كتابة : امل شانوحة
- يا الهي البرد شديدٌ هنا , كان عليّ ان احضر بطانية معي .. اللعنة عليّ , لما قبلت اصلاً بعرضه السخيف ؟! .. (و يتنهد مرتعشاً من شدة الخوف و البرد) .. حسناً لأحاول ان اهدّأ من روعي .. فهي بالنهاية ليلة واحدة مخيفة و سأقبض بعدها مبلغاً كبيراً من المال يوازي كل ما كسبته في حياتي ..من الأفضل ان انام قليلاً , علّ هذه الليلة تمرّ على خير .. لحظة ! ماهذا الصوت ؟! هل تمطر في الأعلى يا ترى ؟! .. آخ ..ليتني استطيع ان احفر و اخرج نفسي من هذا المأزق .. يارب ساعدني
و بعد ساعتين استيقظ على حركةٍ ما , و كأن شيئاً يزحف بقربه !
فتمّتم بخوف : ماذا يحصل هنا ؟!
و قرّب قنديله من مكان الجثة ليتفاجأ بفكّ الميت متدني للأسفل , و عيناه فتحتا على وسعها , كما لاحظ و كأن الميت ادار بوجهه ناحية الزاوية المظلمة من القبر !
الرجل بدهشة : كيف تحرّك هذا الميت ؟!
ثم اقترب من الجثمان المسّجى فوق اللحد , و قال له :
- على ماذا تنظر يا هذا ؟!
ووجّه قنديله نحو تلك الزاوية ليرى مخلوقين ليسا ببشر و لا حتى شياطين يحفران جانباً من القبر بأنيابهم التي تشبه لهب النار , و قد تمكنا بواسطتها اختراق القبر , حيث بديا (مع ضوء القنديل الضعيف) و كأنهما يمشيان فوق شعورهم الطويلة , وكان سواد بشرتهم مائلاً للزرقة !
و هنا سقط القنديل من يد الرجل و انطفأ على الفور , فصار يدبّدب على كلتا يديه و رجليه حتى تكوّر على نفسه في زاوية القبر المظلم , بينما اضيء الجزء الآخر من القبر بسبب النور الذي خرج من عينا تلك المخلوقات التي تشبه قدور النحاس و بلمعةٍ اشبه بالبرق الخاطف , و كانا يحملان بأيديهم عصا من الحديد الثقيل المدبّب !
ثم اقتربا من الجثة و صاح احدهم صيحة جعلت الرجل الحيّ يغلق اذناه بكلتا يديه , و هو يشاهد اثر تلك الصيحة على الميت حيث تكسّرت عظامه و خرجت اعضائه من مفاصله ..
لكن بعد ثواني قليلة عاد كل شيء الى مكانه و استفاق الميت و اعتدل جالساً !
و هنا لم يستطع الرجل الحيّ متابعة ما يحدث فقد سقط على جنبه فاقداً للوعيّ بعد ان هاله المنظر , و مع هذا استطاع استيعاب الحوار الذي دار بينهم و بين الميت
الملك بصوتٍ يشبه الرعد القاصف : انا الملك منكر و هذا نكير , و اتينا اليك لسؤالك بعض الأسئلة , فهل انت مستعد ؟
لكن اسنان الميت كانت تصطك مع بعضها بصوتٍ مسموع من شدة الرعب , و لم يستطع الإجابة
فأكمل الملك الثاني (نكير) قائلاً : عماد سعيد !! هآقد ذهبت عنك الدنيا وافضيت إلى معادك , فاخبرنا .. من هو ربك ؟
فردّ الميت بصوتٍ متهدّجٍ خائف : هآ هآ ! لا اذكر .. اقصد لا ادري .. ربما
فيتجاهلان الملكان اجابته المتردّدة , و يسألانه السؤال الذي بعده :
منكر : و ما هو دينك ؟!!
بارتباكٍ واضح : هآ ! لا ادري .. اقصد انا انسان جيد .. انا ..
نكير بغضب : جوابٌ خاطىء !! السؤال الذي بعده .. من نبيك ؟!!
الميت بهلعٍ شديد : لا ادري كنت اقول ما يقوله الناس بالنبي .. ماذا كان اسمه ؟! نسيت..
