الأحد، 31 أغسطس 2025

المُبصر في الظلام

كتابة : امل شانوحة 

بطل القرية


في قريةٍ صغيرة (لديها عددٌ محدّد من الحقول والحظائر) إعتاد سكانها على الإستيقاظ باكراً ، والعمل طوال النهار بنشاطٍ وحيويّة 


وفي احد الأيام ، وقبل غروب الشمس .. سارع الأهالي لإنهاء آخر اعمالهم قبل موعد العشاء..


في هذه الأثناء .. التقت سعاد بالمرأة العجوز بعد وضعها صحن الطعام على باب وليد.. فعاتبتها قائلة : 

- هو لم يعد اليتيم الصغير الذي وصّتك امه على رعايته قبل وفاتها.. لقد اصبح شاباً بالثلاثينات.. فدعيه يعمل ، بدل سهره طوال الليل

فردّت العجوز : امه كانت صديقتي وجارتي ، وقد وعدتها بأن لا ينام يوماً وهو جائع.. وسأبقى على عهدي لآخر عمري

فابتعدت سعاد وهي تتمّتم بضيق :

- باهتمامك الزائد جعلته شاباً كسولاً !

***


في الصباح الباكر .. خرج القرويّون من اكواخهم ، لبدء يوم عملٍ جديد.. لكن شيئاً غريباً اوقفهم ! فالطقس لا يُشبه ايام الصيف المعتادة بعد هبوب ريحٍ خفيفة ، مع سكونٍ غريب بالجوّ ! قبل ان يُشير اطفالهم نحو السماء ، ليجدوا هالة تُحيط بالشمس ! وقبل ان يستوعبوا الظاهرة الكونيّة الجديدة ، ظهر وميضٌ ناصع البياض أشبه بانفجارٍ شمسيّ .. ليحلّ بعدها الظلام الدامس ، ليس بالسماء .. بل بأعينهم التي خُطف نورها .. فسقطت السلال والمناجل من ايديهم في صدمةٍ جماعيّة ! 


بهذا الوقت .. كان وليد نائماً في منزله ، بغرفة مظلمةٍ خلف ستائرها السوداء السميكة التي وضعها على كافة نوافذه ..وهو لا يعلم بأن الحياة في القرية تغيّرت تماماً ، بعد أن أصبح الوحيد المُبصر بينهم !


شيءٌ ما ايقظه تلك اللحظة ! فنظر بنعاسٍ لساعة الحائط ، ليجدها السابعة صباحاً :

- غريب ! لست معتاداً على الإستيقاظ باكراً 


وإذّ بجسمه ينتفض بعد سماعه صرخةً مدويّة من اهالي القرية ، كأن مصيبة حلّت بهم !

فأسرع للخارج .. ليجدهم يتخبّطون ببعضهم اثناء ركضهم دون وعيٍّ او تركيز ! سامعاً بكاء سعاد الهستيريّ ، وهي تنادي زوجها وأطفالها بهلع :

- اين انتم ؟!! انا لا ارى شيئاً !

ولم يستوعب في البداية إصاباتهم جميعاً بالعمى في الوقت ذاته !

^^^


وبعد فهم وليد لحجم الكارثة .. لبس معطفه القديم ، وركض بأسرع ما يمكنه بين الحقول الغير محصودة والأهالي العميان .. الى ان وصل لعيادة الطبيب في القرية المجاورة ، الذي وافق على القدوم معه بعد الحاحٍ شديدٍ منه


وفي ساحة القرية.. وبعد فحصه الواحد تلوّ الآخر ، قال الطبيب :

- لديكم اعتلال الشبكيّة الشمسي الذي تسبّب ببقعٍ داكنة فوق القرنيّة ، حرمكم البصر .. وتحتاجون لعمليةٍ دقيقة على يد زميلي : جرّاح العيون الذي يعمل بالمستشفى الحكوميّ بالمدينة .. وأجرة إحضاره ، مع عمليّاتكم .. ستكلّف كل عائلة ، قيمة حصاد مزرعتها


فتبدّد السكون الى بكاءٍ جماعيّ .. فهم لم يحصدوا اراضيهم بعد ، ومعظمهم من الفقراء المُعدمين !

قائلاً احدهم :

- تحتاح اراضينا شهراً آخر من العناية والإهتمام ، لبدء حصادها.. هل سنبقى عميان الى ذلك الحين ؟!

فردّ الآخر بيأس :

- اساساً كيف سنعتني بحقولنا ، ونحن بهذه الحالة ؟ يبدو اننا سنموت جوعاً


حينها شعر وليد بحسّ المسؤوليّة ..ووقف بينهم ، وهو يقول بحزم :

- ابتداءً من اليوم وحتى الشهر القادم ، ستكون مهمّتي الإهتمام بحظائركم وحقولكم.. ولن يهدأ بالي حتى بيع حصادكم بالكامل ، ودفع تكاليف جراحتكم لعودتكم مُبصرين من جديد


في هذه اللحظة ..تغيّرت نظرة اهالي القرية لوليد البليد (كما كانوا يلقبونه) بعد ان أصبح املهم الأخير للنجاة من هذه المصيبة !

***


في اليوم التالي ، ومع تباشير الصباح.. استيقظ وليد للقيام بمهامه العديدة التي تكفّل بها ، فهو لم يعد يختبئ خلف ستائره السميكة.. ليبدأ اولاً بإطعام المواشي ، ثم الإنتقال للحقول لريّها والإهتمام بثمارها التي أوشكت على النضج .. 


بينما اصحاب الأراضي يجلسون على كراسيهم ، وهم يوجّهونه دون رؤيته:

- لا تنسى يا وليد ، ريّ المنطقة الشرقيّة خلف الصخور !!

- ولا تنسى ازالة الأعشاب الضارّة حول شجرة التوت !!


والغريب ان عمله طوال النهار بالحقول لم يُتعبه نفسيّاً او يُرهقه جسدياًّ (كما توقع) بل أمدّه بنشاطٍ وحيويّة لم يعهدها من قبل .. وكأنه تواصلٌ روحيّ بينه وبين الأرض!

^^^


وقبل حلول المساء ، انهى حلب الأبقار والنعاج .. واضعاً الحليب في قوارير حملهم الى النسّوة اللآتي اتفقنّ على الطبخ سوياً ، وهن يتساعدنّ لإطعام الرجال (رغم عدم ابصارهنّ)

حيث قدمنّ الصحن الأول لوليد ، بسبب تعبه وإرهاقه طوال النهار !


اما هو ..فلم يعد يشعر بأنه الكسول الذي يُطعم ، بل هو من يُطعم الجميع بمجهوده وتفانيه بالعمل 


بينما تناقلت الصبايا اخبار وليد الذي اصبح بطلاً شهماً في إنظارهن ، بعد حمله هموم القرية على عاتقه !

***


انتهى الشهر ، وحصد وليد وحده جميع الحقول.. جامعاً صناديق الخضار والفاكهة بشاحنة القرية الكبيرة .. بينما يودّعه الأهالي الذين يتكؤون على عصيّهم او يجلسون على كراسيهم ، وهم يلوّحون له دون رؤيته !

فقال بصوته الجهوريّ :

- سأدفع مبلغ بيع محصولكم لطبيب المختصّ ، لبدء عمليّاته الجراحيّة للجميع.. وخلال ايام ، ستبصرون من جديد !!


وقاد سيارته ، وسط تهليلاتهم ودعواتهم له بالتوفيق..

***


في حفلة الحصاد .. تراقص الجميع على انغام الأغاني الشعبيّة ، بعد نجاح عمليّاتهم وشفاء عيونهم .. مُحتفلين ببطلهم الهُمام الذي اخرجهم من ازمتهم بصبره وقوته الجبّارة !


بينما تجمّعت الصبايا حوله ، وهنّ يُمازحنه ..في منافسة بينهن للحصول على قلب البطل الذي برزت عضلاته خلال الشهر الطويل الفائت ، بينما آثار الجروح والقروح مازالت على يديه من عمله الجاد المرهق .. وهو يرمقهن بابتسامةٍ خجولة ، فهو لم يعتدّ الإهتمام من الجنس الآخر طوال حياته !


وبنفس الوقت كان سعيداً بنظرات الإمتنان والفخر من كبار القرية (بعد اعتياده على احتقارهم له في الماضي) .. وشعوره لأول مرة بالإنتماء لأهالي القرية 

 

وخصوصاً حصوله على رضى العجوز التي شعرت بإيفاء وعدها لأمه المتوفية التي احسنت تربيّته.. والتي ربتتّ على كتفه ، وهي تقول بحنان :

- اكيد امك فخورةً بك الآن 

وبدوره شكرها عن السنوات الماضية التي رعته فيها دون مقابل !

^^^


وبنهاية الحفل ، نظر وليد للحقول المحصودة .. ثم للشمس التي كانت تغيب هذا اليوم دون شعاعها ، كأنها تعتذر عما حصل ! لكن هذه المرة لم يخف الأهالي من مراقبة الغروب ، فلديهم بطل يمكنه الرؤية حتى بالظلام !


الجمعة، 29 أغسطس 2025

المشاعر المُحرّمة

تأليف : امل شانوحة 

 

الروبوتات البشريّة


في اليوم الأول من عمل طبيب الأسنان (جيمس) بعيادته التي افتتحها بعد تخرّجه .. واثناء علاجه المريض الأول ، وهو صبيّ في السابعة .. قال بحذر :  

- سأحاول ان تكون يدي خفيفة قدر الإمكان ، اثناء غرز ابرة المخدّر في فمك 

فأمسك والد الصبيّ يد الدكتور ، وهو يقول :

- لا داعي للمخدّر 

الدكتور باستغراب : ابنك صغير، ويحتاج لقلع ضرسه المتسوّس ! وهذا الألم لا يتحمّله الكبار ، فكيف ب..

الأب مقاطعاً : غريب ان تفكيرك يُشابه الجيل القديم ، مع انك مازلت شاباً! 

- لم افهم قصدك !

- تمّ الغاء حقن البنج والتخدير قبل العمليات مع بداية جيلنا الذي لا يشعر بالألم 

ورغم عدم فهم الدكتور قصده ، الا انه وضع ابرة البنج جانباً .. وهو يقول بارتباك:

- آسف نسيت ! اذاً سأقلع ضرسه بالحال


وبالفعل لم يشعر الولد بشيء ، حتى انه تابع لعبته على الجوال دون الإهتمام لما يجري حوله !

***


بعد عودة جيمس الى منزله ، سألته امه :

- كيف كان يومك الأول بالعيادة ؟

جيمس بصدمة : امي ! قلعت اربعة اسنان ، ثلاثة منهم لأولاد تحت سن 12 وواحدة لمراهقة .. وجميعهم لم يذرفوا دمعةً واحدة !

فتنهّدت الأم بضيق : كان من واجبي إخبارك السرّ الذي أخفيته عنك منذ طفولتك .. يا عزيزي .. عندما تزوّجت والدك ، بدأت حملة اعلانات مُكثّفة بالتلفاز والإذاعة عن ضرورة الإنجاب بالحاضنات الإلكترونيّة  

- أتقصدين الرحم الصناعي الذي يتكفّل بمراحل تكوين الجنين ؟

- نعم .. في البداية ، نصحونا به لتخفيف آلام الحمل والولادة.. لكن بعد عام ، اصبح الأمر الزامياً .. حيث مُنعت جميع النساء من الحمل والولادة بشكلٍ طبيعيّ ! ولأني علمت بحملي بعد ايام من وفاة والدك ، توجّب عليّ إخراجك من احشائي وانت جنينٌ صغير ، لتكمل نموك داخل حاضنة الكترونيّة التي برأيهم تُنجب اجيالاً خالية من الأمراض المُعدية.. لكني رفضت ذلك .. وانتقلت للقرية ، لتقوم امي بتوليدي ..وانا أعضّ على قماشة سميكة حتى لا يسمع احد صراخي ، ويُبلّغ الحكومة عن مخالفتي أوامرهم .. وبصعوبةٍ بالغة استطعت تسجيل اسمك بالدوائر الرسميّة ، بعد تحجّجي بالطوفان الذي افسد حاسوبات احد الأرشيفات الإكترونيّة للمواليد الجدد .. والا لما استطعت إدخالك المدرسة ، وإكمال تعليمك حتى اصبحت دكتور اسنان


جيمس : وماهي اضرار ولادة جيلٌ كامل بالحاضنات الإلكترونيّة ؟

- الم تلاحظها اليوم ؟ 

- أتقصدين بأنهم لا يملكون حاسة الألم ؟

امه : ولا ايّة مشاعر انسانيّة .. يعني لا يضحكون لا يبكون لا يتألمون ولا يشتاقون او يعشقون .. كأنهم روبوتاتٍ جامدة ، بعكسك حبيبي 

- وكيف سأتزوج من واحدة لا تشعر بشيءٍ اتجاهي ، سيكون الأمر اشبه بالجحيم !!

