تأليف : امل شانوحة
جريمة رأس السنة
في التسعينات القرن الماضي , بوقت العشاء .. تفاجأ سكّان المبنى بطلقةٍ نارية دوّت ارجاء المجمّع السكني ..
فتساءلت الزوجة بقلق :
- الصوت قريباً من هنا !
فقال زوجها أحمد وهو يُكمل عشاءه : ربما أطلقوها إحتفالاً برأس السنة
فنظرت زوجته الى ساعة الحائط : مازالت الساعة الثامنة مساءً !
وهنا أخبرهم ابنهم ان المياه مقطوعة .. فحاولوا الإتصال بالبواب , ليجدوا الهاتف المنزلي مقطوعاً ايضاً .. وقبل ان يعوا ما حصل , إنقطعت الكهرباء عن المبنى بالكامل !
***
نزل احمد الى الطابق الأرضيّ , ليتفاجأ بجيرانه يقفون قرب البوّابة التي أُقفلت بالسلاسل من الخارج !
فأخذوا ينادون البواب سمير , الذي قدم بعد قليل حاملاً جثة ابنه المضرّجة بالدماء !
وبعد لحظاتٍ من الصمتٍ المُقلق .. أخرج سمير مسدساً من جيبه ووجّهه نحوهم , وهو يسألهم بغضب :
- من منكم ايها الملاعيين أطلق النار على ابني ؟!!
فحاولوا التبرير بأنهم كانوا في بيوتهم لحظة سماعهم الطلقة النارية , لكن هذا لم يقنع البواب الذي أصرّ ان واحداً من سكان الشقق الستة هو القاتل , خاصة انه المبنى الوحيد المسكون في المجمّع قيد الإنشاء
فقال له الجار مروان : اهدأ يا سمير ولا تتهوّر .. فربما الرصاصة إنطلقت بالخطأ من بندقية الحارس وهو يلعب بها .. الم تقل انه يُخبأها ببيتك في يوم إجازته ؟
البوّاب بغضب : ابني قُتل اثناء غسله سيارتك اللعينة !!
مروان بدهشة : أمات في كراج المبنى ؟!
البوّاب بعصبية : نعم !! أخبرتك عصر اليوم إن الإضاءة هناك معطّلة .. لكنك أصّريت أن يغسلها لك , لتذهب مع خطيبتك لحفلة رأس السنة .. فمات وهو ينظّفها على نور المصباح , بطلقةٍ في ظهره
فقال الجار العجوز : اسأل الحارس , ربما شاهد الفاعل
البوّاب : الحارس في عطلة منذ البارحة
مروان : وما يدريك انه لم يأتي الى هنا للإنتقام منك .. الم تتشاجر معه الأسبوع الفائت ؟
البوّاب : وما دخل ابني في الموضوع !
مروان : ربما الإضاءة الخافتة في الكراج جعلته يتوّهم انه انت
العجوز : او ربما كان احد اقاربك , الم تخبرني سابقاً بأنك هربت الى المدينة بسبب تار والدك القديم ؟
البوّاب : لا , فأقاربي يظنون انني مُتّ بحادثة القطار السنة الفائتة ..
مروان : عليك التفكير بجميع الإحتمالات يا سمير
البوّاب بعصبية : اذاً دعوني أخبركم بشكوكي .. أنت مثلاً ..(وأشار الى مروان) .. محامي مشهور .. وبسبب مرافعاتك القوية سجنت عشرات المتهمين .. فما يدريني ان احدهم بعد إطلاق سراحه قدم الى هنا للإنتقام منك .. خاصة انه قتل ابني اثناء تنظيفه سيارتك
مروان : لا أظن ذلك ! فلا احد يعرف عنوان سكني الجديد , ولا حتى زملائي في المحكمة
البوّاب بلؤم : لكنه يبقى إحتمالٌ وارد , اليس كذلك ؟
فالتزم مروان الصمت , وأكمل البوّاب إتهاماته :
- وماذا عنك ؟ .. (وأشار الى سعيد) .. الم تحصل على حضانة اولادك من طليقتك التي تتعالج نفسياً ؟ .. وربما حاولت قتلك , لأنها لا تعلم ببيعك سيارتك البيضاء لجارك مروان
سعيد : اذاً أعدّ توصيل اسلاك الهواتف الأرضية , لأتصل بها واتأكّد من الأمر
- ليس الآن.. وانت ؟!!
