج الذي ماتت عليه امه ..
وأسرع ناحية العلّية , ليُخرج منها صناديقاً فيها العابه القديمة (حين كان بنتاً) لكنه أخبر ابنه وكنّته وزوجته وحفيدته : بأنها ألعاب كانت إشترتها امه حينما كانت حاملاً بإخته التي توفيت في سنتها الأولى .. وقد إختلق هذه القصة كيّ لا يعيّروه بماضيه الذي لم يكن له ذنباً فيه
***
واسترقت زوجة اندريه وابنها وكنّتها النظر من خلال شقّ الباب على الجدّ الذي كان يلاعب حفيدته بألعابه القديمة , وهو يخبرها بأسماء كل لعبة
- هذه اسمها انجلينا ..وهذه الدمية اسمها اليزابيث
فقالت الجدة (زوجة اندريه) من خلف باب باستغراب : لا أصدّق ان ابوك حنوناً هكذا !
ابنها بدهشة : وانا ايضاً مصدوم يا امي , وكأنه تحوّل الى شخصٍ آخر !
زوجة الولد : يبدو ان ابنتي أثّرت عليه كثيراً
لكنهم فجأة ! شاهدوه وهو يصرخ على حفيدته (ذات 7 سنوات) لأول مرة:
- لما كسرتي لعبتي ؟!! كان عليكِ الإنتباه أكثر
وتفاجؤا جميعاً من كلامه !
وحين رأى علامات الإستفهام على وجوههم ! حاول تدارك الموقف , قائلاً لحفيدته :
- آسف حبيبتي , لم أقصد إخافتك .. لكن هذه اللعبة كانت غالية على امي , لأنها اللعبة المفضلة لأختي المرحومة , لهذا انتبهي حين تلعبين بها .. إتفقنا جدي
***
في المساء .. عادوا جميعاً الى فيلا الجدّ بعد رفضه المبيت في بيت امه القديم ..
وقبل ان يذهب للنوم , سمع صوت ضحكاتٍ قادمة من غرفة حفيدته .. فرآهم من شقّ الباب وهم يشاهدون البوم صوره القديمة التي وجدته الصغيرة بالصدفة في غرفة جدها بمنزل امه ..
الحفيدة : انظروا الى جدي وهو يلبس الفستان الزهريّ !
الكنّة : كان عمي جميلاً .. لكن لما تصرّ امه في كل الصور على إلباسه كالفتيات ؟!
ابنه وهو يسأل امه : الم يخبرك بذلك امي ؟
الجدة (زوجة اندريه) : لا , حتى انا متفاجئة من الموضوع !
ابنه : ربما لا تكون كل الصور له
امه : بلى هذا هو .. الا ترى الندبة التي في جبين هذه الفتاة , هي نفسها جرح والدك !
الحفيدة ساخرة : يبدو جدي أجمل بالفستان
فضحكوا جميعاً ..
وهنا انتبهت الحفيدة على جدها الواقف خلف الباب : آه ! جدي
فشعر الجميع بالخوف لمعرفتهم بنوبات غضبه المفاجئة , لكنه هذه مرة لم ينطق بكلمة ! بل اكتفى بالضغط بقوّة على شفّته السفلية محاولاً كتم قهره وغيظه ودموعه , فشعر الجميع بالخجل لما قالوه عنه .. لكنه تركهم ودخل الى مكتبه التي ظلّ فيها طوال الليل
***
وفي صباح .. دخلت زوجته وابنه الى المكتب ليعتذرا منه , لكنهما لم يجدانه هناك .. بل وجدا عدّة اوراق على مكتبه مكتوباً عليها ملخّص حياته والتي اعترف فيها بقتله لأمه !
وبنهاية قصّته , كتب التالي :
((من أكون ؟! فأنا لست بأمراة ولست بشاذاً , لكني ايضاً لست برجل ! وربما أجرمتُ بقتلي لأمي عن طريق الخطأ , لكنها قتلتني آلاف المرات حين حطّمت كياني من الداخل , فبتُّ إنساناً بلا هويّة !.. كم أكرهها وأكره حياتي , وأشعر بأنه لم يعدّ بإمكاني تحمّل المزيد)
وفجأة ! سمعا صرخة الحفيدة من حديقة الفيلا .. فركض الجميع الى هناك ليتفاجؤا بالجد مشنوقاً بجذع شجرة !
فهل كان يستحق ان يعيش هذه الحياةِ المأساوية ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق