الأحد، 30 أبريل 2023

ابن الشهيد

تأليف : امل شانوحة 

 

الوطنيّة


أحد الأولاد : أكلما أضعناك ، نجدك عند قبر والدك ؟!

عماد : ماذا تريدون ؟

- تعال نلعب الكرة 

عماد : هناك اشياء اهم من اللعب

- لما كلامك اكبر من عمرك ؟!

عماد : لأني ابن الشهيد

***


عندما بلغ عماد سن المراهقة حصلت ثورة الإنتفاضة .. فاقترب اصدقائه منه ، اثناء تواجده في المقبرة ..

- هل ستأتي معنا هذه المرة ؟

عماد : الى اين ؟

- سنرشق اليهود بالحجارة

عماد بحماس : إن كان الأمر كذلك ، فأنا معكم حتى الموت .. هيا بنا!!


وعندما هجم الجيش الإسرائيلي على الثوّار ، إعتقلوا عماد .. بينما فرّ اصدقائه !

***


في السجن .. وبعد تعرّض عماد للضرب ، سمع الضابط يقول للعسكري :

- لا تضربه بعنف

العسكري : سيدي !! صحيح هو في ١٨ من عمره ، لكنه عنيدٌ للغاية ويرفض إخبارنا بأسماء اصدقائه !

الضابط : هو ابن صديقنا المخلصّ ، لهذا سنُسرّحه بعد يومين


وهذا الكلام أثار شكوك عماد ! 

***


بعد إطلاق سراحه ، سلّم على اعمامه سريعاً .. وخرج من منزل جدته ، بحجّة لقائه بأصحابه.. ليذهب مباشرةً الى منزل والديه الذي أُغلق بعد وفاة امه بالحمّى ، وموت أبيه في المُعتقل (كما قيل له)


وصعد عماد الى العلّية لتفتيش اغراض والده ، ليجد مجموعة من الكتب الشيوعيّة والعلمانية ! ورسائل غراميّة مكتوبة بالعبريّة ، إستطاع قراءتها لإتقانه لغة العدو .. كما وجد صورة فتاةٍ اجنبيّة ، يبدو انه صوّرها اثناء تعلّمه في الخارج .. كاتباً خلف الصورة : ((حبيبتي الوحيدة)) ! 

كل هذا جعله يتجرّأ على نبش قبر ابيه ، لتتأكّد شكوكه بعد رؤيته فارغاً !

***


فذهب عماد الى منزل عمه الذي ربّاه منذ طفولته ، واضعاً رسائل والده الغراميّة وصورة حبيبته الأجنبيّة امامه ، وهو يسأله :

- وجدّت القبر فارغاً ، فأين ابي ؟!

العم بصدمة : هل نبشته ؟!

عماد بإصرار : رجاءً أجبني ..الم تخبروني إنه مات بالتعذيب اثناء اعتقاله؟


فسكت العم مطوّلاً ، قبل ان يقول :

- والدك عاد من الخارج بأفكارٍ علمانيّة ، تعلّمها من عشيقته اليهوديّة

عماد بصدمة : يهوديّة !

- بل وإسرائيليّة ايضاً ! وفي يوم عودتي من جنازة اخي الصغير الذي توفيّ بعمر ٨ ، وجدّته يلومنني على افكاري الوطنيّة التي جعلت اخونا يشارك بانتفاضة الأطفال ويُقتل برصاص العدو .. حينها دافع عن اليهود : بأن لهم نصيباً في القدس (التي لم يصلي فيها يوماً) فجنّ جنون امي التي صفعته بقوة ، مُتمنّيةً لوّ انها قتلته بعد ولادته.. فخرج من منزلنا غاضباً ، ليعود في اليوم التالي بصحبتك (في سن الخامسة) وهو يطالبنا بتربيتك على افكارنا المتخلّفة ، بعد أن غصبناه على الزواج من امك التي لم يحزن كثيراً على وفاتها ! 


