الاثنين، 23 أغسطس 2021

المغامر

تأليف : امل شانوحة 

 

الأماكن المهجورة


تفاجأ الشاب أيمن بانضمام آلاف المتابعين الى قناته التي افتتحها حديثاً ، بعد تصويره منزلاً مهجوراً .. فسمّى قناته ب(المغامر) ، ووعدهم باكتشاف الأماكن المخيفة في مدينته والمدن المجاورة .. 

وبدورهم اشترطوا عليه : أن يكون وحده ، وأن يزورها مساءً ، وأن يختار أشهر وأخطر الأماكن المسكونة بالجن والعفاريت

***


بعد شهور من تصويره المنازل والمدارس والمستشفيات المهجورة ، إزداد عدد المشاهدين بشكلٍ ملحوظ ، خاصة على الفيديوهات التي تضمّنت ظواهراً غريبة ومخيفة ، ومنها :


تصويره لساحرٍ بوجهٍ مدهون بالصباغ الأسود ، كان جالساً تحت سقفٍ مُهدّم ، بعباءته السوداء كريهة الرائحة ، داخل منزلٍ مهجور ! 

وحين اقترب منه ، سأله بصوتٍ أجشّ : أتريد الزواج من أميرة جنّية ؟

فأجابه أيمن بثقةٍ وإيمان : لا يا عم ، لا أفكّر حتى الزواج من إنسيّة 


فأشار العجوز بأصبعه اليه ، لينطفأ جواله ! ويرفع أيمن صوته المرتجف بتلاوة المعوّذات .. 

وحين أعاد نور جواله ، إختفى الساحر من الغرفة ! 

فهرّول أيمن مبتعداً ، بعد توثيقه الحدث لمتابعيه


وخلال مغامراته الكثيرة ، إلتقى بعددٍ من الساحرات في عدّة خرائب قذرة ..معظمهن جلسن في دائرة مضاءة بالشموع ، او وسط نجمة داود وهن يتلوون التعاويذ السحرية ، واللآتي إضّطربن فور رؤية أيمن ! منهن من رمته بالحجارة ، لمقاطعته جلسة تحضيرها الجن .. اما الأخريات فأخذن يتلوّين على الأرض بألم ، بعد قراءته الأيات القرآنية بصوتٍ عالي.. 

ولاحقاً إستطاعت الشرطة القبض على بعضهن ، بعد ظهور وجوههن بوضوح في فيديوهات المغامر


أمّا أغرب ما صوّره أيمن : فكان لرجلٍ آسيويّ يعيش مُشرّداً في مكانٍ مهجور ..ورغم عدم إتقانه العربية ، الا أن أيمن فهم من إشاراته المرتبكة : أنه فرّ من كفيله الذي عمل سائقاً لديه ، والذي مازال يملك جواز سفره دون إعطائه رواتبه السابقة .. لهذا لم يستطع العودة الى بلاده ، فاختار هذا المكان المخيف ليكون منزله  

وحين سأله أيمن عن مكان نومه (لعدم رؤيته فراشاً في أيّةِ غرفة) أشار  السائق الى حوض الإستحمام داخل حمّامٍ مظلمٍ ومهدّم .. فنصحه أيمن :

- لا يجب النوم هنا ، وإلاّ ستتلبّسك الجن والعفاريت

وجاءت ردّة فعل السائق مخيفة ، حيث اكتفى بابتسامةٍ عريضة ! أرعبت كيان أيمن الذي فرّ هارباً من هناك .. 


وللصدفة الغريبة شاهد أحدهم ذلك الفيديو الذي ارسله لقريبه الذي بحث لشهور عن سائقه الهارب ، والذي بدوره اتصل بالشرطة للقبض عليه .. ليلاحظوا تصرّفاته مريبه : كهدوئه الشديد لحظة توقيفه ، وامتناعه عن تناول الطعام في السجن .. وبعد وصول كفيله ، وافق على الفور للعودة الى عمله ! 


وبعد ايام .. إنتشر خبر مقتل نساء الكفيل واطفاله ذبحاً ، وإيجاد الشرطة لجثة الكفيل محروقة في حديقة المنزل .. دون أثرٍ للسائق الذي فرّ ثانية الى وجهةٍ مجهولة !


فحمد أيمن ربه الذي نجّاه من ذلك المجرم المجنون ، مع شكّه أن يكون من ارتكب الجريمة هم الجن الذين تلبّسوا جسد السائق الأحمق 


وبسبب هذه الحادثة ، ضغطت عائلة أيمن عليه لإغلاق قناته .. فوعدهم بذلك فور عودته من السفر ، دون إخبارهم أنه في طريقه الى القرية المجاورة ، بعد قراءته تعليقاً على إحدى فيديوهاته : عن وجود صالة رياضية مهجورة ، يصدر منها اصوات نحيب نساء كل ليلة .. وتمّ إغلاقها بعد غرق اكثر من شخص في مسبحها ، دون سببٍ مقنع ! والناجي الوحيد : أكّد على وجود شبحٍ حاول سحبه لأسفل البركة.. وبسبب اقواله ، إنتشرت إشاعة أن النادي مسكونٌ بالجن ! فقرّر المشتركون هجره ، مما أدّى لإغلاقه نهائياً .


