الاثنين، 20 يناير 2020

القرية المهجورة

تأليف : امل شانوحة


فيلمٌ سينمائي بلا نهاية !

في عصر ذلك اليوم .. وصل الشباب الستة الى القرية المهجورة , بناءً على اقتراح المخرج لتصوير نهاية فيلمٍ حربي لمشروعهم التخرّجي في المعهد السينمائيّ

وحين وصلوا الى هناك , تفاجأوا بأعداد المنازل المغطاة بالأعشاب البرّية على طول الجبل التي زادها كآبة ورعباً  

ثم تفرّقوا الى ثلاث مجموعات للبحث عن المنزل المثالي لتصوير مشهدهم الأخير .. 
لكن رائحة العفن المزعجة منعتهم من التجوّل في المنازل التي كانت فارغة من الداخل , فيما عدا بعض البيوت التي احتوت على مفروشاتٍ قديمة صدئة  

ومع ذلك أملوا في إيجاد منزلٍ صالح للمبيت فيه هذا المساء , لبدء التصوير مع فجر يوم التالي ..

وبعد ان أوشكت الشمس على المغيب , قال جيم لصديقه المخرج :
- الأفضل يا مايكل ان ننام في السيارة , بدل ان نُصاب بمرضٍ جلدي او نوبات ربو بسبب الرطوبة العفنة
اريك : وانا اوافقه الرأي 
وهنا سمعوا صوت صديقتهم تناديهم من بعيد :
- أخيراً وجدناه !!
فانطلقوا باتجاهها ..

وكان منزلاً في وسط القرية , لكن لم يُصبه العفن والرطوبة وكأنه بُنيّ حديثاً !..والأغرب انهم وجدوا في غرفته الوحيدة : ستة سرائر (كل سريرين فوق بعض)  ..فقاموا بمسح الغبار عنهم , واستلقى كل واحدٍ منهم في سريره .. 

فقال آدم ممازحاً وبصوتٍ عالي : 
- شكراً ايتها الجن لترتيبكم مكان نومنا !!
جسيكا معاتبة : لا تمزح بهذه الأمور
آدم : ستة سرائر على حسب عددنا , الا تجدين الأمر مريباً ؟
جسيكا : ربما عاش هنا في الماضي ستة اشخاص 
آدم : دون مطبخٍ او حمام ! 

جاك : لقد قمت ببحثٍ شامل عن هذه القرية قبل قدومنا .. واكتشفت انها منازل لعمّال المنجم الموجود في أعلى الجبل .. لكن بعد قرار الحكومة بإغلاقه , هاجر سكّانها الى القرى المجاورة .. لهذا اعتقد إنهم استخدموها للنوم فقط 
آدم : لا أتخيل نفسي اعيش هنا , واضّطر للخروج كل مرة في الجوّ البارد لقضاء حاجتي !
المخرج : الفقر يُرغم الإنسان على فعل المستحيل .. والآن حاولوا ان تناموا , لأن غداً لدينا عملٌ كثير

جيم : لكني جائع
اريك : وانا ايضاً
جسيكا : وانا اريد دخول الحمام
آدم : كنت لمحت نهراً قريباً من هنا .. إن اردّت اذهب معك , وآخذ المصباح معي .. ولا تقلقي , سأبتعد عنك الى ان تناديني للعودة سوياً الى هنا
فتنهدت جسيكا بضيق : مضّطرة لقبول عرضك .. هيا بنا 

وبعد خروجهما من المنزل .. سأل جيم اصدقائه :
- من معه حقيبة الطعام ؟
فأخذوا يبحثون في حقائبهم , ليتفاجأوا بأنهم نسوها في السيارة المتوقفة اسفل الجبل..
جيم بضيق : اللعنة !! السيارة بعيدة جداً عن هنا 
جاك بقلق : والمشي بين الأعشاب الضارة خطيرٌ ايضاً , لأنها رطبة في المساء وتسبّب الإنزلاق , ولا مستشفيات قريبة من هنا .. من الأفضل الإنتظار حتى الصباح

جيم : لكني أتضوّر جوعاً
اريك : اذاً سأرافقك الى هناك , هيا بنا 
جاك : إنتبها جيداً , وكونا حريصين من الدببة والثعابين
جيم معاتباً : جاك ! الا يكفي اننا نمشي بين المنازل المهجورة في المساء , أتريد ان تخيفنا ايضاً من الحيوانات المفترسة !!
المخرج : دعكما منه .. إذهبا ولا تتأخرا كثيراً .. رافقتكما السلامة
*** 

وبعد ذهابهما , سأل جاك المخرج :
- مايكل .. الم يكن أفضل لوّ اقترضنا المال لبناء بيتٍ خشبي صغير , نفجّره بآخر المشهد وينتهى الأمر ؟
المخرج : ألأجل مشهدٍ لا يتعدى الخمس دقائق تريدني ان استلف مالاً مع فوائد من البنوك ؟
- ليتك سألتني سابقاً , لأني اعرف شخصاً يبنى نماذجاً لبيوت صغيرة تظهر بالكاميرا وكأنها بيوتاً حقيقية
- لا وقت الآن لإقتراحاتٍ جديدة .. وطالما أتينا الى هنا , سنصوّر المشهد الختامي غداً ونعود فوراً الى بيوتنا 
جاك : ذكّرني به مجدداً ؟

المخرج : تودع جسيكا زوجها آدم لذهابه الى الحرب العالمية .. وحين يلتفت خلفه , يتفاجأ بصاروخ يسقط على كوخه ويفجّره تماماً ..ثم نصوّره وهو يبكي قرب الحطام , حزناً على زوجته ..وبهذا ينتهي فيلمنا القصير
- ومن اين سنحضر الصاروخ ؟
- نقتطعه من أيّ فيلمٍ وثائقي .. ثم نفجّر المنزل بالديناميت التي أحضرناها معنا .. والآن حاول ان تنام 
جاك : لا سأنتظر الطعام

وفجأة ! سمعا صرخة جسيكا من الخارج .. 
المخرج بقلق : ماذا حصل لها ؟!
جاك : هل يُعقل ان آدم حاول التحرّش ..
المخرج مقاطعاً : لا طبعاً !! فهو مغرمٌ بها ولن يؤذيها .. أخاف ان يكون هاجمهما حيواناً برّيّاً
جاك بقلق : اذاً دعنا نساعدهما , سأحضر مصباحي

وقبل خروجهما من المنزل .. عاد آدم برفقة جسيكا بوجهها الشاحب وثيابها المبللّة , وهي ترتجف من البرد والخوف ..
المخرج بفزع : ماذا حصل لك ؟! 
جسيكا بتلعثمٍ وخوف : هناك شيء حاول إغراقي في النهر ! 
جاك : ربما كان تمساحٌ صغير او راكون او ..
آدم : لا , لم اجد أيّ حيوان قربها ! 
جسيكا بعصبية : لم يكن حيواناً !! فقد شعرت بأصابعه تشدّني بقوة من قميصي .. وأحلف ان اظافره غُرزت في ظهري ..حتى انظروا !!
ورفعت قميصها , ليظهر خدوش اظافر على طول ظهرها !

جاك : هذا مخيف ! أمعقول ان دباً كان يسبح في النهر لحظة ..
آدم مقاطعاً : المصباح كان معي .. وبحثت حولنا جيداً , ولم ارى شيئاً  
المخرج : المهم , الحمد لله على سلامتك .. الأفضل ان تطهّري جروحك  
جسيكا : هل الحقيبة الطبيبة معك ؟
جاك : نعم معي 
آدم ساخراً : أأحضرت الإسعافات الأولية ونسيت حقيبة الطعام في السيارة؟

جاك بعصبية : ليس لأنني شخصٌ رياضيّ عليّ حمل جميع الحقائب , فمعدّات التصوير ثقيلة ايضاً 
المخرج : لا داعي للشجار , فجيم واريك سيحضران الطعام بعد قليل 
آدم بقلق : أخاف ان يعودا الى المدينة ويتركونا , فهما عارضا الرحلة منذ البداية !
المخرج : لا لن يخدعونا , اهدأوا قليلاً
***

مرّت ساعة أخرى , دون أثرٍ لجيم واريك ! 
في هذه الأثناء .. كانت جسيكا تأنّ بألم اثناء نومها ! 
المخرج : ما بها ؟!
فلمس آدم جبينها : يا الهي ! حرارتها مرتفعة  
جاك بقلق : ربما تجرثم جرحها  
فرفع آدم قميصها , ليرى بأن خدوشها إزدادت تورّماً ! 

