تاليف : امل شانوحة
- سيُنفّذ حكم الإعدام عليك بعد ثلاثة شهور , فهل لديك أمنية نحقّقها لك ؟
قالها الحارس للسجين اليائس بلباسه البرتقالي المُخصصّ للمحكوم عليهم بالإعدام ..
السجين : اريد اوراقاً وقلم .. فأنا أهوى الكتابة
الشرطية بدهشة : وهل انت كاتب ؟!
السجين : ربما لوّ لم أهمل موهبتي طوال سنوات بسبب وظيفتي الروتينية لأصبحت اليوم كاتباً مشهوراً .. لكنه لم يشجّعني أحد على ذلك , لا أهلي ولا زوجتي الأنانية التي كانت ترغب فقط براتبي الشهريّ !
الحارس : اذاً سنحضر لك ما تريد
السجين : وهل ستنشرون قصصي بعد إنتهائي منها ؟
الشرطية : سأقرأها اولاً , وان كانت جيدة ..أعدك بأن أرسلها لدار النشر على نفقة الدولة .. لكن ماهي نوعيّة قصصك يا جاك ؟
السجين جاك : قصصّ رومنسية
الحارس العجوز ساخراً : ورومنسي ايضاً ايها القاتل ؟!
الشرطية مُعاتبة الحارس : دعه في همّه يا رجل .. ولنتركه يُفكّر بقصته الأولى
ثم تركاه ليكتب , بعد ان أحضرا له طلبه ..
***
أمسك السجين بالقلم وصار يفكّر بجميع افكار القصص التي خطرت على باله في العشرين سنة الماضية .. فهو الآن في الأربعينات من عمره , وكان اكتشف موهبته الكتابية اثناء دراسته الجامعية .. لكن موت والده المفاجىء جعله يتخلّى عن فكرة الكتابة لإيجاد وظيفية يصرف بها على والدته المريضة والذي تزوج بعد وفاتها , لكن يبدو ان زواجه لن يدوم أكثر من عشر سنوات , لأن زوجته بعد صدور حكم الإعدام عليه قبل ايام (ايّ بعد مرور سنة على سجنه لقتله عشيقته) طالبت المحكمة اليوم بضرورة طلاقها منه , وتسجيل طفلهما بإسم عائلةٍ مُغايرة كيّ لا يلحقه عار والده !
لكن ما كان يشغل باله الآن هو موضوع قصّته الأولى ..
فحدّث نفسه قائلاً :
((ماذا عسايّ ان أكتب ؟! هل اكتب روايةً رومنسية طويلة ؟.. لا ..ان فعلت , فربما تنتهي الشهور الثلاثة قبل ان أنهيها .. وحتى لوّ أنهيتها , فربما لن تلقى إعجاب القرّاء ..وانا عندي الكثير من الأفكار , لكن المشكلة انني لا املك الوقت الكافي لكتابتها جميعاً .. لهذا عليّ إختيار أفضل أفكاري , لأكتبها بأفضل طريقةٍ مُمكنة))
وبعد تفكيرٍ مطوّل , قال في نفسه :
((حسناً .. سأكتب اذاً قصصاً رومنسية قصيرة .. بحيث إنهي قصة كل ثلاثة ايام او خمسة على أبعد تقدير ..وبذلك تصبح عندي مجموعة كاملة بإسمي .. (ثم تنهّد بحزن) .. يبدو يا جاك انك ستنشهر أخيراً , لكن بعد موتك .. يالا هذا الحظّ السيء !))
***
وما ان بدأ جاك بكتابة اول سطرين من قصته الأولى في سجنه الإنفرادي , حتى توالت عليه الأفكار .. بحيث لم يتوقف عن الكتابة الا بعد ساعتين ليُنهي مسودّة القصة التي مازالت تحتاج الى مراجعة أكثر من مرة , قبل ان يُسلّمها للشرطية التي ربما تنشرها له لاحقاً في حال أعجبتها , لذلك كان عليه التدقيق بكل ما يكتبه قبل تسليمها القصصّ
***
وبالفعل !! أنهى القصة تلوّ الأخرى .. بحيث كتب خلال الشهر الأول سبعة قصص في غاية الروعة , ممّا جعل الشرطية تتأثّر بكل واحدة منها لدرجة انها تكلّمت مع رئيسها في السجن عن هذا الكاتب , قائلةً له :
- كما قلت لك سيدي .. هو حتماً بريء , فمن المستحيل ان تخرج كل هذه المشاعر الصادقة واللطيفة من شخصٍ قاتل !
مديرها : هو كاتب , يعني هوايته تأليف القصص .. والقتلة عادة مبدعون في خيالاتهم
الشرطية : هذا صحيح , لكن خيالاتهم المرعبة وليست الورديّة كهذا السجين !
فقال زميلها الشرطي ساخراً : ربما يكون نادماً على قتل عشيقته , لهذا يذكرها في قصصه
الشرطية مُستفسرة : لكني إطّلعت البارحة على ملفّه من الأرشيف .. وقرأت انه إعترف بالمحكمة : بأنه قتلها خوفاً من ان ينكشف أمرهما لجاره , بما انها زوجته
مديرها : وهذا يؤكّد ان كلاهما قذران , ويقيما علاقة خارج زواجهما
الشرطية ديانا : لكن في شهادة الزوج المخدوع (الجار) لم يتهم زوجته بالخيانة , بل قال انها تحبه كثيراً .. وقد أخبرته ذلك اليوم بأنها ذاهبة لبيت جارهم لمساعدته في القيام بحفلةٍ مُفاجئة لزوجته بمناسبة حملها الأول
المدير : انت تتعبين نفسك عزيزتي .. فمحاميه حاول لسنةٍ كاملة إنقاذه من حبل المشنقة , لكن الغبي إعترف في كل جلسة محاكمة بأنه مذنب .. فإن كان هو اعترف بنفسه بأنه قتلها , فلما تفتحين الملفّات القديمة من جديد ؟
زميلها الشرطي : يمكنكِ يا ديانا مساعدته في أمرٍ واحد , بأن تنفّذي وعدك له وتنشرين قصصه قبل إنتهاء الشهرين .. لكن براءته فهذا شيءٌ مُحال , خاصة بعد ان حدّد القاضي يوم إعدامه
فأومأت الشرطية برأسها موافقة , وهي تشعر بالعجز لعدم قدرتها على إنقاذ حياةِ كاتبٍ مبدعٍ كجاك !
***
في اليوم التالي .. دخلت الى سجنه , مبديةً إعجابها بكتاباته .. فقال جاك لها بسعادة :
- وقريباً سأرسل لك قصة جديدة , ستعجبك حتماً ..فأنا أقوم الآن بمراجعتها للمرّة الأخيرة
فشعرت بالحزن عليه , لأن حماسه على الكتابة أنساه حكم الإعدام الذي كان موعده يقترب كل يوم ..
الشرطية بنبرةٍ حزينة : جاك .. لما اخترت القصصّ الرومنسية ؟
فتنهّد السجين بحسرة وهو يتذكّر الماضي :
- لطالما كنت شاباً خجولاً في جميع مراحل دراستي , ولم استطع يوماً التعبير عن مشاعري لأيّة فتاة .. لهذا كنت اكتب ما اشعر به في دفترٍ صغير .. وفي يوم أعجبتني فتاة في الجامعة ..كانت تدرس في قسم التجارة مثلي ..كان وجهها الملائكيّ أشبه ب ..
