الاثنين، 7 أبريل 2025

فريق الخالة العربية

تأليف : امل شانوحة 

ابطال السلّة


في بلدٍ اوروبيّ ، عاشت امرأة عربيّة وحدها في مجمّعٍ سكنيّ بمنطقةٍ فقيرة .. حيث عملت في مصنعٍ للأغذية ، لمساعدة اهلها في الوطن .. ولم تكن حياتها في الغربة سهلة ، لتجنّب السكّان المحلّيين التعامل معها كونها محجّبة ! 

^^^


وذات يوم ، بعد عودتها من العمل .. شاهدت ستة اولاد (في مرحلة المتوسطة) يحاولون رميّ كرةً قديمة داخل السلّة (عبارة عن حلقة حديديّة صدئة دون شبكة) 


فتوجّهت لمحل الألعاب الوحيد في المنطقة ، لشراء كرةً أصليّة مع شبكتيّن جديدتيّن.. 

ثم اقتربت من الأولاد وهي تنادي :

- من منكم قائد الفريق ؟!! 


فرفع احدهم يده.. فرمت له الكرة :

- تدرّبوا جيداً يا ابطال !! وسأرسل حارس عمارتي ، لتركيب شباك السلّتيّن


وتركتهم يهلّلون فرحاً ، وهم يتنافسون ضمن فريقيّن على رميّ الكرة الجديدة في ملعبهم الرمليّ ، المتواجد وسط المساكن القديمة

***


في اليوم التالي ، مرّت بجانبهم .. فسألتهم عن الفرق التي يشجّعونها بكرة السلّة ؟

فاختار ثلاثة منهم فريقاً دوليّاً ، بينما الثلاثة الآخرين اختاروا فريقاً وطنيّاً.. 

فتركتهم يكملون لعبتهم.. وقطعت الشارع 

^^^


لتعود بعد قليل ومعها كيسٌ كبير ، وهي تقول لاهثة :

- آسفة على التأخير ، لكن المتجر الرياضي بعيداً من هنا

وأخرجت قميصيّن مختلفيّن :

- إشتريت ثلاثة من كل فريق.. هيا إلبسوها ، لتصبحوا فريقيّن متنافسيّن


فتجمّعوا حولها ، وهم ينظرون بصدمة للملابس الرياضيّة ! فمن الصعب على اهاليهم شراء الكماليات ، لعملهم طوال النهار في المزارع المجاورة بأجرةٍ بسيطة  


ثم تركتهم يكملون لعبتهم بحرّية ، طالما انها إجازتهم الصيفيّة.. وأكملت طريقها الى مبناها القريب من ملعبهم القديم

***


بعدها بأيام .. أطلّت من نافذة شقتها ، وهي تناديهم :

- انتم تلعبون منذ ساعتيّن !! الم تجوعوا بعد ؟!

- بلى يا خالة !!


فأنزلت كيساً مربوطاً بحبل من طابقها الثالث :

- اذاً تناولوا هذه الحلوى !! فهي ستشبعكم ، وبنفس الوقت تعطيكم الطاقة لإكمال تمريناتكم


فشكروها بامتنان لشرائها الشوكولا الفاخرة ، بدل النوع الرخيص الذين اعتادوا عليه !

^^^


ولم تكتفي بالحلوى .. بل أدخلتهم من وقتٍ لآخر الى شقتها ، لإطعامهم الأكل العربي الذي أعجبهم مذاقه الفريد من نوعه !

حتى انها استأذنت اهلهم ، لأخذهم لمدينة الملاهي التي كانت حلماً بالنسبة لهم ! 

***


وفي نهاية الشهر ، وبعد عودتها من المصنع .. سمعت الجارة توبّخ احدهم ، وهي تلوّح بالعصا :

- سأبلّغ والدك على كسرك نافذتي بكرتك اللعينة !!

فاقتربت منها وهي تسألها : 

- كم سيكلّفك تصليح النافذة ؟

فردّت الجارة بلؤم : وما دخلك ايتها العربيّة ؟!

- انا اشتريت لهم الكرة ، وانا المسؤولة عن الأضرار

- اذاً هاتي ١٠٠ دولار

فاعترض الصبي :

- لكن نافذتك صغيرة ، ولا تكلّف كل هذا المبلغ !

