الثلاثاء، 9 يونيو 2020

ارواحٌ ثائرة

تأليف : امل شانوحة


 
طمس الحقائق لنصف قرن

بدأ طلاّب الجامعة (قسم الإعلام) الواحد تلوّ الآخر بقراءة ابحاث تخرّجهم امام استاذهم .. الى ان جاء دور مراد مرتضى (الطالب الأكثر تفوقاً) فأنصت الجميع باهتمام , وهو يُطلعهم على حادثة حصلت في جامعتهم قبل خمسين عاماً : حين أحرق ثلاثون طالباً انفسهم داخل قاعة (في نفس طابقهم) إحتجاجاً على زيادة الأقساط الجامعية !

وأنهى مقاله بسؤالٍ مُحيّر , بعد عرضه صورة على شاشة الفصل:
- في هذه الصورة ترون آثار ايديهم مطبوعة على زجاج القاعة المحترقة .. سؤالي : طالما أقفلوا الباب على انفسهم من الداخل , فلما حاولوا كسر الزجاج ؟! .. الأغرب إن تشريح الجثث أثبت عدم وجود بنزين على ملابسهم , كما ذُكر بتقرير الشرطة ..

وهنا قاطعه الأستاذ بعصبية :
- نكتفي بهذا القدر من التُّرّهات .. مراد !! عليك تقديم بحثٌ جديد 
مراد بدهشة : لماذا ؟!
الأستاذ : قانون الجامعة يمنع ذكر هذه الحادثة .. وبرأيّ الشخصي : أنهى الحمقى حياتهم لأمرٍ تافه , وهذا ذنبهم .. ولوّ تعمقت اكثر في الموضوع , لوجدت الأهالي تبرّوا منهم .. حتى بعضهم رفض الصلاة على جثمان ابنه لاعتباره كافراً ! 
مراد : لكنهم كانوا متفوقين دراسياً , ورفع الأقساط ليس سبباً مقنعاً لانتحارهم الجماعيّ !

فجاءت ردّة فعل الأستاذ صادمة للجميع ! حين مزّق بحث مراد بعصبية , ورماه في سلّة النفايات , مُهدّداً إيّاه بالرسوب في حال لم يُسلّمه بحثاً آخر خلال اسبوعين  

فعاد مراد الى مقعده مذهولاً ! وحسّه الإعلامي يُشعره بأن وراء غموض الحادثة أمرٌ خطير , لا ترغب الإدارة والعاملين بالجامعة الإفصاح عنه 
***

في الأيام التالية .. قضى مراد جُلّ وقته في مكتبة الإعلام (بجامعته) , باحثاً عن موضوعٍ جديد يُقدّمه قبل نهاية الموعد .. ولأن معظم الطلاّب سلّموا ابحاثهم , كانت المكتبة شبه فارغة ..

واثناء وجوده بخلفيّة المكتبة , سحب كتاباً ضخماً من رفّ الخزانة (الغير متوازنة) جعلها تميل للخلف بقوة , مُرتطمة بالجدار !
فسأله امين المكتبة من بعيد : ماذا حصل هناك ؟!!
مراد : أوقعت كتاباً بالخطأ , سأعيده مكانه ..لا تقلق ..
لكن الخزانة أحدثت ثقباً في الجدار الخلفيّ .. 

وحين نظر فيه : وجد قاعةً كبيرة , نوافذها مغلقة بألواحٍ خشبية !
فتساءل في نفسه : ((لما لم يضمّوها الى المكتبة , بدل حصرهم الكتب في غرفةٍ ضيقة ؟.. أمعقول انها نفس القاعة التي أحرق بها الطلاّب القدامى أنفسهم ؟)) 
لكن لم يكن لديه وقتٌ كافي للتفكير , وأسرع للحاق بالمحاضرة .. 
***  

بعد ايام , عصراً ... جلس مراد في الصفوف الخلفيّة (على عكس عادته) لتجنّب اسئلة الأستاذ عن بحثه المتأخر .. شاعراً بإرهاقٍ شديد , بسبب تفكيره المستمرّ بموضوع البحث الجديد .. وما ان أسند رأسه المُتعب فوق الكتب , حتى غفى على الفور !
***

عندما استيقظ .. وجد القاعة مظلمة بحلول المساء ! وشعر بالقلق لأن غداً يوم عطلة .. 

