تأليف : امل شانوحة
القدر المكتوب
ما ان دخلت العيادة حتى شعرت بشيءٍ غريب نحو الطبيب الوسيم ، ذوّ الكاريزما القوية والنظرة الثاقبة .. وهو يجلس بكامل اناقته خلف مكتبه ، كأنه رئيس شركةٍ ضخمة وليس عيادةً خاصة بالأنف والحنجرة والحساسيّة!
فتجمّدت لدى الباب ، قبل ان تسمعه يقول :
- هل تريدين شيئاً يا آنسة ؟
فاستغربت من سؤاله ، فهي حجزت موعداً مع سكرتيرته قبل يومين!
فأجابت : اريد اجراء فحصاً للحساسيّة
وفي البداية شعرت بعدم رغبته فحصها ! لكن ما ان ازالت كمّامتها ، حتى لمعت عينيه ..مُشيراً لها بالجلوس
المريضة : انا اضّطر لوضع الكمّامة مع بداية فصل الربيع ..وأظنني اعاني من حساسيّة حبوب اللقاح المُتطاير في الجوّ
- وماذا يحصل عند خروجك من المنزل ؟
- ليس فقط بالخارج .. حتى في منزلي ، رغم عدم فتحيّ النوافذ في اول اسبوعين من الربيع ..ومع ذلك اعطس باستمرار ، مع رشحٍ مزعج واحمرار العينين
الطبيب : وتريدن إجراء فحص الحساسيّة للتأكد من الأمر ؟
- نعم لوّ سمحت .. بالإضافة لفحص الحنجرة ..فأحياناً اشعر كأنها مسدودة بشيءٍ يُشبه الشعر
فرأته يحاول عدم الضحك..
المريضة : اعرف ما تفكّر فيه ، لست قطة ليمتلئ حلقي بالشعر ..لكن هذا ما أشعر به منذ سنوات.. حتى انني اجد صعوبة ببلع حبوب الأدويّة !
- اذاً إجلسي فوق السرير ..وسأضع انبوباً رفيعاً في فمك ، بنهايته كاميرا صغيرة.. وسنشاهد معاً على الشاشة ، ان كان هناك شيئاً يسدّها بالفعل
- اذاً لوّ سمحت ، أعطني كيساً في حال شعرت بالتقيّوء
الطبيب : كما تشائين
ثم نادى السكرتيرة لمساعدته .. والتي ما ان دخلت ، حتى قالت للمريضة باستغراب:
- لم اركِ تدخلين الى هنا ؟!
المريضة : عفواً لم استأذنك ، لأنني اتيت على الموعد
السكرتيرة : لكن دكتورك لديه ..
وقبل إكمال كلامها ، أشار لها الطبيب بالصمت !
السكرتيرة : انت لديك اجتماع بعد قليل !
الطبيب : مازال هناك ساعة على موعدي .. رجاءً قفي بجانب المريضة ، وامنعيها التحرّك اثناء الفحص
وما ان ادخل الأنبوب ، حتى تغيّرت معالم وجهه وهو ينظر للشاشة امامه !
ثم اخرج الأنبوب على عجل ، مُتوجّهاً لمكتبه .. ليحضر جواله ويعطيه للسكرتيرة :
- اريدك تصوير ما سأفعله الآن.. وحاولي ان يكون الفيديو واضحاً
فخافت المريضة من كلامه :
- عفواً دكتور ! هل هناك مشكلة ؟!
الطبيب بحزم : اريدك ان تغمضي عينيك.. ومهما شعرت بشيءٍ غريب يخرج من فمك ، رجاءً لا تنظري او تتحرّكي حتى اخبرك بذلك
بعدها ادخل شيئاً كالملقاط الحديديّ الطويل في فمها ، قبل سماعها شهقة السكرتيرة المنصدمة مما أخرجه من حنجرتها !
وعندما سمح لها بفتح عينيها .. كان حبلاً بطول المتر ، فيه سبع عقدٍ صغيرة !
وهنا قال الطبيب للسكرتيرة :
- هل صوّرتي ذلك ؟
فردّت بصوتٍ مُرتجف : نعم دكتور !
ثم سألت المريضة :
- كيف استطعت بلع حبلٍ سميك وخشنٍ كهذا ؟!