آدم : أظنها بحاجة الى دواءٍ ما .. سآخذها فوراً الى المستشفى
جاك بعصبية : وهل ستذهب بسيارتنا الوحيدة وتتركنا جميعاً هنا ؟
آدم : لا تقلق , سأعود فجراً لآخذكم الى ..
المخرج مقاطعاً : لا !! نحن لن نستطيع تصوير المشهد الأخير دونكما , فأنتما البطلين .. 
جاك : كلامه صحيح .. فذهابكما قبل المشهد الختامي سيضيّع مجهودنا في المشاهد العشرين التي صوّرناها بالمدينة , ولن نتمكّن من تسليم مشروعنا في الوقت المناسب 

آدم : في جميع الأحوال لن تستطيع جسيكا التمثيل وهي مريضة هكذا
المخرج : ربما تخفّ حرارتها في الصباح 
جاك : اساساً من الصعب عليك حملها اثناء نزولك من الجبل في الظلام
المخرج : الأفضل الإنتظار الى الغد يا آدم , وبعدها نخرج جميعنا من هذا الجحيم .. الآن ضعّ الكمّادات الباردة على جبينها , لربما تتحسّن صحتها 
***

بعد قليل.. سمعوا طرقاً قوياً على الباب , وجيم يصرخ من الخارج:
- إفتحوا بسرعة !!
وحين فتحوا له , وجدوه ينزف من جسده ووجهه !
المخرج بفزع : ماذا حصل لك ؟! واين اريك ؟
جيم بفزع وهو يبكي : بسرعة !! انهم يلدغوه بوحشيّة 
جاك : من تقصد ؟!

جيم وهو يحاول التقاط انفاسه : 
- اثناء نزولنا الجبل , هجمت علينا الخفافيش من كل مكان ! فأسرعنا باتجاه السيارة .. وما ان دخلناها , حتى اختفت جميع الوطاويط اللعينة !!  
المخرج : ثم ماذا ؟!
جيم : جلست في المقاعد الخلفية للبحث عن حقيبة الطعام , لكني تفاجأت بإريك يضع حزام الأمان ويدير محرّك السيارة 
آدم : هل قادها نحو المدينة ؟ 

جيم : لا ..فمجرّد تشغيله لتدفئة السيارة , تسلّلت نحلتين من فتحات المكيف .. فأصبت بالهلع , وفتحت الباب عائداً الى هنا .. وظننت اريك خلفي ! لكني سمعت صراخه من داخل السيارة بعد هجوم سرب نحلٍ عليه , دخل من الباب الذي تركته مفتوحاً ..ارجوكم ساعدوه !!
المخرج : لا يمكننا فعل شيء , فالنحل باستطاعته خنقك بعد تجمّعه داخل حنجرتك .. وليس معنا مبيدات لرشّها ومحاربتها ! 

جيم غاضباً : وهل سنتركه يموت ؟!!
المخرج : تذكّر جيداً يا جيم !! .. حينما خرجت من السيارة , هل كان معك مصباح ؟ 
جيم : لا طبعاً 
المخرج : وهل كانت السيارة مضاءة من الداخل ؟
جيم : لا ايضاً 
المخرج : اذاً يبدو ان عقلك أوهمك بأنه مازال في السيارة .. لكني أرجّح انه تمكّن من الهرب , وربما يركض الآن باتجاه المدينة
جيم : أتمنى ذلك ! 

آدم : ماهذه الليلة المخيفة ؟! حيوانٌ مجهول يهجم على جسيكا محاولاً إغراقها , ثم خفافيش ونحلٌ عدواني .. ماذا بقيّ ايضاً ؟
جاك : ان نموت جوعاً 
المخرج : لن نموت ان نمنا ليلتنا دون طعام .. والآن لنُطفئ مصابيحنا , فغداً يومٌ طويل
جيم بدهشة : أمازلت مصمّماً على تصوير الفيلم بعد الذي جرى ؟!
المخرج بغضب : وهل تريد ان يذهب تعبنا سدى ؟ سنُنهي فيلمنا اللعين الذي بسببه سنتخرّج من المعهد بشهادة تفوّق .. والآن كلاً الى سريره , هذا أمر !! 