- وهذا ما اقلق بشأنه .. لأنه سيكون من النادر إيجاد صبية من جيلك ولدت بطريقةٍ تقليديّة ، ومازالت تحتفظ بمشاعرها الإنسانيّة .. فكما اخبرتك ، الحكومة بزماني شدّدت كثيراً على هذا الموضوع.. ولا ادري ان تمكّنت امٌ اخرى من الهرب من مخابراتهم التي انتشرت في كل مكان ! كان الله في عونك بنيّ

***


ومرّت الأيام بشكلٍ روتيني في عيادة الطبيب جيمس الذي اعتاد إصلاح الأسنان بهدوءٍ تام دون سماع صراخ المرضى المُتألّمين ، خصوصاً الشباب والمراهقين والأطفال ! 


وفي يوم .. واثناء سيره بالشارع ، سمع اشخاصاً ينتقدون رسّامة بعد خروجهم من معرضٍ فنّي : 

- يالها من فنانة غريبة ! ترسم اشياءً غير مفهومة

- والأسوء انها تحاول إفهامنا بأن كل صورة تعني مشاعر انسانيّة قديمة !

- ان ظلّت ترسم هكذا ، فلن يشتري احد لوحاتها الغامضة


وعلى الفور !! دخل الطبيب الى المعرض .. ليجد الفنانة الصبية تُزيل لوحاتها وهي تشعر بإحباطٍ شديد .. وكانت لوحاتها عبارة عن وجوه لأشخاص بعضها يضحك بسعادة ، والأخرى لشخصٍ يصرخ غاضباً .. والثالثة لعاشقيّن متعانقين بمحبة .. وطفلٌ يبكي متألماً على فراش المشفى 


فوقف مذهولاً برسماتها المُعبّرة ، فاقتربت منه وهي تقول :

- اعرف ما ستقوله .. هي لوحات غير مفهومة بالنسبة لك

جيمس بارتياح : بل على العكس تماماً !! لوحاتك تعبر عن المشاعر الإنسانيّة التي ارغمتنا الحكومة على محوها جبراً من ادمغتنا وقلوبنا


فشدّت ذراعه ، الى زاوية المعرض :

- هل حقاً فهمت لوحاتي ؟!

الطبيب : بكل تأكيد  

- أتقصد انك مولود بطريقةٍ تقليديّة ، كما فعلت امي

لتتفاجأ به يحضنها بقوّة ، وهو يقول :

- اخيراً وجدتُ شبيهتي !! أتدرين انني عشت حياتي ككائن فضائيّ بعد صعوبة اندماجي مع اقراني ؟!  

فأبعدته عنها بسرعة :

- هل جننت ؟!! أتعلم ان عقاب الحضن هو السجن ؟ 

- آه صحيح ! نسيت قوانيننا الجائرة

الفنانة بقلق : إخفض صوتك .. فالكاميرات بكل مكان 

جيمس : اريد رقم جوالك 

- لا داعي لذلك

وحاولت الإبتعاد عنه ، لكنه جذبها اليه :

- لن تهربي مني بهذه السهولة .. اريد التعرّف عليك اكثر 

الفنانة بقلق : انا لا اعلم من تكون

فأخرج بطاقته وهو يقول :

- انا طبيب اسنان ، ولست مُشرّداً او مجرماً

- طبيب !

وابتسمت له :

- اذاً هذه بطاقتي ، اتصل بي من جوالٍ قديم الصنع 

الطبيب : سأتصل من جوال امي ، فهو خالي من شريحة التعقّب

الرسّامة : والآن اذهب ، ودعني أُنهي عملي بسلام

***


بعد شهر من المحادثات الليلة ، توطّدت العلاقة بينهما .. كما تعرّفت امه على والدتها اللتان تحدّثتا بفخر عن جرأتهما بالإنجاب بشكلٍ طبيعيّ ، رغم ظروف حياتهما الصعبة .. لكن فرحتهما لم تكتمل .. ففي يوم عرس ابنيهما ، إقتحم رجال الشرطة الكنيسة للقبض على جيمس وحبيبته بعد ان وصلهم بلاغ من احد المعازيم الذي صوّر ضحكة العريس ودموع العروس المتأثران بمراسم العرس ، وهو شيءٌ لم يعتادوا رؤيته من قبل !


ونُقل العريسان للتحقيق بشأن مشاعرهما الفيّاضة التي تم التقاطها بالصور يوم الزفاف .. 

^^^


وبعد ساعة من انكار مشاعرهما ، وهما يُمثّلان جمود التعابير بوجههما امام المحقق .. إنفجر الطبيب غاضباً :

- نعم !! ضحكت لأني سعيد بزواجي من حبيبتي .. مالغريب في الموضوع ؟ انا اضحك عندما افرح .. وأبكي عندما احزن او اخاف .. ويشحب وجهي عندما امرض .. وأغضب ان سألني شخصٌ مثلك هذه الأسئلة التافهة !! فأنا بشريّ ولست روبوتاً الكترونيّ .. ولديّ مشاعر انسانيّة 


وحاولت عروسته تهدأته ، والمشاعر تفيض من عينيها بين العشق والخوف على مصير عريسها .. وكان هذا كافياً للمحقق ، لوضعهما بالحجز مع ثلاثة اشخاص آخرين ، ذنبهم الوحيد انهم شعروا ايضاً! 


فأحدهم كاتب مسرحيات : حاول إثارة مشاعر الجمهور الذين ابلغوا الشرطة عن تجاوزاته بالنصوص والحوار .. 

والثاني مصوّر : حاول التقاط صوراً مؤثرة وجميلة ، لتأجيج مشاعر المارّة بعد نشر صوره بالطرقات .. 

والثالث مغني : حاول تأليف اغاني حزينة ، لتذكير الناس بأحبائهم الذين توفوا او انفصلوا عنهم سابقاً 


وجميع المساجين الثلاثة استمعوا لحكاية العريسيّن باهتمام .. قبل ان يقول الكاتب :

- لا ادري ان كان علينا شكر امهاتنا للمجازفة بحياتهن ، لإنجابنا بطريقةٍ تقليدية .. او لومهنّ على جعلنا غرباء وسط جيلنا !

الطبيب : بالنسبة لي ، اشعر بالغرابة لعدم بكاء ولدٍ اقوم بخلع ضرسه دون شعوره بالألم ! وكأن الصغير قادم من كوكبٍ آخر ، مختلف عما عاش عليه اجدادنا

عروسته : وانا بحثت في كل مكان عن صورٍ قديمة لأجدادنا ، فقط لرسم تعابير وجههم التي تعتبر نادرة هذه الأيام ! 

المغني : وانا مهما طربت بألحاني ووصلت لأعلى الطبقات ، لا اجد ردّة فعل من الجمهور .. كأني أغني امام تماثيل او ماكيناتٍ لعينة .. الأمر محبطٌ للغاية !

المصوّر : وانا ظهّرت الكثير من الصور القديمة التي رُميت بمخزنٍ حكوميّ قبل إتلافها بالحرق .. وعلّقتها امام الناس في الطرقات .. صحيح انني جازفت بحياتي ، لكني حقاً افتقد تلك المشاعر .. فكلما صوّرت احداً بالطريق ، اجد صعوبة بجعله يبتسم .. حتى الأطفال ،  لم اكن اعرف انني سأشتاق لسماع ضحكاتهم المرتفعة او صراخهم المزعج !

الطبيب : علينا فعل شيء لإعادة الأمور لمجراها الطبيعيّ

عروسته : اظن الأمر انتهى بالنسبة لجيلنا .. لكن على الأقل ننقذ الجيل القادم

الكاتب : هذا ان لم نتعفّن بالسجن 

وسكتوا جميعاً وهم يشعرون باليأس والإحباط !

***


بعد اسبوع من بقائهم بالسجن .. فتح السّجان باب الزنزانة مساءً ، وهو يهمس للطبيب بالقدوم معه 

جيمس بنعاس : ماذا هناك ؟

- تعال بصمت ، دون ايقاظ بقية المساجين

***


وأخذه الى قصر رئيس الحكومة العجوز الذي يتألّم بشدة من ضرسه المتسوّس.. وأعطوا جيمس حقيبته الطبّية التي سرقوها بعد اقتحامهم عيادته ! وطلبوا منه علاجه ..

فنظر الطبيب للرئيس الذي يتلوّى بألم في فراشه :

- الآن عرفتك ! انت صاحب نظرية الجيل البارد .. انت من ارغمت الأمهات على الإنجاب بالحاضنة الكترونيّة بشبابك ، اليس كذلك ؟

الرئيس بألم : لا وقت الآن للنقاش .. إقلع ضرسي اللعين ، فرأسي يكاد ينفجر من الوجع

الطبيب : اذاً سأقلعه دون تخدير

- لا !! ضعّ ابرتان او ثلاثة من البنج ، فلا استطيع تحمّل الألم 

- سأفعل بشرط !! ان تبلّغ وزيرك المختصّ بالحاضنات الإلكترونية بإلغاء قرارك القديم  .. مع إعطاء كامل الحرّية للنساء بالإختيار بين إنجابهن بالطريقة التقليديّة ام لا

- سأفعل لاحقاً 

الطبيب بحزم : بل الآن !! والا احلف ان اقلع جميع اضراسك دون تخدير 

فأخرج الرئيس الجوال من درجه ، قائلاً بصوتٍ شبه مفهوم من وجعه :

- إلغي القانون الجبري على النساء ، ودعهن يخترنّ طريقة انجاب اطفالهن

الوزير بدهشة : هل انت متأكّد سيدي ؟ فالقرار ساري المفعول منذ ثلاثين عاماً !

الرئيس : وقد حان وقت الغائه .. افعل ذلك الآن !!


فهمس له الطبيب :

- ابلغ وزيرك بنشر الأوامر الجديدة بجميع وسائل التواصل الإجتماعي .. 

الرئيس : سأبلغه لاحقاً

الطبيب بإصرار : قلت الآن !! فأنا لا اثق بتغيرك القرار بعد علاجك


وبعد قيامه بذلك ، خدّره جيمس قبل قلع ضرسه المتسوس .. ليغفو بعدها الرئيس العجوز بسباتٍ عميق ، بعد ايام من الألم المتواصل 

***


بسبب قرار الرئيس الجديد ، تم تسريح المساجين الخمسة وهم سعداء بتحقيق العدالة اخيراً .. ورغم أن جيلهم سيظل منفياً عاطفياً ، إلا أنهم فخورين بزراعتهم لأول بذرة في أرضٍ قاحلة من المشاعر... 


اما الطبيب وعروسته ، فكانا سعيدان بولادة طفلهما الذي سيحظى بحياةٍ طبيعيّة .. حيث راقب زوجته وهي ترسم ضحكة ابنه البريئة ، قائلاً في نفسه : ((ربما لن نغيّر الماضي ، لكننا منحنا المستقبل قلباً ينبض بالحياة))!  


الأربعاء، 27 أغسطس 2025

بين نسبيّن

تأليف : امل شانوحة 

من يستحق لقب والدي ؟!