المريضة بصدمة :
- بالطبع لم افعل ! فأنا اخبرت الطبيب بأنني لا استطيع بلع الأدوية الصغيرة ، فكيف بحبل !!
فسألت السكرتيرة الطبيب :
- ما تفسيرك لحالتها ؟!
الطبيب : كنت شاهدت فيديو باليوتيوب عن حادثةٍ مشابهة .. وأظنه سحر !
المريضة والسكرتيرة بصدمة : ماذا !
الطبيب : أنظرا الى عقد الحبل
السكرتيرة : وكيف وصل الى بطنها ؟!
الطبيب : عن طريق طعامٍ او شرابٍ مسحوريّن .. ليقوم الجن لاحقاً بتحويله الى حبلٍ مليء بعقد التعسير..
ثم سأل المريضة :
- هل تشكّين بأحدٍ يكرهك لهذه الدرجة ؟!
المريضة بضيق : قبل عشرين سنة ، رفضّت خطبة قريبي ..فهدّدني بالعنوسة ! وهآقد وصلت للأربعين ولم اتزوج بعد .. وأظنه نجح في ذلك .. فحياتي مُعسّرة من جميع النواحي ، وليس فقط بموضوع الزواج !.. (ثم تنهّدت بضيق) ..والآن دكتور ، ماذا سأفعل بهذه المشكلة ؟!
الطبيب : سأنظّف الحبل بالمطهّر ، وأضعه بكيسٍ اسود .. وعليك أخذه لشيخٍ مُختصّ بفك السحر
المريضة : اذاً سأذهب للمحكمة الشرعيّة القريبة من هنا ..فهناك شيخٌ أعرفه ، خبير بهذه الأمور
السكرتيرة : كان الله في عونك !
وبعد وضعها كيس الحبل في حقيبتها ، أخرجت جوالها وهي تقول للطبيب:
- هل يمكنك ارسال الفيديو على جوالي ، كيّ يصدّق الشيخ ان الحبل المعقود خرج من فمي ؟
فأخذ رقم جوالها ، مُرسلا الفيديو الغريب .. وهو يتمنّى لها الفرج القريب
***
في المحكمة الشرعيّة ، تفاجأ الشيخ بالفيديو والحبل ! وطلب من موظفٍ لديه تصويره اثناء فكّه العقد ، كيّ يكون عبرة للآخرين (فهو ينوي الإحتفاظ بالفيديو ، بالإضافة لما صوّره الطبيب بالعيادة)
وبالفعل بدأ بتلاوة آياتٍ مُخصّصة لفكّ السحر ، أشعرت المريضة بالدوّار والغثيان.. ثم أخذ ينفخ سور المعوّذات على كل عقدة ، قبل فكّها.. وحين وصل للعقدة الأخيرة ، شعرت بألمٍ شديد في معدتها :
- رجاءً يا شيخ !! توقف عن القراءة ، فمعدتي تكاد تنفجر
الشيخ : هذا بسبب الجني العالق داخلك منذ عشرين سنة.. وهو يحاول الخروج قبل إحتراقه بالقرآن
المريضة بصدمة : أقلت عشرين سنة ؟! يعني شكوكي بقريبي صحيحة
الشيخ : وهل اسم خطيبك السابق هو فلان الفلاني ؟
المريضة : نعم ، هو ابن خالتي .. كيف عرفت ؟!
فنظر الشيخ اليها وإلى موظفه :
- انتما لا تسمعان الجني ، لكنه يتحدّث معي الآن ..
ثم قال لموظفه : تابع التصوير مهما حصل
وبعد قراءته لبعض الآيات واشتداد الم معدتها ، صرخ الشيخ غاضباً:
- خسئت ايها اللعين !!
المريضة بقلق : ماذا هناك ؟!
الشيخ : يريد الجني الخروج من عينك ، وهذا سيصيبك بالعمى ..لهذا سأظلّ اقرأ حتى يخرج من اصبع يدك
وتابع القراءة الى أن صرخت بألم ، بعد انتفاخ اصبعها الصغير واسوداد طرفه :
- يا شيخ توقف !! فالألم لا يطاق ، كأني اضع اصبعي فوق الجمر
الشيخ : هل معك دبّوس ؟
فأخرجت دبوساً من طرحتها .. شكّ به إصبعها .. لينصدموا جميعاً بريحٍ ساخنة ، تخرج منها .. جعلت النافذة تُفتح بقوّة على مصراعيها!
