الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

غلطة عمري

فكرة : أختي أسمى
كتابة : امل شانوحة 

 

الأسرة اولاً


وظّف المدير فؤاد (الخمسيني) سكرتيرةً جديدة إسمها سهى (العشرينية) التي كانت متوسطة الجمال ، وشعلة من النشاط ، ومتحدّثة لبقة .. إستطاعت فهم وظيفتها بوقتٍ قصير .. كما إتقانها للغة الفرنسية والإنجليزية ، ومهارتها بطباعة الحاسوب.. والتي عوّدته على قهوتها اللذيذة كل صباح ، وإغداقها المديح على ملابسه الفخمة ، وذكائه في عقد الإتفاقات مع العملاء ، ووسامته الفريدة ..


وفي يوم التقيا في المصعد ، فقالت له :

- عطرٌ جميل ، هذا أفضل من عطرك السابق

فؤاد باستغراب : غريب ! زوجتي لم تلاحظ ذلك ، بل ضايقها رائحته المركّزة

- بالعكس ، رائحته مُنعشة وعمليّةٌ جداً 

فؤاد ممازحاً : يا فتاة !! انا بعمر والدك ، فكفّي عن الإطراء قبل أن تعوديني على ذلك 

سهى بابتسامة : عذراً ، لا استطيع رؤية شيءٍ جميل دون مدحه .. 


وهنا توقف المصعد.. 

سهى : هآقد وصلنا .. سأنهي التقرير الذي طلبته البارحة على عجل 

المدير : أحسنتِ !!


وأسرعت الى مكتبها ، لطباعة التقرير بنشاطٍ وهمّة .. وفؤاد يراقبها من زجاج مكتبه ، بعد أن أثارت إهتمامه 

*** 


بعد عودته الى الفيلا ، سأل زوجته :

- ريما .. لما توقفتِ عن مدحي ، كما كنت تفعلين سابقاً ؟

فردّت باشمئزاز : وعلى ماذا أمدحك ؟ على صلعتك ، وجهلك بفن الإتيكيت ، او رفضك زيارة عائلتي

فؤاد بعصبية : لأننا كلما اجتمعنا ، ذكّروني أنني أدير شركة زوجك المرحوم

- معهم حق ، كنت موظفاً لديه .. وانا الغبية وقعت بغرامك بعد وفاته ، وسلّمتك كل شيء .. الا يكفي هذا إثباتاً على تهوّري الأحمق؟ ..اساساً على الرجل تدليل زوجته وليس العكس

- مُخطئة !! الزوج ايضاً بحاجة للمديح من وقتٍ لآخر .. ثم لا تمنّينني بشركة المرحوم ، فأنا بجهدي طوّرتها حتى أصبح لديها فروع في كافة المدن 


فتوجّهت زوجته نحو باب الغرفة ، وهي تقول : 

- يبدو انك تريد الشجار ، ولا وقت لي لذلك .. سأذهب للمطعم لمقابلة صديقاتي 

- وماذا عني ؟!

زوجته بلؤم : أطلب من الخادمة تحضير الغداء لك ، فأنا لست خادمتك

وتركت زوجها غاضباً ، دون مبالاة ! 

*** 


مع مرور الأيام ، زاد اهتمام سهى بمديرها .. وتعمّدت ووضع وردةً حمراء على طاولته كل صباح ، مما أعطاه النشاط لبدء عمله المرهق .. 

كما أسعدته بنكاتها الظريفة كلما وجدته مُجهداً ، وبدوره تعوّد على وجودها  حوله 

***


وفي أحد الأيام ، غابت عن العمل لظرفٍ طارئ .. فاستفقد وجود الوردة على طاولته 


وقبل بدء عمله .. دخلت زوجته تطالبه بالمال ، لشراء ساعةٍ أعجبتها

فؤاد : لديك عشرات الساعات ! ثم يمكنك رؤية الوقت من جوالك ، فلما هذا التبذير الذي لا لزوم له ؟! 

زوجته بعصبية : وهل أشحذ منك ؟ هذه شركتي ، وسأحصل على نصيبي منها بأيّ وقت !! 