كل شيءٍ كان جميلاً في حديقة المنزل المُزيّنة بالورود والكراسي التي رُصّت بجانب بعضها ، لمشاهدة القسّ وهو يعقد قران العروسيّن (جاكلين وجاك ، كلاهما بنهاية الأربعينات) بينما ابن العروس المراهق (آدم) يجلس مُضّطرباً على المقعد الأمامي للمعازيم ، بنظراته التي تركّزت على عشب الحديقة دون مواكبة الحدث ! وهو يهزّ قدمه بتوتّر ، مُتزامناً مع دقات قلبه السريعة وهو يسمع نذور امه اتجاه عريسها الجديد .. 


ليعلو بعدها تصفيق المعازيم ، عقب اعلان القسّ زواجهما .. فيسارع المراهق بالإبتعاد عن الجميع .. ويسقط منهاراً خلف الشجرة ، رامياً ربطة عنقه بعيداً .. وهو ينظر الى صوره وهو صغير بجانب والده الحقيقيّ (من جواله)

- مازلت لليوم لا اصدّق ان امي رمتك في السجن ، للزواج من رجلٍ آخر ! ليتني اعرف اخبارك ، لكنها تمنع تواصلي معك .. كنا بالفعل عائلة رائعة ، قبل ظهور ذلك الدخيل .. كم اكرهه !!

وهنا ناداه العريس من بعيد :

- آدم !! سنأخذ صورة جماعيّة .. هيا اقترب منا 

فتمّتم آدم بضيق ، وهو مازال يشاهد صور طفولته :

- لن تأخذ مكان ابي مهما فعلت ، ايها المُتطفّل  

فهمست الأم لزوجها بإحراج :

- جاك .. لندعه على راحته 


ثم طلبت من المصوّر اخذ صورة لها ولعريسها الذي شعر بالقلق حيال علاقته المستقبليّة مع إبنها المراهق العنيد !

***


ومرّت الشهور .. حاول فيها جاك معاملة آدم بلطف ، خصوصاً مع بدء امتحاناته الثانويّة .. حيث تعمّد على ترك مسافة مريحة بينهما .. فهو لا يدخل غرفته الا باستئذان .. ولا يقترب من زوجته ، حين يراها تتحدّث مع ابنها على انفراد .. كما اعدّ طعام آدم المفضّل الذي وضعه على طاولته ، ورحل دون انتظار شكرٍ منه .. وكذلك المشروبات الساخنة ، ايام امتحاناته الصعبة .. 


وفي يوم عطلة ، إجتمع رفاق آدم للعب كرة السلّة في حديقة منزله .. وكان ينقصهم لاعب .. ليتفاجأوا بجاك يرمي الكرة ، ويسدّد هدفاً من بعيد وهو يقول :

- يمكنني اللعب معكم ، فأنا كنت اللاعب الأساسي بفريق السلّة في جامعتي

فوافقوا جميعاً .. ماعدا آدم الذي دخل منزله غاضباً :

- اذاً جدوا لاعباً مكاني !!

تاركاً الجميع في صدمة ، خصوصاً زوج امه الذي فشل بتحسين علاقته معه !

^^^


حتى عندما دافع عن آدم بشراسة ، بعد رؤية مُتنمّرٍ يشتمه خارج المدرسة .. لم يشفع له ، بل دفعه آدم بعنف :

- لا تدخل في شؤوني ، فأنت لست والدي !! ثم مالذي اتى بك الى مدرستي ؟ انت تعلم جيداً بعودتي مشياً لمنزلي كل يوم

جاك : كنت مارّاً من هذا الطريق ، فأردّت أخذك معي

- لا اريد ان يرانا احد سوياً .. هيا إذهب من هنا !!

وأكمل آدم سيره وحيداً .. بينما عاد زوج امه حزيناً الى المنزل !

***


وفي إحدى الليالي ، عانى آدم من حمّى قوية .. وسهرت امه بوضع الضمّادات الباردة على رأسه .. وحينما دخل زوجها الغرفة ، وجدها نائمة على الكرسي بجانب ابنها .. فأسندها اليه ، وأعادها الى سريرها .. وأكمل هو وضع الضمّادات الباردة على رأس آدم الذي استيقظ غاضباً :

- مالذي تفعله في غرفتي ؟! هل تحاول التحرّش بي ، بغياب امي ؟!!

وقد صدمته هذه التهمة كثيراً ! 

جاك بارتباك : كنت احاول المساعدة فحسب !

آدم بعصبية : لا اريد منك شيئاً .. الا تفهم ؟! .. (ثم تنهّد بضيق) .. حقاً لا ادري كيف وافقت امي الزواج بك ، بعد تخلّيك عنها ايام شبابها ؟

جاك : انا احببتها طوال حياتي ..

مقاطعاً بعصبية : كاذب !!! انت كسرت قلبها بتخلّيك عنها ، قبل ايام من عرسكما 


فتنفّس جاك مطولاً ، قبل ان يقول بحزن : 

- بعد إجراء الفحوصات اللازمة للزواج ، أخبرني الطبيب بعقمي ..ففسخت علاقتي بها ، بعد سفري.. لأنها كانت ستكمل مراسم الزواج ، لتعلّقها الشديد بي .. وانا لم اردّ حرمانها من الأمومة .. ظننت بغيابي ، ستجد افضل مني .. لكن بعد علمي ببلاغها ضدّ والدك بسبب ضربه المتكرّر لها ، عرفت انني أذيّتها مرتيّن .. وعدتُ فور حصولها على ورقة الطلاق من القضاء ، بعد سنواتٍ طويلة من انفصالها عن والدك 

آدم غاضباً : ابي لم يضربها يوماً !!

- الم ترى التقرير الطبّي لليلة قبض الشرطة على ابيك ؟ كان جسمها مليئاً بالرضوض والكسور 

آدم : كنت معها ، ولا اذكر ذلك مطلقاً

- كنت بسن السادسة ، لهذا ذاكرتك ضعيفة 

آدم : ابي كان جيداً معي ، ولن اسمح لك بتشويه صورته امامي .. ومهما فعلت ، لن تصبح اباً في حياتك .. ستظلّ عقيماً لآخر عمرك .. هيا اخرج من غرفتي .. واياك الدخول اثناء نومي.. هيا اخرج ، ماذا تنتظر ؟!!


فخرج جاك مقهوراً من غرفته

*** 


وفي آخر يومٍ لآدم في الثانوية ، إستعدّ بحماس لحفلة تخرّجه .. واثناء مرور زوج امه بجانب الحمام ، سمعه يتألّم من الداخل.. فدخل اليه ، ليجده ينزف من خده اثناء محاولته حلق ذقنه الخفيفة لأول مرة .. ليتفاجأ بجاك ، يأخذ الشفرة منه وهو يقول :

- لا تحلق بوجهٍ ناشف .. ضعّ المرطّب اولاً 


وصار يساعده الى ان حلق وجهه بطريقةٍ صحيحة .. ثم خرج ، تاركاً آدم مصدوم من تصرّفه الحنون !


ولم يكتفي زوج امه بذلك ، بل جلس يُحادث صديقته المراهقة (التي قدمت الى المنزل باكراً) في انتظار لبس آدم لطقمه الرسميّ في غرفته .. ثم اعطاه مفاتيح سيارته وهو يقول :

- من الأفضل ان تأخذ صديقتك بسيارتي ، فهي تلبس فستاناً طويلاً وسيتلوّث بغبار الطريق لحين ايقافكما سيارة اجرة 

فشكره آدم على مضضّ ، وخرج مع صديقته من المنزل 

^^^


وفي الطريق ، قال لها :

- كم اكره حركاته تلك .. يظن بأن لطفه المُصطنع ، سيجعلنني أحبه


فأخبرته صديقته بأنه طوال وجودها في المنزل ، كان يمدحه وينصحها بإكمال علاقتها به .. فاستغرب آدم من ذلك ! لكنه مازال مصرّاً على وضع مسافة بينه وبين زوج امه 

***


قبل ذهاب آدم لجامعته في المدينة المجاورة ، ارادت امه توديعه من خلال تخييمهم بالغابة لثلاثة ايام .. فقبل آدم بصعوبة تواجد زوجها معهما 


وفي الليلة الأولى : رفض آدم مساعدة زوج امه بنصب خيمته .. 

وعندما فشل جاك بإشعال النار بالطريقة الكشفيّة القديمة ، قام آدم بإشعال الحطب من ولّاعته.. فسألته امه بقلق :

- هل تدخن يا آدم ؟

لكنه لم يجيبها .. بل اكتفى بالجلوس بعيداً وهو يقرأ كتاباً (خصوصاً لعدم وجود انترنت بتلك المنطقة المنعزلة)..  

ومهما حاولت الأم خلق جواً من المرح ، الا ان التوتّر كان واضحاً بين آدم وجاك طوال الليل


وفي اليوم الثاني : قاموا بنزهة ، سيراً على الأقدام لاستكشاف الغابة .. واثناء ذلك ، كاد آدم يتعثر ويسقط بإحدى الحفر .. فسارع جاك بمسكه وإنقاذه .. واكتفى آدم بتحريك رأسه بإشارة شكرٍ وامتنان ، دون التحدّث معه !

وفي المساء .. تشاركوا بإعداد العشاء ، وآدم مازال ملتزماً الصمت!


في الليلة الثالثة : ارادت الأم مشاركة الذكريات معاً ، لكن آدم رفض اللعب معهما .. وعندما تحدّث جاك عن يوم فقدان والديه بحادث سيارة ، استمع له آدم باهتمام دون كلام .. وهو يشعر بالشفقة عليه ، خصوصاً لوفاتهما وهو بعمر المراهقة (اي نفس عمر آدم الحاليّ)


وقبل غفوه تلك الليلة ، شعر بالدفئ فجأة ! ليلمح جاك يغطّيه ببطانية اضافية ، قبل عودته لخيمة زوجته

***


وفي اليوم الذي قرّروا فيه العودة للمنزل (لترتيب آدم اغراضه قبل رحيله للجامعة) وقبيل العصر ، بعد وضعهم اغراض التخييم في السيارة .. لاحظوا اختفاء الأم !

قبل انتباههما لسيارة تبتعد عن المكان .. فعلما باختطافها !


وبسرعة ركبا السيارة في محاولة للحاق بالخاطفين ، حيث كان واضحاً وجود اربعة رجال بالسيارة التي تبعد امتاراً عنهما 


وحاول آدم الإتصال بالشرطة ، لكنه لم يلتقط اشارة الإنترنت على طول الغابة .. بينما قاد جاك سيارته بتهوّر وهو يلهج بالدعاء ، خوفاً على عروسته

^^^


الى ان وصلا مساءً لمستودعٍ مهجور !

آدم : انظر هناك .. سيارة الملاعين متوقفة بجانب المستودع .. سأذهب لإنقاذ امي

الزوج : لا !! إبقى هنا .. سأدخل اولاً .. وان تأخرت ، تأخذ السيارة الى اقرب محطّة ، وتتصل بالشرطة .. اياك الدخول والمخاطرة بحياتك .. أفهمت ؟!!


وبصعوبة رضخ آدم لقرار جاك الذي تسلّل وحده للمستودع المهجور 

^^^


بعد نصف ساعة ..

آدم : لن انتظر اكثر .. سأدخل خفيّة ، لمعرفة ما حصل لأمي وزوجها


ليجد الرجال الأربعة للعصابة يسكرون خارج المستودع .. فتسلّل للداخل ، ليجد امه وزوجها مقيديّن بكرسيين حديدين .. ورجلٌ غامض يصرخ عليهما معاتباً :

- أهذا هو التافه الذي اخترته لإكمال حياتك معه ؟!!

فيردّ جاك : كنت حبيبها الأول ، وانت تعرف ذلك جيداً

الرجل : أصمت !! فأنت لن تصبح والد آدم مطلقاً .. اخبرني ، هل ناداك بأبي بعد مرور سنة على زواجك بأمه ؟ هل حضنك او شاركك همومك ؟ انت لن تصبح يوماً والداً ، ايها العقيم ؟!!

