الأربعاء، 16 يونيو 2021

قناع السفّاح

 تأليف : امل شانوحة

اللعنة المستمرّة


بعد موت والد جاك ، أخبره المحامي بملكيّة ابيه لكوخٍ صغير في الجبل.. وبعد حصوله على العنوان .. صعد جاك (الوريث الوحيد) الى هناك ، ليتفاجأ بأن الكوخ مليئاً بالتحف الأثريّة والسيوف التي تعود للعصور الوسطى ، بالإضافة لعملاتٍ نقدية قديمة ومنحوتاتٍ خشبية نادرة ! 

فتساءل بضيق عن سبب إحتفاظ والده بالتحف الثمينة ، بدل بيعها وتحسين ظروف معيشتهم الصعبة ؟! 


وبعد تصوير (بجواله القديم) كل الأثريّات الموجودة بالكوخ .. إتصل بالخادمة لتنظّيف المنزل من الغبار .. قبل إحضاره خبير الأثريّات لتقدير ثمنها ، في حال عرضها بالمزاد العلني ..


وبعد قدومها ، طالبته بضعف الإجرة لصعودها طريق الجبل الشاقّ .. فهدّدها قائلاً :

- أعرف عنوان منزلك جيداً .. وفي حال سرقتي أيّاً من تحف والدي ، سأبلّغ الشرطة عنك .. 

الخادمة : لا تقلق سيدي بهذا الشأن.. (وبعد رؤيتها بعد التحف المرعبة) ..رجاءً لا تطلّ غيابك ، فأنا خائفة من البقاء وحدي هنا

- سأحضر الخبير وأعود حالاً


ورغم انها وعدته بالحفاظ على املاكه الاّ أنه أصرّ على قفل الباب الخارجيّ ، خوفاً من هربها بثروته التي لم يحدّد قيمتها بعد ! 

***


بعد ذهابه ، إنشغلت الخادمة بتنظيف الكوخ الصغير .. وحين وصلت للتحف الموجودة بالصالة ، أثار اهتمامها قناعاً قبيحاً موجوداً داخل صندوقٍ زجاجيّ مُغبرّ ، مُلصق عليه عبارة : ((قنّاع السفّاح هاورد دون)) .. ورغم قفله الكبير الصدىء ، الا انها استطاعت فتحه بسهولة !


فأخذت تتأمّل القناع المصنوع من الخيش ، وهي تتساءل :

- من المريض النفسي الذي أخاط هذا القناع القبيح ؟ وكيف كان شعور ضحاياه حين وقعوا في قبضته ؟


واقتربت من المرآة الأثريّة الموجودة بغرفة النوم ، لترى شكلها وهي تضعه ..


وما أن لبسته ، حتى خرج دخانٌ اسود منه ! ليلتصقّ القناع بقوة في وجهها ، كأن أحدهم يشدّه من الخلف ليخنقها به ..

وحين أدارت رأسها للمرآة ، شاهدت من خلال الثقوب الممزّقة في قطعة الخيش : رجلاً  يشاركها القناع ! حيث كان وجهه خلف رأسها تماماً ، والذي امتلأ بالندوب والجروح التي شوّهت وسامته  

 

لتشعر فجأة بالضبابيّة وتشوّش رؤيتها ، لتنتبه إلى ظهور قزحيّة سوداء تقترب من قزحيّة عينها الزرقاء ، كأنها تحاول دفعها الى خارج العين ! إلى أن تمكّنت بعد ألمٍ شديد من إحتلال مكانها .. لتتحوّل عينيها الزرقاوتين البريئتين ، الى عيونٍ سوداء حادّة ومخيفة جداً 


وإذّ بها تتقمّص ذاكرة الرجل الغامض الذي نقلها لزمن العصور الوسطى ! حيث شاهدت نفسها في الغابة ، وهي تترقّب قافلة المؤن الخاصة بقصر الملك .. ثم تنهال عليهم بوابلٍ من الأسهم السامّة ، وتقضي على عشرات الجنود برميةٍ واحدة ! 


وبعد قتلهم جميعاً .. نزلت من اعلى الشجرة الشاهقة ببراعةٍ وخفة ، لتنفخ في بوقٍ عاجيّ بقوةٍ ، مُعلنةً النصر .. ثم تسرع بالتخفّي في الغابة ، بعد هجوم اهالي القرى الجائعين للإستيلاء على الطعام 


ومن بعدها ، نقلتها ذاكرته الى واقعةٍ أخرى : لتجد نفسها تمتطي حصانه الأسود اثناء قتالها الجنود في وقتٍ متأخّرٍ من الليل ، مُخترقةً القلعة المُحصّنة لتحرير العبيد من سجونهم الضيّقة


وبصعوبةٍ بالغة إستطاعت الخادمة العودة الى زمن الحاضر ، لتجد نفسها امتلكت صفاتاً رجوليّة ، جعلتها تكسر باب الكوخ بلكمةٍ واحدة من قبضتها الحديديّة ! مُتوجهة نحو الغابة الكثيفة القريبة من قريتها..