الشرطية مُقاطعة : أتقصد زوجتك الحالية ؟
السجين بقرف : لا , العياذ بالله !
- لم افهم !
السجين : سأخبرك القصة منذ البداية .. كان اسمها إيميلي .. فتاةٌ قادمة من الريف , حصلت على منحةٍ دراسية بسبب تفوّقها على الجميع في قريتها .. يعني كائنٌ بسيط مثلي .. ومع هذا لم إستطع مكالمتها , رغم انني كنت أراها دائماً لوحدها في ساحة الجامعة .. واكتفيت بمراقبتها من بعيد , وكتابة القصصّ الرومنسية التي تجمعنا معاً في خيالاتي !
- ثم ماذا حصل ؟
- أحد الطلاّب الحمقى لاحظ اسمها في دفتري حينما جلس بجانبي , وانتظرني الى ان دخلت دورة المياه وسرقه من حقيبتي , ثم أخبر الجميع عن حبّي لها ..ممّا أربكني وضايقها ايضاً ..لكن بعد ان هدأت عاصفة السخريات من التلاميذ .. فاجأتني ذات يوم حين كنت اجلس لوحدي في حديقة الجامعة بأن احضرت لي سندويشاً , ثم جلست تأكل طعامها بجانبي .. فأكلنا دون ان نتحدّث بكلمة .. وبعد ان انتهينا , وقفت قائلةً دون ان تنظر اليّ : أعجبتني قصتك , لكن لا ادري ان كنت أستحق كل هذا المديح
الشرطية باهتمام : وبماذا أجبتها ؟
السجين بابتسامة : الى اليوم لا ادري كيف أتتني الجرأة وقلت لها : بل تستحقين كل كلام الغزل في الدنيا
الشرطية بحماس : يا سلام !! هذا جميل ..ثم ماذا حصل ؟
جاك : أصبحنا اصدقاء .. ندرس سويّاً ونأكل معاً ونتحدّث في كافة الأمور ..وكلما توطّدت علاقتنا , وجدنا اشياءً كثيرة مشتركة بيننا..الى ان تخرّجنا وبدأنا بالبحث عن العمل سويّاً في الشركات التجارية الكبرى ..لكن..(وسكت !)
الشرطية بحماس : لكن ماذا ؟ إكمل !!
السجين بحزن : في يوم ظهور نتائج المتقدّمين على الوظيفة الإدارية , نجحنا كلانا في الحصول على عملٍ هناك , وكنت ..
الشرطية مُقاطعة : أتقصد نفس الشركة التي كنت تعمل بها قبل دخولك السجن ؟
- نعم
- وما المشكلة اذاً ؟
السجين وهو يمسح دموعه : لم تأتي إيميلي ذلك اليوم ..واتصلت بها مراراً , الى ان ردّ أخوها قائلاً بحزن : بأنها قامت بإنقاذ طفلٍ صغير ركض فجأة باتجاه الشارع ..وقد استطاعت إبعاده في آخر لحظة , لتموت هي تحت عجلات الشاحنة
الشرطية بضيق : يا الهي ! هذا محزنٌ للغاية
- نعم لقد أنفطر قلبي عليها .. ولولا ان والدتي كانت ايضاً مريضة تلك الفترة لما استطعت إكمال عملي , لكني كنت بحاجة للراتب الشهريّ من اجل علاجها
- وكيف تعرّفت إذاً على زوجتك ؟
- بعد وفاة والدتي ..ايّ بعد سنتين من وفاة ايميلي ..أصابني اكتئابٌ شديد , جعلني أذهب الى طبيبةٍ نفسيّة
الشرطية : صحيح ..قرأت في ملفك : ان زوجتك تعمل سكرتيرة لدى طبيبة نفسيّة ..أهناك رأيتها ؟
- نعم ..وكانت تُشبه إيميلي كثيراً .. لهذا لم أكن اريد ان أضيّع المزيد من الوقت بخجلي السخيف ..وفي موعدي الثالث مع الطبيبة , طلبت يد سكرتيرتها .. والغريب انها وافقت على الفور !
- وهل كانت تشبه ايميلي بالفعل يا جاك ؟
السجين بقهر : بالشكل فقط ! .. (ثم تنهّد قائلاً) .. المهم في الموضوع ..اننا لم نرزق بالأولاد لعشر سنوات .. ولسوء حظي لم تحمل بطفلي الا قبل يومين من دخولي السجن .. فبالله عليك , هل رأيتي شخصاً سيء الحظ مثلي ؟!
الشرطية مُحاولةً معرفة الحقيقة التي يُخفيها عن الجميع :
- الا تريد ان تخبرني بما حصل بالضبط في يوم الحادثة ؟
فانتفض جاك بعصبية : لا !! لا اريد فتح ذلك الموضوع من جديد .. لقد ماتت تلك المرأة وانتهى الأمر ..لهذا ارجوك اتركيني أكمل مراجعة القصة , فليس عندي الكثير من الوقت كما تعلمين ..
فتركته في سجنه وهو يرتّب اوراقه , وهي تعلم انه يحاول ان يتماسك كيّ لا ينهار بعد تذكّره لتفاصيل حياته البائسة !
***
بعد اسبوعين .. أرسل السجين للشرطية قصصاً ثلاثة جديدة لا تقلّ روعتها عن سابقيها ..
وبعد انتهاء الشرطية من قرائتهم , قرّرت أن تنقذه من حبل المشنقة مهمّا كلّف الأمر !
ومن دون ان يلاحظها أحد , دخلت الى حاسوب مديرها وأخذت منه عنوان منزل زوجة السجين ومكان عملها (رغم انها لا تعدّ بالحقيقة زوجته , فهي مازالت تصرّ على حصولها على ورقة الطلاق من المحكمة قبل ان يتمّ إعدامه !)
***
وبدأت الشرطية تراقب زوجة السجين كلما سنحت لها الفرصة ..
وبعد اسبوع .. تبعتها الى مطعمٍ بعيد عن مكان سكنها ! وهناك رأتها تلتقي بشابٍ ما .. وقد أثارت الأحضان الساخنة بينهما شكوك الشرطية (التي جلست بعيداً عنهما) .. كما استغربت قبلات الشاب الكثيرة للطفل , وكأنه ابنه هو !
وهنا تساءلت الشرطية في نفسها :
((جاك لم يُنجب من زوجته طوال عشر سنوات , وفجأة أخبرته بحملها قبل يومين فقط من حصول جريمة القتل التي انا متأكدة بأن زوجته لها يدٌ فيها .. فهل معقول انها أرادت إزاحته عن طريقها , لتهنأ مع عشيقها وطفلهما الغير شرعي ؟! وفي حال كان هذا صحيحاً , فكيف يمكنني الإقتراب من طفلها لأتاكّد من إبوّة جاك , او إثبات خيانتها له ؟))
***
وبعد ايام .. تمكّنت الشرطية من أخذ موعد مع الطبيبة النفسيّة التي تعمل زوجة جاك عندها .. وفاجأتها الطبيبة بشكوكها بسكرتيرتها , حين قالت :
- وانا ايضاً أظن ان طفلها ليس ابن جاك , فلا شبه بينهما اطلاقاً ! عدا انني سمعتها تكلّم احدأ بالهاتف وتناديه بحبيبي , وذلك بعد سجن جاك بأيامٍ فقط !
