الثلاثاء، 17 نوفمبر 2020

عودة الأموات الى الحياة

 تأليف : امل شانوحة

 

هل الأرض تكفينا جميعاً ؟!


إنتهى العزاء .. وعاد الشاب مروان الى حياته المملّة بعد موت والده الذي ربّاه وحده ، منذ وفاة امه في طفولته .. 

وازداد حنينه وشوقه لأبيه الحنون مع مرور الأيام .. الى ان قرّر الذهاب لأمهر مشعوذٍ في منطقته ، وسؤاله عن إمكانية إعادة والده للحياة من جديد 


فأجابه المشعوذ :

- هناك تعويذة سحريّة لإعادة الموتى ، لكنه لم يجرأ احد على استخدامها 

- ولماذا ؟

- لأن نتائجها غير مضمونة ، فنحن لا نعلم من سيعود الينا .. هل هو والدك بالفعل ، ام قرينه او روحٌ شريرة إستحوذت على جسده ؟

مروان : وهل تملك تلك التعويذة ؟ 

- هي موجودة منذ مئات السنين ، في كتابٍ طُبع مراراً بعنوان ((اسرار الحياة))


فسأله مروان وهو ينظر الى مكتبة المشعوذ : 

- وهل تملك الكتاب ؟ 

- نعم .. لكني لن أعطي تعويذة خطيرة كهذه لشخصٍ ليس خبيراً بهذه الأمور

- رجاءً ، سأدفع لك ما تشاء 

المشعوذ : الأمر ليس ماديّاً ، بل لتجنّب كوارث نتائجها غير معروفة .. وأنصحك بالتعوّد على رحيل والدك ، فالموت علينا حقّ..

فخرج مروان من عنده وهو يضمر نيته بسرقة الكتاب ..

*** 


وسنحت له الفرصة في الإسبوع التالي ، بعد سفر المشعوذ للقرية المجاورة لزيارة أقاربه .. 

وانتظر مروان حلول المساء لاقتحام بيته .. وبحث جاهداً في مكتبته الكبيرة ، الى ان وجده .. 

ثم تسلّل بهدوء للخارج ، مُتوجهاً لشقته ..

***


وسهر مروان طيلة الليل ، بحثاً عن التعويذة السحرّية في الكتاب الضخم .. الى أن وجدها ، تحت عنوان : (عودة الميت الى الحياة)  

وكانت عبارة عن كلماتٍ غير مفهومة ! تلاها بشكلٍ متتابع ، وهو ينفث في قنينة ماء ..

ورغم تأخر الوقت ، الا انه خشي أن تفقد التعويذة سحرها إن لم يتمّ العمل في الحال

***


فقاد سيارته نحو المقبرة ، رغم برودة الجوّ الذي ينذر بعاصفةٍ رعدية 

وحين وصل ، وجد ابوابها مقفلة بإحكام .. فقفز فوق السور ، متجهاً لقبر عائلة والده .. 


ووقف بجانب قبر ابيه ، وهو يرتجف من رهبة المكان الذي ازداد رعباً مع هدير الرعد والبرق الذي اضاء المكان الموحش من حوله! 

وأخذ يسكب الماء ببطء فوق القبر المبلول برذاذ المطر الذي سرعان ما ازداد هطوله .. 

وبعد إنهاء عمله .. أسرع عائداً الى منزله ، وهو يأمل بنجاح التعويذة لإعادة والده للحياة 

***


إستيقظ مروان عصراً ، دون حدوث تغيرات في منزله او حياته ! 

فأمضى النهار باللعب على حاسوبه بمللٍ ويأس ، الى أن حلّ المساء  


وقبل ذهابه الى فراشه ، تفاجأ بطرقٍ متواصل على بابه !

وحين فتحه .. وجد والده مبتسماً ، برداء الكفن الملوّث بالطين وهو يقول :

- المطر سهّل نبش القبر 

ولم يشعر مروان بنفسه الا وهو يسقط مغمياً عليه ! 

***


إستيقظ بعد ساعة .. ليرى والده يجلس على طرف سريره ، وهو يلبس بيجامته المعتادة ويقول :

- أخيراً استيقظت بنيّ .. لقد استحمّيت وأكلت ، وأخرجت أغراضي من الصناديق ورتّبتها ثانيةً في غرفتي .. كل هذا وأنت ما زلت نائماً !.. هيا استيقظ لنشرب القهوة معاً ، فالشمس على وشك الشروق  

- ابي ! كيف حصل هذا ؟

- ألم تسكب ماء التعويذة فوق قبري ؟

مروان : نعم ، لكني لم أتصوّر ان تنجح بهذه السرعة ! 

