السبت، 21 ديسمبر 2019

العقاب العادل

تأليف : امل شانوحة

إنتقام الضحايا من المجرمين

في وقت الظهيرة .. عمّ التوتّر اجواء المحكمة في انتظار حكم القاضي بقاتل جاكلين , أجمل مراهقة في القرية .. ليصدر الحكم بسجنه خمس سنواتٍ فقط ! ممّا أغضب والد الفتاة الذي فاجأ الجميع بقفزه على القاتل وخنقه بكل ما أوتيّ من قوة .. ولولا تدخل الشرطي جون لإبعاده في الوقت المناسب , لمات القاتل بين يديه.. 

ثم اسرع الحرس بإخراج المجرم من القاعة , لاقتياده لاحقاً الى سجن القرية .. بينما حاولت عائلة الضحية تهدئة الوالد المكلوم بصعوبة ! الى ان قام الطبيب بحقنه بإبرة تُسكّن إنفعالاته الغاضبة , وسط انهيار زوجته وبقية اولاده بالبكاء  
***

في مساء اليوم التالي .. تفاجأ والد الضحية بزيارة الشرطي جون لمنزله , والذي طلب محادثته على انفراد 

وداخل سيارة جون .. قال له الأب غاضباً :
- ما كان عليك إنقاذ القاتل من بين يديّ !!
جون : ومن قال انني فعلت
- لم افهم !
جون : اتيت اليوم لأسألك ان كنت تريد الإنتقام منه 
- ولما اذاً ابعدتني عنه ؟
- لأن محامي الدفاع التابع للمدينة كان متواجداً في المحكمة , وهو سيُطالب حتماً بمحاكمتك في حال قتلته .. فأنت تعلم بأن قوانين المدينة تُرجّح صالح المُدان على الضحيّة 
- مازلت لم افهم قصدك !

جون : اذاً سأختصر الكلام .. هل تريدني ان أقتل لك ذلك اللعين ؟
الوالد بدهشة : أحقاً !
- نعم , وفي المقابل عليك ان تدفع لرجالي ثمن العملية 
- الا يخالف ذلك قوانين عملك ؟ خاصة انك من سكّان المدينة! 
جون : طبعاً , لكني أبٌ مثلك .. وقدمت لقريتكم قبل سنتين للإنتقام من قاتل ابنتي الذي أُعتقل في سجنكم  
الوالد باستغراب : وهل ابنتك قُتلت ايضاً ؟!
جون بحزن : للأسف , بعد ان خُطفت لعشر سنوات .. ولأجلها دخلت سلك الشرطة للبحث عنها , بعد إغلاق قضيتها .. 
- وهل قتلته بنفسك ؟

جون : لم اردّ تلويث يديّ بدمائه القذرة .. لهذا استخدمت اثنين من المدمنين ليعذّبانه امام عينيّ حتى الموت , بعد ان رشوتهما بمخدّر سرقته من مخزن الشرطة .. ومن يومها اصبحا من رجالي المخلصين , وهما من سيساعداني للإنتقام من قاتل ابنتك .. وأعدك ان أصوّر لك الحادثة كاملةً 
الأب بعصبية : لا !! تصويره لن يكفيني .. اريد قتله بيديّ هاتين 
- هذا أمرٌ صعب ! فكيف سأدخلك السجن ؟
- دبّر الموضوع بطريقتك , وسأضاعف لك المكافئة 

ففكّر جون قليلاً , قبل ان يقول : 
- حسناً , لكن ليس الآن .. سننتظر شهراً آخر كيّ ينسى الناس ما فعلته بالمحكمة .. وحين أنتهي من وضع الخطة , أتصل بك
الأب : سأنتظر مكالمتك على أحرّ من الجمر
*** 

بعد شهر .. إتصل جون بالأب في آخر الليل , طالباً منه الخروج من المنزل دون إيقاظ عائلته .. 

وفي سيارة جون , اعطاه كيساً بداخله بذلة الشرطة وهو يقول :
- اعتقد ان المقاس يناسبك
الوالد باستغراب : وهل ستدخلني السجن بهيئة شرطي ؟!
جون : لا حلٌّ آخر .. وهذه بطاقتك المزوّرة .. والآن غيّر ملابسك في المقاعد الخلفيّة , فقد اوشكنا على الوصول  
***

في السجن .. إستطاع جون إدخال الأب الى عنابر المساجين .. ثم نزلا الى القبو الذي يحوي الغسّالات الضخمة .. وطلب منه الإنتظار هناك

بعد قليل .. أحضر السجينان (مساعديّ جون) القاتل مُقيداً بالسلاسل  وعلى رأسه غطاءً اسود أزاله جون ليظهر القاتل مُكمّم الفم , وعلى وجهه علامات الفزع ! 
فقال له جون :
- أتدري من الرجل الذي يقف هناك ؟ انه والد الضحية الذي اراد قتلك في المحكمة 

فحاول القاتل الهرب بكل قوته .. الا ان السجينان أمسكاه بإحكام , وربطاه بالكرسي..  
ثم أعطى جون الأب عصاته البوليسية , وهو يقول :
- هو لك , أقتله كما تشاء 

فانهال الأب الغاضب ضرباً بالعصا الحديدية على اطراف القاتل , فكسرها .. ثم هشّم رأس المجرم بضرباتٍ قوية متتالية دون رحمةٍ او شفقة!
وهنا أمسك جون يد الأب وهو يقول :
- لقد مات .. يمكن التوقف الآن

فابتعد الأب عن الجثة المشوّهة وهو ينفث انفاسه الغاضبة , وقد تلوّثت ثيابه بالدماء ..
ثم طلب جون من السجينين العودة الى زنزانتهما دون التفوّه بكلمةٍ واحدة , والا سينالان العقاب ذاته ..

وبعد ذهابهما , أعطى جون كيساً للأب وهو يقول :
- كنت متأكداً انك ستحتاج الى بذلة نظيفة اخرى .. هيا بدّل ملابسك بسرعة لأعيدك الى بيتك
الأب : وماذا عن هذا الحقير ؟
جون : سندعه هنا الى ان يجده الحارس غداً .. ولا تقلق , فقد عطّلت كاميرا القبو في اول المساء .. والآن لنخرج من هنا فوراً
*** 

في الطريق ..قال له الأب :
- لا أصدّق اننا نفّذنا المهمّة بهذه السهولة !
جون : هذا لأنني خطّطت جيداً للموضوع كي لا نثير الشبهات .. المهم كيف تحسّ الآن ؟
فتنهّد الأب بسعادة : أشعر براحةٍ شديدة , وكأن روح ابنتي تحوم من حولي وهي ممتنّة لانتقامي لها
جون : ممتاز ..... هآقد اقتربنا من بيتك .. لا اريد تنبيهك ثانيةً بإخفاء الأمر عن عائلتك واصدقائك , والا سنقع كلانا في ورطةٍ كبيرة
الأب : لا تقلق , سرّك في بئر
ونزل الى بيته , بعد دفعه للمبلغ المتفق عليه ..

لاحقاً , إكتشف الحرس جثة القاتل في القبو .. واعتبرت الإدارة مقتله  شجاراً بين السجناء , وأُغلقت القضية !
***

وفي الشهور التالية عمّ السلام والهدوء على القرية , الى ان قبضت الشرطة على تاجر مخدرات إستهدف المراهقين .. مما اغضب الأهالي الذين رفضوا حكم القضاء بنقله الى سجن المدينة .. 

فاتفق جون معهم على عقابٍ عادل يناسب جريمته بعد تدميره مستقبل خمسة من شبابهم اليافعين.. حيث اقترح أحد الآباء (داخل اجتماعٍ سرّي) بإجبار التاجر على بلع حبوب المخدّر حتى الموت
ووافق بقية الأهالي على اقتراحه بشرط ان يصوّر لهم جون الحادثة بكل تفاصيلها , والذي قال لهم :
- لا تقلقوا , فالمخدرات التي مسكناها معه مازالت في مخزن الشرطة .. وسأحرص أن يبتلعها الواحدة تلوّ الأخرى الى ان تنفجر عروقه 

احد الآباء : ومتى ستنفّذ الأمر ؟
- في نهاية الأسبوع , فمعظم حرّاس السجن يأخذون إجازتهم في عيد الميلاد .. وحينها أنفّذ الأمر داخل مخزن الشرطة , ليظهر وكأن التاجر اقتحم المكان بسبب إدمانه , فقتل نفسه بالجرعة الزائدة .. 
الجميع بارتياح : فكرةٌ ممتازة !!
*** 

بعد ايام .. شكرته الأهالي عقب مشاهدتهم الفيديو المصوّر للتاجر وهو يبكي مرتجفاً اثناء بلعه المخدرات تحت تهديد سلاح جون , الى ان تقيأ دماً .. وظلّ جسده ينتفض بقوة , حتى اسلم الروح ! 

وقد وصل خبر مقتله الى بقية تجار المخدرات الذين فرّوا هرباً من اهالي القرية الذين احتفلوا مع جون برأس السنة وهم ممتنون لخدماته الجبّارة
*** 

لكن أمن القرية إهتزّ مجدداً عند قدوم مغتصب سابق للعيش بينهم بعد اطلاق سراحه من سجن المدينة , مما اغضب الأهالي الذين طالبوا برحيله على الفور .. لكن جون لم يستطع تنفيذ طلبهم لعدم ارتكابه أيّ جرم ..وبالوقت نفسه , عيّن رجاله للتناوب على مراقبته .. 

وبعد ثلاثة شهور .. استطاع جون القبض عليه بعد ملاحقة سيارته التي احتجز فيها الطفلة المختطفة..
ثم اقتاد المغتصب المُقيد الى كنيسة القرية , تحت تهديد السلاح .. 
وهناك قال لهم جون :
- جيد انني أمسكته باللحظة المناسبة قبل قيامه بالفعلة الشنيعة .. امّا الصغيرة فسلّمتها لجدتها قبل وصولنا الى هنا

فصفعت ام الطفلة المجرم بعصبية :
- يا لعين !! ماذا تريد من فتاةٍ لم تبلغ السابعة بعد ؟!
جون : اهدأي رجاءً .. ولأنك ام الضحية اريدك ان تقرّري عنا نوعية عقابه 
الأم بغضب : اريد تحويله لإمرأة , طالما انه لا يستطيع التحكّم برغباته القذرة !!

فوافق الجميع على اقتراحها .. فصرخ المغتصب بخوف :
- لا رجاءً لا تقطعوا ..
الكاهن بحزم : أسكت والا قطعنا لسانك ايضاً !! 
جون : ايها الطبيب قم بواجبك 

فأمسك الرجال المجرم بإحكام , ليقوم الطبيب بالعملية تحت انظار الأهالي الذين شعروا بارتياحٍ كبير لنيله العقاب العادل .. 

ثم رمى جون المجرم (الغائب عن الوعيّ) في غرفة بفندقٍ رخيص خارج القرية .. ومن يومها لم يره احد .. 

وهذه الحادثة جعلت بقية المتحرشين يتجنبون الإقتراب من القرية التي اشتهرت بعقابها العنيف للمنحرفين ! 
***

وحديث الناس عن بطولات جون وصلت لأسماع قاضي القرية الذي طالب برؤيته على عجل ..
وباجتماعٍ مغلق , قال له غاضباً :
- من واجبي ان اعاقبك على مخالفتك القانون !!
جون : عن أيّ قانون تتحدّث , سيدي !.. هل برأيك ترك متحرشٍ سابق يعيش قرب اطفال القرية هو قرارٌ سليم ؟ او ارسالكم تاجر مخدرات الى سجن المدينة هو عقابٌ عادل بعد تدميره لكل اولئك الشباب ؟!  