الشرطية : ليتك أخبرت الشرطة بذلك ؟
الطبيبة : لم أردّ التورّط بالموضوع ... وبالحقيقة هي لم يبدو عليها الحزن مطلقاً ! لا منذ القبض على زوجها , ولا حتى يوم صدور حكم الإعدام عليه .. وانا أرغب حقاً في طردها , لكن ليس لديّ دليلٌ ضدّها
الشرطية : اذاً ما رأيك ان نعمل سويّاً لكشف ملابسات الحادث ؟
الطبيبة باهتمام : وماذا تقترحين ؟
***
واستطاعت الطبيبة لاحقاً (بناءً على توجيهات الشرطية) إقناع سكرتيرتها بحضور جلسة نفسيّة جماعيّة لبعض النساء (المشتركات في هذه التمثيلية) المتزوجات من رجال محكوم عليهم بالإعدام , ومن بينهنّ كانت الشرطية المتخفيّة بشخصيّة : إمرأة أُعدم زوجها قبل شهور ..
ورغم ان السكرتيرة اليزابيث (زوجة جاك) لم تردّ الحضور فعلاً , الا انها لم تستطع رفض طلب مديرتها
***
وبعد مرور ساعتين على بداية الجلسة النفسيّة الجماعية : تحدثنّ فيها النساء الأربعة عن حياتهنّ التي تغيرت تماماً منذ سجن أزواجهنّ ..
جاء دور الشرطية التي فاجأت الجميع قائلة :
- انا عكسكنّ جميعاً ..أشعر بالراحة التامة لإعدام الحكومة لزوجي ..لا تنظرنّ اليّ هكذا ! فهو كان سيءٌ جداً معي , ويضربني بعنف ..وهو من وقع بشرِّ أعماله , حين قتل صاحب البقالة من أجل السرقة ..لا هو لم يسرق من اجلي ولا من أجل اولاده الثلاثة , بل لكيّ يشتري المخدرات المدمن عليها .. فلما أحزن عليه ؟
اليزابيث (السكرتيرة) : معك حق
قالتها دون انتباه ! بعد شعورها بالفخر من شجاعة الشرطية (المتخفيّة) لقولها ما تريد , دون الخوف من رأيّ الآخرين !
***
بعد انتهاء الجلسة , حصل ما كانت الشرطية تتأمّله ..فقد لحقتها اليزابيث الى موقف السيارت (المتواجد أسفل العيادة النفسيّة) وعزمتها على العشاء في اليوم التالي ..
ووافقت الشرطية برحابة صدر لأنها تريد دخول منزلها , علّها تعرف أكثر عمّا حصل في يوم الجريمة ..
***
في مساء اليوم التالي .. جلستا بالحديقة بعد العشاء , وكانت الشرطية قد أحضرت الخمر معها .. وفي كل مرة كانت تسكب لها ولإليزابيث ..لكنها كانت تستغلّ إنشغال الأم بطفلها (النائم في عربته بجانبها) لترمي بخمرها فوق المزروعات بجانب كرسيها , ولتوهمها بأنها تشاركها الشرب .. الى ان جعلت اليزابيث تسكرّ تماماً ..
ثم بدأت الشرطية تقول (وهي تدّعي السِكر) :
- أتدري يا اليزابيث ..لقد كذبت عليكنّ وعلى الطبيبة في الجلسة
اليزابيث وهي بالكاد تراها بوضوح : أحقاً ؟!
الشرطية : نعم , فزوجي لم يقتل احداً .. بل انا من لبست ثيابه ووضعت قناعاً على وجهي , وأصبت صاحب البقالة عن طريق الخطأ حين خرجت الرصاصة دون انتباهي , ثم أسرعت هاربة بسيارة زوجي ..والشرطة ظنّت انه هو بعد ان رأته بكاميرات المحل , فنحن تقريباً نفس الحجم والطول ..والمسكين كان غارقٌ في النوم وقتها
ثم ضحكت الشرطية ملء شدّقيها , لتشاركها اليزابيث السكرانة الضحك ولتقول دون وعيٍّ منها :
اليزابيث بسعادة : نعم نعم , وانا فعلت مثلك تماماً
وهنا أسرعت الشرطية بتسجيل كلامها من جوالها (بالخفاء) .. وهي تحاول تشجيعها على الإعتراف :
الشرطية باهتمام : وماذا حصل بالظبط في يوم الحادثة يا اليزابيث؟
فاعترفت وهي تضحك في سكرٍ واضح :
- كانت جارتي الغبية قادمة لتزين منزلنا بمناسبة حملي , فزوجي السخيف هو من طلب منها ذلك .. وانا كنت عائدة من موعدي مع عشيقي الذي طلب مني إيجاد حلٍّ سريع لإبعاد جاك عن طريقنا وطريق ابننا
الشرطية بدهشة : آه ! .. أتعنين ان الطفل ليس ابن جاك ؟
اليزابيث : لا .. اصلاً أظن ان زوجي عقيم , لكنه لم يكن يقبل بعمل الفحوصات الطبيّة التي تمسّ برجولته , كما كان يقول دائماً ! وجيد انه لم يفعل , فهذا أعطاني الحريّة لخيانته
الشرطية : ولما قتلت جارتك اذاً ؟!
- لم أكن أقصد .. لكن حين فتحت الباب ووجدته يمسكها بين ذراعيه بعد ان سقطت الغبية من فوق السلم وهي تحاول تزين الجدار بالبالونات , ظننت حينها انه يخونني .. ولم أجد نفسي الا وانا ارميها من بين ذراعيّه لتسقط بقوّة على الأرض , ثم أرمي السلم بعنف فوق رأسها ليسقط على اذنها .. ولم اكن ادري ان هذه الضربة قاتلة , حيث بدأ جسمها ينتفض بحركاتٍ لا ارادية , قبل ان تلفظ أنفاسها الأخيرة !
الشرطيّة باهتمام : وماذا فعل زوجك وقتها ؟!
اليزابيث : جنّ جنونه , وصار يبكي ويصرخ عليّ .. لكني أقنعته بأن ندفنها قبل ان يصل زوجها ويبلّغ الشرطة عن إختفائها
الشرطية : وهل استخدمت عذر حملك لإرغامه على إخفاء الجريمة ؟
- نعم ..وقد فعل ذلك مُجبراً بعد حلول المساء ..حيث دفنها بالحديقة .. لكنه حصل ما كنت أتوقعه ..فزوجها كان يعلم بأمر الحفلة , وحين لم يجدها عندنا , أبلغ عن إختفائها ..والشرطة لاحظت بسهولة بأن أرضنا غير مستويّة , فقاموا بالحفر ليجدوها هناك ..
الشرطية : وأكيد وجدوا بصمات زوجك على الرفش , فقبضوا عليه ؟
اليزابيث : نعم ..والغبي لم يدافع عن نفسه في كل جلسات المحاكمة , الى ان صدر عليه حكم الإعدام
الشرطية : وهكذا بموته ستهنئين مع عشيقك وطفلكما ؟
اليزابيث بابتسامةٍ ماكرة : بالتأكيد !! فهو لطالما كان عثرة في طريق حياتي
وهنا أوقفت الشرطية التسجيل بعد حصولها على ما تريد ..
لكن قبل خروجها من البيت , أخذت مصّاصة الطفل النائم دون ان تلاحظ امه ذلك !
***
في اليوم التالي .. طلبت الشرطية من عامل نظافة السجن ان يُعطيها غطاء وسادة جاك قبل غسلها ..واستطاعت أخذ شعرة منها .. ثم ذهبت الى مختبرٍ طبّي وأعطتتهم شعرة جاك ومصّاصة طفل اليزابيث من أجل فحص الأبوّة .. فربما لوّ علم جاك بأن الطفل الذي يحاول حمايته ليس إبنه , سيُخبر الشرطة حينها بالحقيقة ويُنقذ نفسه من حبل المشنقة التي بقيّ شهرٌ واحد على تنفيذ الحكم عليه !