فخرج مُسرعاً من الغرفة .. ونزل الأدراج مُستعيناً بضوء جواله .. لتتحقّق اسوء مخاوفه بعد قفل بوّابة الجامعة بإحكام !
فحاول الإتصال بصديقه , لكن لا إرسال في ساحة الجامعة (على غير العادة) !

فبدأ بصعود الطوابق وهو يُوجّه جواله في جميع الإتجاهات , محاولاً إلتقاط إشارة للإتصال بأحدهم .. 

الى ان عاد للطابق الذي كان فيه .. فبدأ الإرسال يقوى كلما اقترب من المكتبة المظلمة التي وجد بابها موارباً .. وحين فتحه , رأى نوراً خافتاً يخرج من فتحة الجدار خلف الخزانة !
فنظر فيها : ليجد القاعة المغلقة مُضاءة بالكامل , وشعر بنسيمٍ بارد يلامس وجهه !

ولشدّة يأسه وغضبه من الحرس واصدقائه لتركه وحده في الجامعة , كسر الجدار الخشبيّ الفاصل .. الى ان تمكّن العبور للقاعة السرّية 
وفور وقوفه بوسطها , شعر بدوارٍ شديد جعله يسقط على الأرض مغمياً عليه !
***

حين استفاق , وجد نفسه في زمن الماضي ! ومن حوله طلاّب يلبسون زيّاً موحداً , وشعرهم مُصفّف بالفازلين , وعددهم قرابة الثلاثين طالباً .. 
فاقترب منهم دون ان يلاحظوه ! وأخذ يستمع الى مخطّطهم الخطير .. 

حيث قال قائدهم بحزم : اليوم سنفعلها !! 
طالب بحماس : أحقاً يا احمد !! هل ثورتنا ضدّ الحاكم ستبدأ الآن؟
احمد : سننطلق بعد المحاضرة الأخيرة من بوّابة الجامعة باتجاه الشارع العام , رافعين شعاراتنا ضدّ الرئيس 
طالبة بقلق : أخاف ان تعتقلنا الشرطة ؟

احمد : إسمعوني جيداً !! انا متأكّد ان الناس ستلحقنا , ليُصبح عددنا بالآلاف .. فالجميع غاضبٌ من ظلمه واستبداده .. خاصة قراره الأخير بمنع الشعب من السفر للخارج , مما دمّر طموح الشباب بحياةٍ أفضل .. لهذا علينا إطلاق شرارة الثورة .. ومن بعدها تتصاعد الأحداث لحين إسقاط الحكم , فهل انتم معي يا اصدقاء ؟!!
فوضع الجميع ايديهم فوق يده , وهم يقولون بحماس : 
- النصر للمقاومة الشبابية !! 

بهذه الأثناء .. لاحظ مراد احد الطلاّب يتسلّل لخارج القاعة .. واذّ بجسم مراد يطفو خلفه بخفّة , وكأنه روح ! الى ان وجد نفسه في غرفة الإدارة القديمة .. وهناك سمع الطالب المُندسّ يُخبر المدير بخطة الطلاّب للثورة .. وبعد ذهابه , إتصل المدير بمكتب المخابرات .. 

وفجأة ! تبدلّت الأحداث .. ورأى مراد نفسه عالقاً مع الطلاّب الثائرين بالقاعة , بعد إقفال الحرس الباب عليهم .. 
ثم سمع صوت المدير يقول لهم من الخارج :
- لن أسمح لكم بإقامة ثورة ضدّ رئيسنا المُبجّل !! 

وهنا شاهد مراد زجاجة كحول مُحترقة , تُرمى عليهم من نافذة المكتبة المجاورة ! لتشتعلّ الطاولات على الفور .. 
فانطلق الطلاّب المذعورين نحو الباب , وهم يطرقون على الزجاج محاولين كسره , والدخان يحيط بهم من كل جانب .. 
ومن شدة فزع احدهم ! رمى نفسه من الطابق الرابع , ليلقى حتفه 

وشعر مراد بحرارة اللهب تقترب منه , والدخان يخنق انفاسه ! 
فأغمض عينيه وهو يتشاهد بعد ان أيقن موته.. 