منكر مقاطعاً و بغضب : لا دريت و لا تليت , لقد فشلت في الإمتحان
ثم يرفع المِرزبة الحديدية التي كان يحملها و يضربه ضربة قوية بين اذنيه ليصرخ الميت بعدها بصوتٍ يصمّ الآذان , جعلت الرجل الحيّ (المرافق) يستعيد وعيه مذهولاً مما يجري حوله !
و هنا يخرج من جسد الميت اجزاءٌ سوداء تتجمّع على شكل عبدٍ أسود الذي مشى ببطء , حتى جلس عند رأس الميت
و هنا يقول نكير :
- هذا العبد يمثّل عملك السيء و هو سيرافقك طوال فترة مكوثك في القبر .. أمّا الآن فسنفتح لك باباً يريك مكانك في جهنم , لترى مصيرك يوم القيامة
فيعترض الميت خائفاً : لكني كنت أتصدّق بمالي لأعمال الخير , ألا يشفع هذا لي ؟
منكر بغضب : أتحاول أن تكذب علينا , كما كذبت على الناس ؟!!
ويكمل نكير كلامه :
- تتبرع بأموالٍ جمعتها بمال الربا
منكر : كما كانت كل أعمالك رياءً , فقط ليقولوا الناس عنك بأنك كريم , و قد قالوا و انتهى الأمر .. لكن الله يحاسب على النوايا و ليس على الأفعال الظاهرة للعيان .. افهمت يا هذا ؟!!
نكير : و عقابك لن ينتهي هنا , فيوم القيامة سيحاسبك الله على كل قرشٍ كسبته و انفقته بالحرام .. و الآن استمتع بالمنظر
ثم فتحت طاقة فوق رأس الميت , خرج منها لهيباً من النار كان كافياً ليشوي وجهه الذي صار يتساقط عنه اللحم , مترافقاً ذلك مع صراخ الميت المرتعب .. هذا عدا عن الرائحة التي فاحت في انحاء القبر و التي كانت تشبه رائحة المجاري النتنة !
و ليس هذا فحسب , بل خرجت من تحت الميت حيّة سوداء ضخمة احاطت بكفنه و صارت تلتفّ عليه الى ان تقعقعت جميع عظامه
و هنا همّ الملكان بالخروج من القبر بعد أن أنهيا واجبهما , لكنهما إنتبها فجأة على الرجل القابع بزاوية القبر !
الملك منكر بدهشة : لحظة ! ..من هناك ؟!
و اقتربا سويّا باتجاه الرجل الذي اغمض عيناه بكلتا يديه المرتجفتين , و لسانه لا يتوقف عن قراءة ما يحفظه من آيات
الملك منكر : من انت يا فلان ؟!
لكن الرجل لم يجيب
الملك نكير يستفسر : أنت لست على لائحة الأموات لهذه الليلة , فمالذي أحضرك الى هنا ؟!
بصوتٍ خافت مرتجف : أنا فريد جاسم .. و أعمل حمّالاً , اساعد الناس في نقل أثاث بيوتهم
منكر : و ماهذا الحبل الذي تضعه على رقبتك ؟
- إنه يساعدني في حمل الأشياء الثقيلة على ظهري
نكير : و هل دفعت ثمنه , ام سرقته ؟
فردّ بخوف : بل هو من عرق جبيني .. أحلف لكم
منكر : أظنه صادق ... طيب مالذي أحضرك الى هنا ؟
الرجل : إنها وصيّة المرحوم .. (و أشار الى الميت) .. هو طلب من ابنه الوحيد ان يجد له شخصاً يرافقه بأول أيام دفنه .. و قد وافقت مرغماً لأن المال الذي ينوي ان يدفعه لي الوريث في الصباح , سيساعدني في دفع ديوني
نكير : و ماذا عن الخمر الذي كنت تشربه ؟
الرجل بدهشة : كانت مرة أو مرتين فقط !
نكير بغضب : بل في كل ليلة كنت تشرب النبيذ الرخيص مع اصحابك
الرجل برعب : و الله لن أفعل هذا ثانية !!