فنظر جيم من النافذة باتجاه الوادي المظلم , وهو يتمّتم بقلق : 
- أتمنى ان تكون بخير يا اريك 
*** 

في الصباح .. تنّهدوا جميعاً بارتياح فور رؤيتهم لجسيكا تمشّط شعرها بنشاط , بعد زوال حرارتها.. 

ثم خرجوا , ليجدوا المخرج يلغّم المنزل بالديناميت !
جسيكا معاتبة : أكنت تلغّمه ونحن نيام بالداخل ؟!
المخرج : أكيد لن أفجّره قبل استيقاظكم , لكني اريد انهاء المهمة بأسرع وقتٍ ممكن .. فأنا لم أنم جيداً البارحة بسبب الكوابيس المزعجة 
جيم بحزن : وانا رأيت اريك في الحلم يلومني لعدم مساعدتي له ! 
جاك : وانا أصبت بجاثومٍ لعين

آدم : اما انا ..فشاهدت فتاةً جميلة تلبس فستاناً اسود , وهي تطالبني بالرحيل عن قريتهم التي أرتني إيّاها قديماً وهي تضجّ بالعمّال النشيطين , قبل اغلاق المنجم  
المخرج : لا وقت الآن للمنامات .. دعونا ننهي تصوير المشهد سريعاً 
جاك : ولما تفجّر البيت الوحيد القابل للسكن بين كل المنازل الرطبة ؟ 
المخرج : وهل ستعيش البطلة في بيتٍ عفن يا ذكي ؟ .. نريد ان يكون فيلمنا القصير واقعياً بالنسبة للمشاهد .. والآن لنبدأ التصوير , جهزوا الكاميرات .. 

ثم اقترب من جسيكا ليسألها :
- هل صحتك بخير لتمثيل المشهد ؟
جسيكا : مازال ظهري يؤلمني قليلاً , لكن حرارتي انخفضت .. فهيا دعنا ننهي التصوير , للعودة الى بيوتنا بخيرٍ وسلامة 
المخرج : اذاً اريدك ان تُظهري مشاعر الحزن العميق , اثناء توديعك لزوجك الذاهب الى الحرب .. ولنحاول تصويرها بلقطةٍ واحدة
جسيكا : سأحاول .. 

المخرج : جيد .. والآن ادخلي الى المنزل للبس فستانك الطويل .. وانت يا آدم !! إسرع بلبس ثياب الجندي .. هل احضرت البندقية القديمة معك ؟
آدم : نعم , لا تقلق

وبعد تحضير عدّة التصوير .. بدأ آدم وجسيكا بتمثيل مشهد الفراق المؤثّر  
***

بعد انتهاء المشهد .. طلب المخرج من الجميع الإبتعاد عن البيت لتفجيره بعد الرقم ثلاثة .. 
وبدأ يعدّها ببطء وهو يمسك جهاز التحكّم , قائلاً للجميع :
- سنبدأ التفجير .. 3 – 2 ..
وهنا صرخ آدم : توقف !!

ففزع الجميع ! بينما اسرع آدم الى داخل البيت , ليخرج بعد قليل حاملاً هريرة سوداء صغيرة ..قائلاً لهم :
- لمحتها فجأة تمشي داخل المنزل 
المخرج غاضباً : اللعنة عليك يا آدم !! كاد قلبي يتوقف من الخوف .. ظننت اننا نسينا شيئاً مهماً في البيت 
آدم : آسف ان أفزعتكم , لكني خفت عليها  

جسيكا وهي تربت على الهريرة : انها صغيرة جداً , اين امها يا ترى ؟
آدم : آه صحيح , لابد انها بالداخل ايضاً .. سأبحث عنها
لكن المخرج أوقفه قائلاً : لن انتظر اكثر .. ابتعدوا جميعاً
آدم : لحظة ارجوك !
وأكمل المخرج قائلاً :
- سأبدأ التفجير .. 3 – 2 – 1

وفجّر المنزل الذي تطاير ركامه في كل مكان .. ثم أسرع بسؤال جاك :
- هل صوّرت الحدث ؟
- نعم نعم , لا تقلق 
المخرج : ممتاز , لنعدّ الآن الى السيارة .. ولا تنسوا المعدّات التي سنعيدها الى مستودع المعهد فور عودتنا
*** 

وقبل نزولهم لأسفل الجبل .. طلب جيم منهم الإنتظار , لحين قضاء حاجته في الغابة .. 