عماد : وأين ذهب بعدها ؟

- علمنا لاحقاً بأن اللعين أبلغ العدو عن ابن جيراننا ، بعد رؤيته يرمي قنبلةً يدويّة على دبابةٍ اسرائيليّة .. وبسبب وشايته الدنيئة ، أُعدم جارنا ! بينما حصل هو على وظيفيةٍ بالجيش الإسرائيلي الذين نقلوه الى جهتهم خلف الجدار (قيد البناء في ذلك الوقت) !

عماد بصدمة : لا أصدّق ما أسمعه ! عشت طوال حياتي على كوني ابن الشهيد ، لأعلم الآن أنني ابن الخائن


وأخرج صورة والده من محفظته.. وقبل تمزيقها ، أوقفه عمه :

- هذه ليست صورة ابيك !!

عماد باستغراب : لم أفهم !

العم : امك كانت تعلم بأفكاره المناصرة لليهود ، لذلك وصّتني قبل وفاتها أن نخبرك عن بطولات خالك (الذي توفيّ دفاعاً عن المسجد الأقصى قبل يومين من زفافه) على انه والدك الذي لم تأخذ منه سوى إسمه بالهويّة ! .. يعني التي معك هي صورة خالك ، بطلنا الشهيد

- وأين صورة والدي ؟!


العم : جدتك رحمها الله مزّقت جميع صوره وأوراقه ، ورمت ملابسه بعد معرفتها بانتقاله لإسرائيل .. خاصةً بعد رسالته الأخيره المُستفزّة التي أخبرنا فيها : بتبرّؤه من عائلتنا المتخلّفة ، مُرسلاً صورته وهو يحرق هويّته الفلسطينيّة بعد حصوله على الجواز الإسرائيلي بإسمه اليهوديّ الجديد !

عماد بقهر : مازلت لا أصدّق انني ابن الخائن !

- لا تفكّر هكذا ، فأنت تشبهنا وتشبه اخوالك الأبطال .. دمك فلسطيني مئة بالمئة ..ونحن فخورين بك ، بنيّ

وحضنه بحنان..

***


رغم ذلك أصرّ عماد على العودة الى منزل والديه .. وظلّ يقرأ مذكّرات والده التي وجد بآخر صفحاتها رقماً لضابطٍ إسرائيليّ !  


فاستجمع قواه للإتصال به ، وهو يكلّمه العبريّة التي تعلّمها في المدرسة .. وطلب منه زيارة والده بإسرائيل ..وانه مشتاقٌ اليه ويريد مقابلته .. وانه يصدّق بجميع افكاره حول حقوق اليهود بالقدس ! وانه يُشابهه بالطباع .. وأخبره عن رغبته بالإبتعاد عن الشعب الفلسطيني المتخلّف .. 

فوافق الضابط على دخوله الحدود الفاصلة ، بتصريحٍ خاصٍّ منه !

***


في الموعد المحدّد .. تفاجأ عماد بمدى شبهه بوالده العجوز الذي استقبله خلف الجدار الفاصل ، فاتحاً ذراعيه وهو يقول بفخر :

- أخيراً كبر ابني ليشابهني بكل شيء !!

عماد : انا فعلاً أشبهك بالشكل ، لكن ليس بالطباع .. (ثم صرخ غاضباً).. مُتّ ايها الخائن !! .. (مُطلقاً النار عليه ، وهو يردّد).. فداك ابي وامي يا فلسطين !!!


((وكان أخفى مسدسه تحت قميصه ، مُستغلاًّ عدم تقتيشه من جنود الحدود الذين صدّقوا كذبة ولائِه لليهود ! والذين سارعوا بإطلاق النار عليه ، بعد وفاة ابيه الذي كان نقيباً مهمّاً في جيش العدو))


فنظر عماد المُصاب الى جثة والده ، وهو يتمّتم بقهر :

- بعد سنواتٍ طويلة من فراقنا ، نموت معاً يوم الّلقاء ! لتنتقل بذنوبك الى الجحيم ، بينما تجتمع روحي بإذن الله في الجنة مع الشهداء الأحرار ..


ثم تشاهد ، قبل لفظ انفاسه الشريفة الأخيرة !


هناك تعليق واحد:

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...