وهنا تنهّد الشيخ بارتياح :
- الحمد الله على سلامتك ..خرج اللعين اخيراً ، والذي كاد ان يكسر نافذة مكتبي !
المريضة : والى اين ذهب ؟!
الشيخ : أخبرني انه ذاهب للإنتقام من قريبك الذي حبسه داخلك ، وحرمه من عائلته لعشرين سنة .. والآن عودي الى بيتك لترتاحي ، فقد انتهى تعسّر حياتك اخيراً
المريضة : رجاءً يا شيخ ، هل يمكنني الحصول على الفيديو ؟ اريد ان اريه لأهلي.. فلا أظنهم سيصدّقوا ما حصل معي اليوم !
وبالفعل حصلت على فيديو علاجها من السحر
***
وفور عودتها الى منزلها ، أخبرت عائلتها بما حصل .. مما اغضب امها التي نشرت الفيديوهيّن بجروب العائلة ، فاضحةً ابن اختها الذي تسبّب بوقف حال ابنتها لسنواتٍ طويلة..
فانهالت عليه الشتائم من كل الأقارب ، دون استطاعته نكران الأمر او الدفاع عن نفسه .. مما أجبره بالنهاية على الإنسحاب من الجروب!
^^^
بعد ساعتيّن ، ضجّ جروب العائلة بخبر وفاته بحادث سير بعد اصطدامه بعامود الإنارة !
ولم يفهم احد ما حصل ، الا هي (بعد ان اخبرها الشيخ بنيّة الجني الإنتقام منه) الذي يبدو انه ظهر له فجأة اثناء القيادة ، جعله يرتبك وينحرف بسيارته نحو الرصيف
^^^
قبل نومها تلك الليلة ، وهي تحمد ربها على انتهاء ازمتها الصحيّة (وعودة تنفّسها بشكلٍ طبيعيّ ، بعد ان كانت تشعر لسنوات ببلاطةٍ حجريّة فوق صدرها) رنّ جوالها ، لتجد رسالة من الدكتور :
((اعرف ان الوقت متأخر ، لكني لم استطع النوم قبل الإطمئنان عليك ..هل فككّتِ سحرك ؟))
فأرسلت له فيديو الشيخ ، وهي تقول :
- بحمد الله ، خرج الجني مني .. ويبدو انه انتقم من قريبي الذي مات اليوم بحادث سيرٍ مُفاجئ !
الطبيب بارتياح : الحمد الله على سلامتك
وكان المفترض ان ينتهي الحديث عند هذا الحدّ.. لكن الطبيب لم يكتفي بالرسائل الخطيّة ، بل اتصل للإطمئنان على صحّتها.. وأكمل محادثته ، الى ان سألها : ان كان لديها حبيب تتمنى الزواج به ، بعد انتهاء ازمتها ؟!
وقد سمعته يتنفّس بارتياح ، بعد ان أخبرته أنها غير مرتبطة بأحد !
ثم بدأ يسألها اسئلةً فرعيّة : كمستوى تعليمها الجامعيّ ؟ وعدد افراد عائلتها ؟ وصولاً لبرجها وهواياتها ؟!
ثم انتبه بمرور ساعة على محادثته معها ! فاعتذر عن مضايقتها ..
وأنهى المكالمة وهو يتمنى لها نومةً هادئة خالية من الكوابيس
***
لكنه عاد لمحادثتها بالليلة الثانية والثالثة ، حتى اعتادت على رسائله كل ليلة ! وكان واضحاً إنجذابه لها.. بالنهاية قال لها :
- اريد إخبارك الحقيقة ..فأنا لست دكتور حنجرة وحساسيّة
بصدمة : ماذا ؟!
- انا رئيس نقابة الأطبّاء .. وقدمت بزيارةٍ مفاجئة لصديقي ، وهو طبيبك الذي ألغى مواعيده ذلك اليوم ، لإجراء جراحةٍ مستعجلة.. وكنت على وشك الخروج من مكتبه ، لحضور اجتماعٍ هام مع مجموعة جرّاحين.. لكن بعد رؤيتك ، فضّلت البقاء .. وجيد انني فعلت
- ولماذا لم تخبرني بأخذ موعدٍ آخر ؟!