جاك بدهشة : وكيف عرفت هذه المعلومة ؟!

الرجل : لا شيء يُخفى عليّ .. اما انتِ يا جاكلين !!

وازال الرجل حزامه ، وهو يقول بلؤم :

- يبدو انك بحاجة لتربية من جديد ، يا ابنة الفرّان !!


وهنا تذكّر آدم مقتطفات من طفولته الصعبة ! فوالده ردّد الجملة ذاتها ، قبل ان ينهال ضرباً بالحزام على ظهر امه .. بينما يسارع هو للإختباء في خزانة غرفته ، وهو يُغلق اذنيه من صراخها الموجع .. وكأن سيلاً من ذكرياته المؤلمة عادت اليه دفعةً واحدة !


وقبل ان يجلد طليقته بالحزام ، تفاجأ بإبنه يمسك يده بعنف :

- لن اسمح لك بضربها مجدداً !!

الأب بدهشة : آدم ! حبيبي .. كبرت وأصبحت رجلاً .. دعني اراك جيداً 

لكن آدم ابعد يده عن كتفه ، وهو يقول :

- ماذا تريد من امي ؟ الا يكفي انك ابعدتها عن حبيبها ؟

والده : أهذا ما قالته لك ؟! انا تزوجتها بعد ان تخلّى العقيم عنها  

آدم : من تراه عقيماً ، هو أحنّ منك عليّ .. هو علّمني كيف احلق ذقني .. كيف العب الكرة .. كيف اعامل صديقتي باحترامٍ ومحبة .. هو من سهر اثناء مرضي .. ودفع اقساط جامعتي دون علمي .. اهتم بدراستي ومعهدي .. وحتى هوايتي الموسيقية ، بعد شرائه الجيتار الذي ظننته هدية من امي .. هو الوالد الذي تمنّيته دائماً .. بينما انت !! اعطيتني اسوء ذكريات طفولة .. أتدري عندما قبضت الشرطة عليك ، كان اجمل يومٍ في حياتي .. لأنها اول ليلة انام فيها مع امي دون خوفٍ ورعب .. ما الحاجة للأب ، ان لم يكن هو الأمان والسند والإحتواء ؟!! امي الآن بخير ، وهي سعيدة مع زوجها .. فاذهب في حال سبيلك ، ودعنا وشأننا !!

الوالد بصدمة : أهذا ما تريده يا آدم ؟!

آدم بعصبية : نعم !! إذهب واخترّ زوجة ثانية ، وانجب ما تشاء من الأولاد .. اما انا وامي !! فاحذفنا من ذاكرتك ، كما حذفناك من حياتنا منذ سنواتٍ طويلة

فطأطأ والده رأسه حزناً ، وهو يقول لجاك :

- يبدو انك انتصرت عليّ .. وفزت بها وبه (واشار لطليقته وابنه)


ثم نادى رجال عصِابته الذين ركبوا السيارة معه ، وابتعدوا عن المستودع بعد حصوله على وعد من طليقته بعدم الإبلاغ عنه !

لتعود مع زوجها وابنها للمنزل بعد انتهاء ازمتهم اخيراً

***


بعد اربع سنوات ، وفي حفلة التخرّج الجامعي .. جلست الأم بجوار زوجها الذي راقب الأباء وهم يصوّرون ابنائهم الخرّيجين بفخرٍ وسعادة .. وهو يتساءل بنفسه :

- هل انا مثلهم ، ام مجرّد مرافق للأم ؟


وقبل انهاء سؤاله ، تفاجأ بمذيع الحفل ينادي على آدم : 

- الطالب آدم جاك اندرسون !!


وكانت صدمة كبيرة لجاكلين وزوجها جاك بعد سماع اسمه واسم عائلته مرتبطيّن بإسم آدم الذي اخذ الميكروفون بعد استلام شهادته وهو يقول بفخر :

- هذا نسبي الجديد الذي اخترته بملء ارادتي.. (ثم اشار لجاك من بعيد) .. ما رأيك ؟ هل تقبلني ابناً لك ؟!!


فأومأ جاك برأسه موافقاً على التبنّي ، وهو غارقٌ بدموعه .. لتسارع زوجته باحتضانه ، وسط تصفيق الخرّيجين والحضور !  


الأحد، 24 أغسطس 2025

المنزل المقاوم

تأليف : امل شانوحة 

 

الإنقاذ البطوليّ 


في مكتب الجنرال الإسرائيلي الذي سأل باهتمام :

- ما آخر المستجدّات ؟

الضابط : نجحت خطتنا ، سيدي .. أغرينا اهالي القدس بالعيش في المبنى الضخم الذي بنيناه بعيداً عن محيط المسجد ، والمزوّد بكافة الخدمات الرئيسيّة .. خصوصاً بعد تسلّمهم سندات الملكيّة ، مقابل منازلهم المتهالكة القريبة من المسجد الأقصى

الجنرال بضيق : لا اريد سماع هذا الإسم ثانيةً !! فقريباً سنبني هيكل سليمان مكان المسجد ، كما حلم آبائنا واجدادنا

- لكن للأسف يوجد خبرٌ سيء 

- ماهو ؟

الضابط : لم يبقى سوى منزلٌ واحد ، يرفض اهله تركه بأيّ ثمن !

الجنرال غاضباً : اذاً فجّروه بمن فيه !!

- لا نستطيع .. فأحد جدرانه مُتصلاً بحائط المبكى

- وكم عدد اولئك الملاعين ؟

الضابط : عائلة مكوّنة من جد وكنّته وثلاثة احفاد .. كبيرهم مراهق ، وصغيرهم طفلٌ صغير

- الا يوجد رجال ؟

- والدهم مُعتقل لدينا منذ سنوات .. وأخوهم الأكبر استُشهد خلال رميه الحجارة على جنودنا بالإنتفاضة السابقة  

الجنرال : اذاً هدّدهم بأذيّة والدهم إن لم يخرجوا طوعاً من المنزل

- الأب أعند منهم ! فهو من شجّعهم على البقاء في المنزل حتى الرمق الأخير

الجنرال بابتسامةٍ خبيثة : اذاً سنحقّق أمنيّته

- ماذا تقصد ؟

- أغلقوا بابهم ونوافذهم بالطوب والإسمنت .. واقطعوا عنهم الماء والكهرباء والإنترنت .. وامنعوا دخول المؤنة اليهم .. وضعوا الحرس حول المنزل ، مانعين احد الإقتراب منهم .. وبموتهم جوعاً ، نُربي البقيّة على طاعة اوامرنا .. وبعد إفنائهم .. نهدم المنزل فوق جثثهم ، ونترك الجدار المُتصل بحائط المبكى سليماً .. هيا إذهب ونفّذ الأوامر ، ماذا تنتظر؟

الضابط : من الأفضّل اغلاق منافذهم مساءً ، اثناء نوم الجميع .. كيّ لا نلفت انظار الجيران والمارّة ، لمعاناة تلك العائلة 

- حسناً ، نفّذ الأمر هذه الليلة التي ستكون آخر مرة ينظرون فيها لقبّتهم الذهبيّة .. فبعد موتهم !! سيتم تدمير المسجد على مرأى العالم كلّه ، الذي سيشهد بناء هيكلنا دون اعتراضٍ او مقاومة 

- حاضر سيدي !!

*** 


في تلك الليلة من ايام الصيف الحارقة .. إستيقظ المراهق (16 سنة) بعد شعوره بحرارةٍ مفاجئة ! فأراد فتح نافذته ، لإدخال بعض الهواء الى غرفته الخانقة .. ليتفاجأ بانسدادها بالطوب من الخارج !

فأسرع الى بقيّة نوافذ المنزل ، ليجدها جميعاً مُغلقة بإحكام .. 


واستيقظت عائلته على صراخه الغاضب ، اثناء محاولته كسر الباب الرئيسيّ لمنزله الذي سُدّ ايضاً بجدارٍ من الطوب !


وعندما حاولت امه اضاءة النور لمعرفة المشكلة ، إنصدمت من انقطاع الكهرباء .. بهذا الوقت ، سمعوا صراخ الجد من الحمام بعد انقطاع الماء !

بينما الفتاة الصغيرة (11سنة) تخبرهم بعدم وجود إنترنت بعد محاولتها الإتصال بعمها ، للقدوم اليهم وحلّ المشكلة !


وبعد اجتماع العائلة المنكوبة بالصالة ، بعد اضاءة الأم لإحدى الشموع.. 

الجد : يبدو ان الملاعين قطعوا عنها كل وسائل الحياة ، بعد رفضنا بيع منزلنا !

الصغيرة بخوف : هل يعني اننا سنموت جوعاً ، يا جدي ؟

المراهق وهو يحاول تهوئة عائلته بقطعة كرتون من شدّة حرارة المنزل :

- هذا إن لم نختنق اولاً ، بعد إغلاقهم جميع المنافذ  

الأم : كان بإمكانهم تهديدنا بالشتاء ، لكنهم تقصّدوا حبسنا بعزّ الصيف ! 

الجد بقلق : هذا ونحن بالمساء ، فكيف ستكون حرارة ظهر الغد ؟ عدا عن حرماننا من المياه ، للإستحمام وتخفيف سخونة جسمنا !

الأم : رجاءً عمي ، لا تخيف الأولاد

الصغيرة وهي تمسح دموعها : ماذا بشأن اخي ؟ فهو لم يتجاوز عامه الأول .. كيف سندبّر له الحليب فور انتهاء القارورة التي لدينا؟! 

المراهق : برأيّ علينا الليلة ، أكل جميع الطعام الذي سيفسد بعد انقطاع الكهرباء عن الثلاّجة .. 

الأم : هذا عدا عن مشكلة الإضاءة ، فليس لدينا سوى عشرة شموع في المنزل ! 

الجد : ضعي واحدة بالحمام 

الأم : اذاً سآخذ شمعة ثانية للمطبخ ، لتحضير الطعام الذي سيفسد دون تبريد ! 


الصغيرة : الا تظنون ان احدهم سيساعدنا للخروج من هنا ؟

المراهق : لا اعتقد .. فقبل استيقاظكم ، صرخت كالمجنون وانا احاول كسر باب منزلنا .. لأسمع مُجنّد صهيوني يقول من الخارج : ((لا تحاول يا صبيّ ، فمنزلكم محاصر بالجنود .. ستبقون بالداخل حتى موتكم ، دون علم احد بمعاناتكم))

الجد : ليتك لم تخبرنا ، فهذا تأكيد على نهايتنا 

الأم : عمي ! ماذا سنفعل الآن ؟

الجد : نأكل اولاً ، ثم نقيم الليل بالصلاة والدعاء .. لا شيء آخر يمكننا فعله .. فذنبنا الوحيد ، إن منزلنا مُطلّ على المسجد الأقصى الشريف .. وحتماً سيجعلوننا عبرة للجميع ! 


ثم قام مُتثاقلاً نحو الكنبة ..وأخذ يضرب بكفّيه عليها ، محاولاً التيممّ لبدء صلاة التهجّد .. بينما المراهق يفكّر في نفسه :

((لن اجلس مكتوف الأيدي ، وعائلتي تموت امامي ببطءٍ وألم .. فوالدي وصّاني بهم بآخر زيارة له في السجن ، وسأكون على قدر المسؤوليّة))


ثم دخل غرفته ، مُغلقاً الباب على نفسه .. بعد اخذه شمعةً ثانية معه 

واثناء وضع الأم الطعام بالصالة ، سألت عن ابنها .. فأخبرتها ابنتها : أنه امضى ساعة لوحده في غرفته ، مع صوتٍ غريب يصدر من هناك ! 

فنادته امه لتناول الطعام قبل فساده .. فخرج من غرفته مُتعرّقاً ، وموسّخاً ملابسه بالتراب ! لكنه رفض التحدّث قبل انهاء طعامهم .. 


