السبت، 10 سبتمبر 2022

الأستاذ المريب

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة 

 التفوّق الدراسيّ


إشتكى رجلٌ همّه لصديقه :

- سما أتعبتني كثيراً 

- ابنتك الوحيدة بعمر السابعة ، اليس كذلك ؟

- نعم 

- الأولاد بهذا السن يكونوا مشاغبين ، فلا تكتئب هكذا

الأب بضيق : هي كسولةٌ جداً ولا تريد الذهاب للمدرسة وعلاماتها سيئة ..وكلما احضرت معلمة ، تفتعل المشاكل لإجبارها على ترك العمل ! والبارحة استقالت استاذتها الخامسة .. والإمتحانات النهائيّة بعد ثلاثة أشهر ، وأخاف أن تعيد السنة

- اذاً عليك الإستعانة بالأستاذ مروان

- ومن هو ؟!

الصديق : استاذٌ مُختصّ بتعليم الأولاد المشاغبين ، معروفاً بصبره الطويل وحزمه وعناده لإكمال المنهج مهما كانت الظروف .. سأرسله غداً الى منزلك

- جزاك الله خيراً 

***


في اليوم التالي ، غضبت سما فور رؤيتها لأستاذها الجديد ! وتوجّهت مُنزعجة الى غرفة والدها :

- انا لا احب الأساتذة ، فلما لم تحضر معلمة ككل مرة ؟!

الأب : لأنك تفقدينهنّ أعصابهنّ ، فربما الأستاذ يستطيع إفهامك دروسك .. هيا لا تجعليه ينتظر ، فأنا احاسبه على الساعة


وأدخلها بالقوّة الى الصالة ، حيث كان الأستاذ يتصفّح كتبها على عجل

وبعد أن تركهم الأب لوحدهما ، قال مروان : 

- منهجك سهلٌ للغاية

سما باستنكار : أقرأت ثمانية كتب خلال الدقيقتين التي تحدّثت بها مع ابي؟!

المعلّم : نعم ، وهي سهلة بالنسبة للمدارس الأخرى .. فلنبدأ اولاً بمادة اللغة العربية

- لا !! سنبدأ بالرياضيات 

مروان بحزم : انا المعلّم هنا !! وانا اختار ترتيب المواد .. إفتحي كتاب العربي ، واخبريني عن المواضيع التي لا تفهمينها

- القواعد صعبة ، ولا اعرف الفرق بين الجملة الأسميّة والفعليّة


فأخرج مروان من جيبه تفاحة وأكلها ، ثم قال : 

- اكل مروان التفاحة .. هذه جملةٌ فعليّة

سما بدهشة : جيبك صغير ! فمن اين اخرجت التفاحة الكبيرة ؟!

- لا تهتمي لهذه الأمور ، وركّزي على الدرس


ثم أخرج دمية صوفيّة من جيبه الآخر ، ووضعها بجانبها وهو يقول: 

- دميةٌ جميلة .. مبتدأ وخبر ، أيّ جملةٌ اسميّة

سما بدهشة : من اين خرجت اللعبة ؟! 

وحاولت لمسها ، فأبعدها عنها ..

مروان بحزم : لا !! لن تحصلي عليها قبل نهاية المنهج بالكامل

وأعادها الى جيبه الصغير ، وسما مذهولة مما تراه !


وتابع معها دروس العربي ، وهي تحاول التركيز معه للحصول على  الدمية ، كما وعدها 


مروان : والآن سندرس الرياضيات

وهنا دخل والدها لإعطائه كوب الشايّ ، وهو يسأله :

- كيف وجدت سما ؟

الأستاذ : تتعلّم بسرعة

الأب باستغراب : أحقاً ! انت اول معلّم يمدحها

سما بضيق : ابي !!

الأب : هيا عزيزتي ، تابعي دروسك .. اراكما لاحقاً


وبعد خروج الأب ، شرب مروان الشايّ دفعةً واحدة ..

سما باستغراب : الم يكن ساخناً ؟!

المعلّم : بلى .. الآن سأشرح موضوع الجمع والطرح


وأخرج ثلاث كرات من جيب قميصه الصغير ، وثلاثة اخرى بلونٍ مختلف من تحت قبعته الرياضيّة .. ووضعهم بجانبها ، طالباً منها جمعها

سما باستغراب : كيف تخرج اشياءً كبيرة من اماكن صغيرة ؟!

