الخميس، 16 يناير 2020

الحب المرضي

كتابة : امل شانوحة



خطة النرجسي للإيقاع بضحيته

في حفلة الزفاف ... جلس مراد يراقب الصبايا المتواجدات في العرس بتركيزٍ شديد .. الى ان شاهد ضحيته المثالية بعد مراقبتها جيداً على مدى ساعتين دون ان تنتبه له .. وكانت فتاة خجولة لم تشارك بالرقص , بل فضّلت الجلوس بعيداً عن اضواء الكاميرات .. وهي آخر من توجهت للبوفيه , لوضع القليل من الطعام في صحنها .. كما أُعجبه اهتمامها بإبن اختها طوال الحفلة , وعدم غضبها من سيدة داست بالخطأ على حذائها ..

ففكّر مراد في نفسه : ((فتاةٌ هادئة , مراعية لمشاعر غيرها , لا تحب لفت الأنظار , غير واثقة من جمالها الملفت , ثيابها محتشمة , وحنونة على الأطفال , وتتحكّم جيداً بأعصابها .. اخيراً وجدّتُ الضحية المناسبة.. سأذهب لتعرّف عليها بشخصيتي الوهميّة))

وتقدّم نحوها لحظة إنشغال المعازيم بأخذ صورة مع العروسين قبل نهاية العرس , قائلاً لها بلطف :
- مرحباً , كيف حالك ؟
فأجابته بارتباك : بخير الحمد الله
- اسمي مروان , مهندس في الخليج
- اهلاً وسهلاً
- أأنت من اقارب العروس ؟
- لا انا صديقتها 
- ولما لا تتصورين معها ؟
- سأفعل بعد انتهائهم جميعاً  

مروان : أأتيت وحدك الى هنا ؟
- لا مع اختي الكبرى وابنها , فالعريس من اقارب زوجها
- إن كنت أضايقك بأسئلتي , يمكنني الذهاب 
- لا , لكن الأعراس تشعرني بالمللّ 
- يبدو انك عزباء ؟
فأومأت برأسها إيجاباً بخجل ..

فتنهّد مروان بضيق : اما انا فمطلّق , وابني مع امه في امريكا ..وحالياً اعيش وحدي في فيلتي الساحلية 
- آسفة لسماع ذلك
فقال في نفسه بحماس : ((تعاطفت مع قصتي المزيفة .. ممتاز!!))
وأكمل قائلاً وهو ينظر الى ثيابها :
- ثوبك رائع .. وهو الأجمل بين الحضور , لأنه محتشم .. 
- شكراً لك 

وهنا انتبه بأن اختها في طريقها اليهما , فأسرع قائلاً وهو ينظر الى ساعته:
- أوه ! لقد تأخّر الوقت , عليّ الذهاب .. سعدّتُ بالتعرّف عليك , آنسة..
- مروى 
بابتسامة : اسمٌ يليق بآنسةٍ جميلة  .. يبدو انه يوم حظي
وسلّم عليها بحنان , قبل خروجه من القاعة .. 

وبعد ذهابه , سألتها اختها باهتمام : 
- من ذلك الشاب الوسيم الذي كنت تكلّميه ؟
مروى : لا ادري ! هو بدأ الحديث معي , ثم ذهب
- وهل قال شيئاً غير لائق ؟
- لا ابداً , كان مهذباً للغاية 
- المهم .. إذهبي لتوديع العروس , لأوصلك الى البيت
***  

بعد اسبوع .. واثناء تسوّق مروى في السوبرماركت , تفاجأت بشخصٍ خلفها يقول :
- آنسة مروى .. يالها من صدفةٍ جميلة
فقالت بدهشة : المهندس مروان !
- جيد , مازلتي تذكرين اسمي
فسكتت بخجل ..

مروان : هل تتسوّقين عادةً من هنا ؟
- نعم , فهو قريب من جامعتي 
مروان : أتقصدين الجامعة التقنية ؟ 
- نعم , ادرس برمجة الحاسوب
- فتاةٌ جميلة وذكية ايضاً .. لا لم أقصد إرباكك , لكني أقول الحقيقة .. (ثم سألها ).. مروى , هل تقبلين عزيمتي على كوب قهوة ؟ 
- عليّ إيصال الأغراض الى امي
فقال بضيق : آه فهمت .. كما تشائين .. سلام

وتعمّد الذهاب بسرعة , ليُشعرها بالذنب لعدم إعطائه فرصة للتقرّب منها .. فعاتبت نفسها :
((هل ظنّ انني رفضت لقاءه ؟!.. يالا غبائي !! متى سأتوقف عن تصرّفاتي الطائشة ؟!)) 
*** 

بعد يومين .. واثناء وجودها في كافتريا الجامعة , تفاجأت بكوب قهوة يوضع امامها ! 
وحين رفعت نظرها عن كتابها , وجدت مروان يسحب الكرسي ليجلس مقابلاً لها.. فقالت له بدهشة :
- استاذ مروان !
- لوّ سمحتي مروى , نادني مروان فقط 
- كيف عرفت انني ..
مقاطعاً : شعرت انني مدينٌ لك بقهوة .. هيا إشربيها قبل ان تبرد

وعمّ الصمت بينهما لدقائق , وهو يركّز نظره عليها .. الى ان أوقعت القهوة على كتابها .. فساعدها بمسحه , وهو يقول مبتسماً :
- هل اربكتك بنظراتي ؟
مروى : ولما تنظر اليّ هكذا ؟!
- لأنك تذكّريني بفتاةٍ احببتها في الثانوية .. كان لديها نفس عينيك العسيلين
مروى : ولما لا تتواصل معها ؟
- حصل ذلك قبل سنواتٍ طويلة ..وأظنها تزوجت الآن ولديها اطفال ..ماذا عنك ؟
- ماذا عني ؟!
مروان : هل أحببتي من قبل ؟

وقد ضايقها جرأة سؤاله , فقالت له بجدية : 
- سيد مروان , لا احب ان يتدخل أحد بخصوصياتي
- أمازلتي تعتبرينني غريباً ؟! ظننت إننا اصدقاء 
وقام من مقعده وهو يقول : آسف ان ضايقتك آنسة مروى

وقبل ان تقول شيئاً , خرج من الكافتريا .. لتشعر على الفور بتأنيب الضمير لمنعه من التحدّث معها على راحته !
وعاتبت نفسها : 
((اختي معها حق , ان بقيت هكذا فلن اتزوج مطلقاً .. أتمنى ان يعود قريباً))
***

لكن مراد (او الأصح مروان) لم يعدّ قبل اسبوعين , رغم مراقبته لها كل يوم في الحرم الجامعي (من بعيد) للتأكّد بأنها لا تكلّم غيره .. وبالفعل لم يكن لديها سوى صديقة واحدة .. كما كان من عادتها العودة الى بيتها مباشرةً بعد انتهاء محاضراتها ..

وفي إحدى الأيام .. وبعد خروجها من الجامعة , إقترب مراد من صديقتها ليسألها عن مروى.. 
فأجابته بقلق :
- ولما تسألني عن صديقتي ؟!
مروان : لأني أودّ خطبتها , لهذا اريد جمع المعلومات عنها
الصديقة بحماس : أحقاً !! سيكون جميلاً لوّ انخطبت مثلي , هكذا نذهب سوياً للتسوّق ليوم عرسنا
- ممتاز !! هل يمكننا الجلوس بالكافتريا ؟ 
- طبعاً
مروان : لكن رجاءً , إبقي الموضوع بيننا 
- كما تشاء

وبعد ساعة من حديثه معها , إستطاع الحصول على معلوماتٍ مهمة تخصّ مروى , كالأشياء التي تحبها وتكرهها .. كما عرف بأنها فسخت خطوبتها السابقة قبل سنة ! 

فقال في نفسه بمكر : ((اذاً خطيب مروى السابق خانها وكسر قلبها .. كنت متأكداً انها الضحية المناسبة))  
وشكر صديقتها ليعود الى شقته لوضع الخطة المناسبة لإيقاع مروى في غرامه
***

وفي إحدى الأيام .. لحق بها الى مطعمٍ قريب من الجامعة..  
وحين وجدته امامها , تراجعت للخلف بفزع وهي تقول : 
- أكنت تراقبني ؟!
مروان بابتسامة : لا , العصفورة أخبرتني انك تأكلين هنا من وقتٍ للآخر
- سيد مروان , بدأت تخيفني
- مروى ..انا سيدٌ محترم , ونيتي سليمة تجاهك
- وماهي ؟ 
- ستعلمين قريباً
وغمزها , لتظن بأن قصده خطبتها ..

ثم جلسا على نفس الطاولة .. واثناء الغداء سألها : 
- لما لم تخبريني بأن قلبك مكسور مثلي ؟
مروى باستغراب : عفواً !
- علمت من مصادري انك فسخت خطبتك مع حبيبك السابق
- لم يكن حبيبي فهو خطبني بالطريقة التقليدية , وحصل الفراق بيننا في مرحلة التعارف .. ثم من أخبرك بذلك ؟ .. (بعصبية) .. إيّاك ان تقول العصفورة ثانيةً !! 
فضحك وهو يكمل عصيره , دون ان يُجيبها..

وبعد انتهاء الغداء , أصرّ على دفع ثمن الطعام..
مروى : دعني على الأقل أدفع ثمن صحني 
- لن أقبل بذلك !!
- سيد مروان .. انت مازلت غريباً عني , ومن واجبي ان..
مروان مقاطعاً : لن اكون غريباً لوقتٍ طويل .. (ثم وقف وهو يقول)..دعيني اوصلك الى بيتك 
مروى بحزم : لا طبعاً !!
- لماذا ؟!
- لا اريد ان يراك ابي او اخي وانت توصلني الى البيت
- لكني سأقلق ان ذهبت وحدك .. (ثم فكّر قليلاً) ..أتدرين مالحل ؟ 
مروى : ماذا ؟
- سأجلس معك بسيارة الأجرة .. وبعد توصيلك , اعود الى هنا لأخذ سيارتي
- ولما تطيل المسافة عليك ؟
- لكيّ يطمئن قلبي .. هيا بنا

وخرجت من المطعم وهي تُخفي سعادتها بإيجادها رجلاً محترماً مثله , دون ان تدري بأن غايته هو معرفة عنوانها لاستخدامه في خطته القادمة
***

بعد ذلك اللقاء , غاب عنها اسبوعين .. مما جعلها في حيرةٍ وقلق! 
الى ان رأته يقف في الشارع المقابل لمنزلها , فتوجهت اليه بعصبية :
- اين كنت ؟!!
فابتسم بمكر , وهو يقول في نفسه : ((جيد , بدأت تتعلّق بي)) ..وأكمل قائلاً :
- لوّ كان يهمّك امري لما رفضتي إعطائي رقم جوالك المرة الماضية
فسكتت مروى قليلاً , قبل ان تقول بتردّد : 
- سيد مروان .. ان كنت فعلاً معجباً بي , فالأفضل ان ..(وسكتت) 
- إكملي رجاءً 
- ان أعطيك رقم والدي 

مروان بارتباك : لا !! .. أقصد ليس بعد , فأنا اريد التعرّف عليك اكثر ..فعندي عشرات الأسئلة اريد مناقشتها معك , قبل إحضار اهلي لزيارتكم .. لهذا احتاج الى رقم جوالك
مروى بضيق : لكني لست من النوع الذي يكلّم الشباب
مروان بعصبية : هل مازلتي تعتبريني غريباً , رغم معرفتك بنيتي اتجاهك؟!!
- لكن يا مروان ..

ففاجأها بسحب جوّالها من يدها لتسجيل رقمه .. ثم ردّه اليها وهو يقول :
- هآقد سجّلت رقمي عندك , وانا متفرّغٌ فقط بالمساء .. فإن كان يهمّك التعرّف على خطيبك المستقبلي , فاتصلي بي قبل موعد نومك .. سأنتظرك هذه الليلة
- مروان , لست جريئة لفعل ذلك  
مروان بإصرار : اذاً سأنتظرك كل ليلة الى ان تتصلي .. او على الأقل إبعثي على الواتساب إيموجي لأعرف انك متفرّغة للكلام .. إتفقنا ؟ 

وقبل ان تجيبه , سلّم عليها بكلتا يديه بحنانٍ زائد .. ثم ركب سيارته وابتعد , تاركاً مروى في حيرةٍ من امرها !
*** 

في المساء .. تقلّبت مروى في فراشها كثيراً بعد ان جافاها النوم , فهي لا تريد خسارة عريسٍ مثالي كمروان  .. 
ففكّرت في نفسها :
((سأرسل الإيموجي لدقيقتين فقط , ثم أمسحها))
وما ان ارسلت صورة وردة , حتى أرسل لها إيموجي القلب ! وكأنه ينتظرها على أحرّ من الجمر ..