الطبيب : لأنك بعد إزالة كمّامتك ، شعرت أنني اعرفك .. وكأنك توأم روحي بالعالم الموازي ! حتى إجاباتك على اسئلتي بمحادثتنا الأولى لم استغربها ، كأني سمعتها من قبل ..
فردّت بخجل : بصراحة الشعور مُتبادل.. فنظرة عينيك الثاقبتيّن عندما رأيتك اول مرة خلف المكتب ، جعلتني اشعر كأني اعرفك من قبل ! فما تفسيرك لهذا الأمر ؟!
- أظنه القدر
- ماذا تقصد ؟
الطبيب : أفكّر بخطبتك ، فهل هناك مانع ؟ أقصد بما انني في منتصف الخمسينات
- وانا لست صغيرةً ايضاً .. وحتماً لن ارفض رئيس نقابة الأطبّاء ، مُحترماً وخلوقاً مثلك
- اذاً اتفقنا .. سآتي مع عائلتي بنهاية الأسبوع
***
وبالفعل تمّ الزواج دون عراقيل !
وفي إحدى الليالي ، قالت له :
- أتدري مالغريب في الموضوع ؟ قريبي سحرني عشرين سنة ، بنيّة عنوستي .. لكنه بالحقيقة ، جعلني بسحره أعاني من آلام الحنجرة والحساسيّة الدائمة.. وقد عاندّت لسنوات من فحص مشكلتي ، لكرهي للمستشفيات.. لكني بالنهاية رضخت لإلحاح عائلتي بعد ان ساءت حالتي.. وإذّ بالقدر يجمعني مع اروع زوجٍ في الدنيا !
زوجها الطبيب : سبحان الله !..((وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)).. فلا احد يستطيع تغيّر القدر
ثم حضنته بحنان .. وهي مُمتنّة لله بإنهاء أزمتها ، بعوضٍ خياليٍّ وساحر يليق بعظمته وجلاله
أعتذر عن الفيديو المزعج ، لكن هو ما جعلني أتخيّل هذه القصة .. أتمنى ان تنال إعجابكم
ردحذفقصه غريبه جدا كأني قرأتها من قبل او عشت احداثها قصه مربكه ومحيره سبحان الله احسنت جدا وللاسف جاءت متأخره
ردحذفلما متأخرة ؟!
حذفالاحتمالات نفسها محيره اكثر من السؤال والمآل فقد تكون تأخرت فنساها الطبيب او ربما الطبيب مات ربما اغلق مشفاه بمنفاه ربما نسيا الاثنين او تناسيا فتآسيا فنساهم زمانهم حتى لم يعد بالامكان العوده ربما هما يهذون من فرط ما لاقيا قبل ان يتلاقيا او ربما كانت هي المتأخره دوما فكانت هكذا نهايتهم اترك لك الخيار
ردحذفيبدو انك عشتي ظروفاً مماثلة ؟!
حذفنعم للاسف عشناها ولكن تناثرت الاحلام وانكفأت الصحاف
ردحذفقصه من اجمل قصصك ينبغي وضعها بالقاءمه البيضاء
ردحذفسعيدة انها اعجبتك
حذفوما يفطر القلب اكثر هو عدم تمييزك لقراؤك
ردحذفالأخ احمد ؟! ام قارئ قديم من موقع كابوس ؟!
حذفنعم يا استاذه اصبت .ربما !
ردحذفأصبت بالشطر الأول من السؤال ، ام الثاني ؟
حذفان كنت لا تريد الإجابة ، لا مشكلة .. بجميع الأحوال ، اهلاً بك في مدونتي
السؤال عسير والطريق هجير والحال مرير اما اوله فلا اذ قد يكون اجرب اقرب غير اني لاسألن الله ان تجزين بإحتضانك للمجذومين ومن لفظتهم الانسانيه وكون بيتكم هذا ملجأ لنا لتمضية الساعات السود ومانعا ايضا من السقوط في المواقع المنحله والساقطه
ردحذفتشاؤمك يشبه تشائم السيد عاصم .. على كلٍ ، مدونتي للجميع ..تحياتي لك
حذف