الجمعة، 24 فبراير 2023

السفّاح الصغير

تأليف : امل شانوحة 

تنبؤٌ ظالم !


لم تكترث الأم ببرودة تلك الليلة وهي تتخلّى عن رضيعها امام باب الميتم في بلدتها الصغيرة الفرنسيّة ! تاركةً ورقة على صدره تبيّن سبب تخلّيها عنه : 

((أخبرتني المشعوذة بأنه سيكبر ليصبح أخطر سفّاحٍ بفرنسا ، أتمنى ان لا تصدقونها كما فعلت !))


من بعدها اختلقت كذبة على ابيه : بأن الغجر خطفوه منها ، بعد تخديرها بقماشةٍ مبلولة في زقاق السوق ! 

فبحث الوالد كثيراً عن طفله (شارل) بقرية الغجر المليئة بالّلصوص والمجرمين والشحاذين ، دون عثوره عليه !  


ومع ولادة طفله الثاني (لويس) تقبّل فكرة زوجته : بأنهم قتلوا ابنه البكر.. 

وأخفت سرّ إحتفاظها بأبنه الثاني ، وهو تنبؤٌ آخر من ذات المشعوذة : بأنه سيصبح رجل قانونٍ تفتخر به !  

***


كبر شارل في الميتم الذي عاملوه دائماً بحذر .. ففي العصور الوسطى كان كلام المشعوذات مُقدّراً وذوّ أهميّة ! 

لهذا فضّلوه عن غيره ، أملاً بتجنّب نوبات غضبه العنيفة والمخيفة بنسبة لولدٍ في 12 من عمره ..

 

الى ان أتى يوم إنفجر فيه المدير غاضباً ، بعد مشاجرة شارل مع زملائه اثناء الغداء .. فشدّه من ياقته ، قائلاً امام الجميع :

- امك معها حقّ بتخلّيها عنك !! فأنت حتماً ستصبح اخطر سفّاحٍ بفرنسا ، كما تنبّأت المشعوذة 


ونزل كلامه كالصاعقة على شارل ! فهو ظنّ بأنه يتيم الوالدين ، وانهما ماتا في صغره .. ليعلم الآن انهما تخلّيا عنه طواعيةً ، لأجل تنبؤٍ من عجوزةٍ خرفة !

***


بعد هذه الحادثة ، إنزوى شارل عن زملائه ! وقلّ طعامه ولعبه مع الآخرين ، مما أسعد المدير الذي ارتاح من مشاغباته المتواصلة ، مُعتقداً بأن كلامه أدّبه .. وبأنه بذكائه إستطاع تحقيق معجزة ، بتغيّر مستقبله الشنيع .. 

لكنه لا يعلم بأن شارل يُخطّط للهرب من الميتم الذي ضاقت جدرانه به ، بسبب نظرات الإستحقار والخوف من زملائه الذين عرفوا حقيقته ! 

***


ببلوغ شارل سن 16 ، تمكّن اخيراً من تنفيذ خطته : بالإختباء تحت القشّ الخاصّ بأحصنة الإسطبل التابع للميتم .. ومن هناك هرب للقرية المجاورة ، دون علمه بأنها تابعة للغجر الهاربين من العدالة !


وسرعان ما وقع بأيدي عصابةٍ إستخدموه بالشحاذة والسرقات .. 

وبعد عدّة سرقاتٍ ناجحة .. ضُرب بعنف من شرطيّ تمكّن الّلحاق به ، بعد سرقته محفظة لرجلٍ ثريّ !  


فعاد متألّماً الى عصابته ، ليعاتبه زعيمهم :

- انت غير نافعٍ بشيء !! لا الشحاذة ولا السرقات

ليتفاجأ بشارل يقول بعصبية : 

- الا تعلم من اكون ؟ انا الذي سأصبح أخطر سفّاحٍ بفرنسا !!


ثم أخبره قصة المشعوذة .. وفي ذلك الزمن ، كان كلام السحرة مُصدّقاً تماماً .. فقال الزعيم بخبث :

- اذاً سأرسلك لزميلي بالعصابة الثانية ، ليضعك على مسارك الصحيح .. فهم متخصّصون بالقتل 

شارل : أتقصد القتلة المأجورين ؟

- نعم ، فبالعادة يستأجرهم كبار السياسيين والتجّار لقتل منافسيهم بسرّيةٍ تامة .. لكن عليهم اولاً تدريبك على السلاح .. 

- ومتى اذهب اليهم ؟

- يبدو انك متحمّساً للدماء !