***
أمسك جاك بورقة الفحص بيديه المرتجفتين وعينيه الدامعتين وهو لا يصدّق ما يقرأه !
- آدم الصغير ليس ابني !
الشرطية وهي تضع يدها على كتفه : ارجوك إهدأ .. انا فعلت كل هذا لكيّ أنقذ حياتك
فرمى جاك ورقة الفحص على الأرض بعصبية وهو يصرخ بهستيريا , ثم بدأ برميّ أغراضه وأوراق قصصه على الأرض وهو يبكي بانهيارٍ شديد
الشرطية بقلق : ارجوك يا جاك اهدأ قليلاً !
فأسرع الحارسان نحو سجنه بعد ان سمعا صراخه , لكن الشرطية منعتهما من دخول السجن ..وأصرّت ان يبتعدا كيّ يتكلّم جاك براحته ..ورغم قلقهما عليها , الا انهما إمتثلا لأوامرها فهي أعلى رتبة منهما
الشرطية : وهآقد ذهبا ..إخبرني الآن يا جاك بما حصل ذلك اليوم؟
جاك وهو يحاول التقاط انفاسه , بعد ان هدأ بصعوبة :
- لقد أخبرتك زوجتي الملعونة بكل شيء وانت سجّلتي إعترافها , فلماذا تسألينني ؟!
- ولما لم تخبر الشرطة عنها ؟ .. أفقط من أجل الطفل ؟!
جاك : حين قدمت الشرطة الى بيتي كنت مرتبكاً للغاية , خاصة بعد ان رأيتهم يحفرون الحفرة التي طمرت بها الجثة .. وحين وجدوها , بدأت زوجتي تصرخ وتبكي ..وظننت حينها بأنها ستعترف لهم بما فعلته , لكنها توجّهت بالكلام لي قائلةً : ((لما قتلت عشيقتك يا جاك ؟! انا كنت أعرف بأمركما منذ مدة , لكني سامحتك لأجل طفلنا ..ليتك لم تقتلها من أجلي ))
الشرطية مذهولة : الخبيثة !
جاك بقهر : نعم , اللعينة .. بكلامها هذا , أثبتّت التهمة عليّ !
- ولما لم تصرخ عليها وتنعتها بالكاذبة ؟!
- لأني إنصدمت كثيراً ممّا قالته ! كما ان زوج المقتولة كان قدِمَ لمعاينة الجثة .. وحين سمع كلام اليزابيث , هجم عليّ كالمجنون ولكمني بقوةّ أفقدّتني الوعيّ .. وحين أفقت , كنت مُحتجزاً بالسجن
الشرطية : ولما لم تعترف بكل ما حصل في أيام محاكمتك ؟!
- لأنها زارتني قبل لحظات من دخولي قاعة المحكمة واعتذرت عمّا فعلته , وقالت انها فعلت ذلك لأجل طفلنا فهو لا يستطيع ان يكبر دون امه
- وانت صدّقتها وسكتّ طوال سنةٍ كاملة من المحاكمات , مُعترفاً فيها بذنبك !
جاك بقهر : كان هذا كلّه لأجل الصغير .. وبالنهاية ظهر انني كنت أحمي إبن عشيقها التي أرادت ان تعيش معه على راحتها , بعد ان تُبعدني عن دربها ! .. (ثم يصرخ بغضب) .. يا الهي !! انتِ لا تدرين كم انا غاضبٌ الآن , أكاد أحطّم السجن بمن فيه !!
الشرطية بحزم : اهدأ يا جاك , لم يفت الآوان بعد .. فأنا ذاهبة الآن الى محاميك لأسلّمه الأدلّة الجديدة , حتى يقوم بالإستنئناف الأخير لقضيتك ..وأعدك بأنني سألقن زوجتك الخائنة درساً لن تنساه ..فأنا لن أسمح بإعدام شخصٍ بريء عن ذنب غيره !
***
وبالفعل !! أُعيدت محاكمة جاك في ظلّ ظهور الأدلّة الجديدة .. وحكم القاضي ببراءته وإدانة زوجته التي سُجنت مؤبّد عن القتل من الدرجة الثانية (لأنه ليس عن سبق إصرار وترصّد) وذلك بعد ان أصرّ زوج الفقيدة بأن تحصل اليزابيث على أشدّ العقوبات ..اما طفلها فقد سُلّم لعشيقها , والده البيولوجي
***
بعد شهور من خروج جاك من السجن .. حضرت الشرطية حفل توقيع كتابه (عن مجموعة قصصه الرومنسية) في مكتبةٍ عامة , بحضور الصحافة والقرّاء الذين أعجبهم كتابه الذي ضمّ أجمل القصص القصيرة للعشق العذريّ ..
***
وبعد سنة ..أصدر جاك مجموعة أخرى من القصص الدرامية والبوليسية , لم تلقى ذات ترحيب الذي حصل عليها في مجموعته الرومنسية .. ممّا آثار غضب معجبيه , بما فيهم الشرطية التي زارته في بيته الجديد
جاك بدهشة وترحاب : أهلاً بصديقتي العزيزة ديانا , إدخلي
***
وفي الداخل , وبعد ان شربا الشايّ .. عاتبته على تغيير نوعيّة كتاباته , لكنه أجابها بنبرةٍ حزينة :
- قلبي مكسور يا ديانا , ولا أجد حافزاً لكتابة القصص الرومنسية بعد الآن
الشرطية ديانا : لكن هذا ما تبرع به بالفعل ..وهي موهبتك الحقيقية , ولا يجب ان تتجاهلها.. الا يكفي انك تخليت عن موهبتك في الماضي ؟! فأرجوك عدّ لكتاباتك الجميلة قبل ان تخسر معجبينك
- لكني مازلت أكتب يا ديانا ..
مقاطعة : نعم ..قصصك الدرامية والبوليسية لا بأس بها , لكنها ليست بروعة قصصك الرومنسيّة
جاك بقهر : ومن ستكون بطلتي ؟ أزوجتي القابعة في السجن ؟ ام..
ديانا مُقاطعة : بل حبيبتك إيميلي ..الم تكن بطلة مجموعتك الأولى؟
فنظر اليها مطوّلاً..
ديانا بقلق : ماذا هناك ؟!
جاك : لما ساعدتني يا ديانا بعد ان فقدّت الأمل ببراءتي , وأنقذتني من حبل المشنقة ؟
ديانا : ليس انا من أنقذتك من الإعدام , بل قصصك
- لم افهم !
- اسلوبك المرهف ومشاعرك الصادقة بالقصص , جعلتني اتأكّد من براءتك
- ألهذا فقط ؟
- ولأنني عرفت انك شخصٌ شهم وقلبك طيب وتستحق الأفضل
ففكّر جاك قليلاً , قبل ان يقول بابتسامة : أتدرين يا ديانا .. أظنني سأعود الى كتابة القصص الرومنسية
الشرطية بفرح وحماس : أحقاً !!
- نعم ..لكن هذه المرّة ستكونين أنتِ بطلة قصصي
وابتسم لها ابتسامةٍ تعني بداية علاقةٍ جديدة في حياته , لكن هذه المرّة مع توأم روحه التي طال إنتظارها !