منكر : و ماذا عن نيتك باستخدام مال المكافأة في لعب القمار غداً ؟
باستغراب : كيف تعرفون كل هذا ؟!
نكير : نحن نرى الآن سجل أعمالك , لكن الله من سيحاسبك عليها يوم القيامة
الرجل : و هل ستعاقبونني على أحلامي ؟
منكر بصوتٍ صارم : بل الله يعاقب على النوايا السيئة , ايها السكّير المقامر !!
الرجل و هو يرتجف : تبت و الله تبت , و لن أفعل أيّا من أفعالي السابقة .. صدّقوني
نكير : هل نعطيه فرصة ثانية , أم نجعله يلقى نفس مصيره ؟
و يشير على الجثة التي تحولت الى أشلاء متناثرة هنا و هناك بسبب عصر الأفعى المتواصل لجسده
الرجل و هو يبكي : و الله تبت ... تبت و الله العظيم
و ظلّ يبكي الى أن أُغميّ عليه
***
في الصباح..
لاحظ كلاً من حفّار القبور و الغني بعد فتح غرفة المدفن , بأن الفقير الذي كان ينام متكوّراً على نفسه بالزاوية قد اشتعل رأسه شيبا !
فتقدّم اليه الحفّار و وكزه قائلاً :
- استيقظ يا هذا ..
(ثم سأل الغني) .. ماذا كان اسمه يا سيد ؟
وقال وريث الميت الذي كان يقف عند باب المدفن : و الله لا أذكر .. لكن هل معقول أنه مات هو أيضاً ؟!
فيمرّر الحفّار اصبعه تحت انف الرجل الغائب عن الوعي :
- لا مازال يتنفس .. هيا يا رجل استيقظ !!
و ما أن فتح الرجل عيناه , حتى أغمضهما مجدداً بكلتا يداه و هو يصرخ بألم :
- آآيييّ .. عينايّ !!
فرمى الوريث الغني شاله الصوفي للفقير : خذّ !! حاول ان تحمي عيناك بعد عتمة القبر
و بعد أن وضع الحمّال الشال على رأسه بطريقة تحمي عيناه .. نظر حوله مستفسراً :
- ماذا حصل ؟!
الوريث : انت من عليك اخبارنا..هآ كيف كانت الليلة الأولى في قبر ابي ؟
فتذكّر الرجل الفقير كل ما حصل معه البارحة , فانتفض جسده برعب و أسرع بالخروج حبواً خارج المدفن و لحقه الوريث , بينما تمّتم حفّار القبر بدهشة : ماذا حصل له ؟!
و ما أن خرجا حتى اقترب الحفّار اكثر من اللحد ليرى جسد الميت مفتّتاً الى اجزاءٍ متناثرة , فسأل الرجل :
- لما الميت مقطعاً هكذا ؟!
و خرج و اخبر ابن الميت بما رأى
الوريث بغضب : ماذا فعلت بأبي يا هذا ؟!
فانفجر الرجل غاضباً : أفعاله السيئة هي من فعلت به ذلك
و قبل أن يستفسر الإبن أكثر , قاطعه حفّار القبور بعد أن سمع باب المدافن الرئيسي يُفتح :
- سيدي لنأجّل هذا الحديث لاحقاً .. عليّ أن اقفل غرفة المدفن فوراً , فما فعلناه مخالفاً للقوانين , و سأخسر بذلك عملي
فأشار الوريث له بيده موافقاً , و أقفل العامل المدفن الخاص بالغني .. بينما اتجه الإبن الى الحمّال الذي كان ينفض التراب عن ثيابه متضايقاً
و مدّ الغني يده حاملاً ظرفاً به المبلغ المتفق عليه سابقاً :
- خذّ !! هذا مالك كما اتفقنا
لكن ردّة فعل الفقير فاجأته , حيث صرخ قائلاً :
- لا أريد أموالكم القذرة !!
بدهشة : ماذا قلت ؟!
الرجل : قلت لا أريد أيّ شيء .. فملكا الموت ظلاّ لساعات يحقّقان معي بسبب لفّة حبل , فكيف تريدني أن أتنعّم من مالٍ أتى من الحرام !!
الوريث بغضب : اخفض صوتك يا هذا , و الاّ ضربتك !!