وفجأة ! توقف كل شيء .. وأُخمدت النيران , وانقشع الدخان ليظهر الطلاّب الموتى بوجوههم المشوّهة وهم ينظرون نحوه !
فتراجع للخلف بعد ان أفزعه منظرهم , فقال قائدهم احمد :
- مراد !! نُريدك ان تنشر الحقيقة لراحة ارواحنا , وتطهير سمعتنا التي شُوّهت بشهودهم الزور 
وقالت إحداهن بحزن : رجاءً إفهم من بقيّ حياً من اهلنا اننا لم نُغضب ربنا وننتحر جماعيّاً 
قائدهم احمد : نحن نعتمد عليك يا مراد .. فأنت ستصبح اهم صحفي بالبلد , لهذا اخترناك لهذه المهمّة الصعبة 

هنا شعر مراد بأحدهم يهزّ كتفه ! وحين فتح عينيه , وجد نفسه بزمن الحاضر (داخل قاعته الدراسية) .. وصديقه يقول له : 
- إستيقظ يا كسول , المحاضرة انتهت !!

فعلم انه شاهد كابوساً مفزعاً .. 
لكن حلمه الغريب أشغل تفكيره حتى بعد عودته للمنزل .. 
فأعاد النظر الى الصورة التي استخرجها من ارشيف الجامعة , قائلاً :
((هذا يفسّر بصمات ايديهم على زجاج الباب , وهم يحاولون الهرب .. (ثم تنهّد بضيق) ..لا أصدّق ان ادارة جامعتي قرّرت حرقهم احياء لحماية الرئيس , اليس في قلوبهم رحمة ! )) 
وبعد تفكيرٍ مُطوّل , قرّر كشف الحقيقة مهما كلّفه الأمر ..
***

في اليوم التالي , في ساحة الجامعة .. إشترى شطيرة لحم ومشروباً غازياً لأكبر الحرّاس عمراً .. 
وبعد إنهاء طعامه , سأله مراد :
- أحقاً ستتقاعد بعد شهر ؟
الحارس العجوز : نعم .. فأبي رحمه الله كان حارس المدير , ووظّفني مكانه فور إنهائي الثانوية .. وقريباً سأتمّم 52 سنة عمل في حراسة ..
مراد مقاطعاً : يعني كنت موجوداً حين اندلع الحريق في الطابق الرابع ؟

فتلفّت الحارس حوله بقلق : بنيّ رجاءً لا تفتح هذه المواضيع الشائكة
- لما الجميع يرفض الكلام عن اهم حادثة بتاريخ الجامعة ؟
العجوز بصوتٍ منخفض : لأنها تتعلق بالسياسة 
- انا عرفت كل شيء , ومازلت لا اصدّق ان المدير القديم نفّذ اوامر الحاكم بقتل الثوّار الشباب 
الحارس بفزع : إخفض صوتك يا ولد !! 
- ولما انت خائفٌ هكذا ؟ الرئيس مات
- وابنه يحكمنا الآن
- كلامك يؤكّد انك رأيت الحادثة 

فبلع الحارس ريقه , قبل ان يقول بتردّدٍ وارتباك : 
- مازالت الى اليوم يؤنبني ضميري على تزوير شهادتي , لكنهم أجبروا جميع الموظفين على ذلك 
مراد : إخبرني بما حصل , وأعدك ان لا اذكر اسمك بمقالي الصحفي
فأخبره بأحداث تُشابه ما رآه في كابوسه !

مراد : وماذا حصل للموظف الذي رمى الزجاجة المحترقة على الطلّاب؟ 
- مات بعد شهرين من الحادثة , بانفجار انبوبة غاز في وجهه
- سبحان الله !
العجوز : اعتقد ان ارواحهم الغاضبة إنتقمت منه 
- أتصدّق بهذه الأمور ؟!
الحارس بحزن : نعم .. فصريخهم لا يفارقني للحظة , واصوات استغاثتهم تقضّ مضجعي كل ليلة
- لهذا قرّرت تطهير سمعتهم من الأكاذيب التي نشرتها الصحافة  عليهم قبل نصف قرن 
- ولما تجلب لنفسك المشاكل ؟
مراد : لأنهم أوكلوني بالمهمّة , ولا تسألني كيف .. 
وتركه بعد ان تعاهدا بأن لا يعلم احد بالحديث الذي دار بينهما 
***

في اليوم التالي .. أمضى مراد النهار كلّه في ارشيف الصحيفة الوطنية التي نشرت الخبر قديماً , الى ان عثر على اسماء الثلاثين طالباً (المنتحرين).. 
وفي الأسبوعين التاليين .. حصل على عناوين اهاليهم (او من تبقى حياً منهم) من دوائر السجلات المدنيّة..  