الأستاذ معاتباً : ليتك تركّزين على دروسك كما تلاحظين الأمور التافهة 


وكلما جمعت او طرحت الكرات ، أخرج المزيد من الكرات الملوّنة من جيوبه .. الى أن قاطعته سما بقلق : 

- هل انت ساحر سيرك ؟!

- لما تقولين ذلك ؟!

سما : اخاف أن تخرج ارنباً من قبعتك

الأستاذ مبتسماً : إن لزم الأمر ، سأفعل .. والآن سندرس مادة العلوم


سما : الن ندرس الدين اولاً ؟

الأستاذ بعصبية : لا !! الدين ليس من اختصاصي ، دعي والدك يعلّمك إيّاه

سما باستغراب : ولما تضايقت هكذا ؟!

- لا تدخلي فيما لا يعنيك.. الآن سأشرح الدرس الأول في العلوم ، وهو عن الحواسّ الخمسة .. فما هي أهميّة العين ؟

فأجابته بسخرية : للنطق


فضرب بيده على طاولة بقوّةٍ ، أفزعتها !

المعلّم معاتباً : وهل تتكلّمين من عينك ؟!! 

ووضع يده على عينيها ، ليتحوّل كل شيءٍ لسواد ! 

وقبل أن تستنجد بوالدها ، اعاد سؤاله بلؤم : 

- ما أهميّة العين ؟!!

سما بخوفٍ شديد : للنظر

- احسنت !! 

ثم لمس عينيها ، لترى من جديد !

فمسحت دموعها ، وهي تسأله بقهر : لما أعميّتني ؟!


مروان : لم افعل شيئاً ، انت تتوهمين .. السؤال الثاني : بماذا نستخدم الأذن ؟

فأجابته بارتباك : للمس

فوضع يديه على اذنيها ، ليعمّ الصمت المخيف ! 

ثم صفّق بيديه ، ليعود سمعها من جديد .. 

مروان بغضب : الآن أجيبي على السؤال اللعين ؟!! 

فقالت مرتجفة : الأذن للسمع


مروان : طالما تعرفين الإجابات ، فلما تضايقينني ؟!

سما بخوف : لم أقصد ذلك !

فاقترب منها ، وهو يقول بجدّية : 

- إسمعيني جيداً يا سما .. لن اخرج من حياتك قبل تفوّقك في جميع المواد ، وإلاّ سأحوّل حياتك لجحيم .. وإن لم تفهمي درس الحواسّ الخمسة من الشرح الأول ، سأجعلك فتاةً خرساء وصمّاء ومشلولة بالكامل .. 

سما مقاطعة بخوف : آسفة ، لن اضايقك ثانيةً


مروان : أحسنت !! الآن بعد انتهائنا من العلوم ، سأعطيك امتحان سريع بجميع المواد .. 

- اذا دعني اكلّم ابي ريثما تكتب الأسئلة


فأخرج مروان ورقةً مطبوعة من حقيبته ، ووضعها بجانبها :

- الإمتحان جاهز

سما بدهشة : وكيف عرفت الأسئلة قبل قراءتك كتبي ؟!

- وهل تظني انك الطالبة الوحيدة التي درّستها بحياتي ؟

قالها بعينين حمراوتين ، اخافتها كثيراً !

مروان : هيا ابدأي بحلّهم ، فلديك عشر دقائق فقط


فنظرت سما لساعة الحائط التي اشارت على الرابعة والثلث عصراً

سما : لا اعرف حساب الوقت هكذا !

فأشار بإصبعه من بعيد للساعة ، لتصبح في الخامسة تماماً وهو يقول :

- إن إصبح العقرب الكبير على الرقم اثنين ، سأسحب منك الورقة

سما بخوف : كيف ادرت عقارب الساعة دون لمسها ؟!

مروان : كم مرة أخبرتك أن لا تسأليني خارج المقرّر الدراسيّ ؟!!


وهنا لمحت قدميه ترتفعان قليلاً عن الأرض ! فارتعبت لدرجة جعلتها تجيب الأسئلة بوقتٍ قياسيّ ، كيّ تُنهي الحصّة ويرحل من منزلها


بعد انتهاء الإمتحان ، نظر سريعاً لإجاباتها وهو يقول :

- هناك خطأ في اللغة العربية .. وخطآن في الرياضيات .. وعلامة كاملة بالعلوم .. تقدمٌ لا بأس به لهذا اليوم

وبدأ بجمع اغراضه ..