وبعد نوم الفتاة وهي تحتضن اخاها ، بعد شربه آخر ما تبقى من قارورة الحليب التي يملكونها


الجد بصوتٍ منخفض : هآقد نام اخوتك ، كما طلبت .. إخبرنا بما كنت تفعله بالغرفة ؟

المراهق : أليست غرفتي الوحيدة التي لديها ارضيّة ترابيّة في كل المنزل ؟

الأم : هذا لأن مالنا نفذ قبل تبليطها 

ابنها : وهذا من حسن حظنا .. فقد أخذت رفش جدي ، وبدأت بحفر ارضيّة غرفتي الى ان وصلت الى متر خلال ساعةٍ واحدة ! 

الجد باهتمام : هل ستحفر نفقاً الى خارج المنزل ؟

المراهق : نعم !! فغرفتي مُتصلة بحائط المبكى ، لهذا لن يجرأوا على تفجيرها .. كما لن يحرسها الجنود من الجهةٍ المقابلة ، حتى لا يثيروا ذعر الحاخامات الذين يدعون خلف جدار غرفتي .. فأنا اسمع ترانيمهم طوال حياتي ! وطالما حائط المبكى مُغلقاً في المساء .. سأقوم بالحفر كل ليلة ، لحين خروجي من هنا على هيئة يهوديّ 


الأم بقلق : ماذا تعني ؟!

- ألستِ خياطةً ماهرة يا امي ؟ اريدك ان تُخيطي طقماً رسمياً اسوداً ، يشبه ما يلبسه المتدينون منهم.. وسأقصّ بعضاً من شعر اختي المتموّج ، للصقه كخصل على جانبيّ وجهي .. وبعد خروجي ، سأركض الى شقة اعمامي في المبنى الجديد .. وسآخذ معي الجوال الذي صوّرت فيه معاناتنا ، لنشره لاحقاً بالإنترنت .. كل ما عليكم فعله هو الصمود لحين عودتي مع الثوّار الى هنا  .. هل يمكنكم فعل ذلك ؟ 

الأم : احتاج يومين لتحويل ستارتي السوداء الى طقمٍ رسميّ لك

ابنها : وانا احتاج يومين الى ثلاثة لإنهاء الحفر .. المهم ان لا تعرف اختي الموضوع ، لربما صرخت للجنود في الخارج عن محاولتي إنقاذكم .. لهذا سنعمل بسرّيةٍ مطلقة ، فالصغار لا يمكن التنبؤ بأفعالهم .. وانت يا جدي ، هل يمكنك الصمود دون ادويّتك الطبّية ؟


الجد : ان كان مُقدّراً لي العيش ، سيطيل الله عمري دون حاجتي لهم .. وفي حال لم أصمد دون دواء الضغط والقلب ، فقد عشت حياتي كاملة ولله الحمد .. وأتوق فعلاً لرؤية زوجتي المرحومة ، وكل معارفي الذين استشهدوا قبلي .. 

كنّته : رجاءً عمي ، احتاجك معي بفترة غياب ابني 

الجد : سأحاول على قدر صحتي .. المهم ان توفّري الطعام لحين نجاتنا

كنّته : لديّ كيس طحين ، يكفينا لصنع بعض الأرغفة التي يمكن تغميسها بالزيت 

ابنها : وماذا بشأن الماء ؟

الأم : لديّ جالون واحد .. المشكلة بمياه الإستخدام

ابنها : إتركوا المياه للشرب فقط ، لحين عودتي 

الأم : عليك الإسراع بالعمل ، قبل إختناقنا من قلّة الأوكسين .. بالإضافة للرائحة الخانقة التي ستصدر من حمامٍ دون مياه !

ابنها : سأفعل كل طاقتي ..وفي الصباح سأحفر بيديّ ، لأن الرفش يصدر صوتاً .. ولا اريد للجنود بالخارج ، التنبوء بمحاولتي الهرب

الجد : وانا سأدعي طوال الوقت لنجاح خطتك بإنقاذنا ، يا بطل !!

***


خلال الأيام الثلاثة التالية ، قلّ عندهم الطعام والماء بشكلٍ مُقلق .. وبدأ الصغير يبكي بشكلٍ مستمرّ من صعوبة تنفّسه بهواء المنزل الملوّث ، مع سخونة الجوّ الخانقة .. بينما الفتاة تُنشد الأغاني الثوريّة طوال الوقت ، كأن قلّة الأكسجين أضرّ بسلامة وعيها ! 


اما الجد : فأمضى الوقت بقراءة القرآن الذي يحفظه غيباً ، لعتمة المنزل حتى بساعات الصباح ! 

اما الأم : فحاولت الإسراع بالخياطة على ضوء الشمع الخافت ، خوفاً من نفاذه ! 

بينما ابنها المراهق يحفر ليل نهار ، الى ان تمكّن من صنع حفرة صغيرة توصله للجهة المقابلة من حائط المبكى .. 

***


وفي الليلة الخامسة ، في منتصف الليل .. وضع المراهق طقمه الأسود (الذي خاطته امه) داخل كيسٍ بلاستيكيّ ، للبسه فور خروجه من الحفرة .. وقام بقصّ خصلتيّ شعر من اخته (النائمة) وألصقهما بعناية بطرفيّ وجهه .. ثم قبّل جبين الصغيرة .. قبل توديعه جده وامه .. وعندما قبّل رأس اخيه النائم ، قال لأمه بقلق :

- حرارته مرتفعة !

الأم بحزن : اعلم ذلك ، لكني لم اردّ إخافتك .. المشكلة انه لم يعد لدينا ماء ، لتخفيف حرارته !

المراهق : سأحاول الإسراع قدر الأمكان ، للوصول للعمارة الجديدة 

الجد : لكنها تبعد 2 كيلومتر من هنا !

- سأركض بكل ما اوتيت من قوة

الأم : لا تنسى تغيّر ملابسك السوداء قبل وصولك لمبنى الفلسطينيين

- اكيد امي !!


وحضن امه مودّعاً .. بينما جده يلهج بالدعاء وهو يراه يزحف بصعوبة من الحفرة الضيّقة الى خارج المنزل ، حاملاً الكيس معه

***


في الخارج .. وبعد لبسه الطقم الأسود ، والتأكّد من إلتصاق خصلتيّ الشعر على جانبيّ وجهه جيداً .. حاول الخروج من محيط الحائط المبكى ، ليتفاجأ باقتراب جنديّن من المكان ! 

فسارع نحو الحائط وهو يهزّ رأسه ، مُردّداً بعض ترانيمهم التي حفظها على مدى سنوات (بعد سماعها دائماً من خارج غرفته)

فناداه احد الجنديّن : يا ولد !! ماذا تفعل عندك ؟!


ولأن والده (المسجون) علّمه العبريّة في صغره (لحكمة تعلّم لغة الأعداء) فقد اقترب منهما ، قائلاً بثقة :

- هو نذر ، بعد نجاحي بالمعهد .. وأتيت الى هنا للصلاة ، شكراً لأدونايّ (الربّ بالعبرية)

الجندي الآخر : أفي منتصف الليل ؟!

المراهق بنبرةٍ قوية : الم اقل انه نذر ؟!!

- مازلت صغيراً للقدوم لهذه المنطقة الشائكة .. عُدّ الى بيتك حالاً !!

المراهق : سأفعل الآن ، بعد ان وفّيت نذري  


وقبل خروجه من هناك ، أوقفه الجندي وهو يسأله : عن اسمه وعنوان منزله ؟

المراهق : اسمي داود ..  (ثم اشار للأمام).. ابي جندياً في ذلك المعسكر

- وما اسمه ؟ 

المراهق بعصبية : وهل تعرف جميع المُجنّدين في هذا المكان ؟!! دعني اذهب اليه .. فهو ينتظرني ، ليعيدني الى بيتي قبل استيقاظ امي ومعاقبتي على خروجي من المنزل دون اذنها

فضحكا عليه ..

الجندي : للحظة ظنناك يهوديّاً قوياً ! فلا احد تجرّأ على القدوم وحده الى هنا ، خصوصاً في المساء .. لكن يبدو مازلت مراهقاً متهوّراً 

الجندي الآخر ساخراً : هيا عُدّ الى ماما ، قبل معاقبتك بوضع الحرّ على لسانك


فركض المراهق بأسرع ما يمكنه ، وهو يسمع ضحكاتهما (ظناً بخوفه من عقاب والدته) 

^^^


وما ان خرج من محيط الجيش (المتجمّع حول المسجد الأقصى الذي بات فارغاً بالشهريّن الفائتين .. بعد قرار منع المُصلّين الوصول اليه ، دون اعتراض الدول المجاورة على ذلك !) حتى اعاد الطقم الرسميّ الى الكيس البلاستيكيّ الذي خبّأه فوق الشجرة ، لعلّه يحتاجه بطريق العودة .. وأكمل راكضاً بملابسه المُتربة باتجاه العمارة الحديثة 

الى ان سقط قرب ادراج المبنى ، بعد جفاف جسمه الذي انهار تعباً بعد خمسة ليالي من الحفر المتواصل (ليل نهار) حتى تجرّحت كل اصابعه ! 

^^^


ليستيقظ في منزل بوّاب العمارة (الفلسطينيّ) وهو يغسل وجهه بالماء .. ليسارع المراهق بخطف الكوب من يده ، لشرب المياه .. لكن الحارس أشربه على دفعات ، بعد ملاحظة جفاف شفتيّه !

- هل كنت بالصحراء يا بنيّ ؟!

فلم يخبره المراهق بشيء ، بل طلب إيصاله الى شقه عمه 


وفي الطابق العلويّ .. وما ان فتح عمه الباب ، حتى انهار المراهق باكياً بين احضانه !

^^^


وفي الداخل .. تجمّع اعمامه الثلاثة حوله ، وهم مصدومين مما سمعوه ! فهم لم يعلموا بأن عائلة اخيهم المسجون يموتون جوعاً وعطشاً تحت التعتيم الإعلاميّ


وعلى الفور !! قام اصغر اعمامه بإيقاظ جميع الجيران في تلك الليلة المُقمرة ، وأمر رجالهم بالتجمّع السرّي في قبوّ المبنى.. وهناك استمعوا الى المراهق وهو يخبرهم بتفاصيل الحادثة .. ليفاجئهم البوّاب قائلاً :

- في غرفة المولّد .. يوجد خزّان حديديّ فارغ ، مليء بالأسلحة والذخائر التي جمعتها من الثوّار قبل القبض عليهم.. يمكنكم استخدامها لإنقاذ العائلة المنكوبة

فأراد احدهم التكبير بعلوّ صوته ، لكن المراهق اوقفه :

- رجاءً لا تصدر صوتاً !! اخاف ان يسمعك جنود العدو في الخارج ، فأنا لا اريد المخاطرة بحياة عائلتي.. اريدكم ان تخطّطوا بذكاء ، لإخراج اهلي سالمين .. فلا اظنهم سيبقون احياءً حتى الصباح 

***


قبيل الفجر .. تفاجأ الجنود (المحيطون بالمنزل) بعشرات الرجال المُلثّمين يهجمون نحوهم وهم يطلقون الرصاص باتجاههم .. بينما شبابهم (بقيادة المراهق البطل) يرشقونهم بالحجارة من نبالهم المطاطيّة .. مما اخاف الجنود العشرة الذين سارعوا بركوب شاحنتهم ، والهروب من المكان ! 


وعلى الفور !! قام الرجال (باستخدام المعاول) بكسر الطوب الموجود على النوافذ والباب الرئيسي للمنزل المحاصر .. الى ان تمكّنوا مع تباشير الصباح من اقتحام المنزل ، ليجدوا العائلة مُستلقية على الأرض دون حراك ! ورائحة المنزل لا تطاق .. فأقفلوا باب الحمام الملوّث ..وحملوهم للخارج  


بينما سارع المراهق بوضع رضّاعة الحليب (التي اخذها من زوجة عمه) بفم اخيه .. لكن مهما حاول إطعامه ، لم يستيقظ الصغير ! وكذلك جده الذي وجدوه ميتاً فوق سجادة الصلاة !