- حسناً أخفضي صوتك .. كم تريدين ؟

ورغم ضخامة المبلغ ! إلاّ انه أعطاها ما تريد ، كيّ لا تفتعل مشكلة امام موظفيه 


وقبل خروجها من مكتبه ، قال ممازحاً :

- على الأقل إشتري وردة لزوجك ، بعد عودتك من السوق

زوجته بسخرية : يبدو أن عقلك يصغر كل يوم ! ثم من عليه إحضار الورود للآخر .. على كلٍ يمكنك النزول لحديقة الشركة ، وقطف أيّ وردةٍ تريدها .. فأنا لا أهتم بهذه السخافات


وخرجت وهي تعدّ رزمة المال ، دون إكتراثها بضيقه وغضبه 

***  


مع الأيام .. زاد اهتمام السكرتيرة بصحّة مديرها ، بعد انتكاسته الأخيرة.. مما جعله يهتمّ بنفسه ، ويطلب من خادمة الفيلا أن تحضّر له المأكولات الصحيّة .. كما تسجّل في نادي رياضيّ .. ليظهر ذلك على جسمه الذي استعاد رشاقته  

كما لاحظت زوجته إمضائه وقتاً طويلاً على جوّاله ، والإبتسامة لا تفارق وجهه ! كل هذا أثار شكوكها ، فاتصلت بموظفةٍ قديمة (عملت بالشركة ايام زوجها المرحوم) لتسألها عن تغيّر طباع زوجها المفاجىء .. فأخبرتها عن السكرتيرة الجديدة المتواجدة معظم الوقت في مكتبه.. 

فقرّرت ريما الذهاب الى الشركة ، للتأكّد من الأمر

***  


في ظهر اليوم التالي .. دخلت ريما مكتب زوجها ، لتجده يضحك مع السكرتيرة.. مما أغضبها جداً ، فقامت بطردها على الفور 


فنظرت سهى الى فؤاد ، لمعرفة رأيه بقرار زوجته الظالم .. فقال حزيناً: 

- آسف يا سهى .. قرار طرد الموظفين بيدها ، فهذه شركتها بنهاية الأمر 


فأسرعت سهى بلمّلمة أغراضها ، وهي منصدمة مما حصل ! وخرجت من الشركة ، بينما الزوجين يتشاجران في المكتب

فؤاد بعصبية : ما كان عليك طردها هكذا ، فهي أفضل موظفة لديّ!!

زوجته بلؤم : وأصغرهنّ سناً.. أهي من كانت تدلّلك الفترة الماضية ، وتحضر لك الورود ؟!


ورمت المزهريّة من فوق مكتبه ، التي فيها ثلاثة ورود حمراء .. لتتحطّم بعنف على الأرض !

فؤاد بقلق : رجاءً عودي الى المنزل ، لا اريد مشاكل امام الموظفين

زوجته : إن كان يهمّك سمعتك ، لما سمحت لتلك الإنتهازية بالتمادي معك .. على كلٍ ، نُكمل كلامنا لاحقاً 


وخرجت غاضبة ، بعد تركها زوجها محطّم القلب ..لأنه أدرك تلك اللحظة إنه مُغرم بسهى التي سيفتقد وجودها قربه !

***


في المساء .. إتصل فؤاد بسهى للإعتذار منها ، فوجدها تبكي بقهر لعدم دفاعه عنها ! 

فأخبرها انه قادم الى منزل اهلها بنهاية الأسبوع ، للحديث معهم بموضوعٍ مهم .. فأسعدها الخبر ، وأعطته العنوان 

***


في الموعد المحدّد .. عثر فؤاد على شقة سهى بصعوبة ، والموجودة في حارةٍ شعبيّة ضيّقة.. وكان واضحاً إنها من أسرةٍ فقيرة من منزل اهلها المتهالك ! وهي اكبر الأبناء ، ولديها 4 اخوة صغار .. ربما لهذا وافقت على الزواج من رجلٍ كبير لتحسين وضع عائلتها .. فهي الوحيدة التي تعمل بينهم ، بعد عجز والدها الذي أصيب بإعاقةٍ دائمة من عمله السابق! 


وبعد جلوسه مع سهى على انفراد ، إقترح عليها الزواج سرّاً ..خوفاً من إبطال زوجته وكالته بإدارة شركتها..