فردّت العربيّة : لا بأس عزيزي


وأخرجت المبلغ من حقيبتها (التي كانت تنوي ارساله لأهلها) وأعطته للجارة التي عادت الى منزلها ، وهي تتمّتم غاضبة من مشاغبتهم المتتالية !

^^^


فاقترب الصبي من العربية ، وهو يعتذر منها .. فمسّدت شعره بحنان ، وهي تقول له ولأصحابه :

- اريدكم فقط ان تكونوا حذرين اثناء اللعب

فردّ قائدهم : نحاول ذلك.. لكن كما ترين ، ملعبنا قريب من منازل الجيران

العربية : اذاً لما لا تنضمّون للنادي القريب من هنا ؟

- لأنه يكلّف كثيراً

- تعالوا نسأل المدير عن مبلغ التسجيل

***


في النادي الرياضيّ ، نظر المدير اليها باشمئزاز :

- وما دخلك ايتها الغريبة بأولاد منطقتنا ؟!

العربية : انا أعتبرهم ابنائي ، واريد مساعدتهم

- سيكلّفك ٦٠٠ دولار بالشهر.. مئة عن كل ولد

فنظرت الى حاسوب مكتبه :

- هل لديك مشاكل تقنيّة او اعمال اداريّة تريد إنجازها ؟

- لما تسألين ؟!

- لأني خبيرة حاسوب ، وهذا عملي بمصنع الأغذية 

المدير : أظنك تحاولين المساومة بمبلغ الإشتراك ؟

- سأدفع نصف المبلغ ..والنصف الآخر ، أقوم بأعمال برمجيّة مجّاناً .. ما رأيك ؟

- بصراحة ، كنت بحاجة لإنشاء ملفّات خاصّة بلاعبي النادي.. (ثم فكّر قليلاً).. حسناً اتفقنا !! ٣٠٠ دولار بالشهر للأولاد الستة ، بالاضافة لعملك التقنيّ

^^^


وبذلك تمكّنت من تسجيل الأولاد بالنادي ، بعد إشتراطها : عدم إهمال دراستهم مع بدء العام الجديد ..وبدوّرهم وعدوها بذلك

***


ومع مرور الأيام .. قلّ لقائها بهم ، لانشغالهم بالدراسة والنادي .. مع مضاعفة عملها بالمصنع.. 


وذات يوم ، تفاجأت بزيارتهم بعد أن طالت قامتهم..

العربية بدهشة : ما شاء الله ! أصبحتم اطول مني .. متى كانت آخر مرة رأيتكم فيها؟! 

فرد قائدهم : سنتان ، وأصبحنا الآن في الثانوية.. وحصلنا جميعاً على منح لإكمال دراستنا بالعاصمة ، بعد تفوّقنا الرياضيّ ..وكلّه بفضلك


وأراد احتضانها ، لكنها أوقفته بابتسامةٍ حنونة :

- أصبحتم شباباً ، ولا يحقّ لي ذلك

- آه نسينا انك مُحجّبة !

الولد الآخر : أردنا وداعك قبل انتقالنا غداً للعاصمة

الولد الثالث بإحراج : ليته بإمكاننا تسديد ديّنك ، قبل ذهابنا ! 

العربية معاتبة : عن أيّ ديّنٍ تتكلّم ؟! انتم بمثابة اولادي

قائدهم : أتدرين انه بمعاملتك الحسنة ، غيّرتي فكرتنا نحو العرب !

العربية : يكفي ان لا تحقدوا علينا.. فكما ترون ، نحن شعبٌ مُحبّ ومسالم ..اتمنى ان لا تنسوا ذلك

- من المستحيل ان ننساك.. فأنت قدّمتي فرصة لم يمنحها لنا أهالينا 

العربية ممازحة : لأني لاحظت موهبتكم الرياضيّة من اول مباراة بالكرة المُنتفخة التي كادت تنفجر في وجوهكم

فضحك الأولاد :

- بالفعل كنا بائسين من دونك

العربية : معاذ الله ، نجحتم بمهارتكم وموهبتكم الفريدة ..وانا متأكدة انكم ستصبحون نجوماً عالميين .. وقريباً جداً ، ستهتف الجماهير بأسمائكم بحماسٍ وفخر 