اما الأم وابنتها : فاستيقظتا بصعوبة بعد إشرابهما الماء .. بينما الرجال تُهلّل وتحمد الله على سلامتهما .. 


اما المراهق : فاحتضن اخاه المتوفي وهو يبكي على خسارته هو وجده ، وهو يشعر بتأنيب الضمير على تأخّره بإنقاذهما .. فحاول اعمامه مواساته على مصيبته ، وتذكيره بعمله البطوليّ الذي أنقذ بقيّة عائلته 

***


في اليوم التالي.. نشر المراهق كل الأحداث المصوّرة بوسائل التواصل الإجتماعي ، ليضجّ العالم ضدّ الجريمة النكراء بعد الليالي الخمسة من الحجزّ اللا إنساني ! مما اجبر اليهود على تأجيل خطّة هدم المسجد ، بعد عودة عشرات الأهالي لبيوتهم القديمة ، تاركين شققهم الفخمة ! بعد إصرارهم على البقاء بجوار الأقصى لحمايتها كما فعلت العائلة المنكوبة .. بينما تحسّر الجنرال لعدم تفجيره منازلهم القديمة فور خروجهم منها ! 


في الوقت الذي نجح فيه المتظاهرون حول العالم مع الضغط الإعلامي على إجبار الحكومة الإسرائليّة بتسريح والد المراهق من السجن وعودته لأهله الذين رغم فوز نضالهم ، الا ان الأم وابنتها أصرّتا على الخروج من المنزل بعد موت الرضيع والجد فيه ! فرضخ الأب لبيع منزله المميّز ، لعائلةٍ فلسطينيّة مُكوّنة من ثماني شبابٍ اشدّاء ، وعدوه بفداء منزله حتى آخر رجلٍ منهم ! 

بينما سافر هو وبقية عائلته كلاجئين في الأردن الذين استقبلوا ابنه المراهق بالزغاريد ورقص الدبكة ، إحتفالاً بالبطل الذي انقذ عائلته من موتٍ محتّم !


الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

العروسة الأسيرة

تأليف : امل شانوحة 

ملفّ النساء الغامض !


انتهى شهر العسل المثالي ، وعاد العريسان لقصرهما الفخم .. ورغم كونه يكبرها بأربعين عاماً ، الا انها اختارته كيّ لا تُشابه مصير أختها الكبيرة التي تزوجت شاباً انجبت منه صبياً ، قبل طلاقه منه بسبب الخيانة .. ولأنها عايّشت دمار اختها النفسيّ لسنوات ، اختارت عريسها الستيني (رغم كونها عشرينيّة) لأنها مُقتنعة بأن كبار السن حنونين ومخلصين.. او هكذا ظنّت ؟! 


فكل شيء تغيّر قبل نهاية عامهما الأول ، بعد تأخّره المتكرّر كل ليلة بحجّة انشغاله بصفقةٍ تجاريّة ! 

وفي يوم ، تظاهرت بالنوم .. لتلمحه يقصّ بطاقةٍ ما ، قبل رميها بسلّة النفايات .. ثم يسارع للإستحمام .. وعندما استلقى امامها .. فاحت منه رائحة المُطهّر ، كأنه يحاول اخفاء شيءٍ مريب ! وبعد سماع شخيره .. إقتربت بحذر من معطفه ، لتشمّ رائحة عطرٍ نسائيّ .. كما وجدت بطاقة الفندق المقصوصة بالسلّة .. فقالت بنفسها بقلق : ((هل سأعيش تجربة اختي ثانيةً ؟!))

***


وفي اليوم التالي .. قرّرت (بعد خروجه منتصف الليل) التجرّؤ على فتح مكتبه (الموجود في القصر) الذي منعها دخوله هي والخدم (النائمون بذلك الوقت المتأخر)!


وبالداخل .. وجدت ملفاً بالدرج ، فيه اسماء نساء .. وقد لفت نظرها اسم امرأة سمعته بوسائل التواصل الإجتماعي ! فصوّرت بجوالها إحدى قوائم الأسماء المجهولة .. وأعادت قفل الباب من جديد


وما ان كتبت اول اسم بمحرّك البحث بالإنترنت ، حتى ظهر اعلان عن اختفاء تلك الصبيّة .. وكذلك الفتيات المذكورة اسمائهن في القائمة التي صوّرتها ! وجميعهن لم يتجاوزن سن الثلاثين .. ايّ من جيلها ! 

مما اخافها كثيراً ، لأن بعضهن مُختفيات لأكثر من عشر سنوات ! فهل زوجها مُنضمّ لعصابةٍ ما ، وهي سبب ثرائه الفاحش ؟!


وعلى الفور !! اتصلت بقريبها الذي يعمل بالشرطة ، وارسلت له صورة بأسماء المفقودات.. فسارع القدوم الى القصر (بغياب زوجها) وأعطاها جهاز تعقّب صغير ، تضعه كسوارٍ في يدها .. 

ورغم رغبتها بترك القصر فوراً ، خوفاً على حياتها .. لكن قريبها أصرّ على بقائها معه ، لحين مسكهم العصابة التي اتعبت الحكومة لسنواتٍ طويلة .. مؤكّداً إستنفار مركز الشرطة للقبض على زوجها بأسرع وقتٍ ممكن ، واهتمامهم بسلامتها من خلال تعقّبهم السّوار فور خروجها من المنزل .. لهذا نصحها بملازمة المنزل في الإسبوعين القادمين 


وبصعوبةٍ تامة وافقت على مساعدة الشرطة ، رغم خوفها على مصيرها في حال فشلوا بإمساك زوجها بالجرم المشهود !

***


في اليوم التالي ، عاد زوجها ظهراً الى قصره .. فراقبته يصعد باتجاه مكتبه .. لكنه توقف عند الباب ، كأنه لاحظ الخشب المحفور بالسكين خلال محاولتها فتح القفل ! وشعرت بالذعر .. لكنه عاد ودخل مكتبه الذي بقيّ فيه لساعة .. قبل توجهه للمطبخ 


واثناء مشاهدتها فيلماً بالصالة ، كيّ لا يشعر بكشفها سرّه .. إقترب منها ، لإعطاها كوب القهوة .. ثم جلس قربها ، لمتابعة الفيلم معها .. وهو ما استغربته ، لأنه نادراً ما يدخل المطبخ ! لكن ربما اضّطر لذلك ، بعد ان أخبرته بإعطائها اجازة للخدم (بناءً على اوامر الشرطة)

ولأنها لا تريد إثارة شكوكه ، شاركته القهوة وهي تخبره بحماس بأحداث الفيلم .. قبل شعورها بدوارٍ مُفاجئ !

***


لتستيقظ مساءً في غرفةٍ قذرة ، تبدو كمستودعٍ مهجور وهي مُقيّدة اليدين والقدمين بالسلاسل ! وسرعان ما لاحظت فتاتيّن تجلسان بإحدى الزوايا ، بوجهٍ شاحبٍ كالأشباح ! 


وقبل صراخها ، سمعت صوت زوجها يتحدّث بالجوال خارج المستودع :

- صدّقني يا صديقي ، هي تستحق كل قرش دفعته بالمزاد .. فأنا اهديك زوجتي ، لتفعل بها ما تشاء

ثم ضحك ضحكته المُستفزة ، وهو يكمل قائلاً :

- اذا اتفقنا !! سأرسلها لك قبيل الفجر


بهذه الأثناء ، سألتها إحدى الفتاتين :

- مالذي ورّطك مع ذلك اللعين ؟

فأجابت بقهر : هو عريسي .. فلم يمضي عام على زواجنا

لتتفاجأ بإحداهن تقول : وانا كنت زوجته قبل خمس سنوات ، لكني تبعته بسيارتي عندما شككت بخيانته .. ليستغلّني لاحقاً كفتاة دعارة ، رغم كوني من عائلةٍ متديّنة التي يبدو أقنعها بوفاتي او هربي مع عشيقي !  


فشعرت العروس بخيبة املٍ كبيرة .. فما ظنته حباً متبادلاً بينها وبين زوجها ، ماهو الا نمطاً متكرّراً بالنسبة له .. وربما اعتاد إختيار العرائس صغيرات السن ، لاستغلالهن لاحقاً !


وقبل استفسارها اكثر من زوجته السابقة .. دخل المستودع ، وهو يطلب من الفتاتين الصمت المُطلق .. ثم تقدّم نحو زوجته المرتعبة وهو يقول : 

- قبل ان تسأليني .. نعم !! وضعت مُخدّراً في قهوتك .. اما لماذا ؟ فبسبب فضولك الزائد الذي حرمك التمتّع بقصري وثروّتي الهائلة .. فأنت تصرّفتِ تماماً كتلك الحمقاء..(وأشار لزوجته السابقة) 

عروسته برعب : هل تُتاجر بالرقيق ؟

- بالرقيق وببيع الأعضاء والمخدرات والقرابين البشريّة لعبّاد الشياطين ..لا يوجد بابٌ قذر الاّ وطرقته .. برأيك كيف لشخصٍ عاش طوال حياته يتيماً ومشرّداً ان يصبح مليونيراً بسنواتٍ قليلة ؟ لكن طبعاً اهلك لم يهتموا بأني مجهول النسب دون شهادةٍ علميّة ، طالما دفعت مهرك الغالي .. وكنت انوي فعلاً الإستقرار معك وإنجاب الأولاد .. لكن بسبب فضولك ، سأضّطر لإعادة السيناريو ذاته ..(ونظر لزوجته السابقة) .. بالتمثيل امام اهلك والصحافة والشرطة بحزني الشديد على فقدانك ، قبل ارتباطي بإمرأةٍ اخرى !

فسألته وهي ترتجف خوفاً : وماذا تنوي فعله بي ؟! 

فردّ بلؤم : القرار يعود لشريكي ، فهو من فاز بالمزاد ! دافعاً اكبر مبلغ ، بعد ان اعجبته من يوم عرسنا ..وهو حرّ بالتصرّف بك : اما ان يبيعك كقطع غيار .. او يستمتع بقتلك ببطء ، كما فعل مع فتياتٍ اخريات ..او ربما يجعلك عشيقتك .. ايهما يختار 


ثم نقلها الى سيارته وهي منهارة بالبكاء ، لتوصيلها الى الميناء !

^^^


وفي طريق .. القاها في مقعده الخلفي وهي مُقيّدة بالحبال ، دون تكميم فمها .. فصارت تترجّاه بأن يرحم حالها وعائلتها الفقيرة .. لكنها ظلّ يقود بصمت ، دون ردّة فعلٍ على كلامها وبكائها المستمرّ .. لتتنهّد وهي تقول بقهر :

- أتذكر يوم مرضك قبل عودتنا من شهر العسل .. أمضيت الليل كله وانا اعالجك .. حينها ترجّيتني ان لا اتخلّى عنك ، مهما تغيرت الظروف .. وأخبرتني أنني الحضن الحنون الذي تمنّيته طوال حياتك 

- لا انكر انني كنت مُعجباً بعاطفتك الجيّاشة ، فهو شيءٌ حُرمت منه طوال حياتي .. لكني بالنهاية ابن شوارع .. والحياة الصعبة التي عشتها ، علّمتني ان المال هو الأمان الوحيد .. فالحب لن يحميني من الجوع او رصاص الأعداء .. ولأنك غالية على قلبي ، بعتك بأغلى سعر من جميع صفقاتي السابقة .. إعتبريها هديّة وداعي لك .. والآن التزمي الصمت ، فقد قاربنا الوصول الى الميناء .. 