شارل بحزم : إن كانت هذه وظيفتي بالحياة ، فسأفعل كل ما يجعلني الأقوى والأخطر في فرنسا !!

الزعيم : حبك للشهرة سيحقّق نبوءة المشعوذة .. حسناً دعني أخبر زميلي بماضيك ، وهو سيتصرّف معك

***


بالفعل ، تمّ ضمّه لأهم عصابة للقتل المأجور .. حيث تفاجأ رئيسهم بسرعة إتقانه للسيف والسهام والرماح .. كما سرعته بالركض والإختفاء ، في حال لاحقته الشرطة 

***


بعد شهور من التدريب المتواصل على الخطط الخبيثة المستخدمة بعصرهم ، أُرسل شارل لمهمّته الأولى : وهي قتل تاجراً إستحوذ على الخمور في المنطقة .. حيث عليه مراقبته خارج البارّ كل ليلة ، لحين إيجاده الفرصة للتخلّص منه بعيداً عن رجاله ..


وقد استطاع انهاء المهمّة بعد اسبوع من المراقبة ، غير آبهٍ بقتله بالسهم امام زوجته وابنه الصغير ! 


لتحتفل عصابته بجرأته وانعدام ضميره ، وهم يتمّنون له المزيد من الضحايا والمهمّات المستقبليّة الدمويّة !

***


لم يكن صعباً على شارل أن يصبح الأول بقائمة القتلة المتسلّسلين ، بعد ثقة من حوله بتنبّؤ المشعوذة المعروفة بقوتها بين سحرة زمانها! 

لهذا أفسح زملائه الطريق له ، ليصل للقمّة بوقتٍ قصير .. ويصبح المطلوب الأول لدى كبار المسؤولين بالدولة .. 


اما المنافسون : ففور معرفتهم بأنهم مراقبون منه ، يفرّون خارج البلاد لأن إصابته لا تخطىء ابداً ! فهو معروف بحبه للذبح بدل استخدام السهام والرماح ، حتى عُرف بالسفّاح الأخطر بفرنسا .. وبذلك تحقّقت النبوءة اخيراً !

***


لم يستطع احد إيقاف شارل يوماً ، الى أن عُيّن الشرطي الجديد (لويس) المعروف بجرأته وقوته التي توازي شرور القاتل المحترف .. والذي تتبّعه في كل مكان ، متمكّناً من إفساد خططه بآخر لحظة .. مما أغضب شارل بعد عرقلته مسيرته المثاليّة ، مُقرّراً القضاء على عدوه (لويس) بأيّ ثمن

***


راقب المجتمع الفرنسي المنافسة الشرسة بين الشرطي البطل والقاتل العنيف .. 

وقام الشرفاء بدعم مركز الشرطة بالمال الكافي لتوظيف المزيد من المتطوّعين لمساندة لويس الذي أنقذ عدّة ضحايا باللحظة الأخيرة ! 

وبتعيّن المزيد من المخبرين ، ورشوى الأعضاء الصغار بالعصابة التي ينتمي اليها المجرم شارل ، إستطاعوا معرفة تحرّكاته اولاً بأول 


الى أن قُبض عليه قبل هروبه بالسفينة .. وتمّ اقتياده الى مركز الشرطة التي احتشد الناس خارجها بعد معرفتهم بالقبض على المجرم الشهير ، رغبةً برؤية وجهه الذي لم يره أحد !

***


لم يتعدّى فترة محاكمة شارل بضعة ايام ، قبل الحكم عليه بالإعدام بعمر الأربعين .. وتمّ تحديد يوم شنقه امام الحشود ، وسط ساحةٍ فرنسيّة ..

 

وقبل إعدامه ، إقترب الشرطي (لويس) وهو يقول :

- صدقت مشعوذة امي بالفعل ! 

شارل : ماذا تقصد ؟!


وهنا اقتربت امرأة عجوز منهما ، وسط دهشة الجمهور لصعودها على منصّة الشنق ، قائلةً له :

- انا امك يا شارل 

شارل بصدمة : أأنت من تخلّيت عني ؟!

الأم : نعم ، لأني لم اردّ تربية مجرمٍ عنيفٍ مثلك .. جيد أن والدك توفيّ قبل رؤيته اعدامك .. وهذا اخوك لويس ، ربّيته ليصبح اعظم رجل قانونٍ بالبلد 

شارل باستغراب : انت اخي !