القاضي : أعلم بأن افعالك الغريبة هي ردّة فعل لموت ابنتك
جون بعصبية : وانا لست نادماً على قتلي لذلك الحقير !!
- يبدو انك لم تترك لي خيار سوى ارسال تقريرٍ عن افعالك المتطرّفة لمحكمة المدينة ليتخذوا القرار المناسب بحقك
- لكن سيدي !

وهنا تلقى القاضي إتصالاً من زوجته التي كانت تبكي بحرقة..
((مابك يا امراة ! لما تبكين هكذا ؟.. ماذا حصل لإبنتي , تكلّمي !! .. يا الهي ! ..حسناً , انا قادمٌ اليك))
جون باهتمام : ماذا هناك سيدي ؟!

القاضي وهو ينهج بخوف : احدهم خطف ابنتي اثناء ذهابها للجامعة , واتصل بزوجتي قبل قليل يُطالبها بالفدية
جون : دعني أحلّ لك المشكلة
القاضي بعصبية وحزم : انت إبقى في مكانك ولا تتحرّك , أفهمت؟!!
***

ولم يلتقي جون بالقاضي الا في اليوم التالي , حيث وجده منهاراً تماماً 
- ماذا حصل سيدي ؟
القاضي بقلق : اللعين طالبني بمئة الف دولار والا سيرسل لي اصبع ابنتي ! لهذا تكلّمت مع السمسار لبيع منزلي بأسرع وقتٍ ممكن
- لا داعي لذلك سيدي , يمكنني حلّ المشكلة
- وكيف ؟ 
جون : هل تريد ان ترى اشلاء الخاطف تنفجر امام عينيك ؟ 
القاضي باستغراب : ماذا تقصد ؟!
جون بابتسامةٍ ماكرة : ستعلم هذه الليلة
***

وقام جون بالتخطيط مع رجاله لوضع دولاراتٍ مزيفة (موجودة في مخزن الشرطة , التابعة لأحد المزورين المقبوض عليهم) داخل حقيبةٍ جلدية , وفي اسفلها قنبلة موقوته .. 
ولاحقاً اتفق جون مع الخاطف على موعد تسليم الفدية , بشرط إحضاره ابنة القاضي وقت التسليم 

وانتظر القاضي في سيارته (المتوقفة فوق الجسر) لمراقبة جون اثناء توصيله المال المزوّر للخاطف , بعد ان استلم منه الصبية التي كانت ترتجف بقوة ..

وبعد ان إبتعدا عن المكان .. جلس الخاطف سعيداً في سيارته بعد رؤيته لرزم الأوراق المالية المُكدّسة في الحقيبة.. 

وقبل تحرّكه .. أشار جون بيده للقاضي من بعيد , ليقوم بالضغط على جهاز التحكّم .. 
فضغط القاضي بيده المرتجفة على زرّ الجهاز , لتنفجر سيارة الخاطف الى اجزاءٍ صغيرة تطايرت في كل مكان !

من بعدها .. أسرع القاضي باكياً لاحتضان ابنته , وهو يسألها مرتعباً :
- هل اذاك اللعين ؟
- لا ابي , انا بخير 

وبعد ان هدأ روعهما , اقترب منهما جون قائلاً :
- الحمد الله على سلامتها 
فنظر اليه القاضي نظرة شكر , قبل عودته مع ابنته الى بيته حيث كانت زوجته تنظرهما بفارغ الصبر
***

في اليوم التالي مساءً .. إجتمع القاضي مع جون في مكتبه ..
جون : اعلم ان عقابي للمجرمين ليس قانونياً .. لكن استحلفك بالله , الم تفرح حين رأيت اشلاء المجرم تتطاير في ارجاء الوادي ؟
القاضي : بالحقيقة نعم .. كما ان موته اراح ابنتي كثيراً
- اذاً ؟
- فكّرت البارحة كثيراً , وقرّرت ان أمنعك من القيام بأيّ فعل دون استشارتي

جون : وهل ستقبل بمعاقبة المجرمين دون إخبار قضاة المدينة ؟
فتنهّد القاضي بقلق : مع ان ذلك يُخالف عملي , الا ان عقوباتك الغريبة السنة الماضية خفّفت من نسبة الإجرام في قريتنا !
جون بحماس : اذاً دعنا نعمل سوياً على معاقبتهم , لحماية القرية من شرورهم .. ما رأيك ؟

ففكّر القاضي قليلاً , قبل ان يقول : حسناً , لكن بسرّيةٍ تامة
فأومأ جون برأسه موافقاً , لترتسم على وجهيهما إبتسامة الرضا

الاثنين، 16 ديسمبر 2019

مسابقة عصابة غريبي الأطوار

تأليف : امل شانوحة


لا احد يفهمنا !

((هل تشعر انك مختلف عن الآخرين ولا احد يفهمك ؟ .. هل تعاني من إهمال والديك وقلّة اصدقائك ؟ .. هل لديك ستايل مميزّ لشعرك وملابسك ومكياجك ؟ .. هل تتعرّض للنقد الدائم لأسلوب كلامك وتصرّفاتك ؟ .. هل فشلت بالإندماج مع مجتمعك ومحيطك ؟ ..هل ترى ان روحك وُضعت في جسدٍ لا يعكس افكارك ومشاعرك ؟ .. اذاً إنضمّ الى مجموعة غريبيّ الأطوار , للإحتفال معاً بطريقتنا الخاصة))

وكُتب تحت الإعلان : عنوان المكان وزمان الإجتماع..
وتمّ نشر الإعلان الغريب في كافة وسائل التواصل الإجتماعي , قبل شهر من نهاية السنة .. 
***

وفي ليلة رأس السنة الجديدة , وداخل مستودعٍ قديم .. تجمّع سبعة اشخاص بأشكالهم الكئيبة المريبة , بعضهم بملابس سوداء ومكياجٍ داكن كعبّاد الشياطين ..والبعض الآخر حضر بثيابٍ مُبهرجة وفاقعة اللون كالشواذّ !

حيث وجدوا داخل المستودع المهجور : عدة كراسي رُصّت بشكلٍ دائري , وأُضيئت في الوسط مجموعة من الشموع الملونة ..
فجلس كل واحدٍ على كرسيه وهم ينظرون لبعضهم باستغراب , دون ان يتجرّأ احد على الكلام ..

وهنا سمعوا شخصاً يُصفّق لهم من بعيد :
- أحسنتم جيمعاً !!
فسأله احدهم : هل انت صاحب الإعلان ؟
- نعم , معكم ديفيد إكس .. و انا ممتنٌّ لتفضيلكم الإحتفال معي عوضاً عن عائلاتكم بعيد رأس السنة

فقال أحدهم : بالحقيقة عائلتي فرحت حين أخبرتهم انني سأحتفل مع اصدقائي في الخارج 
وقالت فتاة مراهقة : وأنا لم يسألوني اصلاً اين ذاهبة في هذا الوقت المتأخّر! 
شاب : اما انا فأكاد أجزم ان عائلتي لم تلاحظ بعد غيابي , لأنهم نادراً ما يدخلون غرفتي !
ديفيد : ممتاز !! يبدو جميعنا نتفق بأن عائلاتنا لم تفهمنا يوماً
فأومأوا برأسهم إيجاباً ..

وهنا سألته فتاةٌ هندية : وهل لديك نفس المشكلة سيد ديفيد ؟
فأجابها : عانيت في الماضي كثيراً من المحيط الذي كبرت فيه , حيث عدّني أقراني غريب الأطوار , ولقّبوني بالكائن الفضائي الفاسد ! لهذا جمعتكم اليوم للإستماع الى مشاكلكم وهمومكم كأخٍ كبير
فسألته صبية (حليقة الرأس) : وهل سندفع لك مقابل جلساتك العلاجية ؟
فأجابها بابتسامة : لا ابداً .. فهذه جلسة فضّفضة , وأنا لست طبيباً نفسياً .. بل شخصاً عانى كثيراً من مجتمعه المتخلّف 

الشاب : وهل وجدّت حلّاً لمشكلتك ؟
ديفيد : نعم , وسأخبركم به بعد إحتفال الليلة على طريقتنا الخاصة .. (ونظر الى ساعته) .. بقيّ هناك خمس دقائق على بداية رأس السنة .. 

ثم أخرج جهاز التحكّم من جيبه , وضغط على ازراره .. فإذّ بشجرة الميلاد تنزل من سقف المستودع , والأنوار الملونة تُضاء في اركان المكان الواسع .. والموسيقى العالية ترتفع من مكبّرات الصوت .. 

واثناء إنشغال الشباب بالأحداث المُبهجة , توجّه ديفيد الى طاولة في الزاوية .. وأزال عنها الغطاء الأبيض , لتظهر اصنافٌ عديدة من الطعام والحلوى .. قائلاً لهم :
- بقيت هناك دقيقة واحدة على بداية السنة .. إلبسوا القبعات الملونة التي تحت مقاعدكم , وضعوا الصافرات في فمكم لبدء الحفل .. هيا إسرعوا , ماذا تنتظرون ؟!!

وبالوقت الذي كانوا يضعون عليهم زينة الميلاد , قال ديفيد بصوتٍ عالي وهو ينظر الى الساعة الكبيرة المعلّقة على جدار المستودع :
- لنتعهّد جميعنا على العيش بحرّية في العام الجديد , دون الإكتراث بآراء من حولنا .. والآن لنُعدّ سويّاً الثواني الأخيرة لهذا العام : 4- 3- 2 - 1 

ثم هبطت البالونات فوق رؤوسهم مع اطلاقهم للصافرات , وهم يقفزون بسعادة على بدء السنة الجديدة..
***

بعد ساعة .. إنتهى الشباب من تناول جميع اصناف الطعام والشراب اللذيذة , ظانين بختام الحفلة .. لكن ديفيد فاجأهم بطاولةٍ صغيرة وضعها امامهم 
فسأله أحدهم : ما هذه ؟
فكشف الغطاء من فوقها , لتظهر انواع مختلفة من المخدرات بشكل حبوب وحقن..
فصرخ الشاب بدهشة : يا الهي ! هذه انواع فاخرة من المخدرات  
ديفيد : نعم , وهي لكم بالمجّان
فهجموا عليها لاختيار ما يشاؤون ..
ديفيد : حاولوا ان لا تسرفوا في استخدامها , فأنا اريد اسعادكم لا القضاء عليكم يا اصدقاء

ومن بعدها .. إستراح كل شخصٍ منهم في إحدى زوايا المستودع .. الى ان غفوا في سباتٍ عميق
***  

قبيل الفجر .. أيقظهم ديفيد بعد تشغيله لأغنية روك صاخبة .. وبالكاد استطاعوا الجلوس بثبات على كراسيهم من شدة النعاس ومن دوار المخدّرات (بناءً على طلبه) ..
فقال لهم : آسف على إيقاظكم بهذه الطريقة , لكني قدّمت الكثير لإسعادكم , ولم تعطوني بعد ما اريده
الفتاة بتعب : وماذا تريد منا ؟
ديفيد : ان تشاركوني قصصكم .. فمن سيبدأ اولاً ؟ 

فرفع مراهق يده : انا !! .. اسمي آدم ... الأبن الوحيد لوالدين منفصلين ..ومنذ طلاقهما في سن التاسعة , وانا اعيش مع جدتي المتسلّطة التي تحرمني من مصروف والدي , كلما قمت بتصرفٍ لا يعجبها .. كما انها تتدخّل دائماً بقراراتي .. وتمنعني من الخروج مع اصدقائي .. والأسوء انها تزور ثانويتي باستمرار للسؤال عني , مما جعلني محطّ سخرية للمتنمّرين في مدرستي  

ديفيد : هذا سيء .. وماذا عنكِ ؟
فأجابته الفتاة (حليقة الرأس) : انا جسيكا .. ومنذ طفولتي أشعر بأني صبي مسجون في جسد انثى .. فلا شيء يهويني بعالم النساء .. وقد حاولت مراراً إفهام والديّ بأنني احتاج الى عملية جراحية لأتحوّل الى شاب .. لكنهم يرفضون طلبي , ويظنون انها مجرّد إضطراب في الهرمونات , مع اني بلغت 20 سنة ولم اعد مراهقة .. لهذا قمت بحلق رأسي ولبس ثياب الشباب وتضخيم صوتي .. وبذلك أصبحت غريبة الأطوار بالنسبة لهما , وصارا يتجنّبان الحديث معي .. حتى بُتّ أفكّر جدّياً بالإنتحار لأتخلّص من أزمة الهويّة التي لديّ !