بعد قليل .. سمعوا صراخه من بعيد .. 
فأسرعوا نحوه , الا انهم تجمّدوا في اماكنهم حين شاهدوا دباً كبيراً يمزّق جسده ! 
فكانت ردّة فعلهم : ان رموا جميع حقائبهم على الأرض , وركضوا بأسرع ما يمكنهم باتجاه السيارة .. 

حين وصلوا اليها .. تفاجأوا بجثة اريك متورّمة ومنتفخة في المقعد الأمامي , بعد ان علق حزامه الأمان ! 
لكن لم يكن هناك وقتاً للحزن , خوفاً من هجوم دببة اخرى عليهم ..
فطلب المخرج من جاك إخراج جثة اريك من السيارة .. لكنه رفض تركه هناك , وأسرع بوضعه في صندوق السيارة .. 

بهذه الأثناء .. حاول المخرج ادارة المحرّك , لكن وجده معطّلاً .. فتطوّع جاك لإصلاحه.. 
وكان سبب عطله : هو وجود نحلٌ ميت محشوراً بين اسلاك المحرّك .. فنظّفه جاك على عجل , وهو يتلفّت حوله بقلق .. 
وما ان سمعوا صوت المحرّك يدور من جديد , حتى تنفّس الجميع الصعداء 

لكن قبل صعود جاك الى السيارة , تفاجأوا بسقوط شجرةٍ طويلة فوق رأسه هشّمته تماماً ! 
فصُعق الجميع بموت صديقٍ آخر من المجموعة !

فقالت جسيكا باكية : ارجوك يا مايكل أخرجنا من هذه القرية المسكونة , قبل ان نموت جميعاً !! 
بهذه اللحظات .. فقد المخرج اعصابه بسبب مواء الهريرة الحادّ المتتابع , فصرخ في وجه آدم :
- إرمي القطة خارج السيارة حالاً !!
آدم : لا تفرغ غضبك على القطة الصغيرة , فبسببك أتينا الى هذا المكان المرعب
جسيكا : هذا صحيح !! وهآقد مات اصحابنا دون فائدة , بعد ان تركنا معدّات التصوير فوق الجبل

المخرج : لا لم يذهب تعبنا سدى , فشريط المشهد النهائي في جيبي .. اما المعدّات , فسندفع لأحد القروين لإحضار حقائبنا بعد خروجنا من هنا .. والآن إرمي القطة اللعينة من سيارتي , قبل ان أخنقها بيديّ هاتين !!  

وإذّ بالقطة تقفز من يديّ آدم , لتهجم على وجه المخرج محاولةً فقأ عينيه بأظافرها !
فخرج من السيارة فزعاً , وهو يحاول بصعوبة إزالة القطة عن وجهه .. وأسرعت جسيكا باتجاه المخرج لمساعدته .. بينما تجمّد آدم داخل السيارة بعد ان أفزعه قوة الهريرة الغير طبيعيّ !

وفجأة ! هجمت الغربان على جسيكا والمخرج اللذان حاولا الرجوع الى السيارة .. لكن آدم لم يستطع فتح أيٍّ من الأبواب الأربعة لهما , كأنها أُقفلت بإحكام من الخارج ! ليشاهد صديقه وحبيبته يقتلان امام عينيه , بعد ان نقرت الغربان رؤسهما وفقئت عيناهما وقلعت لسانهما , ليقعا على الأرض جثتين هامدتين , قرب جثة جاك المُنسحقة اسفل الشجرة !
ثم عمّ الصمت المرعب ارجاء الغابة المرعبة..

فحاول آدم بجسده المرتجف الجلوس في المقعد الأمامي لقيادة السيارة , لكنه تفاجىء بتحوّل الغربان والخفافيش والنحل والدب , وحتى الشجرة الطويلة (التي استقامت ثانية) الى اشباه بشر بقرونٍ وارجل حيوانات .. فعلم آدم إنه محاطٌ بقبيلة من الجن !

وهنا قفزت الهريرة السوداء على مقدمة السيارة , لتتحوّل بدورها الى فتاةٍ جميلة بفستانها الأسود ..
فقال آدم وهو يشير اليها برعب (من داخل السيارة) : 
- لقد رأيتك بمنام الأمس !
الصبية : نعم وطلبت منك الخروج انت واصدقائك من قريتي , لكنك لم تنصحهم ب..
آدم مقاطعاً بعصبية : وكنّا على وشك الرحيل , فلما قتلتم اصدقائي؟!!