فوافقت بتردّد ، لأجل عائلتها الذي وعدهم بإعطائهم راتباً شهرياً 

***


ولاحقاً .. أغرى فؤاد ريما بسفرٍ سياحيّ الى فرنسا ، كاعتذارٍ منه عن تودّده لسكرتيرته ..

واستغلّ غيابها للزواج بسهى الذي استأجر لها شقةً مفروشة ، ليعيشا معاً أجمل شهر عسلٍ بحياته .. 


وبعد عودة زوجته ، أصبح يزور سهى في النهار فقط .. فهو مُجبر على المبيت في فيلا زوجته التي لم يعد يطيقها 

***


وبعد ثلاثة اشهر ، أخبرته سهى عن حملها .. وظنّت أن الخبر سيسعده ، لأنه ليس لديه اولاد من زواجه الأول الذي دام عشر سنوات .. لكن تعابير وجهه أربكتها !  

- فؤاد ! ما المشكلة ؟ الم يسعدك الخبر ؟ ستصبح اباً بعد سبعة أشهر

فؤاد بضيق : لم يكن هذا اتفاقنا

- ماذا يعني ذلك ؟!

- كيف أستطيع إخفاء ابني عن زوجتي ؟

سهى : تماماً كما أخفيت زواجنا 

- لا ، الأمر يختلف .. فأنا ازورك مرة في الإسبوع .. لكن بوجود اولاد ، سيصبح الأمر معقّداً .. وأنا لن أضيّع جهودي في الشركة ، لأجل طفلك .. وإن كنت مصرّة على إنجابه ، فانسبيه لعائلة أهلك

سهى بصدمة : هو طفلك ايضاً ، وليس إبن حرام ! 

- اذاً أجهضي الجنين ، فأنا لا اريده


فوقفت غاضبة ، وهي تشير لباب الشقة :

- أخرج فوراً !!

فؤاد بدهشة : ماذا !

- لقد دمّرت كل شيء بتفضيلك الشركة على ابنك الوحيد .. هيا عدّ إلى روتينك المملّ .. وأنا سأجد عملاً أصرف به على ابني الذي أعدك أن لا تراه في حياتك !! ولا تبحث عني ، لأني سأغادر شقتك بأسرع وقتٍ ممكن 

فؤاد : لا تتغابي يا سهى ، يمكننا إكمال حياتنا دون اولاد

- لا يحّق لك أن تحرمني الأمومة .. ولا تقلق على مصروف عائلتي ، سأعتني بهم ايضاً .. لكن قبل خروجك من حياتي ، أريد أن تطلّقني الآن 

- فكّري بالموضوع جيداً

سهى بغضب : طلّقني يا فؤاد ، وارحل للأبد !!


فخرج من شقتها بعد تطليقها ، وهو يشعر بتشتّت أفكاره ومشاعره.. لتنهار باكية ، بعد صدمتها الكبيرة فيه !

***


لم تمضي اسابيع .. حتى علم فؤاد بسفر سهى لدولةٍ عربية .. والعمل في شركةٍ تجاريّة ، وافقت على توظيفها رغم حملها ! 

فلم يهتم للأمر ، وقرّر إنهاك نفسه بالعمل كيّ لا يفكر بها وبطفله 

***


بعد سنوات ، وجد بالصدفة دواء منع حمل في درج زوجته في غرفة النوم .. فسألها عنه ! لتخبره انها تتناوله منذ زواجهما ، لرفضها الإنجاب منه.. 

فحصلت مشكلةٌ كبيرة ، إنتهت بالطلاق وفصل الشركة بينهما : المبنى الرئيسي عاد إليها .. وإدارة الفروع له ، بعد تغيره إسم الشركة ..


ومنذ ذلك الحين وهو يبحث عن سهى وابنه الوحيد ، دون أثرٍ لهما ! بعد رفض اهلها إخباره بمعلومات عن زوجها الثاني ، بناءً على طلبها 

*** 


ومرّت الأعوام ، إلى أن تقاعد من شركته لكبر سنّه .. 

بعدها بأيام ، تلقّى دعوة لحضور زواج ابنه المهندس ! 