- بل نجحت اكثر مما توقعت

- ماذا تقصد ؟!


فنادى الأب بصوتٍ عالي : 

- ابي !! تعال الى هنا ، حفيدك يريد التعرّف بك

مروان بصدمة : جدي !


فدخل شاب الى غرفته ، وهو يسلّم عليه :

- كيف حالك يا صغيري ؟

فسأل مروان والده : من هذا الشاب ؟!

الأب : الم اخبرك سابقاً ان والدي توفيّ شاباً بحادث سير ، لذلك عاد الى الدنيا بالعمر الذي مات فيه .. بينما بقيت انا عجوزاً هزيلاً لموتي بالسرطان

الجد : وهذا الغريب في الموضوع ! فأنا أصغر من ابني ، وأكبر من حفيدي بقليل 


مروان : لم أفهم ! انا ألقيت التعويذة على قبرك يا ابي ، فكيف عاد جدي للحياة ؟!

الأب : هو لم يكن قبري وحدي بل قبر العائلة ، ودُفنّا فوق بعضنا .. لهذا عدّت انا ووالدي واخوتي الثلاثة

مروان بصدمة : اعمامي ايضاً !

الجد : نعم ، هم يتناولون الطعام في المطبخ  


وفجأة ! سمعوا صراخاً قادم من المبنى المقابل ..

فأسرع مروان واقاربه الى الشرفة ، لمشاهدة الجارة وهي تطلّ من نافذتها وتصرخ بخوف :

- والدي عاد للحياة ثانيةً !! أنقذوني يا ناس قبل ان أجنّ !!!

الجد : والدها ! الم يكن مدفوناً بجانب قبرنا ؟!

والد مروان : نعم .. (ثم سأل ابنه) :  

- مروان .. إخبرنا ما فعلته بالتعويذة بالتفصيل ؟

فأخبرهم بكل شيء .. 


ثم قال الجد :

- يبدو ان ماء التعويذة إختلطت بماء المطر !

مروان بقلق : ماذا يعني هذا ؟!

والده : يعني ان تعويذتك أيقظت جميع الميتين في تلك المقبرة


وسرعان ما علا صراخ الجيران الواحد تلوّ الآخر ، بعد عودة موتاهم الى بيوتهم ..

***


ليس هذا فحسب ! فالمقبرة متواجدة قرب الشاطىء .. لهذا انتقلت التعويذة مع مياه المجاري الى البحر ، ومنها الى الدول المجاورة .. لتضجّ الصحافة العالمية بالخبر المفزع ! 


ولم يجد مروان في الكتاب السحريّ أيّةِ طريقة لإبطال التعويذة السابقة ، خاصة بعد هرب المشعوذ لمكانٍ مجهول (بعد معرفته بسرقة كتابه) خوفاً من تحقيقات الشرطة .. وبذلك استمرّ مفعول التعويذة المرعبة التي وصلت لعدة مقابر دولية ! 

***


وماهي الا شهور قليلة ، حتى صُعق العالم بعودة ملايين الموتى للحياة .. جيلاً قبل جيل ، وصولاً للعصور القديمة وبداية البشريّة !


حتى وصل عدد سكّان الأرض الى 108.2 مليار نسمة ، منذ تواجدهم على الأرض قبل 50 الف سنة .. حيث تفوقت نسبة الذكور 51% على الإناث .. وكان معظمهم من الأطفال دون سن العاشرة (الذين ماتوا بالأمراض) والشباب دون سن 33 (ممن ماتوا بالحروب القديمة).. تمركز أكثريتهم في المناطق الريفية ، بعد ان أخافتهم مظاهر التطور في المدن التي لم يعتادوا عليها .. وكل هذا بموارد تكفي 10 مليار نسمة فقط ! مما جعلهم يتقاتلون للحصول على المياه العذبة ومحصولات الأراضي الزراعية..

***


ولم تنتهي السنة الأولى للكارثة .. الا وقد جفّت الأنهار ويبست الأراضي ، وسُرقت جميع المواد الغذائية من الأسواق المحلّية والعالمية .. 

وهاج البشر الذين انقسموا بين العصر القديم والحاضر ، كلاً يدافع عن عاداته وتقاليده بعد تضارب الحضارات بينهم ..

***


ولاحقاً إتفقت الدول الحديثة على محاربة ما سمّوه ب(جيل الأموات) الذين استخدموا في حروبهم الأسلحة القديمة : كالرماح والسيوف والمجانيق ، في مقابل الطيران الحربي وأسلحة الدمار الشامل الذي أباد عدداً كبيراً منهم.. 


