الثلاثاء، 21 فبراير 2023

حارس المدرسة

تأليف : امل شانوحة 

حفلة التقاعد


بعد مرور اربعين عاماً على حراسته لمدرسةٍ إبتدائيةٍ مُختلطة ، تمّ تكريم العم صالح (السبعينيّ) امام الطلاّب والأساتذة ، في حفلة تقاعده بنهاية العام الدراسيّ


وعلى المنصّة بساحة المدرسة ، سألته الناظرة عن اهم الأحداث التي شاهدها خلال عمله .. فأجابها مبتسماً :

- في بداية عملي ، عاملت الطلّاب كأولادي .. وبعد كبري في السن ، صاروا في مقام أحفادي.. فمن واجباتي الخوف عليهم ، وأخذ الحرص والحيطة اثناء صعودهم الحافلة او نزولهم منها بأمان .. كما عليّ التأكّد جيداً من ذهاب آخر طالبٍ مع وليّ امره ، قبل إقفالي المدرسة .. وغالباً ما أصل متأخراً لمنزلي ، لبقائي بجانب التلاميذ الذين أطال اهاليهم الحضور لسببٍ ما .. فهم مسؤوليتي منذ دخولهم المدرسة وحتى خروجهم منها .. اما اهم الأحداث التي سمعتها اثناء تجمّعهم امام البوّابة بنهاية الدوام ، فهي بسيطة بسبب اعمارهم الصغيرة مثل : 


((شجاراتهم المتنوّعة ، مع ان أغلبهم يتصالحون قبل عودتهم منازلهم – كما يسعدني مشاركتهم الحلوى فيما بينهم ، اثناء انتظار اهاليهم – وأحياناً أظلّ اراقب الأولاد عند قطعهم الشارع ممن يذهبون مشياً الى بيوتهم القريبة ، وكم جميلٌ رؤيتهم يتشاركون المظلّة تحت المطر – ولا انسى الطلاّب الصغار الذين يحتمون بي من صوت الرعد اثناء العواصف – وقد كنت من وقتٍ لآخر أسمعهم وهم يمدحون اولياء امورهم ، او العكس تماماً ! وكثيراً ما نصحتهم ببرّ اهاليهم وجزاء ذلك بالآخرة – وهناك من يتحدّثون عن عواطفهم لصديقهم المقرّب ، لكنهم يخجلون حين يرون نظراتي المعاتبة – اما الأولاد الأكبر سناً ، فيتناقشون احداث مسلسلهم المفضّل او لعبتهم الإلكترونيّة ، او يتفقون على مباراة كرة القدم بالحديقة بعد المدرسة – اما البنات فمشغولين بالأعياد والهدايا والزيارات العائلية والنزهات في العطلات الإسبوعيّة - وطبعاً بنهاية كل فصل تتركّز أحاديثهم على الدروس والإمتحانات الشهريّة – اما الفتيات فهن الأكثر تكلّماً عن الأساتذة ، بعكس الأولاد المشغولين بتدبير الطرق للإفلات من الحصصّ الدراسيّة .. وعادةً ما أمسكهم وهم يحاولون القفز من الجدران الخلفيّة للمدرسة .. خاصة بعد أن كسر احدهم قدمه ، ولامني والده على عدم إنتباهي له ! كما هناك من يمرض ويخرج قبل نهاية الدراسة ، وأبقى معه حتى قدوم والده بعد اتصال الإدارة به .. وفي بعض الأحيان اضّطر لملاحقة فتاة بعد شكّي بالشاب الذي أخذها من المدرسة ! واستطعت اكثر من مرة إنقاذهنّ من الشباب المخادعين الذين يهربون فور ملاحقتي لهم بالعصا ، لأعود وأنصحهنّ بعدم تصديق وعودهم الكاذبة .. وهناك من هدّدتها بتبليغ والدها ، لتكفّ عن تصرفاتها المتهوّرة .. اما في ايامٍ أخرى ، فاستقبلت الأطباء القادمين لتطعيم الطلاّب الجماعيّ ، وكان يضحكني منظرهم وهم ينصرفون من المدرسة وهم مازالوا يبكون من حقنة الصباح ! بعكس وجوههم السعيدة عندما يحملون الهدايا من حفلات المدرسة ، او علب الطعام من مسابقاتهم الشهريّة الممتعة .. وعادةً ما يهدونني بعض حلوياتهم اللذيذة .. كما لا أنسى زيارات الأهالي بالإجتماعات الدوريّة ، او وقت تسليم الشهادات بنهاية السنة .. فهناك طلاّب إفتقدناهم ، لنشاطهم وذكائهم وتميّزهم الإجتماعيّ .. وهناك طلاّب حمدنا الله على تخرّجهم ، لمشاغباتهم الدائمة .. مازلت لا أصدق انه مرّ 40 عاماً على عملي كحارس مدرستكم ، كأني البارحة عيّنت لديكم ! والحمد الله أن السنوات عدّت بسلالةٍ ويسر)) 