ديفيد : مشكلةٌ صعبة ! وماذا عنك ايها الشاب ؟
- اسمي جاك .. وانا أعشق المغامرات والسفر , لكن والدي يريدني ان أنهي جامعتي لأساعده في محل الخرداوات .. ولا ادري ما فائدة دراسة 4 سنوات تجارة بالجامعة , لأنتهي كبائعٍ بسيط كأبي .. فكل ما اريده هو السفر لاكتشاف الغابات والمحيطات والحيوانات النادرة , والتعرّف على المغامرين امثالي ..(ثم تنهد بضيق) .. أتمنى في السنة الجديدة ان تحصل معجزة تغير مستقبلي الباهت والمملّ

ديفيد : أفهم مشكلتك جيداً .. وماذا عنكِ ؟
الفتاة : انا من اصول هندية كما تلاحظون .. ويريد اهلي تزويجي فور إنهاء دراستي الثانوية .. فوالدي رجلٌ متحفّظ , ولهذا اختار لي زوجاً هندياً يكبرني بعشر سنوات .. لكنه لا يعلم بأنني متورّطة بعلاقة مع شاب تعرّفت عليه بالإنترنت 

ديفيد : فعلاً الأهالي لا يدركون شيوع العلاقات بالإنترنت هذه الأيام .. وانت ماهي قصتك ؟
- اسمي اريك .. وعملي الليلي في الصيدلية جعلني مُدمناً على المهدّئات.. وأخشى ان يطردني المدير إن اكتشف سرقتي لأدويته , ممّا سيعرّضني لعقاب ابي القاسي .. فهو عسكري متقاعد , وصارمٌ جداً معي 

- وانا داني .. واظنكم علمتم فور رؤيتكم لثيابي المبهرجة ومكياجي الفاقع انني شاذّ .. الجميع لاحظ ذلك , ماعدا امي التي تصرّ على تزويجي بعد انتهاء جامعتي ! .. رغم انها ساهمت في تحوّل ميولي .. ففي طفولتي , اعتادت امي على تركي مع جارنا كلما ذهبت الى العمل .. واللعين استغلّ أنني طفلٌ يتيم اسوء استغلال .. لكن لم أجرأ على اخبارها بجريمته حتى اليوم .. وأمنيتي الوحيدة هو ان أقتله بيديّ هاتين !! .. (وتنهّد بحزن) ..ليتني املك الشجاعة لفعل ذلك

ديفيد : اهدأ يا صديقي , سأحاول حلّ مشكلتك قريباً .. وماذا عنكِ؟ 
- اسمي جاكلين .. قد تكون مشكلتي بسيطة امام مصائبكم .. فأنا اعاني من الإهتمام الزائد لعائلتي , خاصة بعد نجاتي من السرطان في طفولتي ..ومن يومها ووالدتي تقرّر نوعيّة طعامي ..ويختار والدي اصدقائي وستايل ملابسي والكثير من القوانين الأخرى .. واعتقد إنه أبلغ الشرطة عن اختفائي , لأني تسلّلت الى هنا من نافذة غرفتي , حيث اعتاد على قفل باب منزلنا مساءً.. (ثم سكتت قليلاً).. ماذا عنك سيد ديفيد , ماهي قصتك ؟

ديفيد بنبرةٍ حزينة : معاناتي بدأت منذ ان أخبرتني امي بأن جدي اللعين هو والدي
الجميع : لم نفهم !.. ماذا تقصد ؟
ديفيد : الم تسمعوا بقصة الرجل الذي احتجر ابنته بقبو منزله لعشرين سنة , وانجب منها ولدين ..مات احدهم بالربو الذي اصابه من رطوبة القبو , اما الثاني فبقي حياً ؟
جاكلين : هل هو انت ؟!
ديفيد بقهر : نعم .. ورغم ان جدي خرج من السجن قبل سنتين , الا ان حبسه ل20 سنة لم يُشفي غليلي , خاصة بعد انتحار امي لمعاناتها الطويلة مع الإكتئاب  
داني : وماذا فعلت به ؟
ديفيد : تعالوا معي 

وأخذهم الى قبو المستودع .. وحين انار الضوء , وجدوا عدة رؤوس مقطوعة داخل مرطبانات بها محلولٍ كيميائيّ ..  فارتعبوا جميعاً !
ديفيد : رجاءً لا تخافوا
فسألته الهندية بفزع : هل هذا العجوز هو رأس جدك ؟! 

ديفيد : نعم .. مع انه اعطاني كل ميراثه الضخم , الا ان ذلك لم يكفي لأسامحه .. وبإحدى الليالي راقبته , فوجدته يتجوّل وحده داخل الغابة القريبة من كوخه .. ولا ادري ما كان يفعله هناك مساءً ! الا انني هجمت عليه , وطعنته بوحشيّةٍ شديدة .. وبالنهاية قطعت رأسه ووضعته في المرطبان , ودفنت بقية اشلائه بأماكن مختلفة بالغابة .. وكما توقعت لم يلاحظ احد اختفائه , لأنه كان مكروهاً من مجتمعه .. وهذه كانت اول جريمة ارتكبتها في حياتي , إنتقاماً للروح أمي وأخي  

فقال له داني : بصراحة لا الومك , فأنا احلم دوماً بالإنتقام من جاري المتحرّش .. لكن عندي سؤال .. من هم اصحاب الرؤوس الأخرى ؟ 
ديفيد : هذا رأس متنمّرٍ لعين في جامعتي , قتلته بعد ان أطلع الجميع على قصة هويتي المزوّرة التي أعطتني إيّاها الشرطة بعد انتهاء قضية جدي.. وبسببه تعرّضت لسخرية الطلّاب ونظراتهم المستفزّة طوال مراحل دراستي .. اما هذه , فهي رأس حبيبتي الأولى التي خانتني .. وبجانبها رأس عشيقها الذي كان يوماً صديقي المقرّب .. وهاهي قصتي باختصار 

الفتاة الهندية بخوف : لحظة سيد ديفيد ! .. صحيح اننا نكره اهالينا , لكننا لا نفكّر ابداً بقتلهم
الجميع : هذا صحيح
ديفيد : الأمر يعود لكم 
جسيكا بقلق : يعني لن تُجبرنا على ذلك !
ديفيد : مطلقاً , انتم احرار بقراراتكم ..  
آدم : اذاً لماذا جمعتنا هنا ؟
ديفيد : لنتشارك قصصنا سويّاً .. فربما حينما تسمعون قصتي البائسة , ستهون عليكم مصائبكم .. والآن دعونا نصعد الى فوق
***

لكن فور صعودهم , حاولت جاكلين الهرب من المستودع بعد ان أخافها جنونه..
وما ان وضعت يدها على البوّابة , حتى صُعقت بالكهرباء .. وظلّت تصرخ وتتلوّى الى ان ماتت مُتفحّمة الذراع , وسط دهشة الجميع !

ديفيد : الغبية .. ظنّت بأني سأدعها تخرج من هنا بسلام , بعد ان أخبرتكم بجرائمي
الفتاة الهندية بخوف : أهذا يعني انك ستقتلنا جميعاً ؟! 
ديفيد : أتمنى ان لا اضطّر لذلك .. فأنا سأمتحنكم اولاً , ومن ينجح منكم ينضمّ الى عصابتي المميزة .. والآن اجلسوا لكيّ أحلّ لكم مشاكلكم 
فجلسوا وهم يرتجفون خوفاً , بعد ان هدّدهم بالسلاح !

ديفيد : انتِ يا جسيكا .. بإمكاني اعطائك المال لإجراء العملية الجراحية لتتحولي رجلاً كما ترغبين
جسيكا بارتباك : شكراً لك
ديفيد : وانت يا آدم .. يمكنني مساعدتك بقتل جدتك المتسلطة
آدم بخوف : لا اريد !! .. فهي وان كانت صارمة , الا انها تفعل ذلك لمصلحتي 
ديفيد باحتقار : ايها الجبان !
واطلق رصاصة في رأسه , أردته قتيلاً ..

فبكت الفتاة الهندية وهي تقول : رجاءً سيد ديفيد ..دعنا نذهب الى بيوتنا , فنحن لسنا بمجرمين
ديفيد : اذاً سأجبركم على ذلك .. وسأبدأ بجاك 

وضغط على جهاز التحكّم .. لينزل من السقف والد جاك مربوطاً ومكمّم الفمّ , وبالحبل الآخر كلبه المقيّد بإحكام .. بعد ان وضع ديفيد اسفل منهما حوضاً حديديّ به نار منصهرة .. ثم اعطى جهاز التحكّم لجاك الذي كان يرتجف باكياً , قائلاً له :
- هناك زرّان على الجهاز .. هذا لإنقاذ والدك , وهذا لإنقاذ كلبك .. فأيهما تختار ؟ 

جاك بفزع : ارجوك سيد ديفيد , انا لا اريد قتل والدي
ديفيد : لكنه يريد ان تقضي جلّ عمرك بالعمل معه في محل الخرداوات
جاك بفزع : لا امانع ذلك .. صدقاً لا مشكلة لديّ 
ديفيد : لكن هذا لم يكن رأيك سابقاً .. (ثم وجّه سلاحه نحوه وهو يقول).. اريدك ان تختار الآن !!! 

فأراد جاك كسب المزيد من الوقت , فسأله :
- اساساً كيف وصلت الى مكان والدي ؟!
ديفيد : سؤالٌ مهم .. ما لا تعلمونه عني , انني هاكر محترف .. واستطعت التوصّل الى عناوين منازلكم من ارقام حواسيبكم التي ظهرت عندي اثناء تسجيلكم في جمعيتي .. وخلال نومكم قبل قليل , طلبت من حرسي إحضار اهاليكم الى هنا

الفتاة الهندية بخوف : وهل عائلتي موجودة بينهم ؟!
ديفيد بعصبية : إنتظري دورك يا امرأة !!.. والآن يا جاك لا تضيع وقتي .. من ستختار بينهما ؟ والدك الفاشل المملّ , ام كلب طفولتك؟

وبيدٍ مرتجفة , إختار جاك إنقاذ والده .. لكن الغريب ان والده هو من سقط ببرميل النار ! وصار يصرخ من شدة الألم .. فأسرع جاك لإنقاذه .. ليقوم ديفيد بإطلاق ثلاثة رصاصاتٍ متتالية : قتلت جاك ووالده والكلب .. ثم توجّه للبقية قائلاً :
- قتلتهم لأن جاك الغبي إختار خطأً , وخيّب ظني فيه .. والآن دوركِ ايتها الهندية ..

وضغط على زرٍّ آخر في جهازه : ليتدلّى خطيبها الهندي بالحبل , في  مقابل حبيبها بالإنترنت ..
ثم سألها ديفيد : هآ عزيزتي من ستختارين ؟ أعتقد انك ستفضّلين القلب على العقل , اليس كذلك ؟

لكنها فاجأته باختيار الهندي لأنه من اقاربها , لتنهار باكية بعد رؤية خطيبها يقع فوق منشارٍ حادّ قطعه الى نصفين 
فتنهّد ديفيد بضيقٍ وغضب : ما بالكم يا اغبياء !! لما لا تختارون بشكلٍ صحيح ؟!