فأدار الرجل ظهره مغادراً المقبرة بعد أن رمى شال الغني على الأرض , و قال صارخاً :
- اذهب انت و والدك الى الجحيم !!!
و قد عُرف هذا الحمّال لاحقاً بحسن اخلاقه و دينه بعد ان غيرت هذه الليلة مسار حياته .. و يقال انها قصة حقيقية من الموروث الشعبي
ليلتي مع الجثة
و بعد ساعتين استيقظ على حركةٍ ما , و كأن شيئاً يزحف بقربه !
فتمّتم بخوف : ماذا يحصل هنا ؟!
و قرّب قنديله من مكان الجثة ليتفاجأ بفكّ الميت متدني للأسفل , و عيناه فتحتا على وسعها , كما لاحظ و كأن الميت ادار بوجهه ناحية الزاوية المظلمة من القبر !
الرجل بدهشة : كيف تحرّك هذا الميت ؟!
ثم اقترب من الجثمان المسّجى فوق اللحد , و قال له :
- على ماذا تنظر يا هذا ؟!
ووجّه قنديله نحو تلك الزاوية ليرى مخلوقين ليسا ببشر و لا حتى شياطين يحفران جانباً من القبر بأنيابهم التي تشبه لهب النار , و قد تمكنا بواسطتها اختراق القبر , حيث بديا (مع ضوء القنديل الضعيف) و كأنهما يمشيان فوق شعورهم الطويلة , وكان سواد بشرتهم مائلاً للزرقة !
و هنا سقط القنديل من يد الرجل و انطفأ على الفور , فصار يدبّدب على كلتا يديه و رجليه حتى تكوّر على نفسه في زاوية القبر المظلم , بينما اضيء الجزء الآخر من القبر بسبب النور الذي خرج من عينا تلك المخلوقات التي تشبه قدور النحاس و بلمعةٍ اشبه بالبرق الخاطف , و كانا يحملان بأيديهم عصا من الحديد الثقيل المدبّب !
ثم اقتربا من الجثة و صاح احدهم صيحة جعلت الرجل الحيّ يغلق اذناه بكلتا يديه , و هو يشاهد اثر تلك الصيحة على الميت حيث تكسّرت عظامه و خرجت اعضائه من مفاصله ..
لكن بعد ثواني قليلة عاد كل شيء الى مكانه و استفاق الميت و اعتدل جالساً !
و هنا لم يستطع الرجل الحيّ متابعة ما يحدث فقد سقط على جنبه فاقداً للوعيّ بعد ان هاله المنظر , و مع هذا استطاع استيعاب الحوار الذي دار بينهم و بين الميت
الملك بصوتٍ يشبه الرعد القاصف : انا الملك منكر و هذا نكير , و اتينا اليك لسؤالك بعض الأسئلة , فهل انت مستعد ؟
لكن اسنان الميت كانت تصطك مع بعضها بصوتٍ مسموع من شدة الرعب , و لم يستطع الإجابة
فأكمل الملك الثاني (نكير) قائلاً : عماد سعيد !! هآقد ذهبت عنك الدنيا وافضيت إلى معادك , فاخبرنا .. من هو ربك ؟
فردّ الميت بصوتٍ متهدّجٍ خائف : هآ هآ ! لا اذكر .. اقصد لا ادري .. ربما
فيتجاهلان الملكان اجابته المتردّدة , و يسألانه السؤال الذي بعده :
منكر : و ما هو دينك ؟!!
بارتباكٍ واضح : هآ ! لا ادري .. اقصد انا انسان جيد .. انا ..
نكير بغضب : جوابٌ خاطىء !! السؤال الذي بعده .. من نبيك ؟!!
الميت بهلعٍ شديد : لا ادري كنت اقول ما يقوله الناس بالنبي .. ماذا كان اسمه ؟! نسيت..
منكر مقاطعاً و بغضب : لا دريت و لا تليت , لقد فشلت في الإمتحان
ثم يرفع المِرزبة الحديدية التي كان يحملها و يضربه ضربة قوية بين اذنيه ليصرخ الميت بعدها بصوتٍ يصمّ الآذان , جعلت الرجل الحيّ (المرافق) يستعيد وعيه مذهولاً مما يجري حوله !