نجيب : ماذا عني ؟!
البوّاب : كنت سمعت عروستك قبل ايام تتحدّث مع صديقتها اثناء خروجهما من المصعد , وتخبرها عن قساوة طليقها .. فما يدريني إنه لم يأتي الى هنا لقتلك بعد زواجك منها , او قتلها هي ..فالكراج كان معتماً تقريباً
- لا اظن ذلك , فأنا تزوجتها بعد طلاقها بسنة
البوّاب بعصبية : انا اسألك !! هل هو قادر على ارتكاب جريمة ام لا؟
نجيب : هو رجلٌ مجنون , لكن ..
فقاطعه البوّاب ليُكمل فرضياته , وهو يشير هذه المرة الى احمد :
- وانت !! ماذا عن ابنك البكر ؟ الا يتعالج حالياً من ادمانه على الحشيش ؟
أحمد : هو في مركزٍ طبّي خارج المدينة , ولن يطلقوا سراحه قبل شهرين
- ماذا لو افترضنا انه هرب من هناك , وتهيأ له إن ابني هو والده الذي إقتاده قسراً الى مركز علاج المدمنين
فسكت احمد بامتعاض .. وهنا قال مروان للبوّاب :
- توقف يا سمير !! انك تؤذي الجميع بشكوكك التي ..
البوّاب مقاطعاً بغضب : انت بالذات لا تسمعني صوتك !! فأبني لم يكن ليُقتل لوّ لم تصرّ على تنظيفه سيارتك في عتمة الليل
نجيب : انت لست محققاً بوليسياً , إتصل بالشرطة لمعرفة الفاعل
البوّاب بلؤم : آه صحيح .. ربما انت القاتل , وليس طليق زوجتك
- ماذا تقصد ؟!
- الست موظف تأمين ؟ لذا خطّطت لحرق سيارتك ليلة رأس السنة لتحصل على تعويضٍ ماليّ , لكنك تفاجأت بإبني هناك والذي رآك تسكب البنزين فوق سيارتك
نجيب بعصبية : ماذا تهذي يا رجل ؟!
البوّاب : رائحة البنزين تفوح بقوة من الكراج
نجيب : لست غبياً لأحرق سيارتي داخل مجمًعٍ مغلق !!
الشيخ : يا بنيّ ! لا تظلمنا هكذا
البوّاب : وما يدريني يا شيخ ان الفاعل ليس أحد تلاميذك
الشيخ : انت تعرف جيداً انني لم أستقبل طلاّباً منذ ايام بسبب وعكتي الصحية .. ثم ما تفعله مخالف للدين , فإكرام الميت دفنه
البوّاب : سأدفنه بعد الإنتقام له
وعاد ووجّه سلاحه نحوهم..
الجار العجوز بضيق : لا تهدّدنا بالسلاح , فأنت لا تخيفنا !!
البوّاب : آه نسيت انك صيادٌ محترف .. وربما حفيدك لعب بسلاحك , فقتل ابني خطأً
العجوز : حفيدي كان نائماً في غرفته , لحظة سماعي للطلقة الناريّة
وفجأة ! انهار سمير بالبكاء وهو يحمل جثمان ابنه :
- كيف طاوعكم قلبكم على قتل طفلٍ يتيم الأم ؟ أحلف بالله إن الفاعل سينال جزاءه !!
وقبل إدخاله الجثة الى غرفته , هدّدهم قائلاً :
- سيعترف الفاعل بفعلته قبل نهاية العام , والا سأقتلكم الواحد تلوّ الآخر .. هل سمعتم !!
وبعد ذهابه , عاد الجيران الى شققهم وهم قلقين مما حصل
***
قبيل منتصف الليل , والجيران جلوس في بيوتهم على ضوء الشموع .. إذّ بهم يسمعون شجاراً عنيفاً في الخارج !
وحين أطلّوا من شرفاتهم , وجدوا البوّاب يتشاجر مع الحارس الذي قطع إجازته !
وسمعوا مقتطفات من حوارهما وهما يتعاركان بالأيدي , حيث كان سمير يتهمه بقتل ابنه ..
وقبل ان يستوعبوا الموقف ! ضربه بقبضة المسدس على رأسه , ليسقط الحارس على الأرض ! ومن ثم أطلق الرصاص على ظهره
فشهق الجميع برعب بعد تأكّدهم بأن تهديدات البوّاب حقيقية !
