الأحد، 16 فبراير 2025

الأدلة الجرمية

كتابة : امل شانوحة 

 

مستودع الشرطة


في مستودع مركز الشرطة بالعاصمة ، رُصّت صناديق بلاستيكيّة فيها ادوات استخدمت بجرائم قتل منذ بداية العام..

وفي ليلةٍ الباردة ، أطلّت سكينة مطبخ كبيرة من صندوقها ، للتحدّث مع سكينة جيب صغيرة : 

- مازلت لا أصدّق انه تمّ استخدامك في عملية قتل المغني المشهور؟! 

سكينة الجيب : وهل يُعقل مثلاً ان يحمل القاتل (الذي امتلكني) سكيناً ضخمة مثلك وهو يخترق الجمهور ، لقتل المطرب المغرور ؟

- أقصد ان نصلك صغير ، ليتسبّب بالموت ؟!

- صغير ، لكنه حادّ كسيف سامورايّ.. فقد استطعت بسهولة قطع الشريان السباتي في رقبة ذلك المتغطرس الذي مات قبل وصوله للمشفى.. ماذا عنك ؟


سكينة المطبخ : صدّقي او لا تصدّقي .. إستخدمتني امرأة خمسينيّة في تقطيع زوجها لأجزاءٍ ، وضعتهم في اكياس نفاياتٍ متعدّدة !

- وهل كان ظالماً لها ؟

- هو بالأكثر بخيل .. ويبدو انها بذلك اليوم لم تتحمّل الجوع ، فطعنته اثناء لومه على شرائها بعض الخضار ، التي أكلتها لاحقاً بعد إضافة كبِده!  

سكينة الجيب بصدمة : أحقاً أكلت جزءاً منه ؟!

- هو حرمها طعم اللحم منذ زواجها به .. ولوحشيّة جُرمها ، حصلت على السجن المؤبّد

سكينة الجيب : وانا ايضاً حصل الشاب (الذي استخدمني) على الأعمال الشاقة طوال حياته


فأطلّت عصا بيسبول من صندوق بلاستيكي آخر ، قائلةً بعصبيّة : 

- ما بكما تثرّثران بصوتٍ عالي هذه الليلة ؟!!

فهمست سكينة الجيب لسكينة المطبخ ، بضيق : 

- هاهي العصا المُلطّخة بالدماء تُقاطع سهرتنا من جديد !

سكينة المطبخ بصوت عالي : مساء الخير ، ايتها العصا القوية !! تعالي وشاركينا قصة الدماء التي تغطّي مقدّمتك ! 

العصا باشمئزاز : صاحبي استخدمني في قتل زوجته التي وجدها مع عشيقها ، بعد عودته باكراً من السفر 

سكينة الجيب باهتمام : يعني ضربها على رأسها مراراً حتى الموت؟!

العصا : نعم ، وكنت قلقة ان يكسرني لنصفين من شدّة غضبه

سكينة المطبخ : وهل قتل عشيقها ايضاً ؟

العصا : لا ، تمكّن اللعين الهرب من النافذة

- وهل حُكم عليه بالمؤبّد مثل قضايانا ؟

العصا : فقط عشرين سنة .. فالمحكمة قدّرت ألمه وقهره ، لحظة اكتشافه الخيانة


وهنا سمعوا جلبة ! فنظروا للصندوق البلاستيكي في الخزانة المواجهة لهم ، التي خرجت منها سلّسلة حديديّة وهي تقول :

- على الأقل ماتوا ضحاياكم بسرعة .. اما انا ، فتعذّب كثيراً

العصا : وماذا حصل ؟

السلّسلة : ربطني بأقدام مديره العجوز الذي علّقه بالسقف بالمقلوب ، حتى انفجر رأسه الشائب بالدماء !

سكينة الجيب : ولما هذه الوحشيّة ؟!

السلّسلة : لأنه طرده وحرمه من تعويضه ، بعد لومه على شيء فعله وريثه المُدلّل ! 

سكينة المطبخ : اذاً كان عليه قتل ابن مديره الذي تسبّب في طرده !