ثم اطلق النار عليها وعلى خطيبها الهندي , معلّلاً فعلته :
- لا اريدكم ان تفضّلوا الآخرين على مصالحكم الشخصية ..فأنا اريد اشخاصاً انانيون في عصابتي .. المهم , اين وصلنا .. .. آه داني دورك الآن .. فقبل اسبوع إخترقت حاسوبك , وقرأت قصة جارك المتحرّش من ملفّ مذكراتك.. وجيد انك ذكرت عنوان منزلكم القديم واسمه بالكامل , فهذا سهّل إيجاده ... وهاهو موجود في تلك الخزانة الحديدية .. (ثم ضغط على زرّ في جهازه , لينفتح باب الخزانة وبداخله العجوز مقيد ومكمّم الفمّ) .. هاهو عدوك يا داني ..فهل ستطعنه بسيف سامورايّ , ام ستخيب املي انت ايضاً ؟

وما ان رأى داني جاره , حتى عادت له ذكريات الطفولة المريرة .. فسحب السيف من يد ديفيد , وانطلق كالمجنون باتجاه جاره ليغرزه بكل حقدٍ وغضب في قلبه .. فيموت على الفور ! 

وهنا صفّق له ديفيد بفخر :
- وأخيراً وجدت شخصاً يشبهني .. أحسنت يا داني !!.. من قال ان الشواذ ضعفاء .. هيا اذهب واسترحّ هناك , وهات السيف من يدك

فتهالك داني على الكرسي وهو ينهج بصعوبة , وهو لا يصدّق بأنه تخلّص أخيراً من كابوس جاره ! 

بهذه الأثناء .. إقترب ديفيد من اريك ومعه علبتا دواء , قائلاً :
- دورك يا اريك .. الست مدمن ادوية ايها الصيدلي ؟ لهذا جلبت هاذين , خصيصاً لك 
اريك مرتجفاً : لا ! هاذين الحقنتين تسببان الموت ان أخذتهما سويّاً 
ديفيد : اعرف , لهذا اريدك ان تحقنهما في ذراع جسيكا

جسيكا بفزع : ماذا !
ديفيد : آسف عزيزتي , لكني اريد إمتحانه 
جسيكا : الم تخبرني بأنك ستعطيني المال من أجل عمليتي ؟
ديفيد : الوضع يتوقف على قراره هو .. هآ يا اريك ماذا قلت , هل ستحقنها بهما ؟
اريك بعصبية : لا طبعاً !! انا صيدلي ولست قاتل 
ديفيد : توقعت ذلك .. اذاً دورك يا جسيكا .. ففي حال حقنت اريك بهما , سأتكفلّ بجميع مصاريف علاجك .. لكن عليك اولاً ان تثبتي ولائك لي .. وانت يا داني , قمّ بتقيده

فأسرع داني بربط اريك بالكرسي والذي لم يقاومهم لخوفه من سلاح ديفيد الموجّه اليه .. بالوقت الذي كانت فيه جسيكا تخلط الأبرتين سوياً داخل الحقنة

اريك بخوف : لا يا جسيكا .. انا لم أقبل بقتلك , فلماذا تقتلينني ؟
جسيكا : لأني اريد ان اصبح رجلاً مهما كلّفني الأمر
ديفيد : أحسنتي عزيزتي , هيا أريني براعتك 

فقامت بحقن ذراع اريك بالدواء .. لتظهر النتيجة بعد نصف ساعة , حيث صار يتقيأ دماً , وجسده ينتفض بقوة .. الى ان فارق الحياة 

وهنا صفّق ديفيد لداني وجسيكا وهو يقول لهما :
- أعلنكما الآن !! فردين مميزين في عصابة غريبيّ الأطوار 
جسيكا : لكننا ثلاثة فقط ! 
ديفيد : ومن قال ذلك
ثم صرخ بعلوّ صوته قائلاً : 
- تقدّموا ايها الأصدقاء لتحية العضوين الجديدين !!! 

وإذّ بمئة شاب وفتاة يخرجون من داخل المستودع وهم يصفقون لهما .. 
وهنا قال ديفيد لداني وجسيكا : هؤلاء جميعهم قتلوا عائلاتهم من أجلي .. اما الرؤوس المحفوظة في القبو فماهي الا نماذج بسيطة لمعرض الرؤوس الضخم الموجود في علّية المستودع ..سأريكما إيّاه بعد قليل 

ثم وجّه كلامه لجميع افراد عصابته , قائلاً بصوتٍ عالي : 
- والآن يا اصدقاء , قوموا بتقطيع رؤوس الضحايا الجدّد لوضعها في متحفنا المميز .. ومن بعدها يبدأ الحفل الحقيقي للسنة الجديدة ..

فهللّ الجميع فرحاً بعد إخراجهم السكاكين لتجهيز الجثث والإستمتاع بتقطيعها .. وهم يردّدون كلمات أغنية روكٍ صاخبة صدحت من مكبّرات الصوت المعلّقة في زوايا المستودع الدمويّ المرعب !

الأربعاء، 11 ديسمبر 2019

سحر الأجداد

تأليف : امل شانوحة


 
القرية المنبوذة

بحلول العصر .. تعطّلت الحافلة في قرية الوادي اثناء رحلةٍ جامعية .. فنزل الطلاّب لشراء بعض الحاجيات من البقالة القريبة 

واستيقظت جاكلين بعد عودة الركّاب بمشروباتهم الغازيّة وبعض الحلوى , حيث سمعتهم يتذمّرون من ندرة البضائع وقلّة جودتها ! 
فاستغلّت جاكلين إنشغال السائق بتصليح الحافلة للذهاب بدورها الى البقالة الوحيدة المتواجدة هناك .. 

وما ان دخلتها , حتى لاحظت إرتباك البائع وهو يتأمّل وحمة وجنتها باشمئزازٍ وقلق ! 
فحاولت عدم الإهتمام لنظراته المستفزّة , وسألته :
- الا يوجد انواع اخرى من الحلويات ؟
فردّ بعصبية : التجّار لا يتعاملون مع قريتنا 
- ولماذا ؟! 

لكنه لم يجيبها .. فأخذت قارورة ماء وقطعة حلوى .. لكنه رفض إستلام الثمن منها !
وحين سألته عن السبب , أجابها بغضب :
- كل ما اريده هو ان تخرجي من محلّي بسلام !! 

وقد ضايقها جوابه القاسي الغير مبرّر ! فتركت الأغراض على طاولته , وذهبت باتجاه الحافلة .. 

وقبل صعودها , سمعت عجوزاً من خلفها تقول بنبرةٍ آمرة :
- إيّاك ان تعودي الينا ثانيةً , يكفينا ما فعلته امك سالي بنا 
فردّت عليها جاكلين باستغراب : امي اسمها ديانا , وهي طبيبة اطفال .. وأظنك أخطأتي بالشخص ..
العجوز مقاطعة : عرفنا جميعنا إنك ابنة الساحرة سالي , من وحمة وجهك التي تشبه الغراب 
- غراب ! لم الاحظ ذلك ابداً
- الا تري ما حلّ بنا .. قريتنا أصبحت مهجورة بسبب لعنة امك , الا يكفيكما ذلك !! ..رجاءً إرحلي , ولا تعودي الينا مطلقاً

وأنهت جملتها الغاضبة مع ارتفاع بوق الحافلة , حيث كان السائق يشير لجاكلين بالإسراع للصعود بعد إصلاحه العطل ..
فصعدت وهي مستغربة ممّا حصل لها في هذه القرية الغريبة ! 
***

بعد عودة الحافلة الى الطريق العام .. سألت جاكلين اصدقائها عمّا لاحظوه في القرية :  
فأخبروها إنهم حينما نزلوا قبلها , تجوّلوا قليلاً في ارجاء القرية البائسة ذات الأشجار اليابسة والنهر الجافّ والبيوت المهجورة التي يبدو وكأنها تعرّضت لحريقٍ سابق .. كما لاحظوا إختفاء الأطفال , فكل من مرّوا بهم من كبار السن ذوّ الوجوه العابسة ! وأكثر ما ازعجهم هو نعيق الغربان المزعج الذي زاد من رعب المكان وكآبته .. كما أخبرتها صديقتها انها وجدت لافتة البوّابة مكتوباً عليها :((القرية المنبوذة)) 

ورغم غرابة الوضع , الا ان جاكلين حاولت تناسي الأمر للإستمتاع ببقية الرحلة ..
***

في اليوم التالي .. خرجت امها الى عيادتها باكراً , فأحسّت جاكلين برغبةٍ ملحّة لتفتيش صندوق الأوراق الرسمية  
حينها وجدت شيئاً صدمها ! وهي وثيقة تبنيها من دار الأيتام , مُرفقة بقصاصةٍ قديمة لصحيفة : عن طفلة وُجدت في سلّةٍ على ضفاف النهر .. وكانت وحمة الطفلة ظاهرة في صورة الجريدة , فعلمت جاكلين بأنها الفتاة المُتبناة !

وعادت الى غرفتها حزينة .. وأخذت تتأمّل وجهها في المرآة , لترى بأن وحمتها تُشبه الغراب فعلاً (دون ملاحظتها ذلك مُسبقاً !) وهذا ما يؤكّد إنها ابنة الساحرة سالي التي يكرهها اهالي القرية المنبوذة ..
***

في المساء , وفور عودة امها من عملها .. واجهتها ابنتها بأوراق التبني..
الأم بارتباك : من سمح لك البحث في خزانتي ؟!
- إخبريني امي , هل تبنيت طفلة النهر ؟
فسكتت الأم طويلاً , قبل ان تجيبها :
- نعم , فقد ضايقني قساوة امك التي رمتك بالنهر في فصل الشتاء القارص .. لهذا أسرعت بإجراءات التبني 
- وهل حصلت امورٌ غريبة في طفولتي ؟ 

ففكّرت الأم قليلاً , قبل ان تقول : 
- أذكر حين كنتِ في الخامسة , أخذتك الى الحديقة العامة ..فقام ولد بمنعك من اللعب بالأرجوحة .. وما ان بكيتي , حتى هجمت الغربان من كل مكان ! فأسرع الأهالي بإبعاد اولادهم عن الحديقة ..وتكرّر الأمر معنا مرتين .. لهذا لم أعد أسمح لك باللعب خارج المنزل ... هذا عدا عن وشم ظهرك 
جاكلين باستغراب : أيّ وشم ؟!
- هناك حرق اسفل ظهرك , وكأن امك كوته بختمٍ ما 

فطلبت جاكلين من امها تصوير الوشم بالجوال .. 
وحين كبّرت الصورة , قالت لأمها :
- هناك اسم مكتوب بخطٍ صغير.. آه كما توقعت .. سالي
- ومن سالي ؟
جاكلين بضيق : امي الحقيقية 
الأم : وكيف عرفتي اسمها ؟!.. ومن تكون ؟

لكن جاكلين فضّلت تغير الموضوع , لأنها لا تريدها ان تعرف بأنها ابنة ساحرة ..وحاولت إظهار عدم اكتراثها بأنها فتاة متبناة , لأنه أمرٌ شائع هذه الأيام !
*** 

بعد اسبوع .. ودّعت امها للعودة الى سكن الطلّاب الجامعي بعد انتهاء عطلتها الرسمية .. لكنها بالحقيقية ذهبت مباشرةً الى القرية المنبوذة 

وأوقفت سيارتها قرب البوّابة الخشبية الضخمة , وصارت تراقبهم من بعيد , حيث بدت وجوههم شاحبة وبائسة للغاية ! 
وحين لمحت عجوزاً اعمى , نزلت باتجاهه لتسأله عن الساحرة سالي ..
فردّ بعصبية : العياذ بالله ! مالذي تريدين معرفته عن تلك الشيطانة؟!
- إخبرني قصتها منذ البداية يا عمّ 

فأخبرها العجوز إنه منذ ان سكنت سالي الحامل قريتهم والمصائب تنهال عليهم كالمطر , حيث جفّ نهرهم خلال اسابيع مما أدّى لذبول الأزهار والأشجار .. كما استوطنت الغربان المكان التي قضت على ما تبقى من مزروعاتهم.. وقد زاد الأمر عند حدّه حين تجرّأت بسحر ابنة رئيس البلدية بعد تعطّل سيارتها في قريتهم

فسألته جاكلين : ولماذا قامت سالي بسحرها ؟
العجوز : بصراحة الصبية هي من اخطأت بحقّ الجميع حين وصفتنا بالفقراء الأغبياء , لأننا لم نُسرع بإصلاح سيارتها للحاق بحفلتها .. حينها سمعنا الساحرة تُلقي عليها تعويذة سحريّة فور ابتعاد سيارتها الفارهة عن قريتنا .. ولم يمضي يومين حتى عرفنا بأن الفتاة أُصيبت بمرضٍ غريب جعلها في غيبوبةٍ دائمة !

