الاثنين، 20 أبريل 2020

الرهان المُميت

تأليف : امل شانوحة

الهوس بالمشاهير

تجمّعت الصحافة والإعلام في المطار لاستقبال الناجيين الوحيدين من الطائرة المنكوبة التي سقطت قبل شهرين , بعد ان وجدهما بحّار يعيشان على جزيرة في وسط البحر ..
وانتظر الجميع توضيح المضيفة مروى لكيفية سقوط الطائرة.. 

فأخبرتهم بعينين دامعتين : لا ادري ما حصل بالضبط .. كنت أوزّع الوجبات الغذائية على المسافرين .. وفجأة ! انخلع الباب الرئيسي .. ولكوني قريبة منه , سحبني الهواء للخارج .. وطفوت في الجوّ لفترة , قبل سقوطي بقوة في الماء .. ثم سمعت صوت انفجارٍ هائل ! ورأيت الطائرة من بعيد تحوّلت لكتلة نار , وغرقت في البحر ... ثم فقدّت الوعيّ .. وحين استيقظت , وجدت نفسي على شاطىء جزيرةٍ نائية .. فبدأت ابحث عن ناجين آخرين , دون جدوى .. ومن حسن حظي ان الولّاعة التي استخدمها لخدمة المسافرين المدخنين مازالت في جيبي ! فأشعلت بها الحطب لتدفأتي ذلك المساء .. وقبيل الفجر , سمعت بكاء طفلٍ من بعيد ! فتتبّعت الصوت , لأجد ولداً في الخامسة من العمر مستلقي على الشاطىء .. وعشت معه على الجزيرة طوال الفترة الماضية , الى ان أنقذنا ذلك الصيّاد الطيب .. 

فسألتها الصحفية : وكيف تدبّرتما اموركما طوال الشهرين الماضيين ؟
مروى : كان لدينا شجرتين جوز الهند .. وكنت اصطاد سمكة او سمكتين برمحٍ خشبي مُسنّن , بعد تدريبٍ مستمر .. وحينما تمطر , أجمع الماء العذب في اوراق نباتٍ ضخم .. اما عن النوم : فوجدتُ كهفاً صغيراً , إحتمينا فيه بالأيام الماطرة
- الم تخافا من الحيوانات المفترسة ؟
- الجزيرة صغيرة وليس فيها سوى الطيور والسلاحف والسلاطعين .. ولم أتعمّق في البحر خوفاً من سمك القرش .. لكنّا عانينا من  البعوض والذباب 

وهنا قال موظف أمن المطار للصحفيين : 
- لوّ سمحتم !! الناجيان متعبان , واهاليهم في انتظارهم .. فتوقفوا عن التصوير وطرح الأسئلة .. 
***

كان على السلطات إعادة المضيفة الى بلدتها , وتوصيل الطفل الى اهله ..
لكن مروى رفضت السفر , قبل الإطمئنان على الصغير الذي تعلّقت به  كثيراً ..

وانتظرت في مكتب المطار لحين قدوم الوالد , الذي أتى مذهولاً لنجاة ابنه الوحيد بعد وفاة زوجته في تلك الرحلة ! وأخذ يقبله بشوقٍ كبير ..
بينما تجمّدت مروى في مكانها بعد معرفتها أن والده هو ممثلٌ مشهور شاهدت جميع افلامه !

ولم ينسى الممثل شكرها على اهتمامها بإبنه , وأعطاها رقم جواله في حال ارادت الإطمئنان على الطفل ..

ومن بعدها سافرت مروى الى بلدتها , ليستقبلها والديها بالدموع وهما يحمدان الله على سلامتها ..
***

في ليلتها الأولى بمنزلها .. إتصلت على الممثل للإطمئنان على الصغير , فأخبرها انه يرفض النوم من دونها .. 
فطلبت منه ان يضع الجوال على اذنه , وصارت تغني له انشودة إعتاد النوم عليها كل مساء في تلك الجزيرة , وسرعان ما غفى والإبتسامة تعلو وجهه .. 

فأخذ الممثل جواله ليسمعها وهي تتابع الغناء , فقال لها : 
- صوتك جميل 
مروى : آه ! كنت أغني لإبنك 
- نعم , وهو نائمٌ الآن .. شكراً لك 

وأخذ يتكلّمان لساعةٍ اضافية , شرحت فيها مروى المصاعب التي واجهتهما على الجزيرة ..
*** 

مرّت الأسابيع .. وازداد تعلّق الصبي بها , وأصرّ على محادثتها كل يوم .. بل صار يلحّ على والده بإحضار ماما مروى اليه .. 
فاقترح الممثل عليها ان تأتي الى بلدتهم في رحلةٍ استجمامية مدفوعة التكاليف ..

وسافرت مروى الى هناك .. وبعد نزولها في فندق , إتصلت بالممثل لإحضار ابنه اليها .. لكنه أصرّ على مبيتها في قصره , ليهتم بها خدمه كردّ الجميل .. فقبلت مروى بعد الحاحٍ منه 
*** 

وفور وصولها القصر , إستقبلها الصغير بالإحضان والدموع .. 
وطوال مكوثها هناك , نام الصغير معها في غرفة الضيوف ..

واعتادت بعد تنويمه على الجلوس مع والده في الصالة , ليتحدثان عن الحادثة ومصاعب الحياة واحلامهما وغيرها من الأمور 
*** 

بعد اسبوعين.. رآها الممثل تخرج من غرفتها وهي تجرّ حقيبة السفر , فسألها ان كان احداً ضايقها .. فأخبرته ان والدها غضب كثيراً حين علم ببقائها في قصره (وليس الفندق كما وعدته) وأمرها بالعودة فوراً , خوفاً على سمعتها ..

واثناء حديثهما .. امسك الصغير بيد والده , وترجّاه باكياً :
- لا تجعل ماما مروى تذهب من هنا , ارجوك !!
الممثل : اخاف ان يغضب والدها ان بقيت معنا 
ابنه : اذاً تزوجها يا بابا !!
فارتبك ابوه ومروى من اقتراحه المحرج ! 

فخرجت مُسرعة من القصر .. ليلحقها الممثل , مُعتذراً عن كلام ابنه
مروى : رجاءً لا تعاقبه , فهو لا يفهم ما قاله 
- هو يفتقد امه كثيراً 
- وانا والله احبه كأبني , لكن والدي على حق : فأنت رجلٌ غريب , ولا يحقّ لي المبيت هنا 
- وانا لا اريد ان أبقى غريباً عنك 
مروى باستغراب : ماذا تقصد ؟! 
- هل تتزوجينني يا مروى ؟ 
فسكتت قليلاً .. قبل ان تومأ برأسها إيجاباً , بخجلٍ شديد ..
***

بعد شهر العسل .. ذهبت مروى الى قصر صديقتها (مضيفةٌ سابقة) , ومدّت يدها وهي تقول : 
- اين الشيك الذي اتفقنا عليه ؟ 
فأخرجت صديقتها الظرف من درج المكتب , وأعطتها له : 
- تفضلي , لا اصدق انك كسبت الرهان !
مروى : قلت لك سأتزوج ممثلي المفضّل , مهما كلّفني الأمر .. تماماً كما تحايلتي انت على المسافر العجوز وتزوجته .. وهآ انت الآن ارملة ثرية 
- على الأقل نجحت بذكائي وجمالي .. اما انت , فاستغلّيتي حب الصغير للزواج من والده 
مروى بابتسامةٍ ماكرة : وهل تظني انه طلب ذلك من ابيه بملأ ارادته ؟ 
- لم افهم !  

