الأربعاء، 22 فبراير 2023

الهزّة الأرضيّة

كتابة : امل شانوحة 

 

الذكرى الأخيرة


((وجدتك ماما))

كان عمره خمس سنوات حين لاعبته امه الغميّضة ، وهي الذكرى الأولى لوالدته الحنونة .. 


ومن بعدها كبر مروان ، ليصبح ممرّضاً في سيارة إسعاف .. وبعد زواجه ، داوم على زيارة امه في عمارتها القديمة التي رفضت تركها ، لحبها لجيرانها التي عاشت معهم اكثر من ثلاثين سنة .. حيث تعمّقت صداقتهم اثناء اختبائهم في الملجأ أيام الحرب التي حصلت قبل عشر سنوات .. وتقاسموا الطعام بعد اشتداد الحصار على منطقتهم .. فهم بالنسبة لها اهلٌ واحباب ، لهذا لم تقبل الإنتقال للحيّ المجاور الذي يسكن فيه ابنها الوحيد  

***


في تلك الليلة الباردة ، تجمّع السكّان في الشوارع بعد هزةٍ ارضيّة عنيفة ضربت المنطقة ! 

وكان مروان اول الواصلين من المسعفين ، لعلمه بمباني الحيّ القديم المتهالكة .. ونزل من الإسعاف وهو يمشي متثاقلاً بين السكّان الذين يصرخون مذهولين بعد إنهيار اكثر من مبنى بالهزة الأرضيّة التي تجاوزت 7 درجات ، وتعتبر الأولى منذ سنواتٍ طويلة .. 


كانت قدماه بالكاد تحمله وهو يمرّ بالزقاق الذي لم يعدّ ضيّقاً بعد انهيار المباني بكلا الطرفين ! مُتجاهلاً إستغاثة الأمهات اللآتي أمسكنّ بثيابه ، طلباً لإنقاذ اطفالهن العالقين تحت الركام .. 

لم يكن بوعيه ، فكل ما اراده هو الوصول الى عمارته التي عاش بها سنوات طفولته ومراهقته وشبابه ، بعد بلوغه سن الأربعين


ولم يعرف انه وصل المكان إلاّ من خلال المسجد الأثريّ الذي لم يبقى منه سوى مأذنته المتشقّقة .. فعلم إن تلّة الحجر المقابلة له ، هي عمارته القديمة! 

وعندما سمع صراخ جارته وهي تقول للشرطة (الذين تجمّعوا هناك) اسماء جيرانها المفقودين ، عرف بأن امه مازالت عالقة تحت الركام!


فأسرع لتسلّق التلّ وهو يحفر بيديه العاريتين ، غير آبهٍ بشظايا الزجاج التي تخترق جلده ..فهو يعلم جيداً بأن نبتة الياسمين الموجودة بزاوية شرفةٍ منهارة ، تعود لمنزل امه !


خلال هذه الدقائق العصيبة ، إستذكر كل شيء : ((صوت ماكينة الخياطة التي عملت عليها امه ليل نهار لتلبية حاجاته ودفع مصاريف المنزل ، بعد وفاة والده وهو طفلاً صغيراً .. سهرها معه ايام الإمتحانات ومراجعتها دروسه ، رغم عدم إنهائها الدراسة الإبتدائية .. ذكرها الله لطمأنته خلال الحرب ، اثناء وجودهما في الملجأ .. عجنها الخبز على ضوء الشمع ، اثناء الحصار .. دموعها خلال تخرّجه من معهد التمريض .. إفتخارها به امام الأقارب والجيران ، كأنه جرّاحٌ شهير ! سعادتها بيوم زواجه .. حنانها ولطفها على اطفاله.. كما تذكّر كلامها في زيارته الأخيرة حينما اخبرته بأنها شاهدت في المنام : والده ينتظرها بالجنة بثياب العريس .. فحسّ بغصّةٍ بقلبه بأنه لن يجدها حيّة !)) 


وفي الوقت الذي حشر فيه نفسه داخل شقٍّ ضيّق على نور جواله ، غير مكترثٍ بصراخ زملائه بعدم المخاطرة كيّ لا يحتجزّ بالداخل .. وهو يتابع الزحف باتجاه غرفة امه ، مُستذكراً لعبة الغميّضة في طفولته .. 

حتى وجدها فوق سريرها ، والإبتسامة تعلو وجهها .. ولولا عينيها المفتوحتين وشفاهها الزرقاء ووجها الشاحب ، لظنّ أنها نائمة بسلام! 

فهمس بأذنها بصوتٍ متهدّج :

((وجدتك ماما))


هناك 11 تعليقًا:

  1. البارحة قرأت تعليقاً بالتيك توك عن : ((ماذا لوّ بدأنا القصة بكلمة (وجدتك ماما) كلعبة غميّضة ، وانتهت بنفس الجملة تحت الركام)) .. فخطرت ببالي هذه القصة القصيرة ..