هل ستنقذني قصصي من حبل المشنقة ؟!
- سيُنفّذ حكم الإعدام عليك بعد ثلاثة شهور , فهل لديك أمنية نحقّقها لك ؟
قالها الحارس للسجين اليائس بلباسه البرتقالي المُخصصّ للمحكوم عليهم بالإعدام ..
السجين : اريد اوراقاً وقلم .. فأنا أهوى الكتابة
الشرطية بدهشة : وهل انت كاتب ؟!
السجين : ربما لوّ لم أهمل موهبتي طوال سنوات بسبب وظيفتي الروتينية لأصبحت اليوم كاتباً مشهوراً .. لكنه لم يشجّعني أحد على ذلك , لا أهلي ولا زوجتي الأنانية التي كانت ترغب فقط براتبي الشهريّ !
الحارس : اذاً سنحضر لك ما تريد
السجين : وهل ستنشرون قصصي بعد إنتهائي منها ؟
الشرطية : سأقرأها اولاً , وان كانت جيدة ..أعدك بأن أرسلها لدار النشر على نفقة الدولة .. لكن ماهي نوعيّة قصصك يا جاك ؟
السجين جاك : قصصّ رومنسية
الحارس العجوز ساخراً : ورومنسي ايضاً ايها القاتل ؟!
الشرطية مُعاتبة الحارس : دعه في همّه يا رجل .. ولنتركه يُفكّر بقصته الأولى
ثم تركاه ليكتب , بعد ان أحضرا له طلبه ..
***
أمسك السجين بالقلم وصار يفكّر بجميع افكار القصص التي خطرت على باله في العشرين سنة الماضية .. فهو الآن في الأربعينات من عمره , وكان اكتشف موهبته الكتابية اثناء دراسته الجامعية .. لكن موت والده المفاجىء جعله يتخلّى عن فكرة الكتابة لإيجاد وظيفية يصرف بها على والدته المريضة والذي تزوج بعد وفاتها , لكن يبدو ان زواجه لن يدوم أكثر من عشر سنوات , لأن زوجته بعد صدور حكم الإعدام عليه قبل ايام (ايّ بعد مرور سنة على سجنه لقتله عشيقته) طالبت المحكمة اليوم بضرورة طلاقها منه , وتسجيل طفلهما بإسم عائلةٍ مُغايرة كيّ لا يلحقه عار والده !
لكن ما كان يشغل باله الآن هو موضوع قصّته الأولى ..
فحدّث نفسه قائلاً :
((ماذا عسايّ ان أكتب ؟! هل اكتب روايةً رومنسية طويلة ؟.. لا ..ان فعلت , فربما تنتهي الشهور الثلاثة قبل ان أنهيها .. وحتى لوّ أنهيتها , فربما لن تلقى إعجاب القرّاء ..وانا عندي الكثير من الأفكار , لكن المشكلة انني لا املك الوقت الكافي لكتابتها جميعاً .. لهذا عليّ إختيار أفضل أفكاري , لأكتبها بأفضل طريقةٍ مُمكنة))
وبعد تفكيرٍ مطوّل , قال في نفسه :
((حسناً .. سأكتب اذاً قصصاً رومنسية قصيرة .. بحيث إنهي قصة كل ثلاثة ايام او خمسة على أبعد تقدير ..وبذلك تصبح عندي مجموعة كاملة بإسمي .. (ثم تنهّد بحزن) .. يبدو يا جاك انك ستنشهر أخيراً , لكن بعد موتك .. يالا هذا الحظّ السيء !))
***
وما ان بدأ جاك بكتابة اول سطرين من قصته الأولى في سجنه الإنفرادي , حتى توالت عليه الأفكار .. بحيث لم يتوقف عن الكتابة الا بعد ساعتين ليُنهي مسودّة القصة التي مازالت تحتاج الى مراجعة أكثر من مرة , قبل ان يُسلّمها للشرطية التي ربما تنشرها له لاحقاً في حال أعجبتها , لذلك كان عليه التدقيق بكل ما يكتبه قبل تسليمها القصصّ
***
وبالفعل !! أنهى القصة تلوّ الأخرى .. بحيث كتب خلال الشهر الأول سبعة قصص في غاية الروعة , ممّا جعل الشرطية تتأثّر بكل واحدة منها لدرجة انها تكلّمت مع رئيسها في السجن عن هذا الكاتب , قائلةً له :
- كما قلت لك سيدي .. هو حتماً بريء , فمن المستحيل ان تخرج كل هذه المشاعر الصادقة واللطيفة من شخصٍ قاتل !
مديرها : هو كاتب , يعني هوايته تأليف القصص .. والقتلة عادة مبدعون في خيالاتهم
الشرطية : هذا صحيح , لكن خيالاتهم المرعبة وليست الورديّة كهذا السجين !
فقال زميلها الشرطي ساخراً : ربما يكون نادماً على قتل عشيقته , لهذا يذكرها في قصصه
الشرطية مُستفسرة : لكني إطّلعت البارحة على ملفّه من الأرشيف .. وقرأت انه إعترف بالمحكمة : بأنه قتلها خوفاً من ان ينكشف أمرهما لجاره , بما انها زوجته
مديرها : وهذا يؤكّد ان كلاهما قذران , ويقيما علاقة خارج زواجهما
الشرطية ديانا : لكن في شهادة الزوج المخدوع (الجار) لم يتهم زوجته بالخيانة , بل قال انها تحبه كثيراً .. وقد أخبرته ذلك اليوم بأنها ذاهبة لبيت جارهم لمساعدته في القيام بحفلةٍ مُفاجئة لزوجته بمناسبة حملها الأول
المدير : انت تتعبين نفسك عزيزتي .. فمحاميه حاول لسنةٍ كاملة إنقاذه من حبل المشنقة , لكن الغبي إعترف في كل جلسة محاكمة بأنه مذنب .. فإن كان هو اعترف بنفسه بأنه قتلها , فلما تفتحين الملفّات القديمة من جديد ؟
زميلها الشرطي : يمكنكِ يا ديانا مساعدته في أمرٍ واحد , بأن تنفّذي وعدك له وتنشرين قصصه قبل إنتهاء الشهرين .. لكن براءته فهذا شيءٌ مُحال , خاصة بعد ان حدّد القاضي يوم إعدامه
فأومأت الشرطية برأسها موافقة , وهي تشعر بالعجز لعدم قدرتها على إنقاذ حياةِ كاتبٍ مبدعٍ كجاك !
***
في اليوم التالي .. دخلت الى سجنه , مبديةً إعجابها بكتاباته .. فقال جاك لها بسعادة :
- وقريباً سأرسل لك قصة جديدة , ستعجبك حتماً ..فأنا أقوم الآن بمراجعتها للمرّة الأخيرة
فشعرت بالحزن عليه , لأن حماسه على الكتابة أنساه حكم الإعدام الذي كان موعده يقترب كل يوم ..
الشرطية بنبرةٍ حزينة : جاك .. لما اخترت القصصّ الرومنسية ؟
فتنهّد السجين بحسرة وهو يتذكّر الماضي :
- لطالما كنت شاباً خجولاً في جميع مراحل دراستي , ولم استطع يوماً التعبير عن مشاعري لأيّة فتاة .. لهذا كنت اكتب ما اشعر به في دفترٍ صغير .. وفي يوم أعجبتني فتاة في الجامعة ..كانت تدرس في قسم التجارة مثلي ..كان وجهها الملائكيّ أشبه ب ..