بينما هرب جزءاً منهم لأعالي الجبال والكهوف والوديان والغابات الكثيفة بنيّة إعمار حضاراتهم من جديد ، سواءً : الفرعونية والرومانية والآرامية والسومرية وغيرها 

***


وقد شعر مروان بالذنب الشديد بعد رؤيته بالأخبار : ملايين القتلى من الجيل القديم ، الذين ماتوا سابقاً بالحربين العالميتين والأمراض المعدية كالطاعون والسلّ ، والمجاعات .. وهاهم يُقتلون ثانية برداً وجوعاً بحرمانهم من المياه والغذاء والملابس ، بحجّة ان ليس لهم الحق بمشاركة حاضرنا !

***


في المقابل .. إستحوذت الدول العظمى على الفنانين القدامى والمخترعين التي جمعتهم مع علماء الحاضر للتفكير سوياً بحلول للمشاكل الراهنة التي يعيشها سكّان الأرض .. مما نتج عنه اختراعات جديدة : مثل جهاز صغير لتحويل مياه البحر الى مياه عذبة ، وأسمدة تُسرّع نضوج الثمار .. والتي إستفاد منها سكّان الأحياء فقط ، دون جيل الأموات الذين لقّبهم رجال الدين والصحافة : بالقرائن الشيطانية او الزومبي والجن الخبيث ، لذلك حوربوا بشدة .. حتى بات كل شخص يقتل قريبه ، الذي كان يوماً يبكيه عند موته!

***


الا انه بعد سنوات ، إنقلبت الأمور رأساً على عقب بعد توحيد الأموات لصفوفهم بزعامة قابيل (ابن آدم) الذي شنّ مع جيشه حرباً مُنظّمة على سكّان البلاد المتطوّرة .. 

وسرعان ما احتلوا مراكز مهمّة بالبلد ، وأسقطوا الحكومات الواحدة تلوّ الأخرى !

وبثيابهم المُهلّهلة وأسلحتهم البدائية وهتافاتهم الثائرة المتمرّدة أعلنوا سيطرتهم على العالم 


حيث قال قابيل في خطبته الجماهريّة التي حضرها ملايين البشر : 

- قتلت اخي هابيل ، في الوقت الذي كان العالم كله ملكاً لعائلتي .. ولن أتوانى عن قتل كل من يعترض طريقي .. ولهذا قرّرت ان يحكم الموتى القدامى الأرض  

فصرخ أحدهم بغضب : هذا ليس عدلاً !! انتم عشتم حياتكم ، وهذه الأرض ملكاً لنا

قابيل : عشناها سابقاً وسنعيشها من جديد ، وسنكمل نهضتها من حيث وقفتم .. لذا لسنا بحاجة لجيلكم التافه بعد اليوم


ثم أشار لجنوده الذين قاموا بصفّ الأحياء في طوابير الإعدام : بعضهم يُشنق والبعض الآخر يُقطع رأسه بالسيف .. والآخرون يرمون بالسهام ..


وتفاجأ مروان بوالده يُوقفه بالقوة في صفوف الإعدام ..

- ابي ! ماذا تفعل ؟

الوالد : قابيل هو قائدنا الآن ، وعلينا تنفيذ اوامره 

مروان : انا ألقيت التعويذة لأجلك ، وانت تردّ الجميل بإعدامي ؟!

- نحن جرّبنا ألم الموت ، وحان الوقت لتجرّبه انت وبقية الأحياء .. ومن يدري ، ربما يوماً ما نُلقي التعويذة عليكم لتشاركونا الحياة من جديد 

مروان وهو يبكي بخوف : ابي رجاءً ، لا تتخلّى عني


ثم وقف الأب مع الجد لمشاهدة عمليات الإعدام الجماعية للأحياء ، الذي راح ضحيتها 7 مليار بشري (من السكّان الحاليين) .. من ضمنهم ابنه مروان الذي كان نادماً لعدم رضائه بالقدر ، والذي بسببه دمّر الأرض بمن فيها !

******


ملاحظة :

الفكرة مستوحاة من هذا الفيديو :



هناك تعليق واحد:

  1. جميلة جدا والعبرة منها رائعة .. أنت كاتبة متميزة تستطيعين تحويل أي موضوع تقرأين عنه أو تشاهديه إلى قصة .. تحياتي لك

    ردحذف

لقاءٌ ساحر (الجزء الأخير)

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  رابط الجزء الأول من القصة : https://www.lonlywriter.com/2024/10/blog-post_4.html مفتاح الحرّية بعد ...