الصبية : نحن في البداية خطّطنا لتحطيم معدّاتكم التصويرية , خوفاً من ان يجلب فيلمكم المزيد من السوّاح والمتطفلين ومحبّي المغامرات الغريبة الى قريتنا .. لكن والدي قرّر قتل جميع الشهود 

وهنا قال الأب (الذي كان سابقاً على هيئة دبّ) : 
- وانا مازلت مصّراً على رأيّ , لهذا ستموت انت ايضاً
الصبية : ابي رجاءً , هو أنقذ حياتي .. ولولاه لكان المخرج الغبي فجّرني داخل منزلي 
امها (التي كانت سابقاً على هيئة شجرة) : ابنتي , نحن تعبنا كثيراً حتى استطعنا السيطرة على عقل رئيس البلدية لإغلاق المنجم وطرد العمّال من هنا .. وهذا الشاب سيفسد كل شيء ان تركناه حياً  

الصبية : الا يكفي ان نكسّر كاميراتهم التي تركوها بأعلى الجبل , ونحطّم الشريط الذي بحوذة المخرج .. حينها لن يصّدق أحد قصته الخيالية
اخوها (الذي كان سابقاً وطواط) : ان خرج من هنا حياً , ستستجوبه الشرطة لاكتشاف مصير أصدقائه , تحت ضغط الأهالي لمعرفة الحقيقة .. وحينها تضجّ قريتنا بالمحققين وافراد عائلاتهم 
الصبية : انا أفهم المشكلة جيداً , لكن الا يوجد حلٌ آخر ؟

وهنا قالت اختها الصغيرة (التي كانت سابقاً ملكة النحل) :  
- لا احد يُصدّق كلام المجانين
الصبية بارتياح : أحسنت اختي !!
آدم بقلق : ماذا قصدت ؟!
الصبية : امامك خيارين يا آدم : اما ان تموت كأصدقائك , او تفقد عقلك
آدم مرتجفاً : اريد فقط العودة لحياتي الطبيعية
الأب الجني : لا احد يعود لحياته السابقة بعد مقابلتنا .. ايها الطبيب !! ازلّ عقله فوراً
فصرخ آدم بخوف : لا !! لا تدخلوا السيارة

لكن طيف طبيب الجن (الذي كان سابقاً غراب) إقتحم السيارة , ومعه ادواته الجراحية..
بهذا الوقت قالت له الصبية (الجالسة على مقدمة السيارة) : 
- لا تخف يا آدم , ستكون عملية بسيطة

وما ان وضع الطبيب يده الشفّافة على رأس آدم , حتى أغمي عليه .. ليستيقظ مساءً وهو مستلقي على المقاعد الخلفية للسيارة , وبجانبه اجزاء من دماغه ! 

وحين رفع جسمه بصعوبة لاستراق النظر من واجهة السيارة , رأى قبيلة الجن وهي ترقص حول النار بحفلة شواء لجثث اصدقائه ! 

فاستغلّ انشغالهم , ليتسلّل من السيارة ..
ثم هام على وجهه دون ان يدرك وجهته , حيث كان نظره وتفكيره مشوشين للغاية !
***

بعد سنوات , في مستشفى المجانين..
أخبر الجرّاح تلاميذه (الأطباء المتخرّجين حديثاً) عن قصة آدم المحتجزّ لديهم بقسم المرضى الميؤوس منهم .. قائلاً لهم :  
- وهذه حكاية أغرب مجنون لدينا , الذي الى اليوم مازال يصرّ على قصة قرية الجن , دون تذكّره لأيّ شيءٍ آخر !

أحد التلاميذ : وكيف وصل الى هنا ؟
- وجدوه الناس يهلّوس في الشارع , وهو ينزف من رأسه .. وحين قامت مستشفى الطوارئ بعمل اشعة لرأسه : وجدوا بأنه أُزيل معظم دماغه , ما عدا جزءاً بسيطاً من ذاكرته .. لهذا نسيّ اسمه واسماء اصدقائه المزعومين , وعنوان منزله .. فأحضروه الى هنا 

ثم أسرع الطلّاب للنظر من نافذة المريض آدم , بعد سماعهم لمواء صادراً من الداخل .. فوجدوه يُكلّم نفسه وكأنه قطة !