*** 


وبعد توصيلها لقبطان القارب المشبوه ورجاله ، قاد سيارته الفارهة .. تاركاً زوجته بأيدي العصابة التي مُهمّتها توصيلها للعميل (شريك زوجها) .. لكن قبل ابتعاد القارب عن الشاطئ ، تفاجأ القبطان ورجاله بملاحقة خفر السواحل الذين تعقّبوا سوارها الإلكترونيّ .. وبعد القبض عليهم .. سارعت بدلّهم على مكان المستودع المهجور الذي لم يجدوا فيه سوى الفتاة الثانية .. اما الزوجة السابقة ، فاختفت كبقيّة المخطوفات .. بينما زوجها ، لم يعثروا عليه ابداً !


وعند تفتيش قصره .. وجدوا مجموعة من جوازات سفره المزوّرة ، بصورٍ مختلفة ! حيث اعتاد اجراء عمليات تجميلٍ من وقتٍ لآخر ، لتغيير شكله .. عدا عن كونه يُتقن عدّة لغاتٍ اجنبية .. لهذا لم تعلم الشرطة اين ستكون وجهته التالية ! 

***


وبعد ايام من عودتها الى منزل اهلها ، علمت ان قصره مستاجراً لعامٍ ونصف فقط .. لذلك لم تكسب مادياً من ارتباطها بالثريّ المشبوه ! فعادت للبحث عن عمل ، لمساعدة عائلتها الفقيرة الذين صرفوا مهرها بتبذيرٍ وإسراف ، ظناً بحصولهم على راتب من صهرهم الثريّ بشكلٍ دوريّ !

***


وبعد شهرين ، واثناء عملها كسكرتيرة في احدى العيادات .. وصلتها صورة غريبة ، لولدٍ نائم فوق سريرٍ حديديّ ! ولم تكن الصورة واضحة ، لأنها مُلتقطة بمكانٍ شبه مظلم ! 


فأكملت عملها .. الى ان وصلها اتصال من اختها الكبيرة ، وهي تسألها فزعة :

- هل أخذتي ابني من المدرسة ؟ فهو لم يعد حتى الآن ! 


وعلى الفور ، شعرت برعبٍ يكتم انفاسها ! وسارعت بتكبير الصورة الغامضة ، لتجد الصبي النائم (الذي لا يظهر وجهه جيداً) يلبس زيّ مدرسة .. وقبل استيعابها ما حصل ! وصلها تسجيلٌ صوتي يقول :

((هآقد بدأت الجولة الثانية)) 


لتعلو بعدها ضحكة زوجها المستفزّة التي اوقعت الجوال من يدها ، بعد تأكّدها من خطفه لإبن اختها دون علمها بمصيره المرعب الذي اختاره له !


الخميس، 14 أغسطس 2025

عروسة ابي

تأليف : امل شانوحة 

رُبّ صدفةٍ خيرٌ من الفِ ميعاد


اثناء جلوس سيدة ثلاثينيّة بقاعة الإنتظار المُكتظّة بالمطار .. تفاجأت بولد (بالثالثة من عمره ، يحمل رضّاعة الحليب) يضع رأسه فوق قدميها ، كأنه يبحث عن حضنٍ يعرفه ! لتجد والده يهروّل نحوها ، والجوّال بيده .. مُعتذراً بارتباك : 

- آسف ! هو تعوّد على الحمل اثناء شربه الحليب


وعندما حاول إبعاد طفله .. صرخ الصغير ، وهو يرفع نفسه للجلوس في حضنها !

فحملته برفق ، وهي تقول للأب :

- لا بأس ، ستأخذه بعد إنهاء حليبه

وعلى الفور !! هدأ بحضنها ، وهي تُهدّهده .. فسألت والده :

- اين امه ؟!

فردّ بقهر : إنفصلنا قبل عام

- الا تزور طفلها ؟!

- تزوّجت غيري ، وسافرت معه للخارج

- المسكين ! مُشتاقٌ لأمه.. حسناً ، يمكنك تركه معي


فجلس الأب على المقعد المقابل وهو يشاهدها تُدنّدن للصغير بلحنٍ خافت ، لتشجيعه على انهاء رضّاعته.. وتبتسم له ، كأنها تعرفه منذ ولادته .. ربما رأت بعينيه الصغيرتيّن ، أمومتها المُؤجّلة !


واثناء شربه الحليب ، اشار الطفل الى حذائه..

الآنسة : هل هو ضيّق ؟

وأزالت الحذاء والجوارب ، لتلاحظ إحمراراً بقدميه !

فقالت للوالد :

- يجب ان تنتبه على المقاس

الأب : لا افهم بهذه الأمور

- لا الومك .. ستتعلّم مع الوقت 


وأخرجت مُرطّباً من حقيبتها اليدويّة ، ودهنت قدما الصغير لتخفيف المه.. بينما يراقبها الرجل من بعيد ، كأنها لامست (بحنانها على ابنه) قلبه المكسور ! 

وظلّت تعتني بالصغير ، حتى غفى بين يديها .. ثم اعادته للأب  


وكانت لحظةٌ مُحرجة ، عندما اقترب منها كثيراً لحمل طفله .. مما اربكها ، فهي لم ترتبط من قبل ! وهو شعر بذلك ، واعتذر بلطف

^^^


ثم انفصلا بعد صعودهما الى الطائرة ، بعد جلوسها في مقصورة الدرجة الإقتصاديّة بينما هو وابنه في درجة رجال الأعمال..

 

وما ان اقلعت الطائرة ، حتى سمع الجميع بكاء الطفل ! لتنتبه على الصغير يلوّح لها من بعيد .. لكنه غير مسموح لها الذهاب اليه.. 


فتحدّث الأب مع المضيفة التي اقتربت منها :

- يمكنك الإنتقال الى هناك ، فالسيد دفع فرق التذكرة .. يبدو ان ابنه يريدك


وذهبت اليهما .. ليُسارع الطفل بسحب يدها ، لإجلاسها قربه !

الآنسة بارتباك : لحظة حبيبي ! .. (ثم قالت للأب).. إجلس انت بجانبه ، وانا أجلس جهة الممرّ

الأب : العنيد يريد جلوسك بجانبه

الآنسة : اذاً نُجلسه بالوسط

الأب : لكنه يريد رؤية البحر من النافذة


فاضطّرت الجلوس في الوسط ، وهي تُخفي ارتباكها :

- رجاءً إخبرني بفارق سعر التذكرة ، لأدفعه لك

الرجل : الا يكفي ازعاج ابني بعد تعلّقه بك ، إعتبريها هديّة شكرٍ مني 


ثم قدّمت المضيفة طعام الأطفال اولاً.. فأخذ يراقبها وهي تُطعم ابنه بهدوءٍ وتأنّي.. كأنه يرى مشهداً يُعيد بناء قلبه المُحطّم !

 

وبعد انهاء اكله ، جاء طعامهما..

فأخذ الولد الشطيرة من صينيّة والده ، لإطعام الآنسة بنفسه (كما فعلت معه)

الآنسة بإحراج : أنظر حبيبي ، لديّ شطيرتي

لكن الصغير أصرّ على إطعامها بيده ! فأكلت قضمةً صغيرة ، قبل اعادته الشطيرة لأبيه..

فقالت للأب : رجاءً دعني أقتطع الجزء الذي أكلته بالسكين

لكنه فاجأها بأكل الشطيرة من بعدها ! مما أخجلها ، فهي غير متعوّدة على تودّد الرجال


وبعد انشغال الطفل بالرسوم المتحرّكة على الشاشة امامه ، سألت والده :

- سمعتك تتحدّث بالجوال عن امورٍ تجاريّة ؟

الرجل : لديّ شركة للأدوات الكهربائيّة ، وأسافر كثيراً لجلب البضاعة 

- وكيف ستهتم بإبنك ؟

- لهذا أعود للوطن ، لوضعه عند امي

الآنسة بقلق : وهل تستطيع جدته الإهتمام به ؟

- امي صحتها ضعيفة .. خادمتها ستهتم به

- الخادمة ! الا يكفيه غياب امه ، ليفتقد والده ايضاً !

الرجل بحزن : لا حلّ آخر امامي ، سوى..


ثم نظر اليها مطوّلاً ، قبل ان يسألها :

- أعتذر عن تطفّلي ، لكن لما لم تتزوجي حتى الآن ؟

الآنسة : أنا فتاةٌ انطوائيّة ، ولا احب المناسبات .. والقلّة من اقاربي يعرفونني 

الرجل : بصراحة لا يوجد اجمل من سيدة المنزل (المرأة البيتوتيّة)

- أحقاً !

- اساساً هذا سبب طلاقي من زوجتي التي تقضي جُلّ وقتها بالخارج .. وبالنهاية اتهمتني بالعقليّة المُتخلّفة .. وانفصلت عني للزواج بعجوزٍ ثريّ ، غير آبهة بطفلها ! 

الآنسة : لا حاجة لخروجي كثيراً .. فعملي على الإنترنت ، لأني مُدقّقة لغويّة 

- ممتاز !! هذا ما ابحث عنه 

- ماذا تقصد ؟

الرجل بتردّد : لا ادري ان كنت ستوافقين على رجلٍ مُطلّق لديه طفل ؟


فمسّدت شعر ابنه (المنشغل بالتلفاز) وهي تقول بابتسامةٍ حنونة :

- إن كان جميلاً وهادئاً هكذا ، فلا مانع عندي


وهنا ظهر صوت الطيّار ، طالباً وضع الأحزمة للهبوط ..

لتتلامس يدها مع اصابع الأب اثناء مساعدتها بربط حزامها ، والذي ابتسم بعد احمرار وجهها خجلاً 

***


لم يبقوا في الوطن الا اسبوعين ، قبل عودتهم كعائلةٍ مُحبّة.. 

وبينما هم في الطائرة .. سأل الولد اباه ، وهو يشير اليها :

- هل ستبقى معنا ؟

ابوه : نعم ، من اليوم ستعيش معنا.. (ثم قبّل وجنته).. أشكرك على اختيارك الرائع ، يا بنيّ

زوجته بدلال : إبنك ذوّاق 

الأب ممازحاً : مثلي تماماً


وبطريق العودة ، لم ينمّ الطفل وحده مُطمئناً .. بل نام العريسان بعد ان وجدا حضناً دافئاً ، خلال صدفةٍ جمعتهما دون موعدٍ سابق !  


الاثنين، 11 أغسطس 2025

الهوية المشوهة

تأليف : امل شانوحة 

عُقد الماضي


في مكتب العيادة النفسيّة للطبيب هاني (الرجل الأربعيني) دخلت صبيّة (عشرينيّة) بملابسها الذكوريّة ومشيتها المُسترجلة ، محاولةً تضخيم صوتها :

- هل نبدأ العلاج فوراً ؟!!

الطبيب : نعم .. إستلقي على هذه الكنبة ، وحاولي الإسترخاء


ثم جلس على الكرسي بجانبها ، وهو يحمل ملفّها :

- إخبريني اولاً بإسمك ؟

الصبيّة : فهد

الطبيب باستغراب : ماذا قلتِ ؟!

فأجابت بعدم مبالاة : او فاديا ، ايهما تختار

- وهل تريدين ان اناديك فهد ام فاديا ؟

الصبيّة : فاديا هو إسمي على الهويّة.. وفهد هو الأسم الذي ناداني به والدي منذ ولادتي ، لحين وفاته قبل اشهر

- وما سبب هذه الإزدواجيّة ؟

- ربما بسبب امي التي هربت مع عشيقها ، وانا بعمر الثالثة .. فلم يرد والدي ان اكون نسخةً عنها

الطبيب : اذاً انتِ..

مقاطعة : لا !! لست ابنة حرام ..فوالدي قام بالفحصوصات اللازمة بطفولتي ، وتأكّد من إبوّته لي..

الطبيب : وبسبب كرهه للنساء ، حرمك انوثتك ؟!