وشعر أيمن بالحماس الشديد لاكتشافه .. ولأنه وعد امه بعدم دخول الأماكن المهجورة ثانيةً ، وجد فكرةً ذكية : وهي شراء لعبة دبّابة إلكترونية (بحجم كلب الحراسة) بإمكان سلسلتها الحديدية تخطّي الأحجار والنفايات وصعود الأدراج ، عن طريق التحكّم بها لمسافاتٍ بعيدة بواسطة اللاسلكيّ


ولأنه مهندسٌ ميكانيكيّ أضاف لها بعض القطع الضرورية لمهمّته الإستثنائية : كإنارةٍ قوية ، ومسجّل للرقية الشرعية ، ومكبّر الصوت ، وكاميرا مزوّدة بالأشعة تحت الحمراء (للرؤية الليلية ، وتحليل الكفاءة الحرارية) وقاذفة لهب يمكن إطلاقها من مدفع الدبابة ، يستخدمها فقط في الحالة القصوى ... 

***


بحلول المساء .. إنتظر أيمن خارج النادي ، مُستمعاً بذهولٍ وقلق الى صراخ ونحيب النسوة بالداخل الذي تزايد كلما تأخر الوقت ! 


وبعد تمريره الدبابة الصغيرة اسفل السياج الحديديّ ، عاد الى سيارته لتحّكم بها لاسلكيّاً..الى أن تمكّن من إدخالها الى الصالة المهجورة  

وأخذ يصوّر من خلالها الغرف الرياضية الفارغة ، إلاّ من بعض الأدوات الرخيصة المهملة في زوايا الصالات .. وقد لاحظ إختفاء الصراخ فور بدئه التصوير ، حيث بدى المكان هادئاً بشكلٍ مريب !

 

فضغط زرّ آخر بجهاز التحكّم ، لرفع صوت القرآن من داخل اللعبة .. ومعها علا صراخ النساء من جديد ، رغم عدم وجودهن في أيّ مكان ! مع إنغلاق الأبواب والنوافذ المحطّمة وحدها ، بقوةٍ وغضبٍ شديد ! 


مما جعله يُضيء الرؤية الليلية ، ليشاهد لأول مرة هيئة الجن المرعبة التي ظهرت له بأشكالٍ مختلفة : منها ما كان يزحف كثعبانٍ بيدين قصيرتين .. ومنها ما طار كالخفاش ، بوجه أشبه بإنسي عجوز .. ومنها ما قفز كحيوان الكنغر.. حتى البركة الضحلة في قعر المسبح المهمل ، رأى من خلال الأشعة تحت الحمراء كائناً يسبح فيها ، لديه جسم انسان وذيل سمكة .. 


ورغم إرتعاب أيمن مما رآه ، الا انه كان سعيداً لأمرين : اولاً لسماعه نصيحة امه بعدم دخوله الى مكان يعجّ بالكائنات المخيفة التي كانت ستؤذيه حتماً .. وثانياً : لأن هذا الفيديو سيفجّر اللايكات ويشهره حول العالم ، وربما يصبح ثرياً بسببه.

 

لهذا تابع التصوير من خلال الدبابة الصغيرة التي وصلت أخيراً الى صالةٍ ضخمة متواجدة في وسط النادي تحوي مداخل كل الغرف الرياضية ..

وحين رفع الكاميرا للأعلى ، شاهد شيئاً كاد يوقف قلبه ! عنكبوتاً ضخماً بأرجله الثمانية تصل من الأرض الى السقف ! وهو ينسجّ شباكه بفمه المِشعرّ ، وعيونه المخيفة الحمراء .. 


فحاول أيمن إبعاد لعبته عن شباكه المنتشرة في كل مكان ، لينتبه على إهتزاز الشبكة في الأعلى ، مترافقة مع بكاء طفل ! 

فزاد قوة الإضاءة ، ليشاهد طفلة بشريّة مقيّده بشباك العنكبوت في السقف! 


ورغم رعب الموقف ، الا انه قرّر إنقاذ الطفلة التي يبدو إن السحرة باعوها للجن بطريقةٍ ما .. 

ولم يكن امامه سوى إشعال قاذفة اللهب (من مدفع الدبابة) باتجاه الشباك ، التي سرعان ما اشتعلت وصولاً للسقف .. مما جعل العنكبوت الضخم يفرّ فزعاً قبل احتراقه ..