*** 


ومرّت الأيام .. دون إيجاد جاك للخادمة الهاربة بعد سرقتها القناع المخيف ، فهي لم تعدّ مطلقاً الى منزلها !

 

واثناء انشغاله بنقل بقيّة التحف الى المعرض ، قبل ايام من بدء المزاد العلنيّ .. أرسل له الخبير رسالةً غامضة :

((قمت ببحثٍ مكثّف حول القناع الذي أرسلت لي صورته .. وبرأيّ لا تبحث عنه ، فهو قناعٌ مسحور))


فاتصل جاك به لتحديد موعدٍ للقائه ، لإفهامه الموضوع ..

*** 


في مكتب خبير الأثريات .. وضع امامه نسخة عن الوثائق التاريخية التي وجدها في المكتبة العامة ، حول تاريخ القناع .. قائلاً :

- كما ترى سيد جاك .. هذا القناع يعود للسفّاح (هاورد دون) الذي كان بطل الشعب

- لم أفهم ! .. كيف أحب الناس سفّاحاً خطيراً ؟


الخبير : سأخبرك القصة منذ البداية .. كان هناك ساحرٌ شرير يهابه اهالي القرية ، لتسبّبه بخراب الكثير من عائلاتهم .. ومع ذلك لم يستطع احد الإمساك به وتقديمه للعدالة ، لاعتزاله الناس بكوخٍ بناه في أدغال الغابة .. وفي يوم ، ذهبت اليه مراهقة لسحر حبيبها للزواج منها رغماً عن اهله .. فاستغلّ وجودها وحدها ، للإعتداء عليها .. وحين هدّدت بفضحه ، قطع لسانها وأصابعها .. وتركها تعود جريحة الى اهلها الذين لم يجرؤوا على معاقبته ، رغم تسبّبه بتشويهها وحملها الذي أخفوه عن الناس بعد حبسها بالقبو .. وبسبب ولادتها بمكانٍ قذر ، أُصيبت بالتهابٍ حادّ اثناء الولادة ، أدّى لوفاتها المبكّر .. مما أغضب والدها الذي وضع طفلها امام باب الساحر ، وعلى صدره ورقة مكتوباً عليها :

((ربّي ابنك اللقيط ايها المغتصب))


جاك : وهل كان ذلك الطفل هو السفّاح هاورد ؟

- نعم ، ووالده له دور كبير في انحرافه .. ففي طفولته أخفاه في الإسطبل بعيداً عن أعين زبائنه ... وحين كبر ، عامله كعبدٍ له يهتم بشؤون المنزل ، وإحضار الأعشاب الضارّة من الغابة وبعض اشلاء الحيوانات الضرورية لأعمال السحر .. وعندما أصدر الحاكم أمراً بحرق السحرة في كافة ارجاء انجلترا ، لظنّه أنهم السبب في انتشار الطاعون .. إضّطر العجوز لاستخدام ابنه (ضخم البنيّة) كحارسه الشخصيّ لحمايته من جنود الملك ، بعد براعته باستخدام السيف والأسهم .. ولكيّ يجعله مخيفاً للناس ، صنع له قناعاً مرعباً من الخيش لإخفاء وسامته .. ومنذ ذلك الحين لم يجرأ احد على الإقتراب من الساحر اثناء تجوّله بالسوق برفقه حارسه المخيف..


جاك : وهل كان هاورد عدائيّاً بالفعل ؟

- يبدو انه امتلك قلب امه الحنون ! فهو شعر بالحزن كلما فرّ الأطفال والنساء خوفاً من قناعه الخشن .. لهذا قرّر مواجهة سيده ، الذي لم يعرف يوماً إنه والده الحقيقيّ .. 

- فرفض لبس القناع ثانيةً ، اليس كذلك ؟

الخبير : هذا صحيح ، مما أربك الساحر الخائف على حياته .. فنقع القناع بالسحر الأسود .. ثم وضعه على رأس ابنه النائم ، الذي استيقظ غاضباً .. وحاول نزع القناع بشتّى الطرق ، الا انه شعر بألمٍ شديد كأنه يسلخ جلد وجهه ! 

