الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022

اوروبا الباردة

كتابة : امل شانوحة 

عملة الحطب


- امي هذه مهمةٌ صعبة !

- مالعمل بنيّ ؟ الجوّ يزداد برودة ، وبوتين اللعين مازال يمنع الغاز عن اوروبا.. هيا خذّ الفأس واقطع إحدى الأشجار الصغيرة ، فنحن بحاجة لحطب لتدفئة اخوتك الصغار .. وحاول أن تعدّ قبل اشتداد العاصفة

فخرج المراهق باتجاه الغابة القريبة من كوخه..


وحين وصل لمنتصفها ، وجد جرّافة كبيرة تقطع الأشجار ! وسط إعتراض اهالي القرية المجتمعين حوله ، حيث ترجّته امرأة بقلق :

- لا تقطعهم جميعاً ، فنحن ببداية الشتاء ونحتاج للكثير من الحطب

السائق بلؤم : إبتعدي يا امرأة ، فهذه الجرّافة ملك لسياسي ثريّ

فقال أحدهم مُعترضاً : ولكيّ يتدفأ هو وحاشيته ، نواجه الموت برداً

السائق : هناك حطب بالسوق ، اشتروا منه

المرأة : سعره غالي جداً

السائق : طبيعي أن يرتفع سعره في الشتاء

عجوز : فقط إترك لنا جزءاً من الغابة يكفينا لنهاية الفصل القارص


السائق : القائد يأمرني بطنٍّ من الأخشاب

فقال احدهم بعصبية : طنٌّ كامل ! حرامٌ عليك يا رجل ..أفرغت ثلاثة ارباع الغابة من الأشجار ..على الأقل إخترّ الكبيرة منها ، ففؤوسنا ومناشيرنا لا يمكنها قطع الأشجار الضخمة

السائق : العمل على الأشجار الصغيرة اسهل وأسرع ..والآن ابتعدوا عن طريقي !!


فقفز احد الشباب الى الشاحنة المحمّلة بالأخشاب.. وبدأ بدحرجة الأشجار الصغيرة نحو الأرض ، صارخاً :

- نحن أحقّ بها من قائدك السياسيّ !!


فأسرع رجال القرية بحمل الأشجار الصغيرة .. بينما اقتطعت النساء جزءاً منها بفؤوسهنّ ، وجرّها بالحبال نحو بيوتهن

فهدّد سائق الجرّافة الشاب بالنزول فوراً من شاحنته ، لكنه أصرّ على متابعة عمله .. مما اضّطره لقتل الشاب بطلقةٍ ناريّة ! 

فحصل هرجٌ ومرج بين الأهالي ، إنتهى بهجوم رفاق القتيل على السائق وضربه حتى الموت !

***


وصل الخبر للقائد السياسيّ الذي انتقم منهم بإرساله عشرات الجرّارات لقطع اشجار الغابة بالكامل !

مما أفزع بقيّة السياسيين من إحتكار القائد لجميع الأخشاب ، فأرسل كل واحدٍ منهم حطّابين الى الغابات القليلة المنتشرة في دولتهم ، لقطع جميع الأشجار بما فيها المنتزهات العامة والمزروعة على جانبيّ الشوارع ! وتخبأتها في مخازنهم ، مع إرسالهم جزءاً بسيطاً منها للسوق بأسعارٍ خياليّة !


مما أجبر الفقراء على تكسير مفروشاتهم الخشبيّة ، لجعلها حطباً لمواقدهم .. لينتهي الأمر بهم الى حشر انفسهم في غرفٍ ضيّقة ، بعد استغنائهم عن بقيّة الغرف ، لتصغير اكواخهم الخشبيّة !

***


ومع إشتداد البرد ، حُصد المزيد من الأرواح .. خاصة في صفوف العجائز الذين يعيشون بمفردهم .. كما تمّ الإستغناء عن المرضى الميؤوس منهم والمعاقين والمجانين والأيتام والمجرمين بعد رميهم في الشارع ، لعدم قدرة المؤسسات على توفير التدفئة لهم ! 

مما زاد عمليات السرقة ونهب الأخشاب من داخل المنازل ، وصولاً للقتل .. ومعها انتشرت الفوضى بالمدينة والقرى المجاورة ، حتى أصبحت قطعة الخشب بقيمة الذهب ! بعد التعامل بها كعملةٍ نقديّة ، عن طريق المقايضة بينها وبين المنتجات الضروريّة التي يمتلكها افراد الشعب

***


مرّت الشهور الخمسة الشتويّة بصعوبة على الأوروبيين ، بعد فشل جميع المحاولات لإقناع روسيا بإرسال الغاز اليهم ! 

مما اضّطر بريطانيا لفتح مناجم الفحم القديمة ، حيث تقدّم الآف العاطلين للعمل في المناجم ، لتزويد انجلترا وبقيّة دول اوروبا بالفحم ، مما قلّل من مشكلة التدفئة .. خاصة بعد تفشّي العفن بالأخشاب المتراكمة بمخازن السياسيين المُحتكرين !

***


ولم يمضي الشتاء حتى تلوّث هواء اوروبا بدخان الفحم ، لتُعاد ازمة القرن الماضي ، والتي استمرّت لعدّة سنواتٍ لاحقة .. 

الى أن تمّ اغتيال زعيم روسيا المتغطرس .. واتفاق رئيسهم الجديد على حلٍّ سلمي مع زعماء اوروبا بإرساله الغاز ، مقابل مصالح مشتركة بينهم 


وذلك بعد أن خلّفت مشكلة الغاز آلاف القتلى وعشرات المساجين الهاربين من العدالة .. والذي تطلّب عقداً من الزمن لتنظيف الجوّ من تلوّث الفحم بعد إقفال المناجم من جديد ، وعودة الأمن للسكّان بعد القبض على الفارّين من الّلصوص .. وكلّه بسبب اطماع بوتين السياسيّة الذي أصيب بجنون العظمة التي أنهت حياته ، وحياة آلاف الأبرياء الذين تجمّدوا برداً في أصعب شتاءٍ مرّ بتاريخ اوروبا !


هناك 5 تعليقات:

  1. اخيرا لقد نهص الدب السيبري. الذي كان في حالة سبات شتوي .حتي يعيد توازن الطبيعة بتقليل اعداد البشر . كما قال مالتوس ان البشر يتزايدون بمتوالية هندسية اما الموارد سابته ولاتزيد .شكرا بوتن

    ردحذف
    الردود
    1. علل ما كتب فوق
      بوتين منقذ
      مسرحية الدب الروسي وام رانيا

      حذف
  2. قصة ممتعة و جميلة و من تصنيفياتي المفضلة عن فساد السياسيين و دمار الدول.

    شكراً عالقصة 🖤

    ردحذف
  3. لافيكيا سنيورا

    دعيهم يتجرعون من نفس الكؤس التي مازلنا نتجرعها

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
  4. كم اتمنى ان يحصل ذلك في أوروبا

    ردحذف

الحب السرّي

كتابة : امل شانوحة  رئيس الخدم والخانم   شاهدت بالصدفة الخادمة وهي تخرج مُرتبكة من غرفة كبير الخدم بعد تنظيفها..  فسألتها حِراء (زوجة مالك ا...