تأليف : امل شانوحة
المهمّة الصعبة
اثناء وقوف الجندي (الثلاثيني) بجانب كوخه الحديديّ على الحدود الفاصلة بين الدولتيّن ، مسح فمه الملي بالدماء بسبب اصطكاك اسنانه من شدّة البرد مع بدء العاصفة الثلجيّة.. وكان يشعر ايضاً بالجوع والإرهاق ، حين سمع سائق شاحنة نقل (ستيني) يناديه من بعيد :
- ايها الجندي !! إن كنت جائعاً ، فتعال الى بيتي .. هو لا يبعد كثيراً عن هنا
الجندي بصوتٍ مرتفع : لا يمكنني ترك مكان الحراسة !!
- لن يلاحظ احد غيابك بهذه العاصفة الثلجيّة
- سأُطرد من عملي إن لم يجدني الضابط في مكاني
العجوز : لن يترك مكتبه الدافئ للإطمنان عليك بهذا البرد القارص .. هيا تعال لتذوّق طعام زوجتي اللذيذ
فرضخ الجندي لدعوة السائق بعد اشتداد العاصفة ، خاصة بأن الشمس على وشك المغيب
***
وفي الكوخ الذي يبعد نصف كيلو عن مركز تفتيش الحدود.. جلس الشاب في الصالة امام المدفأة ، حين قدمت زوجة العجوز (الخمسينيّة) ومعها شوربة ساخنة :
- خذّ يا بنيّ ، إدفئ معدتك
وكانت هذه اول وجبة ساخنة له منذ ايام ، فهو اعتاد على الشطائر الباردة التي احياناً ينسون إرسالها (مع احد الجنود) لساعاتٍ طويلة !
^^^
وبعد انهاء شوربته .. قالت السيدة :
- ستنتهي طبخة الفاصولياء بعد قليل..ما رأيك لوّ تستحم ، كيّ اغسل ملابسك ؟
الجندي بإحراج : لم استحمّ منذ اسبوعين ، ولم أُحضر معي غيارات
- انت نحيف كزوجي ، سأعطيك بيجاما من عنده .. اما زيّك العسكري ، فستجفّفه نشّافتي الكهربائيّة خلال ساعة
العجوز : هيا يا بنيّ .. إستحمّ ، فالمياه ساخنة
^^^
وبعد نصف ساعة ، خرج من الحمام لتناول العشاء معهما ..
الجندي : والله يا عمّ ، أجمل دشّ في حياتي .. فأنا لم أحظى بمياهٍ ساخنة منذ التحاقي بالجيش !
العجوز : اذاً تناول طعامك ، فزوجتي تهتم الآن بغسل ملابسك
^^^
بعد ساعة.. وضع له العجوز فراشاً صوفيّاً امام المدفأة مع بطانيّة سميكة ..
الجندي : لا ادري حقاً كيف أشكركما ، فأنا لم اشعر بهذا الحنان من قبل !
السيدة بقلق : هل كان والداك قاسيّن عليك ؟!
فتنهّد الجندي بحزن :
- انا يتيم .. اوّ بالأصحّ لقيط .. وجدوني مرميّاً فوق الثلوج ! وعشت 18 سنة بالميتم ، قبل ان يجبروني على تركه .. فأصبحت مُشرّداً بالشوارع لسنتيّن ، الى ان وجدت إعلاناً للإلتحاق بالجيش.. فسجّلت لديهم ، لتوفير السكن والمأكل .. وبعد سنة من تخرّجي ، ارسلوني الى الحدود .. والله يا عمّ اوشكت على الجنون لبقائي وحدي ، وصرت أكلّم نفسي لساعاتٍ طويلة !
العجوز : الا يوجد من يساعدك بالعمل ؟!
- هناك ضابط ومساعديه ، يأتون من وقتٍ لآخر للإطمئنان على سلامة الحدود
السيدة : ومنذ متى وانت هنا ؟!
الجندي : شهران تقريباً .. والغريب انني لم ارى منزلكما من قبل ؟!