وهنا خرج وشاحاً من نفس صندوق السلّسلة ، وهو يقول :

- لقد فعل ذلك بواسطتي.. فبعد تعليقه المدير بقبوّ معمل الشوكولا.. صعد لمكتب ابنه ، وخنقه بوشاحه حتى الموت

العصا : وهل حكموا عليه بالمؤبّد ؟

الوشاح : بل الإعدام بالكرسي الكهربائي ، بسبب ارتكابه لثلاثة جرائم

سكينة المطبخ : تقصد اثنان فقط ؟!

فخرجت قدّاحة وصفيحة بنزين من ذات الصندوق ، قائلةً القدّاحة بابتسامةٍ ماكرة :

- بل ثلاثة !! فقد أحرق المصنع بعد هربه .. مُتسبّباً بإفلاس الورثة الذين طالبوا بإعدامه ، لتدميره صناعةً ناجحة منذ نصف قرن ! وبسبب فظاعة جرمه ، تمّ إعدامه الإسبوع الفائت


وهنا خرجت رصاصة من صندوقٍ مجاور ، وهي تقول بغرور :

- جميعكم وسائل بدائيّة ! اما انا !! فأُعتبر الحلّ الأمثل لإنهاء حياة أيّ شخص 

العصا : وهل تركك الجاني في مسرح الجريمة ؟!

الرصاصة : بل أخرجوني من دماغ القتيل .. 

صفيحة البنزين : وهل أمسكو الفاعل ؟

الرصاصة : مازالوا يتتبعونه ، فهو قاتلٌ متسلّسل ..

 

سكينة الجيب : للأسف ، جميعنا أدلّة لجرائم قبيحة ! 

سكينة المطبخ : برأيكم ماذا سيفعلون بنا ، بعد إغلاق قضاياهم ؟!


وهنا تحدّث صندوق كرتوني مليء بالملفّات القديمة ، موضوع اسفل الخزانة :

- كما فعلوا بغيركم

السلّسلة بقلق : ماذا تقصد ؟

الصندوق : كل عام يقومون بإحراق ادلّة القضايا المحلولة

سكينة المطبخ برعب : ولما لا ينظّفونا من الدماء ، ويبيعونا بسوق الخردة؟!

الصندوق : ومن سيشتريك لتقطيع الخضار ، بعد استخدامك في تقطيع جثّة؟

فتنهّدت تنكة البنزين بضيق : هذا صحيح ! فالبشر كائنات متشائمة للغاية.. اسألوني انا !! فأنا بالعادة أتواجد في صناديق سياراتهم ، وأسمع مشاداتهم الكلاميّة مع مرافقيهم او من خلال الجوّالات .. هم مُتذمّرون للغاية !

سكينة الجيب بخوف : أقلت انهم يفعلون ذلك كل عام ؟!

الصندوق : تقريباً

العصا بقلق : ونحن اجتمعنا منذ سنة ، إن كانت حساباتي صحيحة.. فهل سيقومون..


وقبل إكمال كلامها ، دخل شرطي وهو يقول لعامل النظافة :

- إفرغ ما بداخل الحافظات البلاستيكيّة .. ثم خذهم الى المحرقة

عامل النظافة : وماذا بشأن صندوق الملفّات ؟

الشرطي : لم يأتي وقته بعد .. إتركه بالمستودع


وصارت الأدوات (أدلّة الجرائم) ترتعش رعباً ، قبل جمعهم بكيس زبالة كبير .. ولم يسمع أحد نحيبهم وبكائهم ! سوى الصندوق القديم المُغبرّ ، المليء بملفّات القضايا التي لم تُحلّ بعد (لغموضها ونقص الأدلّة) 


وبعد خروج زملائه الذين تجمّعوا في كيس العامل الذي أعاد قفل المستودع ..تنهّد الصندوق بضيق ، وهو يقول :

- لن أفتقدهم طويلاً .. فقريباً ستُملأ جميع الحافظات البلاستيكيّة بالأسلحة الداميّة ، فأطماع البشر وجرائمهم لا نهاية لها !


هناك 9 تعليقات:

  1. كانت قد طلبت مني (حائكة الأحلام) قصة ابطالها من الجماد ، اتمنى ان تعجبها هذه القصة وتعجب بقيّة القرّاء .. تحياتي لكم جميعاً

    ردحذف
  2. الاطفال يحبون هذه القصص جدا خاصۃ كافلام او كوميكس ..كما كان الحال قديما قبل اختراع التصوير منذ القرن العشرين واسفل ..
    وفي الحديث من اشراط الساعه ان يكلم الرجل شراك نعله ..وقد حدث هذا منذ اختراع الميكروفونات والمسجلات الی الهاتف وسلك سماعته بل صار بدون شراك ايضا ..
    لاحظت انني اعيش حياه كامله واشاهد البشر في كل بقعه علی الكوكب واتفاعل معهم بل ونتعارك ونتخاصم ونتصالح ونغضب ونفرح ونحزن ونتعلم ونتمنی بل وننتشي بكل غريب او نادر ..كل هذا من خلال قطعۃ البلاستيك التي نمسكها بايدينا الان ..ونكتب عليها ..حقا انه شيء غريب ومخيف ..اخشی ان نكون قد جننا جميعا ونحن نكلم انفسنا الان ونتجادل مع الهواء 😄 ..ربما نحن لا نكتب الان ونشاهد ..
    ربما عوالم النت كلها مجموعۃ روبوتات وبرامج ذكاء اصطناعي ..وكل البشر الذين نشاهدهم رسومات كرتونيه مستولدون بالاله👽..ربما لا توجد كاتبه اسمها امل هنا اصلا😔 ..وقد تم التلاعب بنا بمنتهی الدقه علی مدی سنوات طويله..هذا ليس جدلا بل منطقا ..
    يعني نخاطب سرابا ..تبا ..لقد خدعنا ايها الهاتف ..MATRIX ..
    انا خاءف جدا علی عقلي ايها الجوجل ..
    هل ثمۃ امل ان نجد احدا هنا ? ..طيب هل ثمۃ احد ان يجد امل لنا ?😭..

    ردحذف
    الردود
    1. اكتب في بحث تيك توك : day in life of.. او you wake up in ..ستجد الذكاء الصناعي يأخذك للقرون القديمة ، لتعيش يوماً كاملاً فيها .. كانت هذه امنيتي عندما ادخل الجنة ان شاء الله ، ان اعيش اهم الأحداث التي حصلت بالعالم .. لم يعد شيئاً غريباً مع هذا التطوّر السريع الذي نعيشه !

      حذف
  3. حائكة الأحلام
    السلام عليك أختي أمل قصة سكاكين وأودوات جريمة قصة بدون مجاملة أعجبتني كثيرا والله الشخصيات والموضوع في قمة الروعة شكرا أمل بوركت وبوركت أناملك

    ردحذف
    الردود
    1. لم تكن لتخطر لي الفكرة ، لولا تعليقك السابق .. شكراً لك

      حذف
  4. بشكلٍ عام، تأنيس الجماد ينتج عنه السخرية وكثيرًا ما تكررت في ال "كوميكس".
    أعجبني دس الرسائل الغاصّة بِلَوم البشر، وكذلك تداخل الأحياء مع الجمادات التي تم تصوير عالم خاص بها.

    ردحذف
  5. الأخ عدنان ، لا ادري لما لم ينشر تعليقك على القصة ! على كلٍ ، سعيدة انها اعجبتك

    اما تعليقك الآخر عن المغنية فلم انشره ، لأني طلبت منك ان لا تكتب اموراً سياسية في مدونتي .. لا اريد ان تُحذف صفحتي بسببك .. لا سياسية او نقد الأديان الأخرى بطريقة استفزازية .. رجاءً اخ عدنان

    ردحذف

بعد طول انتظار

تأليف : امل شانوحة    الصُدفة الغريبة ! اثناء تسوّقها ، تفاجأت بفتاةٍ صغيرة (10 سنوات) تركض نحوها وهي تبكي : - امي !! امي !! لما تركتنا ور...