تأليف : امل شانوحة
الحكم الفاسد
في إحدى الدول الأوروبيّة .. ارسل رئيس بلديّة العاصمة خطاباً لرئيس حكومته يخبره عن زيادة عدد الغجر في مدينته ، مما يضرّ السياحة بسبب امتهانهم الشحاذة والسرقة !
فأعطاه الحاكم صلاحيّة القيام بكل ماهو ضروري للحدّ من انتشارهم
^^^
بعدها بأيام.. واثناء جلوس صبيٌّ غجري مع امه ، للشحّاذة على جانب الطريق .. سألها ابنها بقهر :
- امي ، لما نحن منبوذين في كل مكانٍ نذهب اليه ؟! لما تكرهنا جميع الدول ، وتمنعنا الحكومات من تملّك المنازل والأراضي ؟
- هذا قدرنا .. فنحن من ذريّة كين الذي قتل شقيقه ، فعاقبه الله بالشتات هو وذريّته
الأبن باستغراب : تقصدين قابيل ؟! الم يغرقوا بطوفان النبي نوح ؟
- لا ادري يا بنيّ .. وهناك قولٌ آخر : ان جد الغجر هو من صنع مسامير صلب المسيح ، لهذا يكرهنا الأوربّيون المسيحيون..
الأبن : وماذا عن الأسطورة التي تردّدها جدتي ؟ بأن الربّ في بداية الخليقة اثناء توزيعه الشعوب على البلاد ، إلتهينا عنه بالرقص والغناء .. فعاقبنا بالشتات لآخر حياتنا ، هل هي صحيحة ؟
- لا اظن ، فكبار السن يحاولون تبرير بؤسنا بالخرافات .. والحقيقة ان معظمنا أميّون وعدوانيون ، لهذا منبوذون
الولد : لكن يوجد منا من يتقن الصيد ورعاية الحيوانات والمهن اليدويّة والعاب الخفّة والسيرك والطبّ الشعبي !
- لا احد يقدّر ذلك ، لهذا تمّ اضطهادنا كثيراً بعصر العبوديّة والحربيّن العالميّن..
- الهذا لا نملك اوراقاً رسميّة وثبوتيّة ، ويعيش معظمنا بمنازل متنقلة وخيام وعربات الأحصنة ؟!
الأم بحزن : للأسف ، هذا قدرنا !
واثناء حديثهما ، تفاجآ بشابٍ يعطيهما شطيرتيّن ساخنتيّن ! فشكراه وهم يدعيان له بطول العمر .. وتناولاها بنهم من شدّة جوعهما ، وبسبب مذاقها اللذيذ شعرا بالنشاط والحيويّة طوال النهار !
^^^
لكن لم يعلما بأن العساكر (المتنكّرين بهيئة شبابٍ عادية) هم من وزّعوا الشطائر المجانية على كل الغجر المنتشرين بالعاصمة ، الذين ما أن تجمّعوا مساءً في اكواخهم (المبنيّة بطريقةٍ غير شرعيّة) حتى عانوا من اوجاعٍ مُبرحة !
ومع شروق الشمس ، مات العديد من اطفالهم وعجائزهم ! بينما تمكّن طبيبهم الشعبيّ من إنقاذ البقيّة من التسمّم الغذائي ، بعد اكتشافه بأن الشطائر فيها سمّ بطيء المفعول ..
مما أزعج قائدهم الذي عرف بأن رئيس البلديّة وراء ذلك ، فهو هدّده الشهر الماضي بالقضاء على اتباعه ان لم ينسحبوا من العاصمة بعد اضرارهم بالسياحة العامة !
فانفجر غاضباً :
- يظن اعدادنا قليلة .. سأريه وأري العالم من نكون !!
***
وبدأ بتجميع الغجر من كل المدن المجاورة اولاً ، والذين ساهموا في احتلال العاصمة .. مما أجبر سكّانها على الهرب للقرى الجبليّة ..
ولم يكتفي قائد الغجر بذلك ، بل اعلن بالإذاعة الوطنيّة (بعد إحتلال مبناها) عن رغبته بجمع الغجر من كل ارجاء العالم ، مُعلناً هذه الدولة الأوروبيّة الزراعيّة بلدتهم رسميّاً !