    ملاحظة : حينما اكتب ببداية القصة : تأليف امل شانوحة ، يعني الفكرة فكرتي .. اما حينما اكتب : كتابة امل شانوحة ، تكون الفكرة قرأتها بالإنترنت كتعليق بالفيسبوك او تيك توك لا يتعدّى السطر او السطرين ، لكني لا اعرف من صاحب التعليق .. لهذا لا أنسب التأليف لي ، للأمانة الأدبيّة

    ردحذف
  2. هنيئا لهم وعسى ان يكونوا من الشهداء

    ردحذف
  3. اشعر بالحزن على ما حصل بسبب الزلزال
    لكن احياناً . لا احزن عليهم وبصراحه يستحقون اكثر واكثر من غضب الله، فقد طغوّا كثيراً .. لا يهتمون فقط الا شهواتهم واشباع رغباتهم، لا يهتمون لصغير ولا لمريض او مسكين ولا حتى ليتيم !!!
    المهم لدي سؤال: احقاً هناك اشخاص يقتلون اطفالهم كقربانً للجن .. ام هو فقط من تفكيرك؟؟

    ردحذف
    الردود
    1. الحمد الله ان الكثير ممن نجوا من زلازل تركيا وسوريا عادوا الى ربهم بتوبةٍ نصوح .. والشيء الجيد في الموضوع انه فتحت سدود تركيا لترتوي الشام والعراق من جديد .. والحمد الله على كل شيء

      اما بشأن القرابين ، فهذا ما قيل عن الطفل المغربي الذي رموه بالبئر برضا والديه ، مقابل مبلغ كبير من المال والله اعلم ! هناك الكثير من القلوب القاسية في هذه الدنيا ، حمانا الله من شرورهم

      حذف
    2. انا اتفق معاك وايضا اصبحوا يحتضنون كل المجرمين وخاصة السيسين الذين نهبوا اوطانهم وخاصة كيزان السودان ولكن لم اسمع عن موت اي سوداني . في اي جحر يختبون هولاء الجرزان

      حذف
    3. نعم..فالزلزال ياتي من عند الله وليس من البشر ، وهذا يعني بأن الله غاضب من عبادة كثيراً..المشكلة اكثر اشخاص نجوا من الزلزال هم الأطفال ، لقد سمعت بأن العراق وسوريا سيغرقان بسبب السدود ..أتري نخلة التمر ؟ سيكون الماء في علو تلك النخلة ، هذا يعني سنموت فقد بدأ نهر دجلة والفرات يرتفعان.. الموت اجمل من التعذيب اليس كذالك؟لكن اشعر بالندم لأني لم استطع ختم مدونتك فلا تزال سنة 2016 و2017 بأنتظاري.. للأسف

      اتقصدين الطفل ريان ؟

      حذف
  4. لا حول ولا قوة إلا بالله ، قالت بأنهم قالوا أن عائلة ريان "رموا بابنهم في البئر من أجل المال" ؟!! أمه أصيبت بأزمة نفسية وراء الحادث وكل معاريفه تحت الصدمة وبلده حرك الجبل لأجل انقاذه وفي الأخير يأت مرضى النفوس ويتخيلون أوهاما أن أسرة ريان ألقت به في البئر لأجل المال! أي حقارة عظمى هاته؟ تخيلوا أمه أو أبيه قرأ مثل هذه الترهات؟ المهم والدي ريان يعيشان حياة عادية في مدينة تطوان لا أموال ولا أملاك ويحتسبان ابنهما شهيدا عند الله، ومن يتعدى على ذكرى ابنهما فسيكونان خصيمان له يوم للقيامة.

    ردحذف
    الردود
    1. انا لم اخترع هذا الكلام ، انا اقول ما نشرته آلاف المقالات عن هذا الموضوع .. بجميع الأحوال ، ريان شهيد عند الله وطير من طيور الجنة

      حذف
    2. في حفلات الظار يتم التبجيل بملوك الجنان بالسودان وفي لحظة كتابة هذة التغريدة يقام حفل وانا اسمع الطبول ممزوجة باسماء الجنان كااسم السنجك وبشر لولي والريح الاحمر. و تنحرغربين الدم . والسكر وشرب الدماء .والرقص الماجن . و في قصص الاقوام البايدة عظة مثل قصصك ياامل

      حذف
    3. اولا.. نحن لسنا مرضى النفوس ، ما نسمعة نأتي بة
      وثانيا .. نشروا مقطعً عندما اخرجوه من البئر ، ولاحضوا بإن هناك ورقة وقد اخفاها احد الأشخاص عندما اخرجوا الطفل .. وبعدها حذفوا المقطع حتى لا نفضحهم
      وبانهاية نحن نقول ما نسمعة وفقط ونتها الآمر

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...