- فتوقف عن المقاومة ؟

- بالتأكيد !! فقد تلبّسه الشيطان الذي غيّر طباعه ، ليجعله أكثر عنفاً .. وكان اول ضحاياه : هو والده الذي خنقه بكلتا يديه ، إلى أن قضى عليه .. ثم قام بإحراق الكوخ بما فيه من اعمالٍ سحرية 


جاك : واين عاش بعدها ؟

- إستوطن الغابة للتصدّي لجنود الملك الظالم .. وبذلك عُدّ مجرماً بنظر الدولة التي أعلنت عن جائزةٍ ضخمة لمن يدلّهم على مكانه .. وللأسف خانه احد افراد قريته ، طمعاً في المال .. وقُبض عليه اثناء نومه في الغابة .. وقد حضر الملك وحاشيته الى الساحة التي اكتظّت بسكّان القرى المتشوّقين لرؤية وجه بطلهم الحقيقيّ الذي أخفاه لسنوات خلف قناعه القبيح ، أثناء محاربته جنود الملك للدفاع عن حقوقهم ، مُعرّضاً نفسه للكثير من الجروح والآلام .. ورغم تقييّد يديه وقدميه بالسلاسل ، الا أن كل جندي حاول نزع قناعه ، أصيب بالصرع المفاجىء ، وأخذ يتلوّى بألم بعد تعرّضه للعنة السحريّة ! فأمر الملك (بإشارةٍ من يده) السيّاف بقطع رأسه .. ليشهق الجميع بعد رؤية رأسه يتدحرج فوق المنصّة الخشبية ، وينكشف وجهه البريء بعد سقوط قناعه أخيراً .. ليتسارع الناس بالبوح بالمعلومات التي يعرفونها للملك .. 

# سيدي ، هذا خادم الساحر.. 

  # بل هو ابن الفتاة المغتصبة .. 

  # يبدو أن الساحر سلّط لعنته على ابنه الوحيد !

وانتشرت الحادثة بينهم كالنار بالهشيم .. لكن القصة لم تنتهي بعد


جاك : وماذا حصل ايضاً ؟!

- أمر الملك السيّاف بإحضار قناع السفّاح الى قصره .. وهناك اعترى ابنه الشاب الفضول لتجربته ، فسرقه من خزانة والده .. ووضعه على رأسه 

- لا تقلّ إن اللعنة السحريّة انتقلت اليه ؟ 

الخبير : يبدو ذلك ! فقد ذُكر بالكتاب التاريخيّ إن الأمير جنّ جنونه ، واقتحم غرفة والديه لذبحهما بالسيف اثناء نومهما .. قبل تمكّن الحرس من إيقافه ، بعد جرحه ذراع الوزير الذي أمر بإعدام الأمير الذي تسبّب بموت عدة حرّاس حاولوا نزع القناع عن وجهه بالقوة .. وبعد الإعدام ، حُفظ القناع في صندوقٍ زجاحي لقرونٍ عدة .. قبل وصوله للمزاد العلنيّ الذي فاز به والدك 


جاك : ولما تظن ابي أخفى الكوخ عن امي ؟ فأنت صديقٌ قديم لوالدي ، ولابد انه أخبرك شيئاً عنه ؟

- إلتقيت به يوماً في البار ، وكان سكراناً ويشكو فقر حاله الذي أصابه منذ إقتنائه القناع الملعون .. ولم أفهم قصده ، الا بعد إرسالك الصورة إليّ 

جاك : يبدو انه تشاءم منه بعد خسارة تجارته ، وأقفل كوخه نهائياً .. (وسكت قليلاً).. من الجيد إن اوراق الملكيّة ظلّت مع المحامي ، والاّ لما حصلت على بقية التحف الأثريّة .. (ثم تنهّد بضيق).. كل ما أخشاه أن تكون الخادمة الغبية جرّبت القناع المسحور 

- إن كانت اللعنة أصابتها  ، فسنعرف ذلك قريباً

***  


وكان ظنّ الخبير في مكانه ، فقد تمّ القبض على الخادمة بصعوبة من قبل عشرات الشرطة بعد قتلها زوجة والدها وابنائها (إخوتها الغير أشقاء) .. كما أذت بعض افراد قريتها (الذين ضايقوها في حياتها) إمّا طعناً بالسكين او إحراق منازلهم ! 


ولم تستطع الشرطة إزالة قناعها في المركز ، بعد إصابة كل من حاول ذلك بصعقةٍ كهربائية فور مساسه ! 