جاكلين : وهل مازالت في الغيبوبة حتى اليوم ؟
- نعم , هي نائمة في قصر والدها منذ عشرين سنة 
- أحقاً !
- الأسوأ انه فور إصابتها بالمرض , أخبر احدهم والدها بأن ساحرتنا هي السبب .. فأصدر قانوناً جائراً بمنع التجّار التعامل معنا .. لهذا هاجر معظم الأهالي الى القرى المجاورة .. ولم يبقى هنا الا بعض المساكين أمثالي
- وماذا حصل للساحرة سالي ؟

العجوز : بعد الحصار الذي تعرّضنا له , لم نعد نطيق وجودها بيننا .. فاتفقنا سرّاً على حرق منزلها مساءً , خاصة بعد إنجابها لتلك الطفلة ذات الوحمة الغريبة في وجهها .. وحينما خمدت النار , سمعنا بكاء طفلتها قادماً من جهة النهر .. فعلمنا انها هربت الى هناك 
- الم تقل ان نهركم جفّ تماماً ؟
- جُفّت إحدى روافده المارّة بقريتنا , لكنه مازال يروي القرى المجاورة 

جاكلين : وماذا حلّ بطفلتها ؟
- حين وصلنا اليها , كانت الطفلة تطفو مُبتعدة عنا , بعد ان رمت امها السلّة في النهر
- جيد انها أنقذت ابنتها من بطشكم
العجوز بعصبية : ابنتها ستصبح يوماً كأمها وجدتها
جاكلين بدهشة : وهل جدتها ايضاً ساحرة ؟!
- كل سلالتها منذ مئات السنين كما اخبرتنا سابقاً.. وأكيد ابنتها  أصبحت اليوم صبية شريرة كأمها ..المهم دعيني أكمل القصة .. قبضنا على الساحرة وربطناها في ساحة القرية ..ووضعنا الحطب اسفل منها

فصرخت جاكلين بدهشة : أأحرقتموها ؟!!
- أوشكنا على ذلك , قبل ان تمطر السماء بعد جفافٍ دام 7 سنوات ..
جاكلين : هذا أمرٌ جيد
- لا !! فالمطر اطفأ نارها .. كما احرق البرق المتتابع عدة منازل , فتشتّت الناس لإطفاء بيوتهم .. فعلمنا إنها ستستغلّ إرباكنا للهروب من العقاب .. حينها اقترحت إحدى النسوة رجمها .. فبدأنا برميّ الحجارة عليها.. لتصرخ سالي بعلوّ صوتها : ((ابنتي !! ستنتقم منكم جميعاً حينما تكبر ..أعدكم بذلك)) .. وظلّت تهدّدنا , الى ان أصابت حجرة كبيرة رأسها , وفارقت الحياة أخيراً

فسألته جاكلين بعصبية : وهل عادت حياتكم طبيعية بعد مقتلها ؟!! 
- ولما انت غاضبة هكذا ؟! هل تعنيك الشيطانة بشيء ؟
فالتزمت جاكلين السكوت وهي تكتم غيظها ..

بهذه اللحظات , إنتهى الصبيّ من إخبار الرجال في القهوة عن رؤيته الصبية (بوحمة الغراب) تُكلّم العجوز الأعمى عند بوّابة القرية .. فأسرعوا جميعهم الى هناك 

وحين رأتهم جاكلين يركضون باتجاهها غاضبين ! تجمّدت في مكانها من شدة الرعب .. فسمعت صوت امرأة تقول لها :
- إسرعي فوراً الى سيارتك !! 

فاحتمت داخل سيارتها التي تجمّعوا حولها , محاولين كسر زجاجها بالعصيّ والأحجار  ..
وهنا سمعت المرأة ذاتها , تقول من المقاعد الخلفية لسيارتها : 
- تحرّكي !! ماذا تنتظرين ؟
وحين نظرت للخلف , تفاجأت بقطةٍ سوداء تجلس هناك وتقول :
- لا تخافي , فروح امك سالي في داخلي
جاكلين بدهشة وخوف : امي !
- نعم , وسأحميك من هؤلاء الملاعيين

وبدأت القطة تتلو تعويذة ما , جعلت الغربان تهجم من كل مكان على رجال القرية الذين اسرعوا هاربين الى بيوتهم ..
وهنا قالت القطة : هيا قودي سيارتك , والغربان ستلاحقنا الى ان تخرجي بسلام من القرية اللعينة 
وهذا ما حصل بالفعل , حيث ابتعدت الغربان فور خروجهما من المأزق !

وحين هدأ الوضع .. سألت جاكلين القطة : 
- هل انت حقاً امي ؟!
القطة : نعم , الم تري اسمي موشوماً على ظهرك ؟
جاكلين بغضب : يعني الا يكفي انك رميتني في نهرٍ بارد , وأحرقتني بالنار ايضاً !! 
- إضّطرت لتسخين خاتمي ووشمك , قبل وضعك بالسلّة .. كيّ تتعرّفي عليّ يوماً ما 
فتنهّدت جاكلين بضيق : لا يهم .. إخبريني كيف تحوّلتي الى قطة؟! 
- اثناء رجمي , رأيت قطة تقترب من الجموع الغاضبة .. فقرأت تعويذة قوية نقلت روحي اليها .. فظنّ المساكين إنهم تمكّنوا أخيراً من قتلي 
- الآن فهمت لما لم تنتهي اللعنة بعد على قريتهم !  

القطة بنبرةٍ غاضبة : هم استحقوا كل ما حصل لهم .. لكن رُبّ ضارةٍ نافعة .. فتنقلّي في جسد قطة سهّل عليّ مراقبتك اثناء طفولتك , الا تذكرين؟
- آه صحيح .. لطالما لمحت قطة سوداء تراقبني في المدرسة او من خلف نافذة غرفتي .. واظنك انت من ارسلتي الغربان الى الحديقة العامة ؟
القطة : طبعاً , فأنا لن اسمح لأحد بأذيتك ..(ثم تنهدت بارتياح) ..أشكر الربّ إنه اختار لك والدة بديلة حنونة عليك , ليت باستطاعتي شكرها بنفسي .. (ثم نظرت الى النافذة) .. هآقد وصلنا للشجرة الكبيرة , توقفي بجانبها
- لماذا ؟
- في الماضي أخفيت شيئاً تحتها , واريدك ان تحصلي عليه  

فقامت جاكلين بالحفر تحت الشجرة (بناءً على توجيهات القطة) لتجد كتاباً قديماً .. وحين عادت به الى السيارة , أخبرتها امها بأنه كتاباً متوارثاً في عائلتهم , وهو سحر الأجداد
جاكلين : ومن قال لك انني اريد ان اصبح ساحرة ؟
- لكن هذا عمل عائلتنا منذ قرون ! 
- لا يا امي , انا لا احب أذيّة أحد 
- اذاً احتفظي بالكتاب , فهو من حقك .. 

ففكّرت جاكلين قليلاً , قبل ان تقول : 
- أتدرين ... سأستخدمه فقط لفكّ غيبوبة الصبية , كيّ يستعيد اهالي القرية المنبوذة حياتهم السابقة
القطة بغضب : لكنهم استحقوا العقاب !!
- رجاءً دعيني أصحّح خطأك يا امي 
فتنهّدت القطة بضيق : كما تشائين , طالما ان هذا يُريح ضميرك
*** 

بعدها بأيام .. تمكّنت جاكلين أخيراً من تركيب المحلول السحريّ لفك سحر الصبية , بمساعدة القطة التي داومت على زيارتها في سكن الطلاّب الجامعيّ ..

وانتظرت جاكلين اسبوعاً آخراً لحين موعد الحفل السنويّ الذي يقيمه رئيس البلدية لأهالي القرى المجاورة .. 
ووصلت الى هناك وهي مُتخفية بشعرٍ مُستعار , ومكياجٌ كثيف يُخفى وحمة وجهها , خوفاً من تواجد احد اهالي القرية المنبوذة .. رغم ان تعليمات رئيس البلدية السابقة تحرمهم المشاركة بالمناسبات المهمة.. 

وحين منعها الحرس من دخول القصر , إضطّرت للإستعانة بأمها التي حضرت معها الحفل (بهيئتها القطة) والتي ردّدت بصوتٍ منخفض تعويذة جعلت الغربان تهجم على الحفل المتواجد في ساحة القصر .. فأسرع الحرس لحماية الطعام من هجماتهم المباغتة 
فاستغلّت جاكلين إضطرابهم , للدخول الى القصر مع امها التي دلّتها على غرفة الإبنة النائمة 

وهناك قامت جاكلين بوضع النقاط الثلاثة من المحلول السحريّ في فمها .. وما ان بدأت تستيقظ من غيبوبتها , حتى هربت مع القطة الى خارج القصر

ولم يمضي يومين , حتى عمّت الإحتفالات القرى المجاورة بعد إعلان شفاء الصبية من مرضها المزمن ..

ولسعادة الأب الغامرة بسلامة ابنته الوحيدة , قام بإلغاء الحظر السابق على القرية المنبوذة , ليبدأ التجّار بالتوافد بكثافة على منطقتهم .. 

ولم تمضي اسابيع , حتى شهدت المنطقة هطول امطارٍ غزيرة (بعد إنقطاعٍ طويل) ساهم في تدفّق النهر بقريتهم من جديد ..

وقد أدّى إنتشار الأخبار السعيدة الى عودة الأهالي المهجّرين الى بيوتهم واراضيهم التي بدأوا بزراعتها بهمّةٍ ونشاط
*** 

وبنهاية السنة .. راقبت جاكلين والقطة من فوق التلّة , القرية التي ظهرت عليها معالم الحياة من جديد 
فقالت القطة بضيق : 
- لا ادري كيف طاوعك قلبك لمساعدتهم رغم معرفتك بمحاولتهم قتل امك , والتخلّص منك وانت طفلة ؟!

جاكلين : امي , أخبرتك سابقاً بأنني لن أستخدم كتاب السحر الاّ لفعل الخير .. وبرأيّ عشرين سنة عقوبة لهم ولإبنة رئيس البلدية كافيةً جداً
- لكن ما تفعلينه يُخالف تعاليم اجدادنا ! ولابد ان تجرّبي تعويذات الإنتقام والإيذاء من وقتٍ لآخر .. وصدّقيني هي أكثر إثارة من ..
جاكلين مقاطعة وبحزم : قلت لا يا امي !! وان بقيت تصرّين هكذا , سأتخلّص من كتاب السحر للأبد
- حسناً حسناً , كما تشائين .. لن أضغط عليك بهذا الشأن
***  

بعد شهرين , وفي أحد الأيام .. عادت جاكلين غاضبة الى غرفتها , بعد ان هدّدها استاذها بالرسوب ان لم تقبل الذهاب معه الى فندقٍ رخيص ..