في البداية ، لم يعتقد حاكم الدولة بأن تهديده حقيقياً .. لكن بعد سقوط المدينة تلوّ الأخرى .. خصوصاً بعد انضمام 10 ملايين غجري امثال : (قبيلة الرّوما القادمين من اوروبا الشرقية..والفلاكس من رومانيا .. وغجر البلقان من اوكرانيا وبلغاريا ..وغجر الكالو من اسبانيا .. ورومن الكاربت من تشيك وسلوفاكيا..والدومر من الشرق الاوسط) بالإضافة لقراصنة الغجر الذين احتلّوا شواطئ الدولة ، بعد طردهم الجيش والقوى الأمنية خارج دولتهم .. خسرت اوروبا هذه الدولة نهائياً التي اصبح سكّانها الأصليين لاجئين في الدول المجاورة!
بينما استغلّ حكّام العالم ما حصل ، بتسهيل سفر الغجر من بلادهم الى دولتهم الجديدة للتخلّص منهم ، فمعظمهم عاطلي عن العمل ولصوص وشحاذين .. وبذلك تحقّق حلم الغجر بأن يكون لهم موطن يجمعهم ضمن حدودٍ دوليّة !
^^^
وفي حفلٍ عام .. اعلن قائد الغجر : وقف العمل في الدوائر الرسميّة .. قائلاً بفخر :
- لطالما استحقرونا واشمئزّوا منا .. لكننا سنريهم حياتنا الجميلة .. لا عمل بعد اليوم .. فقط احتفالاتٍ دائمة !!
فهللّ شعبه فرحاً ..
***
وبسبب نقل اعلام الغجر لإحتفالاتهم الغنائيّة الراقصة والصاخبة ، حفّزت شباب الدول الأوروبيّة للوصول لدولة السعادة (كما سمّاها قائد الغجر) لكن دولهم منعتهم بالقوة : بعد زرعهم الألغام البرّية والبحريّة ، ووضع الأسلاك الشائكة على الحدود الفاصلة بين الدولتيّن ، مع وقف الطيران والقطارات الوصول اليهم !
بينما تابع الشعب الغجري احتفالاته طوال الليل ، والنوم طوال النهار
***
وبعد عام ، ابلغ مساعد القائد بأن خزينتهم أفلست تماماً .. وأن مخزون الغذاء انتهى من كل ارجاء الدولة ، بعد ان ذبلت المزروعات ونفقت المواشي لعدم الإهتمام بهما
فحاول إجبار شبابه على الزراعة من جديد ، لكن لا خبرة لهم بهذا المجال
فطلب قائد الغجر المساعدة من الدول المجاورة ، الذين رفضوا ذلك .. وسرعان ما انتشرت الفوضى في بلاده .. وبدأ اقوياء الغجر بسرقة المواد الغذائيّة من فقرائهم ، وصولاً لقتلهم وحرق اكواخهم .. مما جعل اهالي الغجر ينقلبون على قائدهم غاضبين :
- انت جمعتنا في هذا الفخ المميت ، كنا نعيش بشكلٍ افضل عندما كنّا مُتفرّقين بأنحاء العالم !!
وبسبب انهيار الأمن في البلاد .. إقترح رئيس البلديّة القديم على حاكمه بغزّوهم ، وإعادة البلاد الى حكمه ..
فاستعان الحاكم القديم بالقوّة العسكريّة للدول الأوروبيّة الذين ساعدوه بحرب ما تبقى من الغجر الذين يعانون من سوء التغذية ، مما أجبر معظمهم على الهرب عبر البحر .. حيث تمكّن القلّة من الوصول سرّاً لشواطئ الدول المجاورة ، بينما البقية غرقوا بين الأمواج العاتية !