واتصلوا بجاك الذي سارع الى هناك ، ليؤكّد لهم إنه قناع والده المسروق الذي أبلغ عنه قبل مدةٍ وجيزة ..

وحين أحضروا طبيباً لتخدير الخادمة الهائجة لسحب قناعها بالقوة ، فاجأتهم بقفزها من نافذة المركز باتجاه الوادي السحيق !

***


بعد دفن الخادمة ، أعادوا القناع الى صاحبه الذي وجدوه على مقربة من الجثة المُهشّمة ، سليماً وغير ممزّق او ملطّخاً بالدماء ! 

***


قبل يوم من بدء المزاد العلنيّ ، واثناء ترتيب جاك لتحفه الأثريّة في المتحف .. شعر بفضول لتجربة القناع ، رغم الإشاعات المخيفة حوله .. 

فاقترب من مرآةٍ معلّقة على الحائط لرؤية نفسه وهو يلبس القناع ، الذي سرعان ما خرج منه دخاناً اسود .. 

ليحصل له ، مثل ما أخبرتهم الخادمة قبل انتحارها !

 

وفي خُضمّ معاركه الوهميّة ضدّ جنود الملك ، صارع جاك للعودة الى زمنه الحاضر .. ليتذكّر أنه كان بيده خنجر والده الأثريّ .. 

ومن دون تردّد ، غرز السكين في القناع ..مُحاولاً تمزيقه وإزالته عن وجهه ، بعد التصاقه بقوةٍ فيه ! غير آبهٍ بالألم الشديد اثناء تمريره السكين على طول جلد وجهه الجانبيّ ، وقطعه جزءاً من أذنه.. 


ليسقط القناع الممزّق على الأرض ، ويعود جاك للواقع بعد تلوّث قميصه بالدماء .. الاّ أن الدخان الأسود خرج من جديد ، ليحيط بالقناع .. ويخيط الجزء الممزّق منه ، لإعادته كما كان ! 

بينما سارع جاك الى المستشفى ، بعد تشوّه جزءاً كبيراً من وجهه 

***


عندما زاره الخبير في المستشفى ، عاتبه على تجربة القناع المسحور .. فطلب منه جاك البحث عن عنوان مقبرة السفّاح (هاورد دون) الأثريّة ، دون إخباره السبب..  فوعده الخبير بذلك 

***


بعد شفاء جاك ، ذهب مباشرةً الى قريةٍ ريفيّة بأطراف انجلترا .. وتسلّل الى المقبرة ، مُستغلاًّ إنشغال حارسها بجنازةٍ أخرى .. ليقوم بدفن القناع المسحور في قبر هاورد ، وهو يقول :

- إرقد بسلام ايها البطل المقنّع ، فلا ظلم بحقك بعد اليوم


ثم خرج باتجاه سيارة الأجرة المتوقفة خلف المقبرة التي أعادته الى محطّة القطار ، دون علمه بخروج دخانٍ اسودٍ كثيف من قبر هاورد ، أحاط بأهالي الجنازة المجاورة .. أدّى لتغيّر أعينهم الملوّنة الى عيونٍ سوداء حادّة ومرعبة ، وتحويلهم جميعاً الى سفّاحين دون حاجتهم للقناع المسحور الذي عاد أخيراً لصاحبه الذي لم يُشفى غليله بعد من البشريّة جمعاء ! 


هناك 4 تعليقات:

  1. أتمنى كتابة قصة صاحب المزمار خاطف الأطفال الألمانية التاريخية بأحداث مرعبة وشائقة واحداث حالية فيها بحث لحل لغز اختفاء الأطفال ويوجد مقال مفصل في كابوس ممكن يكون ملهم لأحداث قصتك
    تحياتى أستاذة أمل

    ردحذف
    الردود
    1. هذا الموضوع تمّ تحويله الى ثلاثة افلام اجنبية ، واكثر من ستة افلام رسوم متحركة ، ومنها فيلم بالمعجون للأطفال .. وانا لا احب كتابة فكرة مستهلكة ، كما إن الأفلام عرضت الموضوع من عدّة جوانب : درامية ومخيفة ومضحكة .. انا حالياً مشغولة بتحويل افكار اختي الى قصص ، حسب طلبها .. على كلٍ ، شكراً على اقتراحك أخ محمد

      حذف
    2. الشكر لكِ أستاذة أمل
      بالتوفيق والتقدم والابداع دائماً
      بانتظار قصصك التي من أفكار أختك
      بالتأكيد ستنال إعجاب قرائك

      حذف
  2. صراحه أعجبتني النهايه بتحول القريه كلها . وهذا النمط الخاص بالقرون الوسطى ساحر دائما .

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...