السيدة : هو مُخفي خلف التلّ الصغير
العجوز : إخبرنا عن اهميّة عملك ؟
الجندي : للآن مسكت إثنين : احدهما سائق شاحنة مخدّرات.. ولولا لطف ربي لقتلني بسلاحه.. والثاني : مُهاجر غير شرعي.. وحالياً موقوفان بمركز الشرطة.. ونجاحي بتلك المهمّتيّن أشعرني بالفخر ، لخدمة بلادي .. فالضابط اخبرني انه مهما اشتدّت الظروف ، فواجبي هو خدمة الوطن .. وسأفعل ذلك حتى نهاية السنة .. بعدها يستبدلونني بجندي آخر ، حسب اقوال ضابطي !
ثم بدأ بحكّ قدميه بألم ..
السيدة : لاحظت إحمرار اصابعك
الجندي : الحذاء ضيقٌ للغاية ، وأحدهما ممزّق .. لذلك شعرت ببرودة الثلج
فوقفت السيدة وهي تقول :
- سأحضر مرهماً وجوارب سميكة ..
- سلمتي يا خالة
العجوز : كان الله في عونك يا بنيّ ، فمهمّتك صعبة للغاية !
الجندي بضيق : ماذا افعل ؟ هذا قدري .. ربما ولدّت بالثلج ، وسأموت من البرد ايضاً !
- لا تقل هذا ، فمنزلي موجوداً لخدمتك .. متى شعرت برغبة للإستحمام او احسّست بالجوع او اردّت مكاناً دافئاً للنوم ، فتعال الى هنا .. فأنا عملي هو نقل البضائع بين الدولتيّن ، وأقلق كثيراً من بقاء زوجتي وحدها في المنزل ..
وهنا سمعته زوجته .. فقالت وهي تعطي الدواء والجوارب للشاب :
- هذا صحيح ، تعال الينا متى شئت .. فأنت بمقام ابني المرحوم
الجندي بدهشة : متى توفيّ ؟!
العجوز بحزن : كان بمثل عمرك ، وتوفيّ بحادث سير قبل سنتيّن .. ومن وقتها نعيش وحدنا بهذا المنزل الذي بنيناه بأنفسنا
الجندي : لكنه بعيد عن المحال التجاريّة !
السيدة : لا تقلق ، لديّ مؤونة غذائية تكفينا لفصل الشتاء
الجندي : وماذا عن الحيوانات البرّية ؟
العجوز : وضعنا مصائد حول المنزل ، كفيلة بإبعاد الدببة والثعالب عنا
السيدة : نحن تعوّدنا على الحياة الصعبة .. لكن انت ! مازلت شاباً ، وعليك الزواج وبناء عائلة
الجندي بقهر : اساساً لم اشعر بدفء العائلة الا معكما
ولم يُنهي جملته ، حتى حضنته السيدة بحنان ! جعلته ينهار ببكاءٍ مرير ، كأنه كتم مشاعر الإحباط والحزن طوال حياته .. فهي المرة الأولى التي شعر بها بمحبّة الأم ! بينما العجوز يراقبهما بعيونٍ دامعة ، وهو يشعر بالأسى عليه
^^^
وبعد ساعة .. تركاه في فراشه امام المدفأة ، ليحظى بأجمل نومة في حياته : نظيفاً وشبعاً ..ودافئاً من الخارج ، ومن الداخل ايضاً بعد شعوره باهتمام وحب العائلة لأول مرة منذ ولادته التعيسة !
***
في صباح اليوم التالي .. نظر الضابط الى جثة الجندي المُتجمّدة (فوق كرسيه بكوخه الحديديّ) وعلى وجهه ابتسامةً عريضة !
ليسمع مساعده يقول باستغراب :
- يبدو انه شاهد مناماً رائعاً قبل موته !
الضابط : هو بطل ، لم يترك مكانه رغم العاصفة الثلجيّة
ثم طلب من مساعديّه دفن الجثة .. ثم أدّوا التحيّة العسكريّة له ، قبل عودتهم الى مركزهم الدافئ الذي يبعد عدة كيلومترات عن الحدود
^^^
وهناك اتصل الضابط بالمركز ، طالباً إرسال جندياً آخر الى الحدود .. وختم كلامه بالقول :
- ولا تنسوا ان يكون مقطوعاً من شجرة .. ففصل الشتاء عندنا قارصٌ للغاية ، لهذا لا نريد إزعاجاً من الأهالي بمهمّة ابنهم الإنتحاريّة
وبعد إنهاء الإتصال ، تساءل الضابط في نفسه امام مدفأته الكهربائيّة:
((تُرى مالذي شاهده الجندي البائس في منامه ، جعله يموت مُبتسماً لهذه الدرجة؟!))