فاتصل على الرقم الموجود في الدعوة ، لتردّ عليه سهى :

- مرحباً فؤاد .. أرسلت دعوة لحضور عرس ابنك ، لكن بشرط !! أن لا تخبره بالماضي ، فهو يظنّ إن زوجي هو والده الحقيقي .. 

فؤاد : ارجوك سهى ، لا تحرمني من سماع كلمة أبي

- انت حرمت نفسك منها ، حين فضّلت المال على ابنك الوحيد .. وإن كنت تنوي إفتعال المشاكل ، لا تحضر العرس

- لا !! أعدكِ أن لا اقترب منه .. رجاءً أعطيني عنوان الصالة كيّ اراه عريساً

*** 


وفي العرس .. سمح زوج سهى بالحديث مع طليقها عن ابنهما .. 

فجلست على طاولة فؤاد الذي كان منشغلاً بمراقبة رقصة ابنه مع عروسته بصمتٍ وحزن .. ثم التفت إليها وهو يقول نادماً :

- آسف يا سهى .. ليت باستطاعتي إعادة الزمن ، لما ارتكبت غلطة عمري بالتخليّ عنكما 

سهى : هذا قدرنا .. والحمد لله انه أكرمني بزوجٍ صالحٍ وطيب ، ربّاه كأنه ابنه ولم يفرّقه عن إخوته 

فؤاد : طالما لديك اولاد غيره ، فاسمحي لي باخباره الحقيقة

سهى بحزم : إيّاك أن تفعل !! هو سيهاجر قريباً إلى أوروبا مع عروسته ، فلا داعي لتشويش عقله بمعلوماتٍ لا فائدة منها .. ثم ماذا قدّمت له لتستحقّ لقب الأبوّة ؟ 


فؤاد بقهر : ألن ينتهي عقابك ، يا سهى ؟

سهى بعصبية : ابداً !! فحين طلبت مني نسبه لعائلتي ، سقطّت من نظري .. لوّ انك طعنتني في قلبي ، لكان أخفّ وجعاً .. انت لا تدري كم عانيت بالغربة ، وانا اعمل وأرعى طفلاً بمفردي ؟

فؤاد بحزن : أعتذر مجدّداً 

سهى : بقيّ ساعة على انتهاء العرس .. صفّق للعريسين بهدوء ، ولا تلفت الأنظار اليك  


وعادت الى طاولة زوجها واولادها .. بينما ظلّ فؤاد يراقب العريس بعيونٍ دامعة ، لعجزه عن البوح بمشاعره له .. 

وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي يرى فيها ابنه الوحيد ، بعد أن وافته المنيّة مقهوراً !


هناك 5 تعليقات:

  1. اهلا بعودتك الرائعه اختي اسما...قصه رائعه...لقد اشتقت لقصصك وافكارك......
    ..مشكوره اختي امل ...مهما مدحتك ومدحتك فلن اوفيك حقك ...قلبك طيب ومتواظعه ..ربي يسعدك ...

    ردحذف
  2. حسنا هذه هي مشكلة كل إرتباط غياب ( التكافؤ ) إن غاب في أي شيء حدث الشقاق سواء كان سنا أو تعليم أو مال ...إلخ . وإن كان المال في عصرنا يعمي عينا زرقاء اليمامه . كل الشكر كل الشكر ♥♡★☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥ ♡ ★ ☆ ♥

    ردحذف
  3. قصه جميله من ابداعات الثنائي الرائعين امل واسمى الله يوفقكم ويفرحيكم يارب
    قصه لطيفه بس اسم البطل هو بعيد جدا عن شخيصة فؤاد
    مممم
    نتظر جديكما
    تحياتي لكما من فؤد

    ردحذف
    الردود
    1. اهلاً وسهلاً استاذ فؤاد ، أسعدت اختي بتعليقك الجميل .. شكراً لك

      حذف
    2. ان شاء الله النجاح من نصيبكما وحياه جميله
      كحال اسم فؤاد
      فهو بعيد عن هيك شخصيه حتى من اعرفهم
      صدف غريبه ولكن في الدنيا الخير والشر
      ولكن فؤاد بطل القصه جبان جدا لم يدافع عن حبه لسهى
      للاسف قصته مع زوجته الاولى كنا نتمى الاتساع بها
      *///*
      اتمنى ياتي يوما وتظهر فكرتي السابقه كقصه هنا

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...