وهنا رأت القطة (خارج النافذة) ابنتها وهي تبكي وتفتّش في كتاب السحر عن تعويذة للأنتقام من الأستاذ المتحرّش ..

وما ان بدأت تتلو تلك التعويذة , حتى خرجت زوبعة ضخمة من إحدى الزوايا ! ودخانٌ اسود إجتاح غرفتها , بعد تحوّل عينا جاكلين للون الأحمر 

وبدأت الغربان تنقر على النافذة , بجانب القطة التي قالت في نفسها بفخر:
((أحسنتي يا ابنتي !! إستخدمي سحر الإيذاء , فهو ورث اجدادك .. ومن اليوم فصاعداً لن تتمكّني العودة للوراء .. وستجبرك الشياطين على التخلّي عن طيبتك للأبد , لتكوني فخراً لعائلتك العريقة .. وقرّة عين امك , يا ساحرتي الصغيرة)) 

الجمعة، 6 ديسمبر 2019

النرجسيّة

تأليف : امل شانوحة


 ميدو ما يغلطش ابداً !

نشرت الدكتورة النفسيّة (نجاة مُرتضى) كتاباً عن أعراض النرجسيّة واسبابها , ذكرت فيه مجموعة من قصص مرضاها .. أهمّها قصة (عماد مروان) التي كتبت عنه : 

((كان عماد الطفل الوحيد لوالدين دلّلاه كثيراً باللعب والحلويات رغم حالتهما المادية المتوسطة .. وحين أصبح عمره 8 سنوات , ورث والده اموال عمّه المُغترب .. فانتقلوا للعيش في فيلا بإحدى الأماكن الراقية .. لكن عماد رفض تغير مدرسته الإبتدائية التي فيها صديقه أحمد الذي لاحظ تغير اخلاق عماد للأسوء بعد زيادة مصروفه المدرسيّ , حيث صار يُعامل اصدقائه بإزدراء ويأمرهم بخدمته مقابل الحلويات التي يحضرها معه كل يوم .. ورغم محاولة أحمد نصحه وإرشاده .. الا ان عماد بات لا يتقبّل النقد والنصح من احد , ويردّد دائماً بأنه أفضل من الجميع ! 

وزادت اعراض النرجسيّة مع بلوغه سن العاشرة .. حيث أخبرني بإحدى جلساتنا العلاجية : انه في أحد الأيام , كان يلعب داخل الفيلا بطائرته ..فاصطدم بالخادمة التي أوقعت صينية الطعام على رأسه .. فطلبت منه امه ضرب الخادمة التي شقّت جبينه .. فأخبرها بأنها غلطته , لأنه ما كان عليه اللعب امام المطبخ .. الا ان والدته أصرّت بأن يعاقبها بنفسه .. فقام بركل رجلها بقوة , لتعود الخادمة حزينة ومقهورة الى غرفتها .. 

واثناء تضميد امه جرح رأسه , قالت له : 
- ((ميدو ما يغلطش ابداً.. مفهوم !!))  
وكانت لهذا الجملة أثراً مدمّراً على شخصية عماد في المستقبل , كما سنرى في بقية القصة ..

مع الأيام .. حرصت الأم على إخفاء غيابه المتكرّر للمدرسة عن والده (المشغول بتجارته) , دون حرمانه من المصروف او عقابه على كسله !

لكن الخطأ لا يقع كلّه عليها , بل والده ساهم ايضاً بتكوين شخصيته النرجسيّة .. ففي يوم تأخّر عن المدرسة , فأصرّ ابوه ان يوصله بنفسه الى هناك .. ليُشاهده عماد وهو يُرشي الحارس لإدخاله المدرسة .. لكن عماد فضّل عدم الذهاب مباشرةً الى صفّه , بل التوجّه لكشك الطعام (حيث قاربت فرصة الغداء) وطلب شطيرة فلافل .. وحين رفض العامل , أعطاه عماد ثلاثة اضعاف الثمن .. فأسرع بقليّ حبات الطعميّة له .. فأكلها في ساحة المدرسة الفارغة , قبل صعوده الى فوق .. ليتفاجىء بالناظر يُدخله الفصل دون عقابه , بعد إتصالٍ وصله من الوالد .. فعلم عماد إن بإمكانه مخالفة القوانين بالمال 

كما أدّت تبرعات والده المتكرّرة للمدرسة , لجعله الطالب المدلّل من الإدارة والمدرسّين رغم شقاوته !

لكن الشيء الوحيد الذي غاظه هناك , هو ان الطالبة الجديدة سهى فضّلت مصاحبة أحمد عليه , وهو ما فرّق الصديقين عن بعضهما  

من بعدها طلب عماد من اهله نقله لمدرسة اللغات الخاصة بطبقة الأغنياء التي أكمل فيها الى نهاية دراسته ..

وفي أحد الأيام , لم يكتب جيداً في الإمتحان .. فانتظر خروج الطلبة والأساتذة من مدرسته الثانوية , ليقوم بدفع مصروفه الأسبوعيّ للحارس في مقابل إدخاله غرفة الأساتذة ..
وهناك استبدل ورقته القديمة بأخرى نقل فيها الإجابات من كتابه ..

ومنذ ذلك اليوم .. ساعده الحارس بتغير جميع علاماته , الى ان تخرّج بعلاماتٍ جيدة أدخلته جامعةً راقية .. 

لكنه حين حاول إرشاء موظف الجامعة , طردته الإدارة على الفور .. ممّا أجبر والده على تسجيله في جامعةٍ حكومية والتي صادف وجود احمد وسهى فيها بعد ان أصبحت خطيبته , ممّا زاد رغبة عماد في تملّكها ! 

وقد سهّل وجوده في جامعةٍ متواضعة , إرشاء الموظفين البسطاء : من الحرس , وصولاً لبعض الأساتذة الذين داوموا على إنجاحه مقابل مبالغ مالية توازي رواتبهم الشهريّة .. 

ورغم معرفة والداه بالأمر , الا انهما تغاضا عن عقابه .. لأن كل همّهما هو نجاحه ولوّ بأيّة وسيلة ! 

بعد تخرّجه الجامعي بسنة , صدم أحد المارّة بسيارته اثناء سكره .. فأسرع والده بدفع المال لموظفٍ فقير في شركته , مقابل إعترافه للشرطة بأنه صدم ذلك الشخص اثناء أخذ سيارة ابنه للتصليح .. وقد فعل ذلك مُجبراً , لمعاناته من ضائقةٍ مالية .. 

وكان هذا اسوء ما فعله الأب بإبنه عماد الذي تيقّن حينها بأن المال يُعالج جميع المشاكل .. وربما لوّ تركه يُسجن على فعلته , لتغيرت حياته للأفضل  

بعد اشهر من تلك الحادثة , توفيّ والده بأزمةٍ قلبية .. وحضرت بنفسي العزاء لأنني صديقة والدته .. حينها قدم عماد من النادي متأفّفاً لحضوره الدفن .. ورغم كل الدلال الذي أغرقه به والده طوال حياته , وإعطائه كامل ميراثه .. الا انه لم يبدو على ملامحه الحزن لفراق والده !

وبعد حصوله على تلك المبالغ الطائلة , لم يعد يهتم بإيجاد عملٍ له ..وصار يصرف الأموال بالحفلات والسفريات .. ولأنه لا يطيق النصح من أحد حتى من امه , فقد انتقل للعيش في منزله الفخم الذي وضع في كل  ركنٍ فيها صورة له .. عدا عن رسمه لنفسه بلوحةٍ ضخمة علّقها في الصالة .. وهذا يدلّ بأن نرجسيته وصلت الى حدٍ خطير .. خاصة بعد ضربه أمه لرفضها إعطائه شيكاً , بعد صرفه اموال والده .. 

يومها أخبرتني امه باكية , إنها صرخت في وجهه قائلةً : 
- لقد اخطأ والدك حين أنقذك من السجن !! 
فقلّد صوتها ساخراً : ((ميدو ما يغلطش ابداً)) ولا نسيتي تربيتك يا خانم 

ومع ذلك أصرّت بأن لا تعطيه قرشاً , قبل توقيعه تعهّداً رسميّ بذهابه الى جلساتٍ علاجية في عيادتي , فقبل ذلك مُرغماً .. 

وصار يأتيني متأفّفاً دون اهتمامه بنصائحي , لأنه مصمّم بأنه لا يعاني من مشاكل نفسيّة .. بل يرى نفسه شاباً ناجحاً , تتقاتل الفتيات على ارضائه ..وهذا ما كان يحدث فعلاً , لأنه يختار ضحاياه من الطبقة المتوسطة اللآتي يُغريهنّ بحياةٍ مترفة في قصره .. 

وكانت زوجته (دلال) فتاةٌ بسيطة , تعرّف عليها في معهد الرسم .. وبدأ يتقرّب منها , بعد ان لاحظ تفوّق موهبتها عليه (مع إصراره بأنه أفضل رسّام بالبلد , رغم إنجازاته المتواضعة في هذا المجال!) .. ولأنها كانت مميزة ومختلفة عن بقية صديقاته , خاصة بعد رفضها لفكرة العلاقات العابرة .. فقد عرض عليها الزواج (فالنرجسيون يشعرون بلذّة تدميرهم للأشخاص المميزيين ومن هم صعبوا المنال , لأن تحطيمهم يُعدّ إنجازاً مهماً لهم) ..

ولأن دلال تمتلك حدساً قويّاً , فقد حاولت تجنّبه قدر المستطاع .. وهذا ما جعله يُبادر بخطوةٍ جريئة وهو التقدّم لوالديها بعرض الزواج , ليؤكّد لها جدّيته .. فقبلا طلبه , بشرط موافقة ابنتهما عليه .. فحاول محادثتها على انفراد , لكنها مازالت تشعر بعدم الأمان قربه وتجده شاباً متلاعباً .. لهذا حاول إقناعها بعبارات النرجسيين المعتادة مثل : ((أنتِ توأم روحي...لم ألتق شخصاً مثلك من قبل...انت تفهمينني أكثر من أيّ شخص...لقد جمعنا القدر...سنكون معاً للأبد)) .. وبالنهاية إنساقت المسكينة لخدعته , وقبلت به 

في المقابل , رفضت والدته خطبته لدلال التي برأيها لا تناسب مستواهم الإجتماعي الراقي .. لكنه أقنعها بأنها الزوجة المناسبة له لشخصيتها المحبّة والحنونة التي ستجعله يُسيطر عليها كيفما يشاء.. وبالحقيقة اختارها لكيّ يؤذيها بعقده النفسيّة .. 

وقد فعل ذلك لخمس سنواتٍ متتالية .. الى ان قدمت لعيادتي وهي منهارة تماماً , بعد ان أقنعها زوجها بحاجتها الماسّة لعلاجٍ نفسيّ .. حيث تمكّن بعد تلك السنوات من تحطيم ثقتها بنفسها لدرجة إجبارها على تحطيم لوحاتها , رغم براعتها بالرسم .. عدا عن خيانته المتكرّرة لها , مع تحميلها كامل المسؤولية لعدم اهتمامها به .. رغم انها قامت بكل شيءٍ لإرضائه .. حتى انها خضعت لعمليتيّ تجميل بناءً على طلبه , والتي برأيّ شوّهت جمالها الطبيعيّ .. 

وأخبرتني بأنه كان يردّد دائماً العبارات التالية : ((أنتِ مجنونة ..أنتِ حساسة للغاية ..لا عجب أنه لا أحد يحبك .. ما مشكلتك ؟.. انت انسانة معقّدة ..ألستُ أكثر أهمية من أصدقائك وعائلتك ؟..انت تعلمين جيداً ان دموعك لا تؤثّر بي ، فلماذا تبكين؟))..كما تعوّدت على نقده الدائم لذوقها باللبس , وطريقة تناولها الطعام وتحدّثها مع الآخرين .. ودائماً يُفهمها بأنه اذكى منها اجتماعياً , وعليها استشارته بكل شيء .. 