في كوخه لم يبق غيره قاعدا-فاذا غفى غفاه غير ممدد.
ردحذفهنيءا لك يا بن النحس. ممتازه يااستاذه
هناك مهن صعبة بهذه الحياة ، ومنها جنود الحدود .. كان الله في عون الجميع
حذفتراجيديا الوهم. وغفى حارس الحدود.
ردحذفحقًّا إن في العالم من يعاني المرّ من الصعاب، كان الله في عونهم.
أتذكر مقطع فيديو لعامل في إنتاج الشوكولا، تذوقها للمرة الأولى بدهشة ولذة النعيم.
لكن لي رأي آخر، الجندي خادم لدولة إمّا مطرقة وإمّا سِندان. ولنا في فلسطين أبهى مثال.. فثمة القاتل السادي وثمة المضاد الحيوي له.
أختم قولي بفكرة راودتني في الآونة الأخيرة، درع من مادة نقطة انصهارها لا نهائية! أي أنها مضادة للحرارة وتبعًا لذلك فإنها منيعة ضد الصواريخ. فالتدرع والتجند بها لمجابهة الظلم خيرُ عَسكَر.
طبعاً الجهاد باقي ليوم القيامة .. والله يختار شهدائه مسبقاً ، فهم اهل الفردوس الأعلى .. لكن برأيّ : طالما نحن بعصر التكنولوجيا والطيران الحربي ، فلا مجال لمحاربتهم .. لكننا حتماً سنفوز ان عدنا للحرب البرّية .. فهم جبناء ، وابنائنا يطوقون للشهادة .. وهذه من علامات القيامة : ان نعود آخر الزمن للأسلحة البدائيّة ، والله اعلم !
حذف( : طالما نحن بعصر التكنولوجيا والطيران الحربي ، فلا مجال لمحاربتهم)
حذفمن هذا التفكير تاتي الهزيمة واذا ظلينا ننتظر فانهم سوف يصلون لنا الى بيوتنا
عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، يقول: "{وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة} [الأنفال: 60].. ثم قال : ((ألا إن القُوَّةَ الرَّميُ، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ))
حذفوكان الرمي وقت نزول الأية هو السهام .. لكن الآن هو الطائرات الحربية والمدافع .. ومهما ادّعينا القوة والتجهيز ، فالعدو اقوى منا بكثير بهذا المجال .. حتى القنابل التي يبيعونها لنا ، فيها كود سرّي يبقى معهم ! يعني يستطيعون تفجيرها في مخازننا بأيّة لحظة .. لهذا نحن بمركز ضعف ، ومحاربتهم هو اقرب للإنتحار من الجهاد والإستشهاد
إخبرني ماذا استفادت حماس بعد ابادة اهل غزة ؟! هل برأيك انتصروا ؟!
نعم النصر قادم ، لكن يحتاج لسنوات عدة .. فالله قال في كتابه ((وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا )) .. المرة الأولى : حينما حكوا القدس وضايقوا النصارى في زمن سيدنا عمر .. والمرة الثانية : هي بالفترة الحالية ..
شاهد هذا الفيديو الذي يشرح الآية بدقة :
https://www.youtube.com/watch?v=r3xzyQrn54o
اذاً لن نفوز عليهم قبل اجتماع اليهود من كل انحاء العالم الى فلسطين ، وهذا لن يحدث الا بإجبار جميع الدول المجاورة على التوقيع على اتفاقية السلام ، بعد خسارة معركتنا معهم
لكن فكّر بالأمر على هذا النحو : لوّ كان لديك صراصير في كل منزلك .. الحل الأمثل : هو وضع الطعام المسموم في مكانٍ واحد بمنزلك .. وحينها تقضي عليهم جميعاً .. وهذا بالفعل ما يريده الله : ان يجمعهم بفلسطين لمعركة الذبح الكبرى
لهذا لا تحزن ، سنفوز حتماً .. لكن ليس قبل حصولهم على العلوّ الذي وعدهم الله به في القرآن .. ليس حباً بهم ، بل لتكون حجّة عليهم يوم القيامة .. والله اعلم !