الشرطية مُقاطعة : أتقصد زوجتك الحالية ؟
السجين بقرف : لا , العياذ بالله !
- لم افهم !
السجين : سأخبرك القصة منذ البداية .. كان اسمها إيميلي .. فتاةٌ قادمة من الريف , حصلت على منحةٍ دراسية بسبب تفوّقها على الجميع في قريتها .. يعني كائنٌ بسيط مثلي .. ومع هذا لم إستطع مكالمتها , رغم انني كنت أراها دائماً لوحدها في ساحة الجامعة .. واكتفيت بمراقبتها من بعيد , وكتابة القصصّ الرومنسية التي تجمعنا معاً في خيالاتي !
- ثم ماذا حصل ؟
- أحد الطلاّب الحمقى لاحظ اسمها في دفتري حينما جلس بجانبي , وانتظرني الى ان دخلت دورة المياه وسرقه من حقيبتي , ثم أخبر الجميع عن حبّي لها ..ممّا أربكني وضايقها ايضاً ..لكن بعد ان هدأت عاصفة السخريات من التلاميذ .. فاجأتني ذات يوم حين كنت اجلس لوحدي في حديقة الجامعة بأن احضرت لي سندويشاً , ثم جلست تأكل طعامها بجانبي .. فأكلنا دون ان نتحدّث بكلمة .. وبعد ان انتهينا , وقفت قائلةً دون ان تنظر اليّ : أعجبتني قصتك , لكن لا ادري ان كنت أستحق كل هذا المديح
الشرطية باهتمام : وبماذا أجبتها ؟
السجين بابتسامة : الى اليوم لا ادري كيف أتتني الجرأة وقلت لها : بل تستحقين كل كلام الغزل في الدنيا
الشرطية بحماس : يا سلام !! هذا جميل ..ثم ماذا حصل ؟
جاك : أصبحنا اصدقاء .. ندرس سويّاً ونأكل معاً ونتحدّث في كافة الأمور ..وكلما توطّدت علاقتنا , وجدنا اشياءً كثيرة مشتركة بيننا..الى ان تخرّجنا وبدأنا بالبحث عن العمل سويّاً في الشركات التجارية الكبرى ..لكن..(وسكت !)
الشرطية بحماس : لكن ماذا ؟ إكمل !!
السجين بحزن : في يوم ظهور نتائج المتقدّمين على الوظيفة الإدارية , نجحنا كلانا في الحصول على عملٍ هناك , وكنت ..
الشرطية مُقاطعة : أتقصد نفس الشركة التي كنت تعمل بها قبل دخولك السجن ؟
- نعم
- وما المشكلة اذاً ؟
السجين وهو يمسح دموعه : لم تأتي إيميلي ذلك اليوم ..واتصلت بها مراراً , الى ان ردّ أخوها قائلاً بحزن : بأنها قامت بإنقاذ طفلٍ صغير ركض فجأة باتجاه الشارع ..وقد استطاعت إبعاده في آخر لحظة , لتموت هي تحت عجلات الشاحنة
الشرطية بضيق : يا الهي ! هذا محزنٌ للغاية
- نعم لقد أنفطر قلبي عليها .. ولولا ان والدتي كانت ايضاً مريضة تلك الفترة لما استطعت إكمال عملي , لكني كنت بحاجة للراتب الشهريّ من اجل علاجها
- وكيف تعرّفت إذاً على زوجتك ؟
- بعد وفاة والدتي ..ايّ بعد سنتين من وفاة ايميلي ..أصابني اكتئابٌ شديد , جعلني أذهب الى طبيبةٍ نفسيّة
الشرطية : صحيح ..قرأت في ملفك : ان زوجتك تعمل سكرتيرة لدى طبيبة نفسيّة ..أهناك رأيتها ؟
- نعم ..وكانت تُشبه إيميلي كثيراً .. لهذا لم أكن اريد ان أضيّع المزيد من الوقت بخجلي السخيف ..وفي موعدي الثالث مع الطبيبة , طلبت يد سكرتيرتها .. والغريب انها وافقت على الفور !
- وهل كانت تشبه ايميلي بالفعل يا جاك ؟
السجين بقهر : بالشكل فقط ! .. (ثم تنهّد قائلاً) .. المهم في الموضوع ..اننا لم نرزق بالأولاد لعشر سنوات .. ولسوء حظي لم تحمل بطفلي الا قبل يومين من دخولي السجن .. فبالله عليك , هل رأيتي شخصاً سيء الحظ مثلي ؟!
الشرطية مُحاولةً معرفة الحقيقة التي يُخفيها عن الجميع :
- الا تريد ان تخبرني بما حصل بالضبط في يوم الحادثة ؟
فانتفض جاك بعصبية : لا !! لا اريد فتح ذلك الموضوع من جديد .. لقد ماتت تلك المرأة وانتهى الأمر ..لهذا ارجوك اتركيني أكمل مراجعة القصة , فليس عندي الكثير من الوقت كما تعلمين ..
فتركته في سجنه وهو يرتّب اوراقه , وهي تعلم انه يحاول ان يتماسك كيّ لا ينهار بعد تذكّره لتفاصيل حياته البائسة !
***
بعد اسبوعين .. أرسل السجين للشرطية قصصاً ثلاثة جديدة لا تقلّ روعتها عن سابقيها ..
وبعد انتهاء الشرطية من قرائتهم , قرّرت أن تنقذه من حبل المشنقة مهمّا كلّف الأمر !
ومن دون ان يلاحظها أحد , دخلت الى حاسوب مديرها وأخذت منه عنوان منزل زوجة السجين ومكان عملها (رغم انها لا تعدّ بالحقيقة زوجته , فهي مازالت تصرّ على حصولها على ورقة الطلاق من المحكمة قبل ان يتمّ إعدامه !)
***
وبدأت الشرطية تراقب زوجة السجين كلما سنحت لها الفرصة ..
وبعد اسبوع .. تبعتها الى مطعمٍ بعيد عن مكان سكنها ! وهناك رأتها تلتقي بشابٍ ما .. وقد أثارت الأحضان الساخنة بينهما شكوك الشرطية (التي جلست بعيداً عنهما) .. كما استغربت قبلات الشاب الكثيرة للطفل , وكأنه ابنه هو !
وهنا تساءلت الشرطية في نفسها :
((جاك لم يُنجب من زوجته طوال عشر سنوات , وفجأة أخبرته بحملها قبل يومين فقط من حصول جريمة القتل التي انا متأكدة بأن زوجته لها يدٌ فيها .. فهل معقول انها أرادت إزاحته عن طريقها , لتهنأ مع عشيقها وطفلهما الغير شرعي ؟! وفي حال كان هذا صحيحاً , فكيف يمكنني الإقتراب من طفلها لأتاكّد من إبوّة جاك , او إثبات خيانتها له ؟))
***
وبعد ايام .. تمكّنت الشرطية من أخذ موعد مع الطبيبة النفسيّة التي تعمل زوجة جاك عندها .. وفاجأتها الطبيبة بشكوكها بسكرتيرتها , حين قالت :
- وانا ايضاً أظن ان طفلها ليس ابن جاك , فلا شبه بينهما اطلاقاً ! عدا انني سمعتها تكلّم احدأ بالهاتف وتناديه بحبيبي , وذلك بعد سجن جاك بأيامٍ فقط !