وكلما أطلعتني على أفعاله ونقده المدمّر لشخصيتها وأهلها واصدقائها , تأكّدت أكثر بأن نرجسيته وصلت لدرجة السيكوباتية .. لهذا نصحتها بتركه فوراً , دون محاولة إصلاحه .. فأخبرتني بأنها انفصلت عنه في بداية زواجها , لمدة شهرين .. حينها قدم الى منزل اهلها نادماً , وقال لها عباراتٌ جميلة مثل : ((خسرت الكثير من العلاقات قبلك , وأخاف ان اخسرك .. اريد ان نصبح اصدقاء .. سنحاول حلّ مشاكلنا بعيداً عن الأهل .. ما رأيك لوّ نستشير خبيراً في العلاقات ..اريد إسعادك بعد إكتشافي بأني لا استطيع العيش دونك)).. 

لكنني أفهتمها انه يستخدم اساليب النرجسيّة لإعادة سيطرته عليها , لأن جبروته يقوى عن طريق إمتصاصه لطاقتها الإيجابية .. فاقتنعت مني اخيراً , وتجرّأت على طلب الطلاق منه بعد أسبوع .. لتتفاجىء بذهابه الى مكان عملها , وفضحها امام مديرها وزملائها بإخبارهم أدقّ التفاصيل الشخصية عن حياتها , وعن اسرارها التي شاركته إيّاها في بداية زواجهما  

فاتصلت بي في وقتٍ متأخر وهي منهار بالبكاء لتخبرني بأنها تفكّر جدّياً بالإنتحار .. فأسرعت بحجز رحلة طيران لها ولوالديها الى خارج البلاد في الصباح الباكر , حيث قام قريبي بتقديم المساعدة لهم هناك بناءً على طلبي .. وتمّ ذلك بسرّيةٍ مطلقة , دون علم عماد وامه بالأمر .. 

بعدها بيومين , قدم الى عيادتي غاضباً لعلمه بمغادرتها البلاد .. وهدّد بقتلها لأنها تركته دون إذنٍ منه .. ولخوفي الشديد عليها , أقنعته بأنها لم تكن مناسبة له منذ البداية .. وبأنه شابٌ جميل وناجح , ولن يكون صعباً عليه إيجاد زوجة أفضل منها .. فأعجبته الفكرة وخرج من عندي بهدوء 

فظننت إنني أنقذت دلال من بطشه , ولم اعلم بأن كلامي جعله يُعيد التفكير بسهى التي أصبحت زوجة احمد .. حيث قام اللعين بدعوتهما الى منزله في عيد ميلاده .. 

وقد اعترف لي لاحقاً , بأنه لم يعزم احداً سواهما .. حيث قام بوضع المخدّر في كأس احمد الذي استفاق بعد سماعه لصرخات زوجته .. فأسرع بضرب عماد بالمزهرية أوقعته ارضاً , فاقداً الوعيّ .. والغريب ان احمد قام بإسعافه الى المستشفى بعد ان رآه ينزف بغزارة , فهو يبقى صديق طفولته .. بل وقام بالتبرّع له بالدم! 

وحين أخبرني عماد بذلك , قلت له بأن احمد شابٌ طيب وعليه الإعتذار لتصرّفه الشائن مع زوجته .. لكنه غضب من كلامي قائلاً: 
- ومن سمح لذلك الفقير أن يُفسد دمي الطاهر بدمه النجس !!

فعلمت حينها بأنه لا فائدة من جلساتي العلاجية , لأن عماد في طريقه الحتميّ للإنحراف .. وكان شكّي في محله .. فبعدها بشهور .. إتصل بي شخصٌ غريب في آخر الليل .. وأخبرني بأنه حارس المبنى الذي فيه شقة احمد وسهى .. وبأنه نادمٌ على اخذه المال من شابٍ ثريّ , مقابل إدخاله منزلهما .. حيث رآه يربطهما بالسرير بتهديد السلاح .. ثم قال الحارس : بأن عماد أوقع جوّاله على الدرج , وبأن رقمي كان في قائمة معارفه .. 

فاتصلت فوراً بالشرطة .. لكني اخطأت حين ظننت أن بإمكاني إيقافه عن ارتكاب جريمة .. وذهبت مُسرعةً الى هناك .. لكني وصلت متأخرة , حيث كان اعتدى على سهى امام اعين أحمد , دون اهتمامه بحملها وتوسّلات زوجها ! 

وحين رآني .. ربطني على الكرسي , وهدّدني بالسلاح ايضاً .. وكان سعيداً جداً بانتصاره على عناد سهى .. 
لكن ضحكاته تحوّلت فجأة الى غضبٍ شديد بعد سماعه لصافرات الشرطة تقترب من المكان , فصفعني بقوة لعلمه بأنني أبلغت عنه 

ثم اطلق النار على احمد وزوجته .. اما الطلقة الثالثة فاخترقت بطني ..

حين استفقت في طوارىء المستشفى , سألت الشرطي عما حصل .. فأخبرني بأن احمد وزوجته توفيا على الفور.. اما عماد فهرب الى السطح , حين لمحه احد الأشخاص المتجمهرين في الشارع مُختبئاً هناك .. وبعد تمكّن الشرطة من كسر الباب , وجدوه يصوّب المسدس على رأسه .. 

فحاول الشرطي تهدأته قائلاً : 
- اترك المسدس حالاً , ولا تُخطىء بحقّ نفسك
فأجابه عماد بغطرسةٍ وغرور : ((ميدو ما يغلطش ابداً))
وكانت هذه آخر كلماته قبل ان ينتحر !

لهذا وضعت قصته في نهاية كتابي , لأنه اسوء مريض نرجسيّ مرّ في حياتي .. فهل كانت هذه غلطته ؟ ام هو خطأ في تربية والديه ؟.. أترك  الحكم لكم ..  
***

وختمت الدكتورة النفسيّة (نجاة مُرتضى) كتابها قائلةً :
((هناك خيطٌ رفيع بين الثقة بالنفس والنرجسيّة .. لهذا أنصح الأهالي دائماً بأن يربوا اولادهم على مخافة الله اولاً .. والإعتذار عند الخطأ .. وبأن لا يحسدوا من هم أفضل منهم .. وإفهامهم منذ الصغر بأن الله يعاقبنا على اخطائنا في الدنيا قبل الآخرة .. وتنبيههم بأن لا يظلموا احداً , لأن دعوة المظلوم تُستجاب ولوّ بعد حين .. وبأنه لا بأس ان نُظهر ضعفنا امام أحبّائنا .. وبذلك يحموهم من مستقبلين بائسين : اما الوحدة والسوداويّة , او البطش والإنحراف .. فالحياة أجمل بكثير من ان نعيشها بأقنعةٍ زائفة !))  

الاثنين، 2 ديسمبر 2019

قرينٌ بلا عمل !

تأليف : امل شانوحة

مازلتُ صغيراً على التقاعد !

شعر الأب النائم وكأن زوبعة هواءٍ باردة إجتاحت غرفته .. وأحسّ بشيءٍ يشدّ قدمه بعنف .. ثم وقعت قارورة الماء التي بجانبه على ذراعه الممتدّة خارج السرير !
فاستفاق متضايقاً : ماذا يحصل هذا المساء ؟!

وهنا سمع صرخات ابنه (8 سنوات) خارج منزله , وكأنه يتخبّط في المياه .. فركض باتجاه حوض السباحة , ليجده يطفو دون حراك ! 

فقفز اليه , وأخرجه على الفور .. ليقوم بالتنفّس الإصطناعيّ , الا ان شحوب وجهه دلّ على مفارقته الحياة .. وحين استوعب الأمر , علت صرخاته المتألّمة وهو يحتضن جثة ابنه الوحيد
***

بعد اسبوع , وفي المساء .. نظرت الحفيدة من نافذة غرفتها الى حديقة منزلهم , لتتفاجأ بجدها يلعب المراجيح !
فأسرعت بإيقاظ امها في الغرفة المجاورة , لتخبرها بما حصل ..

ونزلتا الى غرفة الجدّ في الطابق الأرضيّ , لتجدانه نائماً في سريره ..
وبعد ان أغلقت الباب عليه , لامت ابنتها بعصبية :
- أيقظتني بلا سبب !! 
ابنتها : أحلف انني وجدّته يلعب بالحديقة بحماسة الأطفال !
الأم غاضبة : عودي الى فوق , ولا تخبري أحداً بهذه السخافات 
فصعدت الفتاة متضايقة الى غرفتها !
***

بعد شهر .. تفاجأت الممرّضات في مستشفى للعلاج النفسيّ , بإحدى المريضات تقوم بإسعاف الدكتور بعد إختناقه بلقمة من شطيرته .. حيث استطاعت إخراجها بالضغط على معدته ..
وبعد التقاط انفاسه , شكرها لإنقاذها حياته .. 

فابتسمت المجنونة له , قبل عودتها الى العنبر المزدحم بالمجانين .. وسط دهشة الممرّضات لسرعة تصرّفها الحكيم !
***

في عالمٍ آخر بباطن الأرض .. لام الشيطان (المسؤول عن القرائن) الجني الصغير (دولايّ) على فعلته :
- من سمح لك بإنقاذ الطبيب ؟
وقبل ان يُجيبه دولايّ , إقترب قرين (الجدّ) شاكياً :
- هذه ليست غلطته الوحيدة سيدي , فقد سرق عملي سابقاً

فردّ دولايّ : لأنك كنت مهملاً العجوز 
قرين الجدّ : وماذا أفعل ان كان شبيهي البشريّ يعاني من الزهايمر , وواجبي تقليد حركاته البسيطة .. اما انت !! فاحتللّت جسده لتلعب المراجيح كالأطفال السذّج , الى ان لفتّ أنظار حفيدته التي كادت تكشفنا

الشيطان : دولايّ .. هل ما قاله صحيح ؟
فأجابه بحزن : سيدي .. في الماضي كنت قرين ولدٍ في الثامنة , أيّ في مثل عمري .. وكنت سعيداً جداً معه ... وفي تلك الليلة الكئيبة , سقط في مسبح منزله .. وتمكّنت من إيقاظ والده لإنقاذه , لكنه فارق الحياة .. ومن بعدها أجبرتموني على الإلتحاق بمعسكر القرائن العاطلة عن العمل , رغم انني لم أعشّ طويلاً في الدنيا ! .. ولإحساسي بالظلم الشديد , هربت من هناك لإحتلال جسد العجوز المهمل , قبل ان يطردني منه هذا اللئيم !! 
قرين الجد بدهشة : أتسمعه سيدي ! الوقح يلومني , وهو سارق وظيفتي 

الشيطان : إكمل يا ولد , مالذي حصل بعدها ؟
دولايّ : بحثت طويلاً الى ان وجدّت سيدة في مستشفى المجانين , حيث كانت قرينتها منشغلة عنها مع عشيقها الجني .. ولهذا تظلّ السيدة دون حراك في سريرها بانتظار عودة قرينتها لإثارة بعض المشاكل المتواضعة ... وفي تلك اللحظة , رأيت الطبيب يختنق .. فتلبّست بها لمساعدته .. لعلّه يكتب تقريراً جيداً بشأنها , يُخرجها من ذلك الجحيم .. فأجرّب معها حرّية الدنيا من جديد 
الشيطان : هذا لن يحصل , لأن قرينتها رفعت شكوى ضدّك لسرقتك مكانها , وتشويهك سمعتها بعمل الخير .. فوظيفتك كقرين هي الوسوسة للبشر بالشرّ 

قرين الجد ساخراً : يبدو انه مازال صغيراً ولا يفهم دوره بالتحديد  
الشيطان : لهذا سأعيده الى المعسكر , وسيُعاقب بشدة ان حاول الهرب ثانيةً
دولايّ بضيق : والى متى سيدي ؟ فأعمارنا كجن تتجاوز الألف سنة , وليس عدلاً ان أفني عمري محتجزاً مع العجائز ؟! 
الشيطان : قدرك ان يموت شبيهك البشريّ في عمرٍ صغير .. 