وبعد موت الحارس , صرخ سمير عالياً :
- لقد نفذ صبري !! وطالما انه لم يعترف احد بقتله إبني , ولا حتى الحارس اللعين .. فأريدكم ان تدفعوا ديّة الصبي .. والآن حالاً !! إبدأوا برميّ المال وحُليّ نسائكم الى الأسفل
فأطلّ مروان من الشرفة وهو يقول : وما دخلنا نحن ؟
- انت بالذات إيّاك ان تعترض !!.. ولأنك محامي مشهور , وابني مات في سيارتك .. فستدفع ضعف ما سيدفعه جيرانك
ووجّه سلاحه نحو الشرفات وهو يقول :
- احلف ان لم تبدأوا برميّ المال , سأدخل المبنى لقتلكم جميعاً.. بادئاً بأطفالكم !!
فأسرعت الأمهات برميّ عقدهنّ واساورهنّ اليه .. وخضع الرجال مجبرين لتوسّلات نسائهم , ليقوموا برميّ المال من حافظاتهم نحوه
وبعد جمع البوّاب الحليّ والمال , جرّ جثة الحارس الى سيارته القديمة التي وضع فيها جثمان ابنه .. قائلاً لهم :
- سأرمي جثة اللعين في أقرب مزبلة , ثم أدفن ابني في قريتي ..ولن تروني ثانية !!
العجوز : وماذا عن باب العمارة ؟ متى ستفتحه ؟!!
لكن سمير لم يجيبه ..وخرج بسيارته من المجمّع ..
فقال الشيخ لبقية الجيران :
- أحد تلاميذي قادمٌ غداً بعد الظهر , حينها نطلب منه إحضار الحدّاد لخلع القفل .. عليكم الصبر قليلاً
فعادوا الى بيوتهم وهم يتنفسون الصعداء بعد رحيل البوّاب المجنون عن مجمّعهم السكني الفاخر ..
***
وفي الوقت الذي كانت فيه سماء المدينة تشعّ بمفرقعات العام الجديد , كان سمير متوجهاً نحو قريته ..
وفي الطريق .. إستيقظ الحارس , ممسكاً رأسه بألم :
- لما ضربتني بهذه القوة يا سمير ؟!
البوّاب : آسف , إندمجت بالتمثيل .. المهم حصلنا على المال والذهب , وعليك الإسراع في بيع الحليّ بالسوق سوداء قبل تبليغهم الشرطة
- سأفعل , لكن النصف بالنصف ..فأنا ايضاً خسرت عملي
- لا تقلق .. المهم , ماذا عن المهمة الجديدة ؟
الحارس : هناك رجلٌ ثريّ يعيش وحيداً في فلّة بعيدة عن الناس , سأسأله ان كان يحتاج حارساً او خادم .. لكن لا اعتقده سيوافق على توظيف ابنك البكر ..
وهنا نهض الولد من المقاعد الخلفية ..
- يعني لن اعمل معكما بالخطة الجديدة ؟
والده سمير : ليس هذه المرة .. والآن غيّر ملابسك قبل وصولنا الى المنزل , كيّ لا تفزع امك واخوتك الصغار من الصبغة الحمراء
واثناء تغير ملابسه , سأل والده :
- كنت وعدّتني بدراجة إن أجدّت دور الميت
ابوه بابتسامة : دراجةٌ جميلة , وحلويات لك ولأخوتك
الولد بسعادة : يا سلام !!
الحارس : وانا سأهدي اختي غسالة بحوضين
الولد : ممتاز !! هكذا لن تضربني امي لإفساد ثوبي بالدماء المزيفة
الحارس : محتالٌ كأبيه
الأب : وخاله ايضاً
وضحكوا سوياً بخبثٍ ومكر !
قصة رائعة
ردحذفشكرآ أستاذة أمل
استمري بنششر هكذا قصص نحن ندعمك يا بطلة
ردحذفقصة رائعة
ردحذفقصة جميلة استاذة امل لماذا لم تعودي تكتبين في موقع كابوس
ردحذفحين اكتب قصة مميزة وتستحق النشر , ارسلها لكابوس .. اما هنا فأضع القصص التي لا بأس بها
حذفلا قصصكي كلها جميلة ليست مجاملة بل الحقيقة على كل شكراا ننتظر جديدكي.
ردحذفرائعة واختيار موفق للأستاذ احمد .وفقك الله ياكنز الابداع واتمنا لك النجاح الدائم
ردحذف