لويس : امي أخبرتني عند انتشار صيتك ، بأننا إخوة .. فهي عرفتك من الرسم المنشور لك ، حسب اوصاف المخبرين

الأم : أكيد عرفت أنك ابني يا شارل .. فأنت وُلدّت بأصبعٍ زائد في يدك اليمنى

شارل بقهر : هذا الأصبع لقبوه زملائي بأصبع الشيطان .. لما حوّلتني لمجرمٍ يا امي ؟!

الأم : لم افعل ، أنا فقط صدّقت نبوءة المشعوذة العظيمة


شارل بغضب : اللعنة عليك وعليها !! انتما حوّلتما حياتي لجحيم .. من هي لتعرف المستقبل ؟ .. لوّ انك ربّيتني جيداً ، لأصبحت شرطيّاً كأخي الصغير .. لكنكِ تخلّيت عني .. ليس هذا فحسب ، بل أخبرتي الميتم بكلام المشعوذة .. وبسببك عاملونني كمنبوذٍ قذر .. انت من جعلتني مجرماً يا امي .. وفي حال تلاقينا يوم الحساب ، سأطلب من الربّ أن يحرقك بجنهم قبلي .. (ثم تنهّد بضيق) .. من الجيد انني عرفت قبل موتي ، من اين ورثت إنعدام الضمير .. (ثم نظر للويس) .. لقد فزت عليّ .. يمكنك شنقي ، اخي العزيز


ونزل الشرطي لويس مع امه من المنصّة .. ليبدأ السجّان بتنفيذ الحكم ، بوضعه قماشة على رأس شارل الذي صرخ لإزالتها بالحال ، قائلاً بغيظ :

- اريد رؤية عائلتي لآخر مرة قبل خروج روحي ، كيّ أحفظ وجهيهما جيداً وألاحقهما في كوابيسهما للأبد


وبالفعل شُنق دون إخفاء وجهه ! وسط تصفيق الجمهور ، السعداء بانتهاء الفترة القاتمة على فرنسا .. 

وتفرّقت الجموع بعد إنزال الجثة ، لدفنها بمقبرة المجرمين .. بينما عادت الأم وابنها متضايقيّن للمنزل ، فكلام شارل هزّ إيمانهما الداخلي وثقتهما العمياء بالمشعوذين ! حيث تساءلت الأم طوال الليل:

- هل ما فعلته صحيحاً بتخلّصي من الشيطان الصغير ، ام انني حوّلته فعلاً لمجرمٍ كما قال ؟!


وظلّت تردّد ذلك ، حتى نامت من شدّة تعبها النفسي .. دون علمها بأنها وابنها لويس سيشاهدان الكوابيس المرعبة لما تبقى من حياتهما ، بسبب روح السفّاح الغاضبة !  


هناك 6 تعليقات:

  1. لم يتغير الحال كثيرا ..مازلنا في القرون الوسطى حيث يعتقل ويعذب ويغتصب الاطفال والمراهقين والعجاءز بل الفتيات فضلا عن الرجال الاشداء بسبب تعليق بسيط او صرخة او شكوى ..فبراير 1523

    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    قصه رائعه ذات مغزى
    بعيد عن الشعوذه ..نلاحظ ان بعض الاباء يحطمون نفسية ابنائهم ومعنوياتهم بكلامهم ..انت فاشل انت لاتصلح لشيئ وانت. وانت. وانت وغيرها من الالفاض السلبيه التي تؤثر على شخصية الابن وسلوكه

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. أتسائل ما سر هذه الكلمة لافيكيا سنيورا
      لو سمحتي

      حذف
    2. ابن اليمن اعجبته قصتي السابقة (فريق إيلينا) الرابط
      https://www.lonlywriter.com/2022/03/blog-post_24.html

      وهي قصة حقيقية عن عجوز ايطالية دعمت فريق جوفنتوس ، والذين يهتفون مع كل هدف (لافيكيا سنيورا) اي السيدة العجوز ، تكريماً لها ..
      اقرأ القصة ، اظنها ستعجبك فهي عن كرة القدم

      حذف
    3. 😗😗 اخت املانو كشفتي سرنا بكل سهوله هيك"

      هان عليك العيش والملح اللي بيننا .

      يالخيبة الامل يا امل...🤨🤨

      يالله يالله جهزي حفله لتحيتنا لافيكيا سنيورا عشان ستبلغ عامها الاول حتا قبل رمظان القادم بيوم ..

      حذف
    4. 24 مارس يمر سنة على اختراعك اللقب الغريب ، لكن لقب املانو مازال جديداً .. اتمنى ان انشر قصة جديدة تعجبك مثل فريق ايلينا .. لافيكيا سنيورا ، ابن اليمن

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...