الشرطية : ليتك أخبرت الشرطة بذلك ؟
الطبيبة : لم أردّ التورّط بالموضوع ... وبالحقيقة هي لم يبدو عليها الحزن مطلقاً ! لا منذ القبض على زوجها , ولا حتى يوم صدور حكم الإعدام عليه .. وانا أرغب حقاً في طردها , لكن ليس لديّ دليلٌ ضدّها
الشرطية : اذاً ما رأيك ان نعمل سويّاً لكشف ملابسات الحادث ؟
الطبيبة باهتمام : وماذا تقترحين ؟
***
واستطاعت الطبيبة لاحقاً (بناءً على توجيهات الشرطية) إقناع سكرتيرتها بحضور جلسة نفسيّة جماعيّة لبعض النساء (المشتركات في هذه التمثيلية) المتزوجات من رجال محكوم عليهم بالإعدام , ومن بينهنّ كانت الشرطية المتخفيّة بشخصيّة : إمرأة أُعدم زوجها قبل شهور ..
ورغم ان السكرتيرة اليزابيث (زوجة جاك) لم تردّ الحضور فعلاً , الا انها لم تستطع رفض طلب مديرتها
***
وبعد مرور ساعتين على بداية الجلسة النفسيّة الجماعية : تحدثنّ فيها النساء الأربعة عن حياتهنّ التي تغيرت تماماً منذ سجن أزواجهنّ ..
جاء دور الشرطية التي فاجأت الجميع قائلة :
- انا عكسكنّ جميعاً ..أشعر بالراحة التامة لإعدام الحكومة لزوجي ..لا تنظرنّ اليّ هكذا ! فهو كان سيءٌ جداً معي , ويضربني بعنف ..وهو من وقع بشرِّ أعماله , حين قتل صاحب البقالة من أجل السرقة ..لا هو لم يسرق من اجلي ولا من أجل اولاده الثلاثة , بل لكيّ يشتري المخدرات المدمن عليها .. فلما أحزن عليه ؟
اليزابيث (السكرتيرة) : معك حق
قالتها دون انتباه ! بعد شعورها بالفخر من شجاعة الشرطية (المتخفيّة) لقولها ما تريد , دون الخوف من رأيّ الآخرين !
***
بعد انتهاء الجلسة , حصل ما كانت الشرطية تتأمّله ..فقد لحقتها اليزابيث الى موقف السيارت (المتواجد أسفل العيادة النفسيّة) وعزمتها على العشاء في اليوم التالي ..
ووافقت الشرطية برحابة صدر لأنها تريد دخول منزلها , علّها تعرف أكثر عمّا حصل في يوم الجريمة ..
***
في مساء اليوم التالي .. جلستا بالحديقة بعد العشاء , وكانت الشرطية قد أحضرت الخمر معها .. وفي كل مرة كانت تسكب لها ولإليزابيث ..لكنها كانت تستغلّ إنشغال الأم بطفلها (النائم في عربته بجانبها) لترمي بخمرها فوق المزروعات بجانب كرسيها , ولتوهمها بأنها تشاركها الشرب .. الى ان جعلت اليزابيث تسكرّ تماماً ..
ثم بدأت الشرطية تقول (وهي تدّعي السِكر) :
- أتدري يا اليزابيث ..لقد كذبت عليكنّ وعلى الطبيبة في الجلسة
اليزابيث وهي بالكاد تراها بوضوح : أحقاً ؟!
الشرطية : نعم , فزوجي لم يقتل احداً .. بل انا من لبست ثيابه ووضعت قناعاً على وجهي , وأصبت صاحب البقالة عن طريق الخطأ حين خرجت الرصاصة دون انتباهي , ثم أسرعت هاربة بسيارة زوجي ..والشرطة ظنّت انه هو بعد ان رأته بكاميرات المحل , فنحن تقريباً نفس الحجم والطول ..والمسكين كان غارقٌ في النوم وقتها
ثم ضحكت الشرطية ملء شدّقيها , لتشاركها اليزابيث السكرانة الضحك ولتقول دون وعيٍّ منها :
اليزابيث بسعادة : نعم نعم , وانا فعلت مثلك تماماً
وهنا أسرعت الشرطية بتسجيل كلامها من جوالها (بالخفاء) .. وهي تحاول تشجيعها على الإعتراف :
الشرطية باهتمام : وماذا حصل بالظبط في يوم الحادثة يا اليزابيث؟
فاعترفت وهي تضحك في سكرٍ واضح :
- كانت جارتي الغبية قادمة لتزين منزلنا بمناسبة حملي , فزوجي السخيف هو من طلب منها ذلك .. وانا كنت عائدة من موعدي مع عشيقي الذي طلب مني إيجاد حلٍّ سريع لإبعاد جاك عن طريقنا وطريق ابننا
الشرطية بدهشة : آه ! .. أتعنين ان الطفل ليس ابن جاك ؟
اليزابيث : لا .. اصلاً أظن ان زوجي عقيم , لكنه لم يكن يقبل بعمل الفحوصات الطبيّة التي تمسّ برجولته , كما كان يقول دائماً ! وجيد انه لم يفعل , فهذا أعطاني الحريّة لخيانته
الشرطية : ولما قتلت جارتك اذاً ؟!
- لم أكن أقصد .. لكن حين فتحت الباب ووجدته يمسكها بين ذراعيه بعد ان سقطت الغبية من فوق السلم وهي تحاول تزين الجدار بالبالونات , ظننت حينها انه يخونني .. ولم أجد نفسي الا وانا ارميها من بين ذراعيّه لتسقط بقوّة على الأرض , ثم أرمي السلم بعنف فوق رأسها ليسقط على اذنها .. ولم اكن ادري ان هذه الضربة قاتلة , حيث بدأ جسمها ينتفض بحركاتٍ لا ارادية , قبل ان تلفظ أنفاسها الأخيرة !
الشرطيّة باهتمام : وماذا فعل زوجك وقتها ؟!
اليزابيث : جنّ جنونه , وصار يبكي ويصرخ عليّ .. لكني أقنعته بأن ندفنها قبل ان يصل زوجها ويبلّغ الشرطة عن إختفائها
الشرطية : وهل استخدمت عذر حملك لإرغامه على إخفاء الجريمة ؟
- نعم ..وقد فعل ذلك مُجبراً بعد حلول المساء ..حيث دفنها بالحديقة .. لكنه حصل ما كنت أتوقعه ..فزوجها كان يعلم بأمر الحفلة , وحين لم يجدها عندنا , أبلغ عن إختفائها ..والشرطة لاحظت بسهولة بأن أرضنا غير مستويّة , فقاموا بالحفر ليجدوها هناك ..
الشرطية : وأكيد وجدوا بصمات زوجك على الرفش , فقبضوا عليه ؟
اليزابيث : نعم ..والغبي لم يدافع عن نفسه في كل جلسات المحاكمة , الى ان صدر عليه حكم الإعدام
الشرطية : وهكذا بموته ستهنئين مع عشيقك وطفلكما ؟
اليزابيث بابتسامةٍ ماكرة : بالتأكيد !! فهو لطالما كان عثرة في طريق حياتي
وهنا أوقفت الشرطية التسجيل بعد حصولها على ما تريد ..
لكن قبل خروجها من البيت , أخذت مصّاصة الطفل النائم دون ان تلاحظ امه ذلك !
***
في اليوم التالي .. طلبت الشرطية من عامل نظافة السجن ان يُعطيها غطاء وسادة جاك قبل غسلها ..واستطاعت أخذ شعرة منها .. ثم ذهبت الى مختبرٍ طبّي وأعطتتهم شعرة جاك ومصّاصة طفل اليزابيث من أجل فحص الأبوّة .. فربما لوّ علم جاك بأن الطفل الذي يحاول حمايته ليس إبنه , سيُخبر الشرطة حينها بالحقيقة ويُنقذ نفسه من حبل المشنقة التي بقيّ شهرٌ واحد على تنفيذ الحكم عليه !