الناظرة : وماذا عن المعلمين والمعلمات ؟

الحارس : أغلب حديثهم عن مشاكل منزلهم او عملهم ، لذلك فضّلت عدم التنصّت  عليهم لخصوصيّة حياتهم .. اما الأطفال فكنت حريصاً على التسمّع عليهم ، خوفاً من انحراف سلوكياتهم او تعرّفهم على اشخاص يخدعونهم من خارج المدرسة .. وكثيراً ما عاتبتهم على ألفاظهم البذيئة ، وفي بعض الأحيان إستخدمت العصا لتأديبهم ، وكانت تجدي نفعاً بالكثير من الأوقات .. كما لا انسى الأوقات الطريفة حينما اخطئ بنطق بعض أسماء العائلات بالميكروفون .. ورؤية الآباء يعاتبون ابنائهم على تأخّرهم بالخروج من المدرسة ، وسماع حججهم المضحكة .. وغيرها من المواقف التي أشعرتني بتعلّق الطلّاب بي ! 


فقال المدير بالميكروفون : 

- كنت فعلاً والداً للجميع ، وكثيراً ما ساعدتنا بتزيّن المدرسة وحمل صناديق الكتب في بداية العام .. وقيامك بتصليح بعض الأعطال في الأنوار والمكيّفات وحتى السباكة ، وأمضيت الكثير من الوقت مع عمّال الصيانة .. وكنت بحقّ والداً للجميع ، فشكراً لك عم صالح

الحارس بتواضع : هذا واجبي ، سيدي المدير  

ثم سلّمه هديته الماليّة بالإضافة لدرع المدرسة ، وسط تصفيقٍ حارّ من الطلاًب .. 

***


عمّ الهدوء في المدرسة مع بدء عطلة نهاية السنة .. وكان العم صالح يمرّ من وقتٍ لآخر وهو يتأمّل غرفته الخارجية بجوار البوّابة المغلقة ، وهو يستذكر ايامه هناك 

***


قبل ايام من بدء العام الدراسيّ الجديد .. إقترب العم صالح من الحارس الجديد ، وهو شابٌ ثلاثينيّ .. وأخذ ينصحه ببعض الأمور ، وكيفيّة تصرّفه مع الطلاًب .. وأن يعامل المعلمات كإخواتٍ له ، ويغضّ البصر عن الصبايا اليافعات .. ويحفظ اشكال اهاليهم ، كيّ لا يذهبنّ مع الشباب الأنذال .. 

وبعد عدّة نصائح ، دعى له بمسيرةٍ مهنيّة مريحة .. ثم غادر بسلام


فسأل الحارس ، خادمة المدرسة عنه .. فقالت :

- هذا هو العم صالح ، حارسنا منذ أربعين سنة .. كان والداً للجميع ، وقد أعطاك ملخّصاً سريعاً عن خبرته .. وأتمنى ان تكون رحيماً ومسؤولاً مثله 


فشعر الشاب بالإمتنان للعجوز المخلصّ الذي مازال باله مشغولاً على طلاّب مدرسته ، حامداً الله على وجود شخصٍ نادرٍ مثله في زمننا الصعب!  


هناك 5 تعليقات:

  1. قصة ممكن تحويلها كمسرحية مدرسيّة

    ردحذف
  2. تفاصيل ممتعه ودقيقه ومركزه ايضا
    الحزين فقط هو تذكر كيف كانت المدارس على ايامنا وما اشبهها باصلاحيات الاحداث من المدارس

    ردحذف
  3. وانا عم اقرا ومفكرتو حيطلع بيدوفيلي أو قاتل.. طلعت قصة نهايتا سعيدة وطلع آدمي 😅

    ردحذف
  4. لافيكيا سنيورا

    ريت العم صالح كان حارس مدرستي لما كنت صف اول ابتدائي ..كان راح يخلصني من ذاك الطالب اللي كان بعض الاحيان لما نكون في استراحه نتناول صبوحنا ياخذ من يدي السندويش ويهرب. الله يسامحه كنت احيان اروح البيت بعد انتهاء دوام المدرسه وانا ميت من الجوع ههههههههه

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. ههههههههه اضحكتني كثيرا
      كان الله في عون معدتك ههههه

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...