وفي منزل احدهم (رجلٌ سبعينيّ) أخبره : 
- مازلت لليوم لا اصدّق انتحار اخي , فهو كان متديناً ولن يغضب ربه هكذا !
مراد : وهل ضايقتكم الصحافة بعد الحادثة ؟
- كثيراً .. وألصقوا تهماً زائفة على اخي ورفاقه , ولاموا الأهالي على تربيتهم القاسية التي عدّوها السبب الأول لانتحارهم الجماعيّ .. عدا عن تفتيش الشرطة لبيوتنا عشرات المرات , دون إخبارنا السبب.. لكني بالحقيقة كنت على دراية باهتمام اخي بالسياسة .. باختصار , كانت فترة عصيبة جداً علينا
***

وأخبرته خطيبة احدهم : 
- رغم تقدّمي بالسن وزواجي مرتين وعشرات الأحفاد , لم أنسى يوماً خطيبي احمد .. كانت شخصيته قوية وطموحه لا حدود له .. مع انه كان يرعبني حين يخبرني عن خطّطه للإطاحة برئيسنا الظالم
مراد باستغراب : خطيبك هو احمد سلامة : قائد المجموعة
- نعم .. ولم اصدّق يوماً بانتحاره , فهو مخالف لمبادئه واخلاقه ! 
- اذاً برأيك موتهم كان قتلاً مُتعمّداً ؟

السيدة : بالتأكيد !! فهو أخبرني ذلك الصباح انه سيبدأ الثورة مع اصدقائه بنهاية اليوم الدراسيّ .. فحاولت منعه بكل الطرق , لكنه كان مصمّماً على إسقاط الحكم ! لهذا لم يفاجئني خبر موته .. والطريقة التي استخدموها لإسكاتهم تفضح وحشيّة النظام 
- ماذا عن الصحافة ؟ 
- شوّهوا جميع الحقائق .. وقالوا عن احمد بأنه مجنون ومدمن مخدرات ! رغم انه من الطلاّب المتفوقين بالعلوم السياسية .. لكنهم زوّروا كل شيء حتى شهادته , ليثبتوا للجميع انه طالبٌ فاشل وراسب لعدة سنوات ! 

مراد : الم تحاولي فضح اكاذيبهم ؟
- لم استطع ! .. هدّدوني بالقتل ان مدحته بكلمة , بل أجبروني .. (وتنهّدت بحزن) .. على اتهامه بأنه كان عنيفاً معي .. وبأني فسخت خطبتي به ذلك النهار , لهذا جنّ جنونه وأقنع اصدقائه بالإنتحار معه بحجّة زيادة الأقساط الجامعية .. حتى انهم اتهموه بأنه هو من أقفل الباب عليهم , بعد رميه البنزين على ثيابهم رغماً عنهم !
مراد : لا تبكي ارجوك .. أعدك ان أغيّر فكرة الناس عن الحادثة بأكملها 
- مالفائدة بعد مرور نصف قرن ؟ لا اظن أحد يتذكّر حريق الجامعة !
- انا سأذكّرهم بها ..(ثم وقف مودّعاً) .. سأذهب الآن , ورائي عملٌ كثير ..الى لقاءٍ قريب
***

بعد ايام من السعيّ المتواصل , إستقبله سياسي متقاعد (كان اليد اليمنى للأب الحاكم) .. 
وحين ناقشه بموضوع الحريق , أجابه بلا مبالاة :
- نعم أذكر الحادثة .. جيد اننا قطعنا رأس الفتنة
مراد : هل انت أخبرت مدير الجامعة , قرار الحاكم بحرقهم احياءً؟
السياسي بلؤم وتهديد : 
- حتى لوّ أثبتّ ذلك , فالجريمة سقطت بمرور الزمن .. ونصيحتي لك أن تنسى الموضوع لسلامتك وسلامة عائلتك

فخرج مراد من منزله مُمتعضاً .. وفي ذات الوقت مرتاحاً , بعد تسجيل إعترافه السرّي على جواله 
*** 

طوال الفترة الماضية لم يحضر مراد محاضرات السنة الأخيرة بالجامعة , لانشغاله بالبحث في إرشيف الصحف والدوائر الرسمية عن ادلة وشهود ووثاثق تدعم مقاله الصحفي الأول .. 

ولعلمه المُسبق برفض الصحف الوطنية نشر مقاله السياسيّ الخطير , قام بنشره في وسائل التواصل الإجتماعي , مُتضمناً التسجيل الصوتيّ لاعتراف السياسي المتقاعد بالحادثة .. ممّا أثار غضب اقارب الضحايا الذين وافقوا على مشاركته في مظاهرةٍ سلميّة , تُطالب بالإعتذار الرسميّ من الدولة على تشويه سمعة الأبطال الراحلين .. 
***

ووصل الخبر الى الرئيس الحاكم الذي قال : مظاهرةٌ سلميّة !
موظف مكتبه : نعم سيدي , لكنهم أكّدوا إن شعاراتهم لن تمسّ بسيادتك .. هم يريدون فقط تذكير الناس بالحادثة التي حصلت في عهد المرحوم والدك 
الرئيس : إتصل فوراً برجالنا للمشاركة بالمظاهرة , لإثارة الشغب 
- تقصد المندسّين ؟
- نعم !! وستكون مهمّتهم تشويه صورة المتظاهرين , والتشكيك بنواياهم في زعزعة أمن البلد .. بذلك لن يجرأوا على التظاهر ثانيةً .. هيا !! ماذا تنظر ؟
- حاضر سيدي !!
***

في ظهر اليوم المحدّد .. تجمّعت المظاهرة الجامعية السلميّة في الشارع , وسرعان ما انقلبت الأمور بعد قيام متظاهرين مُقنّعين بتكسير واجهات المحلاّت وسرقة بضائعها ! 
وحاول مراد جاهداً إيقافهم وتهدأتهم , لكن دون جدوى .. 

وبسبب أفعالهم الهمجية تدخلت شرطة مكافحة الشغب لإيقافهم مُستخدمة العنف مع المتظاهرين , واعتقلوا عشرات المسالمين (دون المشاغبين!).. كما انهالوا ضرباً على الجميع , بما فيهم العجائز والنساء والأطفال ! مما تسبّب بوفاة شاب متأثراً بجراحه 

وهذا ما احزن مراد وأغضبه , لكنه اضّطر للإنسحاب والإختباء في مكانٍ سري بعد قيام الشرطة بمداهمة مكان إقامته .. 
فبقيّ فترة في منزل صديقه بالريف , حامداً ربه أن اهله يعيشون بالخارج..  
كما رمى جواله القديمة , واشترى جهازاً صعبٌ تتبّعه لإكمال ثورته من خلال وسائل التواصل الإجتماعي 
***

بعد ايام .. زاره صديقٌ آخر ليريه الصور التي التقطها بالمظاهرة , مُشيراً على احدهم :
- ارأيت هذا الشخص ؟ هو من كان يُعطي الأوامر للهمجيين بإثارة الشغب في مظاهرتنا السلميّة .. 
- الم يكن مقنّعاً ؟ 
- بلى , لكني صوّرته بالصدفة وهو يفرّ مع اتباعه بنهاية الثورة .. وكما تلاحظ , الملابس ذاتها في الصورتين 
مراد : وهل عرفت من يكون ؟
- زميلتي عرفته .. هو قريب امها , ويعمل حارساً في إحدى قصور الحاكم 

مراد : آه مندسّون , تماماً كما توقعت ! اريد اسمه بالكامل , وفي أيّ قصرٍ يعمل 
- وماذا ستفعل بهذه المعلومات ؟
- سأضيفها الى مقالي الجديد , مع الصور 
- أمازلت تتابع الموضوع ؟!
مراد بإصرار : ولن اتوقف !! .. (وأخرج له بعض المستندات المصوّرة) ..أثناء بحثي بالدوائر الرسمية عن ادلة تؤكّد بأن الحريق مُفتعل , إكتشفت وثائقاً تدين اعوان الحاكم ومناصريه .. سأعرضها امام الجمهور للقيام بثورةٍ ضخمة 
***

وبالفعل !! تابع مراد نشر مقالاته المناوأة للحكم , مع فضحه كافة جرائمهم المادية واعمالهم الإجرامية المستترة , وصولاً لفضائحهم الشخصية والأسرية ! 

ومع الوقت .. إزداد عدد مناصريه الذين قرّروا بعد شهور الإنضمام الى مظاهرته الثانية ضدّ ابن الرئيس الذي شابه والده في قمعه للحريات , وظلم شعبه إقتصادياً بفرض الضرائب الجائرة عليهم .. 