و هنا يخرج من جسد الميت اجزاءٌ سوداء تتجمّع على شكل عبدٍ أسود الذي مشى ببطء , حتى جلس عند رأس الميت
و هنا يقول نكير :
- هذا العبد يمثّل عملك السيء و هو سيرافقك طوال فترة مكوثك في القبر .. أمّا الآن فسنفتح لك باباً يريك مكانك في جهنم , لترى مصيرك يوم القيامة
فيعترض الميت خائفاً : لكني كنت أتصدّق بمالي لأعمال الخير , ألا يشفع هذا لي ؟
منكر بغضب : أتحاول أن تكذب علينا , كما كذبت على الناس ؟!!
ويكمل نكير كلامه :
- تتبرع بأموالٍ جمعتها بمال الربا
منكر : كما كانت كل أعمالك رياءً , فقط ليقولوا الناس عنك بأنك كريم , و قد قالوا و انتهى الأمر .. لكن الله يحاسب على النوايا و ليس على الأفعال الظاهرة للعيان .. افهمت يا هذا ؟!!
نكير : و عقابك لن ينتهي هنا , فيوم القيامة سيحاسبك الله على كل قرشٍ كسبته و انفقته بالحرام .. و الآن استمتع بالمنظر
ثم فتحت طاقة فوق رأس الميت , خرج منها لهيباً من النار كان كافياً ليشوي وجهه الذي صار يتساقط عنه اللحم , مترافقاً ذلك مع صراخ الميت المرتعب .. هذا عدا عن الرائحة التي فاحت في انحاء القبر و التي كانت تشبه رائحة المجاري النتنة !
و ليس هذا فحسب , بل خرجت من تحت الميت حيّة سوداء ضخمة احاطت بكفنه و صارت تلتفّ عليه الى ان تقعقعت جميع عظامه
و هنا همّ الملكان بالخروج من القبر بعد أن أنهيا واجبهما , لكنهما إنتبها فجأة على الرجل القابع بزاوية القبر !
الملك منكر بدهشة : لحظة ! ..من هناك ؟!
و اقتربا سويّا باتجاه الرجل الذي اغمض عيناه بكلتا يديه المرتجفتين , و لسانه لا يتوقف عن قراءة ما يحفظه من آيات
الملك منكر : من انت يا فلان ؟!
لكن الرجل لم يجيب
الملك نكير يستفسر : أنت لست على لائحة الأموات لهذه الليلة , فمالذي أحضرك الى هنا ؟!
بصوتٍ خافت مرتجف : أنا فريد جاسم .. و أعمل حمّالاً , اساعد الناس في نقل أثاث بيوتهم
منكر : و ماهذا الحبل الذي تضعه على رقبتك ؟
- إنه يساعدني في حمل الأشياء الثقيلة على ظهري
نكير : و هل دفعت ثمنه , ام سرقته ؟
فردّ بخوف : بل هو من عرق جبيني .. أحلف لكم
منكر : أظنه صادق ... طيب مالذي أحضرك الى هنا ؟
الرجل : إنها وصيّة المرحوم .. (و أشار الى الميت) .. هو طلب من ابنه الوحيد ان يجد له شخصاً يرافقه بأول أيام دفنه .. و قد وافقت مرغماً لأن المال الذي ينوي ان يدفعه لي الوريث في الصباح , سيساعدني في دفع ديوني
نكير : و ماذا عن الخمر الذي كنت تشربه ؟
الرجل بدهشة : كانت مرة أو مرتين فقط !
نكير بغضب : بل في كل ليلة كنت تشرب النبيذ الرخيص مع اصحابك
الرجل برعب : و الله لن أفعل هذا ثانية !!
منكر : و ماذا عن نيتك باستخدام مال المكافأة في لعب القمار غداً ؟
باستغراب : كيف تعرفون كل هذا ؟!
نكير : نحن نرى الآن سجل أعمالك , لكن الله من سيحاسبك عليها يوم القيامة
الرجل : و هل ستعاقبونني على أحلامي ؟
منكر بصوتٍ صارم : بل الله يعاقب على النوايا السيئة , ايها السكّير المقامر !!