سما بارتياح : هل انت ذاهبٌ الآن ؟

مروان : نعم ، سآتي غداً بنفس التوقيت

سما بضيق : لا استاذ !! تحسّنت كثيراً ، ويمكنني متابعة دروسي وحدي


فاقترب من وجهها ، لتشعر بشيءٍ حادّ كالقرنين ينبتان في رأسه الذي يخرج منه الدخان ! قائلاً بلؤم :

- انا من يقرّر كم سأظلّ معلّمك ، ايتها الطفلة المدلّلة !!


ثم طفى سريعاً باتجاه الباب ، قبل مشيه بشكلٍ طبيعيّ بعد لقائه والدها خارج الصالة

***


فور ذهابه ، إحتضنت سما والدها باكية وهي تخبره بالأمور المرعبة التي حصلت اثناء الدرس .. لينفجر والدها ضحكاً ، دون تصديقه كلمة مما قالته .. مُكتفياً بالسماح لها اللعب لبقية اليوم !

***


وتكرّر الأمر كل عصر ، مثل : شربه الشايّ الساخن دفعةً واحدة ! وإخراجه الكثير من الأدوات التعليميّة من ثيابه وحقيبته الصغيرة  

اما اكثر ما يرعبها ، هي حصة العلوم : بعد إخراجه لمجسّمات حيواناتٍ نافقة ، لشرح اعضائها .. مما أثار غثيانها !


حتى انها في مرة أخطأت بحروف الجرّ باللغة العربية ، فضرب رأسه بقوّةٍ بخزانة الكتب المتواجدة بالصالة .. دون ظهور اثرٍ على جبينه ، رغم انها مزخرفة وذات أطرافٍ حادّة ! 


وكلما تحجّجت بدراستها المادة جيداً .. يُخبرها بالتفصيل كيف اضاعت وقتها البارحة ، مما يجمّد الدم في عروقها !

واحيانا تراه في منامها وهو يطالبها بالمذاكرة ، حتى بات اسوأ كوابيسها


والغريب ان لا شيء يمنعه من القدوم في موعده المعتاد ! لا الحرب الدائرة في البلد .. ولا الحادث الذي وقع للحافلة التي كان يستقلّها ، والتي اودت بحياة جميع الركّاب ما عداه ، حتى انه لم يصبّ برضوضٍ او جروح !


وباءت جميع محاولاتها بالفشل لإقناع والدها بطرده .. لتتفاجأ بمروان يخبرها باليوم التالي عن حوارها الكامل مع والدها للإستغناء عن خدماته! 


كل هذه الأمور جعلتها تنهار باكية ، وهي تترجّاه أن يتركها وشأنها .. فربت على كتفها وهو يقول بعينين مرعبتين :

- لن ترتاحي مني إلاّ حينما تتفوّقين بدراستك ، فهذه مهمّتي في الحياة

***


وبالفعل أصرّ والدها على اكمال دراستها مع المعلّم غريب الأطوار لنهاية السنة .. بعد تحسّن علاماتها بشكلٍ ملحوظ ، آثار استغراب معلّماتها وزميلاتها في المدرسة ! 

لهذا لم يكن امام سما إلاّ متابعة دروسها بجهدٍ مضاعف ، بنيّة التخلّص نهائيّاً من معلّمها المرعب

***


بعد نجاحها بالسنة الأولى ، إستغنى والدها اخيراً عن خدمات الأستاذ مروان الذي سلّمها الدمية التي وعدها بها في اول لقاء .. 


لكنه فور سماعها اللعبة تقول بصوت مروان : 

- سأراقبك دائماً يا سما

حتى رمتها بفزع من الشرفة ! 

***


مرّت السنوات .. كبرت فيها سما ، ونسيت تماماً استاذها مروان .. 

الى ان تزوجت وأنجبت صبياً ، ورث منها مشاغبتها وكسلها بالمدرسة !

***


في احد الأيام ، فاجأها زوجها بإحضاره معلماً لإبنه.. 