***
أمسك جاك بورقة الفحص بيديه المرتجفتين وعينيه الدامعتين وهو لا يصدّق ما يقرأه !
- آدم الصغير ليس ابني !
الشرطية وهي تضع يدها على كتفه : ارجوك إهدأ .. انا فعلت كل هذا لكيّ أنقذ حياتك
فرمى جاك ورقة الفحص على الأرض بعصبية وهو يصرخ بهستيريا , ثم بدأ برميّ أغراضه وأوراق قصصه على الأرض وهو يبكي بانهيارٍ شديد
الشرطية بقلق : ارجوك يا جاك اهدأ قليلاً !
فأسرع الحارسان نحو سجنه بعد ان سمعا صراخه , لكن الشرطية منعتهما من دخول السجن ..وأصرّت ان يبتعدا كيّ يتكلّم جاك براحته ..ورغم قلقهما عليها , الا انهما إمتثلا لأوامرها فهي أعلى رتبة منهما
الشرطية : وهآقد ذهبا ..إخبرني الآن يا جاك بما حصل ذلك اليوم؟
جاك وهو يحاول التقاط انفاسه , بعد ان هدأ بصعوبة :
- لقد أخبرتك زوجتي الملعونة بكل شيء وانت سجّلتي إعترافها , فلماذا تسألينني ؟!
- ولما لم تخبر الشرطة عنها ؟ .. أفقط من أجل الطفل ؟!
جاك : حين قدمت الشرطة الى بيتي كنت مرتبكاً للغاية , خاصة بعد ان رأيتهم يحفرون الحفرة التي طمرت بها الجثة .. وحين وجدوها , بدأت زوجتي تصرخ وتبكي ..وظننت حينها بأنها ستعترف لهم بما فعلته , لكنها توجّهت بالكلام لي قائلةً : ((لما قتلت عشيقتك يا جاك ؟! انا كنت أعرف بأمركما منذ مدة , لكني سامحتك لأجل طفلنا ..ليتك لم تقتلها من أجلي ))
الشرطية مذهولة : الخبيثة !
جاك بقهر : نعم , اللعينة .. بكلامها هذا , أثبتّت التهمة عليّ !
- ولما لم تصرخ عليها وتنعتها بالكاذبة ؟!
- لأني إنصدمت كثيراً ممّا قالته ! كما ان زوج المقتولة كان قدِمَ لمعاينة الجثة .. وحين سمع كلام اليزابيث , هجم عليّ كالمجنون ولكمني بقوةّ أفقدّتني الوعيّ .. وحين أفقت , كنت مُحتجزاً بالسجن
الشرطية : ولما لم تعترف بكل ما حصل في أيام محاكمتك ؟!
- لأنها زارتني قبل لحظات من دخولي قاعة المحكمة واعتذرت عمّا فعلته , وقالت انها فعلت ذلك لأجل طفلنا فهو لا يستطيع ان يكبر دون امه
- وانت صدّقتها وسكتّ طوال سنةٍ كاملة من المحاكمات , مُعترفاً فيها بذنبك !
جاك بقهر : كان هذا كلّه لأجل الصغير .. وبالنهاية ظهر انني كنت أحمي إبن عشيقها التي أرادت ان تعيش معه على راحتها , بعد ان تُبعدني عن دربها ! .. (ثم يصرخ بغضب) .. يا الهي !! انتِ لا تدرين كم انا غاضبٌ الآن , أكاد أحطّم السجن بمن فيه !!
الشرطية بحزم : اهدأ يا جاك , لم يفت الآوان بعد .. فأنا ذاهبة الآن الى محاميك لأسلّمه الأدلّة الجديدة , حتى يقوم بالإستنئناف الأخير لقضيتك ..وأعدك بأنني سألقن زوجتك الخائنة درساً لن تنساه ..فأنا لن أسمح بإعدام شخصٍ بريء عن ذنب غيره !
***
وبالفعل !! أُعيدت محاكمة جاك في ظلّ ظهور الأدلّة الجديدة .. وحكم القاضي ببراءته وإدانة زوجته التي سُجنت مؤبّد عن القتل من الدرجة الثانية (لأنه ليس عن سبق إصرار وترصّد) وذلك بعد ان أصرّ زوج الفقيدة بأن تحصل اليزابيث على أشدّ العقوبات ..اما طفلها فقد سُلّم لعشيقها , والده البيولوجي
***
بعد شهور من خروج جاك من السجن .. حضرت الشرطية حفل توقيع كتابه (عن مجموعة قصصه الرومنسية) في مكتبةٍ عامة , بحضور الصحافة والقرّاء الذين أعجبهم كتابه الذي ضمّ أجمل القصص القصيرة للعشق العذريّ ..
***
وبعد سنة ..أصدر جاك مجموعة أخرى من القصص الدرامية والبوليسية , لم تلقى ذات ترحيب الذي حصل عليها في مجموعته الرومنسية .. ممّا آثار غضب معجبيه , بما فيهم الشرطية التي زارته في بيته الجديد
جاك بدهشة وترحاب : أهلاً بصديقتي العزيزة ديانا , إدخلي
***
وفي الداخل , وبعد ان شربا الشايّ .. عاتبته على تغيير نوعيّة كتاباته , لكنه أجابها بنبرةٍ حزينة :
- قلبي مكسور يا ديانا , ولا أجد حافزاً لكتابة القصص الرومنسية بعد الآن
الشرطية ديانا : لكن هذا ما تبرع به بالفعل ..وهي موهبتك الحقيقية , ولا يجب ان تتجاهلها.. الا يكفي انك تخليت عن موهبتك في الماضي ؟! فأرجوك عدّ لكتاباتك الجميلة قبل ان تخسر معجبينك
- لكني مازلت أكتب يا ديانا ..
مقاطعة : نعم ..قصصك الدرامية والبوليسية لا بأس بها , لكنها ليست بروعة قصصك الرومنسيّة
جاك بقهر : ومن ستكون بطلتي ؟ أزوجتي القابعة في السجن ؟ ام..
ديانا مُقاطعة : بل حبيبتك إيميلي ..الم تكن بطلة مجموعتك الأولى؟
فنظر اليها مطوّلاً..
ديانا بقلق : ماذا هناك ؟!
جاك : لما ساعدتني يا ديانا بعد ان فقدّت الأمل ببراءتي , وأنقذتني من حبل المشنقة ؟
ديانا : ليس انا من أنقذتك من الإعدام , بل قصصك
- لم افهم !
- اسلوبك المرهف ومشاعرك الصادقة بالقصص , جعلتني اتأكّد من براءتك
- ألهذا فقط ؟
- ولأنني عرفت انك شخصٌ شهم وقلبك طيب وتستحق الأفضل
ففكّر جاك قليلاً , قبل ان يقول بابتسامة : أتدرين يا ديانا .. أظنني سأعود الى كتابة القصص الرومنسية
الشرطية بفرح وحماس : أحقاً !!
- نعم ..لكن هذه المرّة ستكونين أنتِ بطلة قصصي
وابتسم لها ابتسامةٍ تعني بداية علاقةٍ جديدة في حياته , لكن هذه المرّة مع توأم روحه التي طال إنتظارها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق