تأليف : امل شانوحة
الوطنيّة
أحد الأولاد : أكلما أضعناك ، نجدك عند قبر والدك ؟!
عماد : ماذا تريدون ؟
- تعال نلعب الكرة
عماد : هناك اشياء اهم من اللعب
- لما كلامك اكبر من عمرك ؟!
عماد : لأني ابن الشهيد
***
عندما بلغ عماد سن المراهقة حصلت ثورة الإنتفاضة .. فاقترب اصدقائه منه ، اثناء تواجده في المقبرة ..
- هل ستأتي معنا هذه المرة ؟
عماد : الى اين ؟
- سنرشق اليهود بالحجارة
عماد بحماس : إن كان الأمر كذلك ، فأنا معكم حتى الموت .. هيا بنا!!
وعندما هجم الجيش الإسرائيلي على الثوّار ، إعتقلوا عماد .. بينما فرّ اصدقائه !
***
في السجن .. وبعد تعرّض عماد للضرب ، سمع الضابط يقول للعسكري :
- لا تضربه بعنف
العسكري : سيدي !! صحيح هو في ١٨ من عمره ، لكنه عنيدٌ للغاية ويرفض إخبارنا بأسماء اصدقائه !
الضابط : هو ابن صديقنا المخلصّ ، لهذا سنُسرّحه بعد يومين
وهذا الكلام أثار شكوك عماد !
***
بعد إطلاق سراحه ، سلّم على اعمامه سريعاً .. وخرج من منزل جدته ، بحجّة لقائه بأصحابه.. ليذهب مباشرةً الى منزل والديه الذي أُغلق بعد وفاة امه بالحمّى ، وموت أبيه في المُعتقل (كما قيل له)
وصعد عماد الى العلّية لتفتيش اغراض والده ، ليجد مجموعة من الكتب الشيوعيّة والعلمانية ! ورسائل غراميّة مكتوبة بالعبريّة ، إستطاع قراءتها لإتقانه لغة العدو .. كما وجد صورة فتاةٍ اجنبيّة ، يبدو انه صوّرها اثناء تعلّمه في الخارج .. كاتباً خلف الصورة : ((حبيبتي الوحيدة)) !
كل هذا جعله يتجرّأ على نبش قبر ابيه ، لتتأكّد شكوكه بعد رؤيته فارغاً !
***
فذهب عماد الى منزل عمه الذي ربّاه منذ طفولته ، واضعاً رسائل والده الغراميّة وصورة حبيبته الأجنبيّة امامه ، وهو يسأله :
- وجدّت القبر فارغاً ، فأين ابي ؟!
العم بصدمة : هل نبشته ؟!
عماد بإصرار : رجاءً أجبني ..الم تخبروني إنه مات بالتعذيب اثناء اعتقاله؟
فسكت العم مطوّلاً ، قبل ان يقول :
- والدك عاد من الخارج بأفكارٍ علمانيّة ، تعلّمها من عشيقته اليهوديّة
عماد بصدمة : يهوديّة !
- بل وإسرائيليّة ايضاً ! وفي يوم عودتي من جنازة اخي الصغير الذي توفيّ بعمر ٨ ، وجدّته يلومنني على افكاري الوطنيّة التي جعلت اخونا يشارك بانتفاضة الأطفال ويُقتل برصاص العدو .. حينها دافع عن اليهود : بأن لهم نصيباً في القدس (التي لم يصلي فيها يوماً) فجنّ جنون امي التي صفعته بقوة ، مُتمنّيةً لوّ انها قتلته بعد ولادته.. فخرج من منزلنا غاضباً ، ليعود في اليوم التالي بصحبتك (في سن الخامسة) وهو يطالبنا بتربيتك على افكارنا المتخلّفة ، بعد أن غصبناه على الزواج من امك التي لم يحزن كثيراً على وفاتها !
عماد : وأين ذهب بعدها ؟
- علمنا لاحقاً بأن اللعين أبلغ العدو عن ابن جيراننا ، بعد رؤيته يرمي قنبلةً يدويّة على دبابةٍ اسرائيليّة .. وبسبب وشايته الدنيئة ، أُعدم جارنا ! بينما حصل هو على وظيفيةٍ بالجيش الإسرائيلي الذين نقلوه الى جهتهم خلف الجدار (قيد البناء في ذلك الوقت) !
عماد بصدمة : لا أصدّق ما أسمعه ! عشت طوال حياتي على كوني ابن الشهيد ، لأعلم الآن أنني ابن الخائن
وأخرج صورة والده من محفظته.. وقبل تمزيقها ، أوقفه عمه :
- هذه ليست صورة ابيك !!
عماد باستغراب : لم أفهم !
العم : امك كانت تعلم بأفكاره المناصرة لليهود ، لذلك وصّتني قبل وفاتها أن نخبرك عن بطولات خالك (الذي توفيّ دفاعاً عن المسجد الأقصى قبل يومين من زفافه) على انه والدك الذي لم تأخذ منه سوى إسمه بالهويّة ! .. يعني التي معك هي صورة خالك ، بطلنا الشهيد
- وأين صورة والدي ؟!
العم : جدتك رحمها الله مزّقت جميع صوره وأوراقه ، ورمت ملابسه بعد معرفتها بانتقاله لإسرائيل .. خاصةً بعد رسالته الأخيره المُستفزّة التي أخبرنا فيها : بتبرّؤه من عائلتنا المتخلّفة ، مُرسلاً صورته وهو يحرق هويّته الفلسطينيّة بعد حصوله على الجواز الإسرائيلي بإسمه اليهوديّ الجديد !
عماد بقهر : مازلت لا أصدّق انني ابن الخائن !
- لا تفكّر هكذا ، فأنت تشبهنا وتشبه اخوالك الأبطال .. دمك فلسطيني مئة بالمئة ..ونحن فخورين بك ، بنيّ
وحضنه بحنان..
***
رغم ذلك أصرّ عماد على العودة الى منزل والديه .. وظلّ يقرأ مذكّرات والده التي وجد بآخر صفحاتها رقماً لضابطٍ إسرائيليّ !
فاستجمع قواه للإتصال به ، وهو يكلّمه العبريّة التي تعلّمها في المدرسة .. وطلب منه زيارة والده بإسرائيل ..وانه مشتاقٌ اليه ويريد مقابلته .. وانه يصدّق بجميع افكاره حول حقوق اليهود بالقدس ! وانه يُشابهه بالطباع .. وأخبره عن رغبته بالإبتعاد عن الشعب الفلسطيني المتخلّف ..
فوافق الضابط على دخوله الحدود الفاصلة ، بتصريحٍ خاصٍّ منه !
***
في الموعد المحدّد .. تفاجأ عماد بمدى شبهه بوالده العجوز الذي استقبله خلف الجدار الفاصل ، فاتحاً ذراعيه وهو يقول بفخر :
- أخيراً كبر ابني ليشابهني بكل شيء !!
عماد : انا فعلاً أشبهك بالشكل ، لكن ليس بالطباع .. (ثم صرخ غاضباً).. مُتّ ايها الخائن !! .. (مُطلقاً النار عليه ، وهو يردّد).. فداك ابي وامي يا فلسطين !!!
((وكان أخفى مسدسه تحت قميصه ، مُستغلاًّ عدم تقتيشه من جنود الحدود الذين صدّقوا كذبة ولائِه لليهود ! والذين سارعوا بإطلاق النار عليه ، بعد وفاة ابيه الذي كان نقيباً مهمّاً في جيش العدو))
فنظر عماد المُصاب الى جثة والده ، وهو يتمّتم بقهر :
- بعد سنواتٍ طويلة من فراقنا ، نموت معاً يوم الّلقاء ! لتنتقل بذنوبك الى الجحيم ، بينما تجتمع روحي بإذن الله في الجنة مع الشهداء الأحرار ..
ثم تشاهد ، قبل لفظ انفاسه الشريفة الأخيرة !
وللحرية الحمراء باب ...بكل يد مضرجة يدق
ردحذف