فقال لهم الطبيب :
- آه نسيت ان اخبركم .. هو يدّعي ان القطة السوداء التي أنقذها من التفجير تزوره يومياً للإطمئنان عليه , وهي علّمته لغة القطط
- أتقصد الصبية الجنية ؟.. هل هي معه الآن ؟
الطبيب : وهل صدّقتم قصته الخيالية ؟ .. (ثم نظر الى ساعته) .. لقد انتهت حصة الدراسة , إذهبوا الى بيوتكم 
***

بعد خروج الطلّاب من مستشفى المجانين , قال أحدهم لأصدقائه :
- من يريد الذهاب معي الى القرية المهجورة بالعطلة الأسبوعية لاكتشاف الحقيقة ؟
طالب آخر منبهاً : أتريد ان تصبح مجنوناً مثل ذاك الشاب المسكين؟
- اساساً انا لم أصدّق تلك الخرافات .. ولكيّ أثبت ذلك , سآخذ معي طائرة (درون) لتصوير القرية من الأعلى .. وفي حال وجدنا منزلاً مُفجّراً كما ادعى المريض , سنبيت ليلتنا هناك لتصوير قبيلة الجن في المساء .. فمن لديه الجرأة للذهاب معي ؟!!
- انا احب مغامرات الجن والأشباح
- وانا ايضاً 

فعاد ونبهم ذات الطالب : لا تذهبوا , ستؤذون انفسكم
- إذاً إبقي انت مع عائلتك ايها الجبان , ونحن الثلاثة سنصعد الى فوق بعد يومين .. 
الطالبين الآخرين بحماس : إتفقنا !! 
***

داخل غرفة آدم (في مستشفى المجانين) كانت القطة السوداء (التي لا يراها احداً سواه) تنظر من نافذته للشارع بقلق :
آدم : الى ماذا تنظرين ؟
القطة بغضب : هناك ثلاثة تلاميذ اغبياء يخطّطون لاستكشاف قريتي , وكلّه بسبب لسانك الطويل !!
آدم بعصبية : الا يكفي انكم إقتطعتم معظم اجزاء عقلي ؟!! 
- صحيح .. كان خطأ طبيبنا الغبي الذي ازال كل شيء , ماعدا ذكرى الحادثة التي طلبنا منه حذفها من دماغك .. لهذا طرده ابي من عمله .. المهم الآن !! عليّ الإسراع الى اهلي لوضع خطة للقضاء عليهم
آدم بخوف : لا ! لا تقتلوهم ايضاً
القطة : آسفة يا آدم , لكن ولائي لبنيّ جنسي اولاً .. ولا تحاول تنبيه الممرضات والأطباء , فلا أحد سيصدّقك .. اراك لاحقاً

ثم اختفت من غرفته .. ليُسرع آدم نحو الباب المقفل ويطرقه بكلتا يديه , صارخاً بفزعٍ شديد :
- إفتحوا الباب !! عليّ التكلّم مع الطبيب حالاً !! .. دكتور !! أنقذ طلاّبك من الموت !!.. هل يسمعني أحد ؟!! الشباب في خطر!!
***

في غرفة الإدراة , سأل الجرّاح سكرتيرته : 
- ماهذا الصراخ ؟!
السكرتيرة : انه المريض الذي لا مخّ له , يبدو انه يهلوس من جديد 
الطبيب : إذهبي واعطيه ابرة مهدئ  
*** 

وما ان فتحت الممرّضة الباب , حتى امسك آدم بيدها وهو يترجّاها:
- القطة السوداء ذهبت قبل قليل للتخطيط مع قومها الجن لقتل الطلاّب الأبرياء .. أنقذيهم بسرعة !!
فتنهّدت الممرّضة بضيق : أوف ! القطة السوداء من جديد

وقبل ان يُكمل كلامه .. غرزت بذراعه إبرة المنوّم , ليسقط على الأرض مغشياً عليه بلا حولٍ ولا قوة ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الفيلم الدموي

تأليف : امل شانوحة  الزومبي الكومبارس  فور دخول الشباب 12 الى المسرح (الذي سيقام فيه احداث الفيلم المرعب ، والذي بُنيّ على شكل قبّةٍ زجاجيّة...