هناك أمريّن فقط استفدنا منهما بحرب غزّة :
حذف1- ان اليهود انكشفوا على حقيقتهم امام الغرب الذي فهموا بإخفاء اعلامهم لفظاعة الإسرائليين مع المسلمين ، لذلك زاد كره الأجانب لليهود .. وهذا سيؤدّي الى مضايقاتهم واعتزالهم في البلاد الغربية ، مما سيجبرهم لاحقاً على السفر الى فلسطين .. كما قال تعالى ((وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا))
2- صبر الفلسطينيون على بلواهم ، جعلت الغرب يطوقون لمعرفة المزيد عن الدين الإسلامي بعد استغرابهم من قوة ايمان اهل غزة ! وهذا ادّى لدخول الآلاف الى الإسلام ولله الحمد
الخاتمة :
ربما اراد الله ان يجمع اهل غزة في الفردوس الأعلى ليحظوا بحياةٍ جميلة ، بدل حياتهم البائسة في فلسطين ..فهنيئاً لهم بالشهادة
(وكان الرمي وقت نزول الأية هو السهام)
حذفاختي القران لكل زمن وليسا لزمن النزول
اخبرتك بقصد الرسول عندما شرح الآية على المنبر وهو السهام .. لكن الآية مقصود بها الآن : هي المدافع والطائرات الحربية .. اظنني اوضحت ذلك بتعليقي السابق
حذفقصص جميلة يا امل كما العادة اليوم قرأت عشر قصص من قصصك لأني منذ فترة غائبة عن صفحتك بسبب هموم الحياة في هذا البلد العيشة في لبنان لم تعد تطاق ابدا بسبب الغلاء الفاحش نمط حياتنا أصبح مثل فنزويلا أعاننا الله على الصبر البارحة ذهبت لمحل الخضار كيلو البندورة ١٤٠ الف و ڨبل اسبوع كان في ٧٥ فقط فما بالك باللحوم أعان الله من لديه اطفال صغار فعلا و أعاننا الله يا امل العزيزة
ردحذفاهلاً بعودتك استاذة مروى .. معك حق ، ان كنا نريد حياة معتدلة في لبنان ، فعلى الأقل 50 دولار في اليوم ! وهذا كثير بالنسبة للرواتب الحالية .. اعان الله من لديهم ايجارات واقساط مدارس .. تحياتي لك
حذفلقد تأملنا بالرئيس الجمهورية الجديد و رئيس الحكومة الجديد و فرحنا لكن على ما يبدو أن بتغيير شيء
ردحذفبالعكس ارى ان سوريا ولبنان تتجهان نحو الأفضل .. لكن التغيير يحتاج الى وقت .. كما ان مصير بلادنا متوقف عما سيحصل بين اميركا وايران .. كان الله في عون البلاد العربية جميعاً
حذفيعني تبين انه يحلم انا لأول وهلة بعد قراءة نصف القصة رجحت احتمالين أن يكون العجوزين من الجن يريدون استغلاله بشيئ ما والثاني أن يكونا والداي مهرب يريدون ابعاده عن مركزه حتى يمر المهربين دون عائق على الحدود بالنهاية قصة محزنة كونها تعبر عن حال آلاف الجنود حول العالم في الدول النامية التي يخدمون على حدودها بظروف صعبة جدا تحياتي أستاذة امل
ردحذفاقتراحاتك جميلة استاذ ربيع ، لكني فضّلت ان تكون قصة درامية واقعية .. تحياتي لك
حذفعندما تموت الانسانية بعالم البشر يعيش الانسان مع نفسه بالخيال لتعويض الشي الذي لم يجده بعالم البشر
ردحذفنحن نعيش بزمن اللا انسانية مع الأسف
حذفقلبي وجعني
ردحذفيا رب احم كل من يسهر على امن و سلامة بلادنا العربية يا رب
يعطيك الصحة استاذة امل ❤️
امين يارب العالمين
حذف