فتنهّدت بضيق : هو احب امي بجنون ، لكنها كسرت قلبه بخيانتها له ! لذلك لا ألومه على تربيّتي كولدٍ قويّ


معاناة فاديا الغريبة ، أشعرت هاني برغبة غامضة لسماع المزيد عن ماضيها ! والتي جعلته يطلب من سكرتيرته إلغاء بقيّة المواعيد ، لأن حالتها تتطلّب وقتاً لشفائها

ثم عاد للجلوس بجانب فاديا ، لسؤالها مجدداً عن والدها ؟


فأخبرته انه اجبرها بعمر المراهقة على تناول دواءٍ طبّي لتأخير بلوغها ، حتى يُبعدها تماماً عن عالم النساء ! ولم يكتفي بذلك .. بل ادخلها نادي الكاراتيه ، لجعلها ذكراً قويّاً لا تكسره أيّةِ امرأة !


الى ان وصلت لذكرى مؤلمة بطفولتها : عندما منعها البكاء لأنها صفة المُخنّثين .. ثم وضعها امام المرآة ، وهو يأمرها بترديد الجملة التالية :

((انا فهد !! اقوى ولدٌ بالعالم !! لا يمكن ايذائي بأيّة طريقة !!))


وما ان قالت ذلك ! حتى استعاد الطبيب ذكرى من طفولته : بعد ان اجبرته امه على لبس فستان اميرة ديزني ، بشعره الطويل المُجدّل التي ترفض قصّه ! ثم أوقفته امام المرآة ، لترديد الجملة التالية :

((انا الأميرة الفاتنة !! الفتاة التي لا يمكن ايذائها !!))


ورغم معالجته مئات المرضى ، الا انه اخفى جرحاً كبيراً في قلبه.. وكلما سمع المزيد من معاناة فاديا ، كلما هدمت جدراناً بينه وبين ماضيه !


الى ان أخبرته :

- ابي وصّاني قبل وفاته بأخذ ابر هرمونات ، لتحوّلي لرجلٍ حقيقيّ.. (ثم قالت بسخرية) .. أتدري دكتور .. لا امانع ذلك .. فجميع النساء خائنات ، ولا يمكن الوثوق بهنّ

لينفجر غاضباً : 

- وهل الرجال ملائكة ؟!! من اعطاهم الإذن للإعتداء على النساء ، وزرع بذرتهم اللعينة في ارحامهنّ ؟! ما ذنب الأطفال ليعاقبوا بجريمتهم القذرة ؟!!


ليتفاجأ بفاديا تمسك يده المرتجفة ، وهي تقول بدهشة :

- هل تعاني من العقدة ذاتها ؟! 


فسقط ملفّها من يده .. بعد ان عاد سيلٌ من ذكريّات طفولته السيئة ، التي تناساها لسنواتٍ طويلة !

جعلته يُدير ظهره ، وهو يحاول إسناد نفسه بالطاولة بعد انهيار قوته .. قائلاً بصوتٍ مرتجف ، لا يخلو من الحدّية : 

- إذهبي الآن آنسة فاديا ، وعودي بعد اسبوع بجلسةٍ جديدة

قالها دون النظر اليها ، كيّ لا ترى دمعته !


لينصدم من احتضانها له من الخلف ، وهي تقول بحنان :

- لن اتركك تعاني وحدك .. سأساندك لحين شفاءنا سويّاً


ثم خرجت من العيادة قبل إعطائه فرصة للردّ ، تاركةً طبيبها يعاني من تسارع ضربات قلبه وضيقٌ شديد في التنفّس ! جعلته يطلب من السكرتيرة إغلاق العيادة باكراً ، بينما توجّه عائداً الى بيته

***


في منزله ، صعد الى العلّية .. لإحضار صندوقٍ اعطته له والدته ، بزيارتها الأخيرة لجدته (التي اخذته منها بسن المراهقة قبل تحوّله لشاذّ ، بسبب تربيّة ابنتها الخاطئة) لكنه لم يفتح الصندوق ، بعد سماعه بانتحارها! 


لكنه اليوم تشجّع على فتحه ، ليجد صور طفوّلته التي يكرهها .. جميعها بشعره الطويل وفساتينه المزركشة ، ومكياجه التي أجبرته على وضعها ! كما وجد شريط فيديو قديم ، وضعه في الجهاز :

((ليشاهد عيد ميلاده بسن التاسعة وهي يبكي ، طالباً من امه السماح بنزع فستانه الزهريّ قبل قدوم اصدقائه .. ليسمع صوتها بالفيديو ، تقول :

- حبيبتي هانية .. انت اجمل اميرات العالم !! لا تسمحي لأحد بحرمانك من تألّقك وأنوثتك الطاغية 

ليجيبها بالفيديو باكياً : إسمي هاني ، يا امي !!

- قلت لا !! انت طفلتي التي أسميّتها منذ ولادتها : ب (هانية) .. الا يكفي انني لم اعاقبكِ على قصّ شعركِ البارحة دون إذني))


فأطفأ الدكتور الفيديو غاضباً .. وهو يتذكّر كيف امضى تلك الليلة يستمع الى تعليقات اصحابه الذين لقبوه بالشاذّ ، وغريب الأطوار .. ليعاني بعدها لسنوات من تنمّرهم القاسي في المدرسة ، وبشوارع منطقته القديمة !


وكأن دموع طفولته تجمّعت بعينيه ، لتنهمر كالشلال طوال الليل.. بعد ان مزّقت المريضة فاديا كل جروحه الماضية !

***


بعطلة نهاية الإسبوع .. تلقّت فاديا دعوة من طبيبها ، لزيارة منزله !

وعندما فتح لها الباب ، لم يكن يلبس الروب الأبيض .. وأدخلها الصالة وهو يقول :

- هنا لن نلتزم بدوّر الطبيب والمريضة.. وربما نتبادل الأدوار ، لعلاج هويّتنا المشوّهة


ثم اراها صور طفولته التي كانت معظمها بملابس بنات ، قائلاً بعيونٍ دامعة :

- هل كان هذا خطأ امي ، ام ابي المُعتدي الذي ربما مات دون عقابٍ قانونيّ على تدميره والدتي التي ارادت الشعور بأنوثتها المُهدرة من خلالي؟!


فأخرجت فاديا صور طفولتها من حقيبتها الرياضيّة ، والتي صُوّرت معظمها اثناء تدرّبها الكاراتيّه بالنادي .. وهي تقول بقهر :

- اما والدي ، فأرادني شاباً قوياً عديم العواطف .. كيّ لا ينكسر قلبي ، كما حصل له ! وبسببه امتلأ جسمي بالرضوض والكسور.. لكن ما يشغل تفكيري حالياً هي وصيّته الأخيرة قبل موته .. فهل آخذ ابر الهرمونات لتحوّلي لرجل ، كما حلم دائماً ؟


فأمسك هاني يدها ، قائلاً بحنان :

- لسنا مُضّطران لتنفيذ احلامهما الغريبة.. بل دعينا نكون كما خلقنا الله منذ البداية

فأومأت برأسها موافقة

***


بعدها بأيام .. زارها بالجامعة ، بعد توطّد علاقتهما بالمكالمات الهاتفيّة.. ليتفاجأ بلبسها فستاناً جميلاً مع مكياجٍ ناعم .. وهي تقول بخجل :

- رجاءً لا تحكم عليّ .. فالبارحة تجرّأت لأول مرة على اللبس بهذه الطريقة .. وبعد تشجيع زميلاتي ومدحهنّ ، قرّرت المتابعة 

هاني بابتسامة : تبدين كالأميرات

فاديا : آه ! على ذكر الأميرات .. ما رأيك بالإنضمام لمسرحيّة الجامعة ؟


وأخبرته بأنه قبل ذهابها الى عيادته ، كانت تنوي التقدّم لدوّر الأمير بالمسرحيّة.. لكنها الآن ستؤدي دوّر الأميرة.. وطلبت منه التقدّم لدوّر الأمير ، لوسامته واناقته


فقال وهو يكتم حزنه :

- ذكّرتني بأمي عندما تشاجرت مع معلمتي ، لجعلي الأميرة بمسرحيّة في مرحلة الإبتدائيّة ! مما جعلني محطّ سخريّة الطلاّب وأهاليهم لسنواتٍ طويلة.. وبسببها كرهت المسرح ، وكرهت نفسي !

فأمسكت يده بحنان :

- لنجعل هذه المسرحيّة بداية علاجنا من طفولتنا المشوّهة

***


وبالفعل وافق على اداء الدوّر.. وبالمشهد الأخير : كان عليه انقاذ الأميرة المخطوفة من قطّاع الطرق .. ليتفاجأ الكومبارس بضربهم بقوّة ، من الممثل الجديد !


وبعد انتهاء المسرحية وتصفيق الجمهور على حسن ادائه هو وفاديا ، عاتبه الكومبارس بالكواليس على قساوته معهم !

فاعتذر قائلاً :

- آسف يا رفاق ، إندمجت بالدوّر

ليتفاجأ بقبلة لطيفة من فاديا على وجنته ، وهي تقول بفخر :

- كنت فارسي البطل !!

^^^


وبعد بقائهما بمفردهما ، قالت له : 

- كان والدي يعلّمني الكاراتيه ، لأصبح قويّة دون وجود شابٍ بحياتي .. لكني من خلال المسرحيّة ، شعرت بحاجتي لرجلٍ يحميني .. رجلٌ شهمٌ مثلك ، أشعرني بأنوثتي الضائعة !

هاني : لا تدري كم كلامك يُريحني


وقرّبها منه .. ليشعرا كأنهما دفنا الماضي الكئيب ، بحضنيّهما الدافئيّن !

***


بنهاية الشهر .. اتفقا على زيارة قبريّ والديّهما ، لمسامحتهما على تربيتهما الخاطئة التي أضرّت نفسيّتهما طوال حياتهما  


ليتفاجئا بأن والديّهما مدفونان بذات المقبرة ! فقال لها :

- يبدو ان القدر كتب لقاءنا ، حتى قبل اجتماعنا بالعيادة !

ثم توجّه كل واحدٍ منهما الى قبر اهله ..


ووقفت فاديا امام قبر والدها ، وهي تمسح دمعتها :

- انت قمعت انوثتي .. حرمتني من حنانك ! اردّت بقسوتك جعلي شاباً قوياً .. بعكس حبيبي الذي أشعرني بأني اميرة تحت ظلّه وحمايته .. ورغم كل ذكرياتي السيئة معك الا انني اسامحك .. لا لشيء سوى إخراج ذكراك من قلبي ، وفسح المجال لعشق اميري الذي احتل كل كياني..


وامام قبر والدته ، قال هاني بقهر :

- لسنواتٍ طويلة ، لم اعرف من اكون ! انت دمّرتي هويّتي .. مع اني حاولت ارضائك غصباً عني ، لشفقتي على ماضيك المؤلم .. لكنه ليس عدلاً ان تعاقبني على جرم والدي .. والآن بفضل حبيبتي فاديا ، اصبحت رجلاً حقيقيّ .. وسأكون الداعم الأول لها .. فبمحاولتي شفائها من عقدتها ، شفتني معها ! ولهذا اتيت اليوم لمسامحتك عن ذنبك معي.. ربما لن ازورك ثانيةً ، لكن اردّت إخبارك إنني لم اعد غاضباً منك


ثم التقيا امام بوّابة المقبرة ، ليصدمها بجثوه على ركبته وهو يرفع خاتم الخطوبة :

- اعرف انه ليس مكاناً مناسباً للتقدّم بخطبتك ، لكنه لم يعد بإمكاني الإنتظار اكثر .. فاديا حبيبتي ، هل ترضين ان تكوني اميرتي للأبد ؟

فأجابت بابتسامة ، وعيونٍ مليئة بالدموع :

- بالطبع !! يا فارسي الشهم الشجاع


واحتضنا بعضهما بشوقٍ وحنان ، بعد ان شُفيا اخيراً من جروح الماضي المؤلمة !


البرامج الذكية

تأليف : امل شانوحة  الجهل الإلكتروني في غرفة محادثةٍ سرّية بين العقول الإلكترونيّة الثلاثة : برنامج (ChatGPT) و(Copilot) و(Gemini) تناقشوا ف...