الرجل و هو يرتجف : تبت و الله تبت , و لن أفعل أيّا من أفعالي السابقة .. صدّقوني
نكير : هل نعطيه فرصة ثانية , أم نجعله يلقى نفس مصيره ؟
و يشير على الجثة التي تحولت الى أشلاء متناثرة هنا و هناك بسبب عصر الأفعى المتواصل لجسده
الرجل و هو يبكي : و الله تبت ... تبت و الله العظيم
و ظلّ يبكي الى أن أُغميّ عليه
***
في الصباح..
لاحظ كلاً من حفّار القبور و الغني بعد فتح غرفة المدفن , بأن الفقير الذي كان ينام متكوّراً على نفسه بالزاوية قد اشتعل رأسه شيبا !
فتقدّم اليه الحفّار و وكزه قائلاً :
- استيقظ يا هذا ..
(ثم سأل الغني) .. ماذا كان اسمه يا سيد ؟
وقال وريث الميت الذي كان يقف عند باب المدفن : و الله لا أذكر .. لكن هل معقول أنه مات هو أيضاً ؟!
فيمرّر الحفّار اصبعه تحت انف الرجل الغائب عن الوعي :
- لا مازال يتنفس .. هيا يا رجل استيقظ !!
و ما أن فتح الرجل عيناه , حتى أغمضهما مجدداً بكلتا يداه و هو يصرخ بألم :
- آآيييّ .. عينايّ !!
فرمى الوريث الغني شاله الصوفي للفقير : خذّ !! حاول ان تحمي عيناك بعد عتمة القبر
و بعد أن وضع الحمّال الشال على رأسه بطريقة تحمي عيناه .. نظر حوله مستفسراً :
- ماذا حصل ؟!
الوريث : انت من عليك اخبارنا..هآ كيف كانت الليلة الأولى في قبر ابي ؟
فتذكّر الرجل الفقير كل ما حصل معه البارحة , فانتفض جسده برعب و أسرع بالخروج حبواً خارج المدفن و لحقه الوريث , بينما تمّتم حفّار القبر بدهشة : ماذا حصل له ؟!
و ما أن خرجا حتى اقترب الحفّار اكثر من اللحد ليرى جسد الميت مفتّتاً الى اجزاءٍ متناثرة , فسأل الرجل :
- لما الميت مقطعاً هكذا ؟!
و خرج و اخبر ابن الميت بما رأى
الوريث بغضب : ماذا فعلت بأبي يا هذا ؟!
فانفجر الرجل غاضباً : أفعاله السيئة هي من فعلت به ذلك
و قبل أن يستفسر الإبن أكثر , قاطعه حفّار القبور بعد أن سمع باب المدافن الرئيسي يُفتح :
- سيدي لنأجّل هذا الحديث لاحقاً .. عليّ أن اقفل غرفة المدفن فوراً , فما فعلناه مخالفاً للقوانين , و سأخسر بذلك عملي
فأشار الوريث له بيده موافقاً , و أقفل العامل المدفن الخاص بالغني .. بينما اتجه الإبن الى الحمّال الذي كان ينفض التراب عن ثيابه متضايقاً
و مدّ الغني يده حاملاً ظرفاً به المبلغ المتفق عليه سابقاً :
- خذّ !! هذا مالك كما اتفقنا
لكن ردّة فعل الفقير فاجأته , حيث صرخ قائلاً :
- لا أريد أموالكم القذرة !!
بدهشة : ماذا قلت ؟!
الرجل : قلت لا أريد أيّ شيء .. فملكا الموت ظلاّ لساعات يحقّقان معي بسبب لفّة حبل , فكيف تريدني أن أتنعّم من مالٍ أتى من الحرام !!
الوريث بغضب : اخفض صوتك يا هذا , و الاّ ضربتك !!
فأدار الرجل ظهره مغادراً المقبرة بعد أن رمى شال الغني على الأرض , و قال صارخاً :
- اذهب انت و والدك الى الجحيم !!!
و قد عُرف هذا الحمّال لاحقاً بحسن اخلاقه و دينه بعد ان غيرت هذه الليلة مسار حياته .. و يقال انها قصة حقيقية من الموروث الشعبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق