السبت، 28 مارس 2020

المخيّم الصيفيّ

تأليف : امل شانوحة


دروس في الحياة

وزّع قائد الرحلة اسئلة على المراهقين , بآخر ليلةٍ لهم في المخيّم.. 

وعندما قرأوها , نظروا الى بعضهم باستغراب ! ثم سأل أحدهم :
- ايها القائد !! هذه ليست اسئلة عن رحلتنا او طُرق التخييم ؟!
القائد : أعرف هذا , لكن إجاباتها ستحدّد مستقبلكم .. ابدأوا الكتابة!!

فانكبّ المراهقون على إجابة الأسئلة , وهم يشعرون بالحيرة والإرتباك !

بعد ساعة , جمع القائد الأوراق .. طالباً منهم من العودة الى خيامهم والنوم مُبكراً , إستعداداً للرحيل في صباح الغد 
*** 

داخل خيمة القائد , أخذ يقرأ إجاباتهم .. وكما توقع , اجاب بعضهم بطريقةٍ ساخرة .. والبعض الآخر بطريقةٍ تقليدية.. 

لكن هناك ورقة استوقفته , لمراهقٍ خجول وانطوائي !
حيث اجاب كالتالي : 

- هل انت شخصٌ مهم ؟
من وجهة نظري , نعم !! .. فرأيّ الآخرين لم يهمّني يوماً , طالما انني لا أعصي الله والوالدين 

- هل سيتذكّرك الآخرون بعد رحيلك ؟
لا أريد ان ينتهي عمري كإسمٍ مجهول في ورقة نعوة .. بل سأحرص ان أكون قدّوة طموحة وناجحة , وفردٌ صالح في المجتمع 

- ماهو أرثك ؟
لديّ موهبة في الكتابة ..وسأحاول من خلال قصصي توصيل افكاري للقرّاء , وابداء آرائي حول مشاكل مجتمعنا

- هل ستحقّق حلمك يوماً , ام ستأخذه معك للقبر ؟
اؤمن بأن الله اعطى الأحلام والطموحات للأشخاص المناسبين لتلك المهمّات , لهذا لن اتوقف قبل الفوز المنشود

- هل تتحلّى بالشجاعة لإخبار احدهم أنك تحبه , ام ستدفن مشاعرك في قلبك للأبد ؟
لم اكن يوماً شجاعاً في إظهار مشاعري .. لكن أرجو من الله انه كما وضع الحبيب في طريقي , أن يسمح لنا بإكمال حياتنا سويّاً  

- هل ستصبح قائداً ام تابعاً ؟
قائدٌ في مجال مهنتي , لأساعد به الآخرين  

- هل رأيك يهمّ من حولك ؟
انا أبدي رأيّ بجميع الأحوال , وهم احرار بتقبّله ام لا .. فلست من الأشخاص الذين يتجاهلون المشاكل , دون تقديم الحلول المنطقية من وجهة نظري 

- هل ستُحدث تغيراً في حياة الآخرين بالمستقبل ؟
أسعى لذلك بكل ما أوتيت من قوةٍ وتصميم وارادة .. فأنا خُلقت لحكمة , ولن اموت قبل تحقيقها , وبنجاحٍ يُبهر من حولي بإذن الله تعالى
***

في صباح اليوم الأخير من المخيّم .. طلب القائد من المراهق الطموح قراءة إجاباته امام رفاقه .. 
وبعد انتهائه , صفّق له بفخر .. مما أجبر البقيّة على التصفيق له 

ثم قال القائد لهم , بصوتٍ جهوريّ :
- يا شباب المستقبل !! .. النجاح يحتاج الى شجاعة .. والإبداع يحتاج الى تميّز .. والنجومية تحتاج لجهدٍ وعمل.. وتحقيق ذلك ليس سهلاً كما تتوقعون .. ولوّ كان , لامتلأت الأرض بالعلماء والأبطال والناجحين .. لكنه طريقٌ عَسِرْ , مليء بالمطبّات وخيبات الأمل .. فمنذ خطوتك الأولى نحو حلمك , ستُهاجم بآراء المحبطين من حولك , ومحاربة شكوكك الداخلية .. فنجاحك لن يُعجب الجميع ! .. تخيّل نفسك امام إعصار يحمل الأتربة والأخشاب المتطايرة وشظايا الزجاج الحادّ , وعليك العبور من خلاله للضفّة الأخرى : فإمّا ان تقتلك العاصفة , او تُصاب بجروحٍ لا يُمحيها الزمن .. فحياتك أشبه بالوقوف على جبلٍ صغير ! ومهمّتك الوصول لقمّة جبلٍ شاهق , مروراً بواديٍ سحيق الذي عادةً ما تصل اليه مُتعباً في منتصف العمر .. حينها تفاجىء بسيلٍ من المصائب على هيئة اشخاصٍ مُحبطين , وماصّي طاقتك الإيجابية , واصحاب الآراء السلبية , والعاشقين المزيفين , والأصدقاء المضلّلين حتى تصل الى ذرّوة احباطك .. وبعضهم ينتحر في هذه المرحلة الدقيقة من حياتنا 

فسأله أحد المراهقين باهتمامٍ وقلق : ولما يفعل الله بنا ذلك ؟!
القائد : لأنه يعلم تماماً ان نسختك التي أوصلتك الوادي لن تستطيع إكمال طريقها للقمّة , لهذا يُرسل اليك المشاكل الصعبة لقتل نسختك المُهترئة .. عندها تكون امام مفترق طرق : اما ان تستسلم وتعيش في الوادي الكئيب كإنسانٍ عادي حتى نهاية عمرك , او تتخلّى عن نسختك القديمة لإكمال مهمّتك (كفراشةٍ تخرج من شرنقتها) وبشخصيةٍ قوية تجعلك قادر على تسلّق الجبل الشاهق حيث النجومية والثروة والنجاح .. لذا عليك ان تدرك أن كلما تجاوزت مشكلةً صعبة , فهو دليل على تقدّمك خطوة نحو النجاح .. بشرط ان لا تكرّر اخطاءك , كيّ لا تدور في حلقةٍ مُفرغة ..فمصاعب حياتنا اشبه بمراحل العاب الأتاري التي ..

احد المراهقين مقاطعاً : إسمها بلايّ ستيشن !!
القائد مبتسماً : آه صحيح ! المهم ان تدرك بأن الله لن ينقلك للمرحلة التالية قبل تأكّده من اكتسابك الخبرة والدروس من المرحلة السابقة التي جعلتك اكثر صلابة لمواجهة المزيد من الصعوبات وصولاً للقمّة , فلا تستعجل النتائج .. وتأكّد ان حياتك لن تتغير أن واجهت مشاكلك بالطريقة نفسها : كالعودة لأصدقاء السوء , او حبيبك المزيّف .. فالدنيا عبارة عن متاهةٍ كبيرة : إن مشيت في ذات الإتجاه , ستواجه نفس السدّ .. لكن إن غيّرت اتجاهك كل مرة , ستجدّ حتماً الطريق الذي يُخرجك من المتاهة.. وحينها تصبح الحياة سهلة وممتعة بعد حلّك لغزها .. هل كلامي مفهوم ؟

فأومأوا برأسهم إيجاباً , ليُكمل القائد قائلاً : 
- في النهاية اريد كل واحدٍ منكم ان ينظر للحياة بتفاؤل , دون التحجّج بماضيه , وإلقائه اللوم على الآخرين .. فلا يهمّ ان كنت يتيماً او والديك منفصلين او فقيراً او مصاب بأمراضٍ مزمنة او لديك اعاقات جسدية .. فقط دعّ ماضيك خلفك وركّز على مستقبلك واهدافك ... ولوّ قرأت عن حياة المشاهير لوجدتهم جميعاً واجهوا أصعب الظروف وانتصروا عليها .. وهذا ما يجعل النجاح اكثر متعة , فالحياة السهلة مملّة للغاية .. والأفضل ان تحياها كمغامرةٍ جميلة , مثل راكب الأمواج الذي يتحمّس كلما صادفته موجة اكبر وأخطر , فهذا ما يصنع الأبطال .. واسعى دائماً لتحقيق حلمك بكل ما اوتيت من قوة , لتكنّ قدوة حسنة للأجيال من بعدك .. وبهذا الخطاب أُنهي مخيّمنا الصيفيّ , على أمل اللقاء بكم في السنة المقبلة

فالتفّ المراهقون حول قائدهم لتوديعه والدموع في عيونهم , قبل ركوبهم الحافلة متوجّهين الى بيوتهم , بعد ان حفرت نصائحه في عقولهم التي ستغيّر مستقبلهم نحو الأفضل 
******

ملاحظة :
النصائح المكتوبة في القصة تُعبّر عن رأيّ الخاص .. ولا ادري مدى صحتها ! لكن هذا ما علّمتني الحياة , وأردّتُ مشاركته معكم .. أتمنى ان تعجبكم قصتي (رغم قصرها)

هناك 4 تعليقات:

  1. جميلة ورائعة
    محفزة .. نصائح مهمة للحياة
    شكراً أستاذة أمل

    ردحذف
  2. رحمه الله اباك الشيخ الجليل
    وخفف عنكم مصابكم ورحم الله اموات المؤمنين والمسلمين
    الامر يخف مع تقدم الوقت
    احداث كثيره ومتلاحقه
    علينا وموضوع المليار الذهبي وكورنا
    اغرب تقال التقارير وفيات الصين 15 مليون
    والوضع صعب رغم تقارير والاعلام
    الي عندهم امريكا غرقت ودول كثيره
    القصه مبعثه للتفائل
    وهي واقع والافكار صحيحه

    ردحذف
  3. القصة هذه المرة ذات طابع فكري عميق ربما كتغيير عن العادة ...لكن في الحقيقة أثارت انتباهي بشكل كبير لأن النظرة الموجودة فيها لمصاعب الحياة تشابه نظرتي لها بشكل كبير ((حتى انك استخدمت نفس التشبيه الذي اراه في العادة أن مصاعب الحياة كلعبة الأتاري )) ... و عموما اتفق حقا مع معظم ما ذكرته عدا نقطة ان النصر ليس حتميا دائما ...ففي بعض الأحيان (ليس دائما) قد يكتشف الشخص ان أقصى قدراته و حتى بعد تطوير نفسه لا تكون كافية أو انه لم يستطع القيام بها مثلا الا بعد فوات الأوان .... لذا من وجهة نظري ان هذه الافكار هي فقط لزيادة احتمالات النجاح لاكبر حد ممكن لكنها ليست شيئا يؤكد انك ستنجح دائما فبغض النظر عن مدى الجهد الذي قد يبذله اي شخص النجاح ليس حتميا دائما ...
    في النهاية عذرا على الاطالة فقد اردت توضيح رأيي لا أكثر ... و بانتظار المزيد من قصص هذه المدونة ان شاء الله .

    ردحذف
  4. الكلام جميل واصلي ...تحياتي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...