- ونحن لن نخذل ثقتك بنا

وودّعوها بالدموع .. ثم رحلوا

***


وهم الآن (بعد عشر سنوات من وداعها) أصبحوا بالفعل نجوماً محترفين وأثرياء.. لكنهم لم يلتقوا بها ثانيةً بعد عودتها الى بلادها .. حتى انهم لا يعرفون اسمها الحقيقيّ ! فهم تعوّدوا على مناداتها : بالخالة العربية التي ستبقى ذكراها في قلوبهم طوال حياتهم  


هناك 12 تعليقًا:

  1. aكأنها قصه واقعيه تحياتي استاذه

    ردحذف
  2. إنعدام الأسماء كان لافتًا وهي تقنية استعملها توفيق الحكيم في رواية "راهب الفكر". فالقارئ يجد أن الدلالات والألقاب الاجتماعية هي ما تُدير رسائل ثانوية لا باعَ للكاتب بأن يضمنّها ضمن حوارات (ولو أنها موجودة أيضًا). برأيي، هذا مِلحُ الأدب.

    ثم إن مسعودة ثرائها فاحش بشكل مبالغ به وهذه قنطرة قادتنا لجوهر العمل (وحدِّد بالخط العريض): التشارك والقيادة الغير مباشرة.

    وا أسفاه نعتاز حقًا فِرَقًا تطفق في مواجهة حاضرٍ مسموم.
    قصة لا بأس بها، رياضة ودراما!

    ردحذف
    الردود
    1. لا اجد داعي من ذكر الأسماء ، ان كانت اوصاف ابطال القصة تكفي لفهم المغزى .. شكراً للملاحظة

      حذف
  3. عدنان كردستان اليمن7 أبريل 2025 في 11:09 م

    قصة جميلة
    ليسا معهم معرفة الاسم بل المهم معرفة طريقة معاملتك وانسانيتك
    الدين المعاملة فهى كانت نموذج رائع للاسلام

    ردحذف
    الردود
    1. لوّ كل المغتربين تعاملوا مع الأجانب بالأخلاق العربية الشهمة ، لحصلنا على دعم شعوبهم لقضايانا السياسية ، أفضل من حالتنا المزّرية الآن .. مع الأسف !

      حذف
    2. عدنان كردستان8 أبريل 2025 في 11:32 م

      نحن اليوم لم نحصل على دعم الشعوب العربية لقضايانا السياسية ، فما يحدث بغزة كان اضعف الايمان بان تتوجة الشعوب العربية بالاعتصامات واغلاق السفارة الامريكية والصهيونية التي توجد في بلدهم

      لكن للاسف شعوب مات فيها الاحساس

      حذف
    3. اظن ان الفردوس بالجنة هي مخصّصة للصحابة وأهل غزّة .. رحم الله شهدائهم ، وصبّر الناجين منهم على بلواهم العظيمة

      حذف
    4. عدنان كردستان اليمن9 أبريل 2025 في 12:04 م

      ومسلمين اليمن ايضا

      حذف
    5. ولا ننسى معتقلي السجون التعذيبية في سوريا .. رحم الله اموات المسلمين جميعاً

      حذف
    6. عدنان كردستان9 أبريل 2025 في 11:54 م

      رحمه الله عليهم واسكنهم الجنة ابلاهم الله بحاكم مجرم.

      لكن هناك من يعاني ظروف صعيه ولكن يرفض ان يعيش حياته الصعبه ومسلمين غزة يبادون فيقف وحيد يواجه العالم من اجل الدفاع عن مسلمين غزة
      انهم يشترون الموت من الله بالدنيا من اجل الدفاع عن مسلمين غزة ليعيشوا معهم او يموتوا معهم فان الله سيجمعهم بهم يوم لقاء الله

      هذا نظري الشخصي

      حذف
    7. الله اعلم بالنوايا .. جمعنا الله جميعاً في جنّة الخلد .. اللهم آمين

      حذف

الحبل المعقود

تأليف : امل شانوحة  القدر المكتوب ما ان دخلت العيادة حتى شعرت بشيءٍ غريب نحو الطبيب الوسيم ، ذوّ الكاريزما القوية والنظرة الثاقبة .. وهو يجل...