تأليف : امل شانوحة
إنتهى دورك !
داخل مطارٍ مزدحم ، إنشغلت جاكلين بجوالها لتمضية الوقت الى حين صعودها الطائرة ..
وإذّ برجلٍ عجوز (يلبس كمّامة تخفي معظم وجهه) يجلس بجانبها ، وهو يتلفّت حوله بقلقٍ شديد !
ثم نظر إليها بعينين دامعتين ، وكأنه متردّد للحديث معها ..
فعرفته جاكلين فور رؤيتها لوحمة يده المشهورة ، فسألته باستغراب:
- سيدي الرئيس !
فطلب منها إخفاض صوتها .. فعادت لتسأله بصوتٍ منخفض :
- أين حرّاسك سيدي ؟
الرئيس وهو يتلفّت حوله : هربت منهم
جاكلين بدهشة : هربت ؟!
وهنا أخرج USB صغير من جيبه .. وأعطاها إيّاها بالخفاء ، وهو يهمس لها :
- سيقتلونني قريباً .. رجاءً إنشري محتواه سريعاً
وقبل ان تفهم ما يقصده ! إنتفض مرتعباً ، فور إقتراب حارسيه الشخصيين وهما يسألانه :
- أنت هنا سيدي ! بحثنا عنك في كل مكان
فحاول الرئيس إخفاء رعبه قائلاً :
- بعد خروجي من الحمام ، أردّت السير وحدي لبعض الوقت
الحارس : لكن سيدي .. طائرتك الخاصة جاهزة ، والطيّار مُستعد للإقلاع
فتنهّد الرئيس تنهيدةً طويلة وحزينة ، ثم قال :
- حسناً لنذهب
وقبل ذهابه ، إلتفت لجاكلين بنظرةٍ تعني :
((رجاءً إفعلي ما طلبته منك))
لكن لم يكن لديها وقت للتفكير ، بعد سماعها إعلان فتح باب الطائرة للمسافرين ..
وجرّت حقيبتها الحمراء الصغيرة ، مُتوجهةً للباب الرئيسيّ .. قبل ان توقفها المضيفة بحزم :
- الكمّامة إلزامية يا آنسة
جاكلين : آه عفواً .. أعاني من الربو ، والكمّامة تكتم أنفاسي .. سأضعها في الحال
وبعد صعودها الطائرة ، جلست قرب النافذة ..
***
وفور إقلاع الطائرة .. تفاجأ المسافرون بصوت إنفجارٍ مدويّ في الخارج!
فنظروا من نوافذهم ، ليروا طائرةً صغيرة خاصة تحترق في مدرّج المطار !
فسرت قشعريرة في جسد جاكلين المرتجف لمعرفتها (قبل الجميع) بمقتل رئيس البلاد ..
***
لكنها لم تتأكّد من الخبر الا بعد مشاهدة الأخبار ، عقب وصولها من المطار الى منزلها المتواجد في وسط المدينة ..
فقالت بخوف :
- يا الهي ! كان يعلم أنهم سيقتلوه .. ترى ماذا يوجد في USB الخاص به ؟
وأدخلته حاسوبها لتجد فيه : ملفات سياسية معقدة ، تبدو كأنها فضائح لكبار السياسيين في البلد .. كما وجدت فيديو لاغتيال نائبه الذي حصل في السنة الفائتة !
فأخذت تفكّر :
- ترى هل أنشر الفيديو بالإنترنت ، كما طلب مني الرئيس ؟ لكن أخاف أن يقتلوني أنا ايضاً !.. وفي حال أتلفت USB ، إضيّع كل الملفات المهمّة التي دفع الرئيس حياته ثمناً لها ؟ .. إذاً لمن أوصلها ؟ أألى عائلته ؟ ام حزبه ، او الصحافة ؟ .. يا الهي ! لما اختارني لتحمّل هذه المسؤولية الضخمة والخطيرة ؟
وفجأة ! سمعت صوتاً خارج منزلها ، جعل جسمها ينتفض من مكانه .. فأخذت تراقب حديقتها من زجاج الصالة ، وهي تصرخ بعلوّ صوتها :
- من هناك ؟!! أنا أحذّرك ، معي مسدس .. إظهر نفسك حالاً!!
لكنها لم ترى احداً .. فأسرعت لتأكّد بأن جميع ابوابها ونوافذها مغلقة بأحكام ..
ثم اختبأت في غرفتها ، بعد إقفال الباب عليها (فهي تعيش بعيداً عن اهلها بسبب دراستها الجامعية)
ونامت تلك الليلة بصعوبة بعد أن أرهقها التفكير بما ستفعله بالمعلومات الخطيرة التي بحوذتها ، والتي ستقلب البلاد رأساً على عقب !