ثم نادى : يا حرّاس !! أعيدوه الى معسكر المتقاعدين , وشدّدوا الرقابة عليه
فصرخ دولايّ باكياً , وهم يقتادونه بالقوة الى هناك : 
- هذا ظلم سيدي ..والله ظلم !!!
*** 

بعد اسبوعين , وفي تلك الأمسية .. إقترب شاب يعاني من اكتئابٍ حادّ من حافّة سطح مبناه .. بعد ان أغمض عينيه وفتح ذراعيه , ناوياً الإنتحار ..
وقبل قفزه بثوانيٍ , شعر بشيء يشدّه من قميصه ويُسقطه أرضاً .. فتلفّت حوله بخوف , دون إيجاده أحد !

بهذه اللحظات توقف الزمن فجأة , ليتجمّد الشاب في مكانه .. بينما ظهر دولايّ وهو يتشاجر مع قرين الشاب الذي قال له بغضب :
- ما دخلك انت لتنقذ حياته ؟!!
دولايّ : وكيف تتركه ينتحر يا غبي ؟
- هذا قراره , فأنا قرينه ودوري ان أوسّوس له بالشرّ .. وطالما اراد إنهاء حياته , فهذا شأنه
دولايّ : الا تدري ماذا سيحلّ بك بعد موته ؟
- أنتقل لوظيفةٍ أخرى
- لا يا احمق , سيأخذك قائد الشياطين الى معسكرٍ إلزامي للقرائن المتقاعدة ..وهناك تجلس برفقة العجائز الى نهاية عمرك

القرين الشاب باستغراب : ولما لا أذهب لمولودٍ بشريّ آخر ؟
دولايّ : سألتهم نفس السؤال .. وأخبروني إنه حينما يولد طفلٌ بشريّ , يولد معه قرينه الذي يلازمه لحين وفاته.. فهناك ملايين القرائن غيرنا .. وصدّقني لن ترغب بإكمال حياتك محتجزاً في ذلك المعسكر الكئيب 

ففكّر قرين الشاب قليلاً , قبل ان يقول : أتدري ..أقنعتني ايها الجني الصغير
- وماذا ستفعل بشأنه ؟
وأشار الى الشاب المكتئب (المتجمّد في مكانه).. 
القرين : سأحلّ انا المشكلة 

ثم عاد الزمن للدوران .. ليقوم القرين بالوسّوسة للشاب , هامساً في اذنه :
- ما رأيك بدل إنتحارك بسبب المتنمّرين في الجامعة , أن تقتلهم جميعاً في أكبر مجزرة تحصل بأميركا , مُستخدماً ذخيرة والدك للصيد 

فارتسمت على وجه الشاب ابتسامةٍ شريرة .. وقام وهو ينفض الغبار عن ثيابه , متوجّهاً لشقته .. فلحق دولايّ القرين :
- وماذا عني ؟!!
القرين : عُدّ الى المعسكر , فأنا قرين الشاب وهذه وظيفتي .. وهو يحتاجني للتخطيط لهذه الجريمة الكبيرة 

ونزلا من السطح , تاركان دولايّ وحده ! الذي قال في نفسه بضيق :
- هذه المرة الثالثة التي أفشل فيها باحتلال جسد انسان , ما العمل الآن؟
وفكّر قليلاً , ثم قال :
- ليس امامي سوى الذهاب لساحرة الحيّ , لربما تجد لي عملاً يليق بذكائي وهمّتي العالية
***

وذهب اليها وأخبرها بمشكلته , لكنها اعتذرت قائلة :
- انت جني متشيطن , يعني قدراتك محدودة .. وشياطين السحر أقوى منك بكثير 
دولايّ : رجاءً جرّبيني , قبل ان تحكمي عليّ
الساحرة بقلق : أخاف ان يؤذيك الشيطان الذي أتعامل معه 

وفجأة ظهر شيطانها غاضباً :
- انت دولايّ , الست كذلك ؟
دولايّ بخوف : نعم ! كيف عرفتني ؟
الشيطان بعصبية : شياطين السحر لديها قدرة على معرفة المجهول ؟ وقد وصلتني اخبارك عن هروبك المتكرّر من معسكر المتقاعدين .. ولم أتصوّر ان تصل وقاحتك لإحتلال وظيفتي ! 
- سيدي , لديّ نشاطٌ هائل ..ولا اريد قضاء بقية عمري في ذلك المعسكر المملّ ؟
- قدرك ان تنتهي وظيفتك باكراً , وعليك الرضاء بالواقع ..والآن عدّ الى المعسكر , قبل ان أفقد اعصابي وأحرقك ببطءٍ شديد

ثم نادى لشيطانٍ آخر يعمل في وظيفة مراقبة القرائن ..
وحين ظهر , طلب منه اقتياد دولايّ الى معسكره الإلزاميّ .. فمسكه الحارس بقوة , وسحبه معه الى اسفل الأرض
***

بعد ايام , وقبيل الفجر .. إستفاق ضابطٌ حربيّ من غيبوبته في المستشفى العسكريّ .. ثم لبس بذلته من الخزانة .. وخرج من هناك , دون ان ينتبه عليه احد .. ومن بعدها تمكّن من سرقة سيارة اسعاف متوقفة هناك (لوجود المفاتيح فيها) .. وقادها الى ان وصل الى منزله الذي يعيش فيه وحيداً , والذي ظلّ خالياً منذ سقوط طائرته بعرضٍ عسكريّ (رغم تمكّنه من الخروج منها باللحظة المناسبة , الا ان الرياح جعلت مظلّته تحطّ بقوة على الأرض , ليُصاب بغيبوبة دامت عاماً كاملاً !) 

ودخل الى غرفة نومه لأخذ بطاقته العسكرية ومفاتيح سيارته التي قادها الى مدرّج الطائرات الحربية .. 
الغريب ان الحارس لم يدقّق في بطاقته , واكتفى بالتحيّة العسكرية بعد إدخاله المطار ! 

لكن الضابط توجّه مباشرةً الى مخزن الصورايخ .. ليقوم بتركيب إحداها اسفل طائرةٍ حربية ..
ومن دون أخذ الإذن من برج المراقبة , حلّق بها في الجوّ متوجهاً لمصنعٍ نوويّ يبعد ساعة عن المدرّج .. 

وفور وصوله اليه , رمى بالصاروخ في مدخنة المصنع بدقةٍ متناهية .. مما أدّى لإنفجارٍ هائل أصاب المناطق المجاورة .. 

لتُعلن حالة الطوارىء في البلاد بعد ان طالت الحرائق المنازل والحقول .. وقتلت آلاف البشر , غير الذين اصيبوا بالإشعاعات النوويّة الخطيرة .. وعدّتها الحكومة اسوء كارثة في تاريخ البشريّة .. ولم يعرف الفاعل بعد مقتل الطيّار المجهول في العملية الإنتحارية !
*** 

وفي باطن الأرض .. أُقتيد دولايّ الى معسكر القرائن المتقاعدة مُكبّلاً بالأغلال , حيث تجمّهر الجن الغاضب من حوله بعد اكتظاظ المعسكر بالقرائن الجدّد الذين ارسلوا اليه لموت اشبابههم البشريين بعد الإنفجار النوويّ المباغت !

وهناك سمع جني عجوز يقول غاضباً : ما يحدث الآن ذكّرني بما حصل ايام الحرب العالمية الأولى والثانية , حيث فقد ملايين القرائن وظائفهم بعد موت اشبابههم البشريين .. ولم نصدّق متى عقل السياسيين البشر عن ارتكاب تلك الحماقات , ليعيد هذا الجاهل الصغير الأزمة من جديد !

وقبل ان يضربوه , توقفوا فجأة حين رأوا عرش ابليس يصعد من الأرض السابعة وهو يصفّق بفخرٍ قائلاً :
- أحسنت يا دولايّ !! فبتهوّرك المجنون قتلت آلاف البشر
احد القرائن بقلق : لكن سيدي , خسرنا وظائفنا بعد احتلاله جسد الضابط 

وهنا اقترب قرين الضابط من العرش , قائلاً بخوف : 
- ولا ذنب لي في ذلك , لأني حينها كنت أتسوّق مع عائلتي 
ابليس : اليس من واجبك ملازمة شبيهك البشريّ ؟
فأجابه وهو يرتعش : سيدي ..كان الشاب في غيبوبةٍ طويلة , ولا يفعل شيئاً سوى النوم .. وحين عدّت اليه , لم اجده بالمستشفى .. لأعلم لاحقاً بأن دولايّ الأحمق سرق مكاني

ابليس : جميعكم ترونه متهوّراً , لكني أراه بطلاً .. فأنتم تعلمون كم يسعدني موت البشر اثناء الحروب .. وفكرة الإنفجار النوويّ ذكية للغاية لأن آثارها تدوم طويلاً , وتُسبّب لهم السرطان الذي سيقتلهم عاجلاً ام آجلاً 
أحد القرائن : وماذا عنا سيدي ؟
ابليس : أفكّر ان أوزّعكم على الأحياء منهم 
قرين عجوز : كيف سيدي , فنسبتنا أصبحت اربعة لواحد !

ابليس بابتسامة : يعني تماماً كالزوجات الشرعيات 
وضحك ساخراً , ثم قال : اثنان يحتلّون جسد البشريّ في الصباح , واثنان في المساء .. وتتناوبون فيما بينكم .. وبذلك تزداد الوسّوسة في نفوسهم الهشّة , ويكثر الشرّ في العالم
الشيطان (مراقب القرائن) : كما تشاء سيدي

ابليس : اما انت يا دولايّ !! فسأوظّفك ضمن حرسي الشخصيين , لذكاءك الفطريّ المدهش .. فهيا تعال معي
دولايّ بسعادةٍ غامرة : بأمرك سيدي !!
ونظر الى بقية الجن بازدراءٍ وغرور وهو ينزل برفقة ابليس الى باطن الأرض .. 

من بعدها .. بدأ مسؤولو المعسكر بتصنيف الجن المتقاعد وتقسيمه على الأحياء البشريين في المدن المجاورة
***

بعد سنة .. اذاعت مذيعة الأخبار (البشريّة) الخبر , قائلةً :
((الى اليوم لم يجد الأطباء النفسيون رابطاً بين زيادة حالات الإنفصام الشخصية والإنفجار النوويّ , رغم ان الأحصائيات تدلّ على زيادة الجرائم والمخالفات ممّن تبقى حيّاً بعد تلك الكارثة .. فهل الإشعاعات النوويّة تزيد الرغبة الشرّيرة في نفوسنا , ام هناك سبباً آخر مخفيّاً عنا ؟!))

وفجأة ! صرخت المذيعة بهستيريا , وكأن شيئاً تلبّس جسدها الذي بدأ يهتزّ بحركاتٍ لا ارادية .. فحاول المصوّر تهدأتها.. الا انها رمت ميكروفونها بقوة على الكاميرا .. لينقطع البثّ المباشر , وسط دهشة المشاهدين ! 

انت التالي

تأليف : امل شانوحة  بثّ الموت المباشر فضول الشاب (بيتر) وملله تلك الليلة ، جعله يتصفّح الإعلانات الغريبة بالإنترنت المظلم .. حيث عثر على بثّ...