بينما فضّل الآخرين العودة لقرصنة السفن التجاريّة .. اما من اعتصم في الداخل ، فقد زجّوا في السجون بعد خسارة دولتهم .. بعد اعدام قائدهم امام الشعب الأصليّ الذي عاد الى دولته اخيراً
^^^
وفي يوم حفل التحرير الوطنيّ .. تابع ابن قائد الغجر كلام رئيس البلديّة (من جواله ، بعد وصوله لاجئاً لدولةٍ مجاورة) وهو يقول امام الشعب :
((لا تقلقوا !! سنعيد بناء مدينتنا من جديد .. فالأغبياء الغجر !! لم يفهموا انه لا يمكن بناء دولة دون عملٍ وجهد .. وأدّى كسلهم وإحتفالاتهم الدائمة الى انهيار دولتهم ، بعد إبادتنا العديد منهم .. وبذلك تخلّصنا من تلك الآفة القذرة للأبد !!))
فقال ابن القائد الغجر بإصرارٍ وحنق :
- أتعدّنا آفة ، ايها المُتعالي ؟ حسابك سيكون عسيراً .. فقد قرّرت بناء دوّلتي من جديد ، وجمع شتاتنا من انحاء العالم .. وهذه المرّة لن اعيد اخطاء والدي .. وسأريهم قوّة الغجر بعد الإستعانة بساحراتنا وبصّاراتنا اللآتي رفض والدي الأخذ بمشورتهن .. كما مهاراتنا بالسرقة والإغتيالات ونشر الإشاعات المسيئة .. حينها لن يهزمنا احد !!
وابتسم بخبث !
فكره جديده تماما وغريبه وسرد بسيط ولطيف ايضا ومعلومات قيمه احسنت امل
ردحذفسعيدة انها اعجبتك .. سأحاول ان تتحسّن القصص تدريجياً بإذن الله
حذفaلم اقل انها بحاجه لتحسين هي جيده حقا ككل قصصك استاذتنا .
ردحذفشكراً لذوّقك
حذفإنّ مظلومية الغجر وسوء سمعتهم وشتاتَ حالِهم بعد أن هاجروا من شرق العالم لغربه، خاصّةً الهند، لهي قضية تثير تساؤلات إنسانية. وفي هذا العالم الظالم عديدُ الأمثلة على ذلك فَهِبْ مثالًا طبقة الداليت في الهند والفلسطينيين وتركستان الشرقية، حيث العنصرية وسوء الحال المُدبّر حكوميًّا بل الإبادة والتعذبب أحيانًا.
ردحذففي القصة، تلذّذتُ بكلُّ سطر خاصة انقلاب الحال (بلوت تويست متعوب عليها) واستحقرت مشاهد الظلم والتسميم الغذائي واستحضرت تسميم المغضوب عليهم لآبار المياه بدايةَ النكبة. وعلى كل حال، لم يكن الغجر في القصة أكثر من بليدين ولم تُجدِ ثورتهم أكثر من رفاه مؤقّت ما لبث أن اُستُحْسِنَ الشتات السابق في مُحاذاته.
الفِقرة الأخيرة أعلمتنا أن شخصيات القصة لم تتغير، فالتعلم وتحسين العقلية خيرُ منهج ويا طامّتهم ينسون أن هناك روبوتات قتالية ويلجأونَ للطلاسم!
شكراً استاذ فادي على التحليل الرائع .. تحياتي لك
حذفعندما يتوارث الاجيال مهنه غير منتجة فانهم يموتون مع اندثار المهنه ويتحولون الى فيران التجارب البشرية القذرة
ردحذفكلام صحيح
حذفنحن نتعلم منك أستاذة أمل بارك الله فيك
حذفشكراً لتواضعك ، اخ عدنان
حذفحائكة الأحلام
ردحذفالسلام عليك أختي أمل قصة أعجبتني نعم عندما يجتمع التسرع والغباء وقلة الخبرة هذه النتيجة ولو مهما عملو سيبقى حالهم هكذا على مر الظهر بتصرفاتهم الطائشة شكرا
رغم ان عددهم يزيد عن 10 ملايين ، ومع ذلك لم ينجح احد منهم ثقافياً او علمياً او حتى شهرة اعلامية .. وكل حياتهم تعتمد على السرقات والشحاذة وإنجاب اطفال بالحرام .. شعب غريبٌ فعلاً ، وبلاء حقيقي على كل العالم !
حذف