مروى : قبل رحيلي من القصر , أخبرت الصغير انه لن يراني ثانيةً , لأني مسافرة بالطائرة التي ربما تنفجر واموت .. فانهار المسكين بالبكاء , وطلب مني البقاء بجانبه .. فأخبرته ان الحل الوحيد : هو زواجي من والده لكي اصبح امه , وحينها سأسمح له بأكل الحلويات واللعب كما يشاء 
صديقتها : أيّ بعكس امه (عارضة الأزياء) المهووسة بالحمية الغذائية والرياضة والسفر .. فجميعنا شاهدنا فيدوهاتها المصوّرة عن تربيتها القاسية لإبنها , دون اكتراثها بنقد الناس في مواقع تواصلها الإجتماعي 

مروى : بالضبط !! بينما أنا اعطيته كامل الحرية اثناء وجودنا على الجزيرة , وهذا سبب تعلّقه بي 
صديقتها : مازلت لا أصدّق حنانك على الصغير , فأنا اعرف انانيتك وغيرتك جيداً 
- انا بحاجته الآن .. لكن حينما انجب طفلاً او اكثر , سأقنع والده بإرساله لمدرسةٍ داخلية 
- يالك من خبيثة يا مروى ! وانا ظننت ان القدر ساعدك بسقوط الطائرة , وبقائك مع ابنه في الجزيرة 
مروى بابتسامةٍ خبيثة : عزيزتي , ليس هناك صدف بالحياة .. والآن عليّ الذهاب للبنك لقبض الشيك .. القاك لاحقاً

وبعد ذهابها , قالت صديقتها في نفسها : ((هناك سرٌ خطير تخفيه هذه الملعونة !))
***

بعد مرور اربعة اشهر على الحادثة .. وجد الغواصون اخيراً الصندوق الأسود للطائرة .. وما سمعه المحقّق فاجأه للغاية ! 
حيث ظهر بالشريط صراخ إحدى المضيفات :
- مروى !! لا تفتحي الباب..
لتعلو بعدها صرخات الركّاب , قبل لحظات من صوت الإنفجار الكبير !

فعلم المحقق ان مروى إفتعلت الحادثة (فهي الناجية الوحيدة) , وطلبها للتحقيق .. 

وبعد الضغط عليها لساعاتٍ طويلة .. إعترفت اخيراً بخطتها المحكمة , قائلةً :
- كنت راهنت صديقتي الثرية على مبلغ مليون دولار في حال تزوجت ممثلي المفضّل قبل نهاية العام .. وبحكم وظيفتي تعلّمت الهبوط بالمظلّة .. كما اعتدتُ على متابعة صفحة الفيسبوك الخاصة بزوجة الممثل , حيث كانت الغبية تنشر أدقّ تفاصيل حياتها .. فعلمت انها ستسافر على تلك الرحلة , فتبادلت مع احدى المضيفات لأكون على متن الطائرة .. وخططّتُ منذ البداية بأن أخطف ابن الممثل , لهذا وضعت مخدّراً في وجبة الأطفال , ودواء مسهّل في طعام امه .. وحين ذهبت للحمام .. حملت الصغير النائم الى الحمام الثاني , وربطته معي بالمظلة التي سرقتها من خزانة الموظفين في الطائرة ... بعد ان وضعت عربة الطعام في الممرّ , كي لا يوقفني احد اثناء فتحي الباب الرئيسي .. ومن حسن حظي ان توازن الطائرة اختلّ وتحطّمت بالبحر , والاّ لشهد الركّاب ضدّي

المحقق بدهشة : وما ادراك انك ستهبطين بمظلّتك فوق جزيرة ؟!
مروى : قبل تنفيذي الخطة .. سألت الطيّار عن وجهتنا , فأخبرني اننا نحلّق فوق سلسلة من الجزر النائية .. وكنت درست سابقاً طريق الرحلة , وعلمت إن أحد الجزر ملكاً للرجلٍ غني .. وتواصلت بالإنترنت مع حارس قصره , ووعدّته بملبغٍ محترم في حال ساعدني .. وقبل قفزي مع الطفل من الطائرة , سرقت اللاسلكي من كابينة الطيّار المخصّصة للطوارىء .. لكن تيّارت الهواء أوصلتني الى جزيرة ثانية.. ومن حسن حظي ان بوصلة سفينة الحارس إلتقطت إشارات اللاسلكي .. فأخذني انا والصغير الى القصر الذي بقينا فيه لشهرين , عشنا فيها اجمل ايام عمرنا 
- الهذا كان الطفل يخبر الصحافة عن القصر الفخم وحوض السباحة والملعب الكبير ؟! 
- والطعام الفاخر ايضاً .. لكني تداركت الموقف وأخبرت الصحفيين انها قصص ألّفتها له , كيّ لا يشعر بوحشة المكان .. 
- تابعي كلامك

مروى : كان المفترض ان نبقى هناك ثلاثة اشهر حتى يتعوّد الصبي على دلالي الزائد , بعكس امه الصارمة .. لكن في تلك الليلة أخبرني الحارس ان سيده قادم الى القصر بعد يومين .. فطلبت منه إيصالنا الى الشاطىء , وإخبار السلطات : أنه صياد , وجدنا وحدنا على جزيرةٍ نائية .. وقبل ايام دفعت له مبلغ 50 آلاف دولار , بعد صرف شيك صديقتي

المحقق بعصبية : كل هذا التخطيط لتتزوجي من حبيبك المشهور؟!
- طبعاً !!
المحقق بغضب : أتدري ما سيفعله الممثل حين يعلم انك قاتلة زوجته ؟ 
فغيّرت الموضوع قائلةً : لا تنكر سيدي ان خطتي أبهرتك 

فقال لها بحزم : سيدة مروى !! انت مُتهمة بقتل 122 راكب , ورشوى حارس القصر الذي عشت فيه دون إذن صاحبه .. أتدرين ماهو عقابك ؟
فردّت دون اكتراث : لا يهم .. يكفي انني عشت أجمل شهر عسلٍ بحياتي , مع حبيب قلبي الغالي 

فنادى المحقق بعصبية : ايها الشرطية !!
فدخلت الشرطية الى غرفة التحقيق .. فقال لها المحقق :
- خذيها الى السجن , في انتظار يوم محاكمتها ..

وقبل ذهابها .. قال المحقق لمروى بلؤم :
- توقعي حكم الإعدام !!
مروى بثقة : دولتنا ألغت حكم الأعدام في سبعينات القرن الماضي
المحقق : يبدو انك قمت ببحثٍ شامل قبل ارتكابك الجريمة ! لكن تأكدي ان القاضي سيحكم عليك على الأقل بالسجن مدى الحياة .. هيا خذيها من وجهي !!
الشرطية : حاضر سيدي !!
***

وقد أحدثت جريمتها ضجّة اعلامية كبيرة , صدمت والديها واهالي ضحايا الطائرة المنكوبة .. وكان الممثل أكثرهم حزناً , والذي دفع ضريبة شهرته غالياً بسبب هوس عروسته المجنونة ! 

هناك 8 تعليقات:

  1. ملاحظة :
    سأتوقف عن الكتابة , وسأحاول العودة بإذن الله بعد عيد الفطر .. كل عام وانتم بخير

    ردحذف
  2. رح نشتقلك.. كل عام وإنت وأهلك بألف خير.. رمضان كريم ❤️

    ردحذف
  3. الى الشخص الذي اخبرني عن كابوس , انا ايضاً وجدت مقالاته في انستغرام باسم آخر .. واظن الإستاذ اياد على علم بذلك .. حتى انا , قصتي (الحافلة المظلمة) سُرقت بالبيوتيوب بإسم (رحلة الإنتقام) .. السرقة الأدبية تحصل دائماً , ليت هناك قانون لحماية افكارنا , لكن ماذا نفعل مع منعدميّ الضمير .. كان الله في العون

    ردحذف
    الردود
    1. الله كريم ... الله يوفقكم ويبعد عنكم اصحاب الاذى .. بالتوفيق دائما وابدا وسنظل نحبكم دائما وابدا

      حذف
  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كل عام وأنتم بخير
    و من العايدين و من الفايزين

    أ. أمل متى بتنزلين قصتك الجديدة ، والله مشتاقين لها ،
    كل يوم أدخل على المدونة أنظر نزلت قصة جديدة أو لا !!

    ردحذف
    الردود
    1. آسفة على التأخير , إنشغلت قليلاً بزوّار العيد .. سأنشر القصة خلال يومين ان شاء الله

      حذف
    2. نشرت القصة الجديدة قبل قليل , اتمنى ان تعجبك

      حذف
  5. قصة جميلة الله يعطيك العافية أستاذة أمل .

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...