***
وفي الأيام التالية .. حاولت جاكلين مراراً توصيل USB الى مركز الحزب السياسي التابع للرئيس الراحل ، لكنها تغاضت عن الأمر في آخر لحظة
وبالنهاية خطرت ببالها فكرة جريئة : وهي استخدام حاسوبها القديم لإرسال فيديو الإغتيال لأهم محطّة إخبارية ، ثم إتلاف جهازها كي لا تلاحقها المخابرات من خلاله ..
وبالفعل ذهبت الى وسط البلد ، مُخفية نفسها بقبعةٍ عريضة وكمّامة وشال وملابس سوداء فضّفاضة.. واختارت الجلوس في مقهى إنترنت مشهور ..
وبعد إرسال المقطع لبريد الصحافة ، توجّهت الى محطة مترو الأنفاق .. ورمت حاسوبها فوق سكّة الحديد ، قبل لحظات من وصول القطار لإتلافه بالكامل ..
ثم عادت الى بيتها بعد تنقّلها بين عدّة سيارات اجرة ، خوفاً من إلتقاط كاميرات الطريق لرقم السيارة ..وكل هذا تخوّفاً من الجهة المجهولة التي قامت بتصفية الرئيس ..
وقد شعرت بتحسّنٍ ملحوظ بعد تنفيذها جزءاً من مهمّتها الصعبة ، رغم انها لم تتخلّص بعد من USB الذي يحوي ملفات وفضائح سياسية خطيرة .. لكنها لن تخاطر بإرساله لأحد ، قبل معرفتها بتصرّف الصحافة حيال الفيديو الخطير
***
لم تمضي ساعات قليلة .. حتى انتشر المقطع بجميع وسائل التواصل الإجتماعي ، مُحدثاً بلبلة وضجّة سياسية ضخمة .. خاصة لتورّط المرشّح الجديد للرئاسة بعملية قتل نائب الرئيس السابق !
وتنفّست الصعداء بعد سماعها بالأخبار : أن الفيديو وصلهم من جهةٍ مجهولة .. فعلمت انهم لم يقتفوا أثرها ..
***
الا ان راحتها تبدّدت بعد أيام عقب شعورها بملاحقة ومراقبة من أشخاصٍ غامضين ، اثناء ذهابها وعودتها من الجامعة ..
لهذا هربت مساءً الى كوخ جدها في الغابة الذي يستخدمه للصيد ، والذي فيه الكثير من المعلّبات التي تكفيها لحين انتهاء الأزمة
***
بعد اسبوعين .. أحسّت بالضيق والضجر بعد تركها الدراسة والإمتناع عن الإتصال بأهلها التي تعلم بقلقهم عليها ، لهذا أرادت التخلّص سريعاً من USB اللعين لكيّ تعود لحياتها السابقة
وسنحت لها الفرصة بعد سماعها بالأخبار : عن عزاءٍ جماهريّ يُقيمه ابن الرئيس الراحل ، بمناسبة مرور شهر على وفاة والده
فتجهّزت للذهاب اليه ، وهي تخفي وجهها بالكمّامة ..
***
وحين جاء دورها للسلام على ابن الرئيس السابق ، إقتربت منه بحذر .. ووضعت بالخفاء USB في يده ، وهي تهمس في اذنه :
- والدك أعطاني إيّاه قبل مقتله
وما ان أصبح في حوزته ، حتى أشار لحارسيه بالقبض عليها ! واللذان أدخالها عنوةً الى مكتبه (خلف صالة العزاء) ..
فانصدمت جاكلين كثيراً من تصرّفه الوقح ! وصرخت بخوف :
- انا لم أفعل شيئاً !!
الحارس مُهدّداً : إخفضي صوتك ، فنحن لا نريد فضائح
جاكلين بغضب : لا تريدان فضائح ! لقد سحبتماني كالمجرمة امام الناس والصحافة !!
وهنا دخل ابن الرئيس مع رجلٍ آخر ، عرفته جاكلين على الفور :
- ألست الحارس الشخصيّ للرئيس ؟!
فأجابها بابتسامةٍ صفراء : نعم
جاكلين باستغراب : وكيف لم تمت معه ؟!
الرجل : لأني لست غبياً لركوب طائرةٍ ملغومة
جاكلين : اذاً كنت تعرف بخطّتهم لقتل الرئيس ؟!
- طبعاً .. والرئيس ايضاً يعلم بذلك ، بعد إبلاغه بأنهم أحرقوا ورقته
- من أخبره بذلك ؟
- الماسون
جاكلين : هل أنت من رجالهم ؟
الرجل : نعم .. وقد بحثنا عن هذا USB الخطير في كل مكان .. وكنا على وشك الإمساك بك ، لولا هروبك من منزلك الى جهةٍ مجهولة !