لكن هذه المرة فاقت جميع التوقعات , حينما أصبحت المظاهرة مليونية أرعبت رجال الرئاسة الفاسدين ! بعد ان نفّذ الموظفون والمثقفون إعتصاماً احتجاجياً مُطالبين بإنهاء الحكم الظالم الذي دام أكثر من 100 عام .. كما انضمّ اليهم المعارضون المغتربون الذين دعموهم بالمال والسلاح .. 

ولغباء الحاكم وجهله بالسياسة : فرض المزيد من الضرائب على الشعب الغاضب لإصلاح ما خرّبوه من املاك ومرافق حكومية , مما ألهب المظاهرات من جديد ! خاصة مع انضمام العسكر بعد خصمه جزءاً من اجورهم , ممّا قلبهم عليه.. 

وبعد فشل الحاكم بضبط الأمن , قرّر الهرب .. لكن المتظاهرين اغلقوا طريق المطار .. 

فهرب عن طريق البحر .. وحين ابتعدت سفينته عن المرفأ , تفاجأ بحارسه الشخصي يرفع مسدسه نحوه :
الرئيس بخوف : ماذا تفعل يا مجنون ؟!
- مالا تعلمه عني .. ان الطالب احمد سلامة الذي أمر والدك بحرقه حيّاً مع رفاقه هو من اهل قريتي , وانا وعدّتهم بالإنتقام له 
وأطلق النار على قلب الرئيس .. من بعدها أمر قبطان السفينة بإعادتهم للميناء .. 

وهناك اجتمع الناس حول جثة الرئيس التي عُرضت على كافة قنوات الأخبار .. 
وتحدّث العالم عن نجاح الثورة التي أطلقها الشاب مراد مرتضى الذي لم يكتفي بإسقاط الحكم , بل دعم المُرشّح الجديد بمقالاتٍ تتحدّث عن إنجازاته ومشاريعه الإنمائية .. 

وبنهاية السنة ..إحتفل الشعب بنجاح الرئيس العادل بنسبةٍ عالية في الإنتخابات , لتعمّ الأفراح البلاد .. 
***

لاحقاً عُيّن مراد رئيس التحرير لصحيفة الشعب الأولى في البلاد , والتي نجحت مساعيه في طرد الفاسدين بإدارة جامعته ! 
حيث قام المدير الجديد بتحويل القاعة المغلقة الى مسرح الجامعة , واضعاً على بابها لوحة بأسماء الشهداء الثلاثين الأبطال.. 

وهناك تمّ تكريم مراد بجائزة أحسن خرّيج لقسم الإعلام ..
واثناء إستلامه شهادته الفخريّة , لمح ارواح الطلاّب الثلاثين بين الجمهور يصفّقون له ! .. ثم رفع قائدهم احمد سلامة لافتة مكتوباً عليها : ((الآن يمكننا الرحيل بسلام))

وطفت ارواحهم بعيداً , بعد نجاح مراد في تطهير سمعتهم التي شُوّهت لأكثر من نصف قرن ! 

هناك 3 تعليقات:

  1. ياه كم الظلم قاسي ومؤلم

    رغم انها قصه خياليه ولكنها تلامس واقع
    تبا لفاسد والفاسدين
    الطلاب ال٣٠ هم نواة تلك الثوره
    التي ارواحهم تحوم حول تلك البلاد
    ابدعتي كاتبة استاذه امل
    صاحبات قصص الفتاه الجميله جاكلين
    تقبلي ودي نتمى قصه بها عن العصور الوسطى كنوز وحب
    على فكرة موضوع قصصك رائع جدا استمري
    وان شاء الله نحو العالميه
    انا افضل قصص حرب عالميه ومذكرات ابليسو
    وزوجته الغبيه هههه

    ردحذف
  2. جميل جدا :) اشعر بالرضى

    ردحذف
  3. القصه جميله
    وكل قصصك كذلك.
    ولكن لازلت افتش بين قصصك
    واتنقل بين قصة واخرى لعلي اجد قصة تبهرني بشدة..

    واقول (أن هذه القصه لعظيمة حقا)

    انا متأكدة انك تستطيعين ان تكتبي قصة لا يمكن وصفها من شدة روعتها...
    الفكرة،الأسلوب،المقدمة،الخاتمة،
    اتوق لقرآءة هذه القصة من قلمك
    وسوف انتظر...

    وتحياتي

    ردحذف

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...