فدخلت الصالة لتضيّفه كوب الشايّ الذي كاد يقع منها بعد رؤيتها للأستاذ مروان بنفس العمر والهيئة التي لم تتغيّر بمرور عشرين سنة ! بل حتى صفاته لم تتغيّر : كشربه الشايّ الساخن دفعةً واحدة!


فنظرت لإبنها الذي كان يرتجف بخوف ، ويترجّاها بعينيه أن تطرد معلّمه المرعب الذي قال له :

- هل ستكون ولداً ذكياً تتعلّم بسرعة ، ام ستتعبني مثل امك ؟


ثم ابتسم في وجه سما ابتسامةً مريبة ، جعلتها تتذكّر خوفها القديم .. وهي تتساءل في نفسها : ((ترى هل سيصدّقها زوجها ، ام سيكذّبها كوالدها المرحوم ؟)) 


الى ذلك الحين ، سيبقى ابنها تحت رحمة الأستاذ المخيف لحين تفوّقه الدراسيّ ، فهي الوسيلة الوحيدة للتخلّص من هذا الإنسان الغامض ، او الكائن المرعب من العالم السفليّ الذي مهمّته تعذيب الأولاد المشاغبين وتقويم سلوكهم بأرعب الطرق الممكنة ! 


هناك 6 تعليقات:

  1. احتاج هذا الاستاذ بحياتي 😭، شكراً عالقصة اختي امل. 🌺


    ملاحظة مهمة : انا ختمت كل قصصك و استنى قصصك اول باول و معجب جداً باسلوب كتابتك الواضحة و عدم اطالة الاحداث و عدم المبالغة بالوصف و عدم قول جمل و كلمات لا فائدة منها و افكارك الرائعة و كيف تجعلي لكل قصة قصيرة فكرة خاصة، انا اعتبرك اول قدوة لي بالكتابة و امس تشجعت و كتب اول بارت من روايتي القصيرة في تطبيق الواتباد، و متحمس لقصصك القادمة. 🌨️🌺🖤

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة جداً ان نوعيّة قصصي تعجب ذوقك .. وبالتوقيق لك بكتابة روايتك .. تحياتي لك

      حذف
  2. لافيكيا سنيورتان

    يا إلهي إنها الاخت اسمى ...نعم احسست وكأنك تقولين لنا كرمالكم ايها الجمهور سأقدم لكم ماتشتهيه مخيلتكم من قصص ولن اخيب ضنكم ...مـــــــشــــــكوره اخت اســـمـــى...مشكوووره بعدد شعر راسك. هههههه

    لو انني قرأت قصه الاستاذ مروان قبل ان اتزوج كنت راح اتمنا ان اكون مثله لاني كنت اكره الاطفال عامة والمشاغبين خاصة لا اعرف لماذا ولكن كنت هيك ليس في داخلي حنيه ومحبه نحو الاطفال ..ولكن بعد ان تزوجت رزقت بطفل و طفله. وسبحانه كيف وجدت من العدم الحنيه للصغار داخلي وصرت احبهم واخذ كل الاطفال وبوسهم والعب معهم ..

    مشكورتان ايها الثنائي الرائع من اعماق قلبي


    اخيرا وبعدد شعر رؤوسكم :
    """لافيكيا سنيورتان"""

    ردحذف
    الردود
    1. تعليقك اسعد اختي كثيراً .. وجيد ان اولادك اظهروا الحنان في قلبك .. لافيكيا سنيورا ، اخي ابن اليمن

      حذف
  3. مروان ...ايضا ..لااااااا...لن اعلق على هذه

    القصه ...وساكتفي بالكومنت ...

    هذه قصه نفسيه بل وروحيه ايضا ان لم اخطيء اليس كذلك ؟

    وباعتقادي المتواضع ان لها اصلا وجذرا

    ولا اعلم السبب لاعتقاد هذا

    ربما هو مكشاف جنيتي العاشقه هههههه

    😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈😈👽👽👽👽👽👽👽👽👽👽👽👽👽👾👾👾👾👾👾👾👾👾👾👾👾👾💀💀💀💀💀💀💀💀💀💀💀💀💀

    ردحذف
    الردود
    1. اختي بما انها معلمة لغة عربية للمرحلة الإبتدائية ، تواجه الكثير من الأولاد المشاغبين ، لذلك خطرت ببالها هذه الفكرة

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...