ونجحت خطته بجعل الشباك تنقطع حول الطفلة ، لتدلّى رويداً رويداً باتجاه الأرض .. وحين وقفت مرتجفة بجانب اللعبة المضيئة ، تكلّم أيمن معها من الميكرفون :

- لا تخافي .. انا إنسي مثلك ، وانتظرك في الخارج .. إلحقي الدبابة التي ستنير طريقك للهروب من هذا الجحيم 


فركضت الفتاة خلف اللعبة ، مبتعدان عن الجن الذين هربوا بكافة الإتجاهات خوفاً من النار التي اشتعلت في ارجاء النادي المهجور  


وانتظر أيمن الفتاة خارج سياج النادي .. وفور رؤيته الدبابة تخرج من البوّابة ، ركض اليها لأخذها بيده ، وحمل الطفلة بيده الأخرى .. والإسراع الى سيارته التي قادها مبتعداً عن المكان المخيف 


ورغم شروق الشمس ، إلاّ أن الجن ظلّت تلاحق سيارته ! خاصة العنكبوت الكبير الذي انطلق بسرعةٍ مهولة ، حتى علت أقدامه السيارة ! محاولاً إدخال ذراعه من النافذة المفتوحة لخطف الفتاة .. 

فأسرع أيمن بإغلاق النافذة التي قطعت طرف ذراع العنكبوت ، التي ظلّت تنتفض في المقاعد الخلفية قبل اختفائها !

 

والغريب إن الباعة والناس في الطريق لم يشاهدوا معاناة أيمن ، بل أكملوا طريقهم كأنه يومٌ عادي ! 

وبعد ابتعاده مسافة عن النادي الذي بدأت تخرج منه ألهبة النار والدخان ، إختفى الجن اخيراً .. 


فقال أيمن للفتاة بابتسامةٍ حنونة :

- لا تبكي رجاءً .. أعرف انك عشت اياماً مخيفة هناك ، ولا ادري كم بقيت محتجزة في عالمهم .. لكن لا تخافي .. سآخذك الى الشرطة ليتصلوا بأهلك الذين حتماً بحثوا عنك في كل مكان .. وأريدك أن تثقي بي .. إسمي أيمن ، وأنت ؟ 

لكنها لم تجبه ، بل اكتفت بمسح دموعها .. 


فعاد وسألها : هل انت جائعة ؟

فأشارت برأسها إيجاباً..

أيمن : حسناً سأشتري لك شطيرة جبن وبعض الحلوى ، ثم نذهب للشرطة 


فاكتفت بإدارة رأسها نحو النافذة ، كيّ لا ينتبه على عينيها اللتين تحوّلتا لعيون قطط ! 

وتابع أيمن القيادة ، دون علمه أنه برفقة أميرة الجن ، التي قالت بنفسها بحنق :

((سأنتقم منك لرفضك الزواج مني ، ايها الإنسي المغرور))

وابتسمت بخبث !


هناك 12 تعليقًا:

  1. ملاحظة : الجن والسحرة الذين ذكرتهم في بداية القصة صحيحة ، وشاهدتهم بفيديوهات على التيك توك لمغامرين يكتشفون الأماكن المهجور .. حتى قصة الصالة المهجورة التي يصدر منها نحيب نسوة كل ليلة صحيحة .. اما وصفي للجن داخل الصالة فهي لما شاهدته بكوابيس سابقة ، أردّت مشاركتها معكم .. أتمنى ان تعجبكم القصة

    ردحذف
  2. جميله جدا ومسليه شكرا جزيلا . طبعا تشكل الجن هذه مسأله شائعه رغم تكذيب الكثير لها . شخصيا أخبرني أكثر من معالج بوجود مايسمى بالجنيه العاشقه بل إثنتان هههههه بداخل جسدي ولا أعلم علام ولكن يبدو أن ذوقهم سيئ جدا في الإختيار أو ربما روحهم حلوه ... لكن هذه الأشياء حقا لا يشعر بها سوى من أبتلي بها كاللمس والتنفس في الوجه وخلف الأذن والتكتيف والرؤى في المنام إلخ . .

    ردحذف
    الردود
    1. نعم ، شفا الله جميع المسحورين ، وأبعد أذى السحرة عنا وعن الصالحين الطيبن .. يارب آمين

      سعيدة إن القصة أعجبتك أخ عاصم

      حذف
  3. حلوه المقاله يبدو اني سابحث عن قنوات مغامرين باليوتيوب....والله صرررت مجنوون بمقالاتك حد الجنووون ....حفظك الله ورعاك اختي امل...لماذا لايوجد بمدونتك عدد القراء

    ردحذف
    الردود
    1. منذ 2016(تاريخ إفتتاحي المدونة)حتى الآن ، دخل الى مدونتي (652150) قارئ ولله الحمد ، أتمنى أن يصلوا يوماً الى مليون متابع ..

      حذف
    2. اتمنا لك التوفيق ...والملايين من المتابعين.....ماشاء الله مبدعه بجميع انواااااع القصص

      حذف
  4. استاذة امل متابعك من ٢٠١٦ اتمنى اتعرف عليك اكثر

    ردحذف
    الردود
    1. يمكنك التعرّف عليّ أكثر من هذا الحوار الصحفي ، وشكراً لاهتمامك
      http://hibopress.blogspot.com/2018/12/blog-post_77.html

      حذف
  5. انت افضل كاتبة قرأت مقالاتها في حياتي

    ردحذف
    الردود
    1. كل ما يهمّني بقصصي أن تكون افكارها جديدة .. شكراً جزيلاً لك

      حذف
  6. رائعة قصة بمنتهى الروعة ياكنز الابداع من أجمل القصص. أحسنتي وابداعتي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...