جاكلين بدهشة : وكيف عرفتم بشأني ؟!
- أنت لم تضعي الكمّامة في قاعة الإنتظار اثناء حديثك مع الرئيس ، لهذا ظهر وجهك بوضوح في كاميرات المطار .. تماماً كحقيبتك الحمراء المميزة التي استطعنا من خلال رقمها التسلّسلي في قسم الأمتعة ، للوصول لعنوان منزلك
جاكلين : وهل موظفيّ المطار يعملون ايضاً لحسابكم ؟!
الرجل : كل الدولة تعمل لحسابنا .. ولا أبالغ ان قلت إن معظم رؤساء العالم من رجالنا المخلصين ، والذين مهما علت مراتبهم يبقون لدى منظمتنا كأوراق البوكر .. لهذا حين احترق كرت رئيسكم وانتهى دوره ، تخلّصنا منه .. وظننا إن مشكلته انتهت ، لنعلم لاحقاً من سكرتيرته انه نسخ ملفات مهمة لفضح بقية عملائنا .. لكنه أخطأ بتسليم USB خطير كهذا ، لفتاةٍ جامعية بسيطة مثلك .. (ثم جلس بقرب الحاسوب وهو يقول) .. والآن لنرى الوثائق التي احتفظ بها ذلك الماكر ؟
وأخذ يتصفّح الملفّات الموجودة بداخل USB.. ليقول بعد دقائق :
- انها ملفات خطيرة بالفعل ! .. سأعمل على إتلافها لاحقاً
فاقترب منه ابن الرئيس ، وهو يقول بتذلّلٍ وخضوع :
- سيدي ، لا تنسى وعدكم لي
فأجابه : بالطبع ، مكافأتك محفوظة
جاكلين باستحقار : لا أصدّق انك بعت دم والدك !
فأجابها الإبن العاق :
- هم وعدوني بتعيني مكان والدي بعد تزويرهم نتيجة الإنتخابات القادمة ، في مقابل تسليمكِ لهم .. وقد نجحت فكرة العزاء الجماهريّ لاجتذابك إليّ
جاكلين بعصبية : أخُنت والدك لأجل السلطة ؟!!
فقال الإبن بطمع :
- السلطة والشهرة والمال الوفير ، كل هذا يكفي لبيع عائلتي وكل معارفي لأجله
جاكلين باشمئزاز : حقير !
ثم سأل الإبن ، رجل الماسون : ماذا ستفعلون بها ؟
الرجل : هي فتاة جميلة .. سندع رئيسنا يتسلّى بها قليلاً قبل إعدامها ، كما فعلنا مع الكثير من شرفاء البلد .. والآن إمسكاها !!
فقام الحارسان بتقيدها ، وهي تحاول مقاومتهما بكل قوتها :
- انا لا ذنب لي !! دعوني وشأني !!
الرجل : أحقنوها بالمخدّر قبل سماع أحد لصراخها
ثم حملاها وهي غائبة عن الوعيّ الى خارج المقرّ (من بابٍ سرّي) ووضعاها في سيارةٍ سوداء مظلّلة ، بقيادة الرجل الماسوني..
وفي الوقت الذي كان فيه ابن الرئيس يحتفل مع رجاله بمنصبه الجديد ، كانت جاكلين في طريقها لمصيرها المجهول !
السّلام عليكم
ردحذفأنا متابعك من لبنان وقد قرأت جميع قصصك.
أنت كاتبة رائعة فعلا وتستحقّين كلّ الاحترام والتّقدير.
هذه القصة جميلة وقد استمتعت بها كثيرا، فالانتقال والسرد وترابط الاحداث كان احترافيا.
لكن أرجو منك نشر جزء آخر لهذه القصّة.
سأحاول ان شاء الله .. دمت بخير
حذفجميلة القصة
ردحذفما يعجبني بكتاباتك يا أمل هو استخدامك لأفكار عصرية قديمة متجددة والحبكة دائما تكون متقنة .. استمعت بتصفح مدونتك ولي عودة لها كلما سنحت لي الفرصة
تسلسل القصه مبهر هذه المرة..كان تخيل الأماكن والأحداث سهله جدا بسبب اسلوبك الممتاز بهذه القصه
ردحذفعلى العموم لو كنت مكان جاكلين لما سلمت الملف لأبن الرئيس.ابدا
وكنت نشرته عبر التواصل الاجتماعي بنفس الجهاز ثم اقوم بتحطيمة جيدا..
ولن اسلمه لأي شخص..مهماكان .
وتحياتي