ولم تشعر الا والمحادثة الكتابية تمتدّ بينهما لساعتين كاملتين : سألها فيها عن علاقتها السابقة , وعن احلامها الورديّة بشأن الحب والزواج .. كما تركها تتحدّث على راحتها عن احزانها ومخاوفها , موافقاً على كل ما قالته  
وبنهاية المحادثة .. شعرت مروى براحةٍ نفسية بعد ان فضّفضت له عن جروحها القديمة .. 
*** 

مرّ اسبوعان آخران وهما يتحدثان كتابياً على الواتساب , رافضةً الكلام بالهاتف خوفاً من ان يسمعها والدها وهي تتحدّث في وقتٍ متأخر  

وفي يوم وبعد خروجها من امتحانٍ شهري , وجدته يتصل بها !
مروى باستغراب : الو مروان ! الست في عملك ؟
- خرجت باكراً .. أمازلتي في الجامعة ؟
- نعم , مازال لديّ محاضرتين
- هل هما مهمتين ؟
- ليس كثيراً
مروان : اذاً انا قادم لأخذك الى مطعمٍ جيد
- ولما لا نأكل في الكافتريا ؟
- لا , طعامهم ليس لذيذاً .. لا تقلقي , فالمطعم لا يبعد كثيراً عن الجامعة .. إنتظريني قرب البوّابة الخارجية , لن اتأخر
***

وبالفعل أخذها الى مطعمٍ راقي..
مروى وهي تتلفّت حولها بقلق : هنا الأسعار غالية
مروان بابتسامة : لا شيء يغلو على حبيبتي 
- أنظر اليّ ! ثيابي متواضعة ولا تناسب المطعم الفخم
- انا لا تهمني المظاهر
- لكنك تلبس طقماً رسمياً .. ليتك أخبرتني البارحة لأجهز نفسي 
مروان : الأيام الجميلة قادمة , وسآخذك الى أفخم المطاعم .. وربما نسافر معاً حول العالم , من يدري ؟

مروى : يبدو ان شركتك تدفع رواتباً جيدة , إسألهم ان كانوا يريدون موظفة كمبيوتر ؟ لربما عملت لديهم فور تخرّجي هذه السنة
فضحك مازحاً : ومن قال انني سأسمح لك بالعمل بعد زواجنا ؟ بل ستجلسين ملكة في قصرك , وسأوظف الخدم للعمل على راحتك 
- تتكلّم وكأنك رجلٌ مليونير
مروان بغرور : ربما أكون واحداً منهم , فأنت لا تعرفينني جيداً ..وباستطاعتي القول بتواضع : إنني حلم كل فتاة 

مروى بقلق وغيرة : أهذا يعني ان لديك صديقاتٌ غيري ؟!
- بالتأكيد !!
وحين شعر بامتعاضها , أكمل قائلا ً:
- لكن لا يوجد حبيبات غيرك .. فلا تقلقي
مروى : طالما لديك الكثير من المعجبات , فلما اخترت انسانة بسيطة ومتواضعة مثلي ؟
- ولأنك كذلك , أحببتك .. فقد مللّت النساء المتصنّعات الأنانيات.. واريد انسانة حنونة تكون اماً لأولادي في المستقبل 

وظلّ طوال ساعتين يغدق عليها المديح والإطراء المبالغ فيها , والإحترام الزائد لشخصيتها الفريدة من نوعها .. ويُثني على أفكارها الذكية , دون ان ينسى مدح أهلها الذين أحسنوا تربيتها .. وإخبارها بأنه محظوظ لوجودها في حياته .. بل حتى انه قللّ من اهميته , مُبدياً استغرابه بقبولها لشخصٍ مثله ! 
وحرص طوال الجلسة ان يوافقها على كل شيءٍ تقوله وتقترحه , وصولاً لطلب نصائحها لحل مشاكل حياته .. 

وبهذه الحيلة استطاع تزويد ثقتها بنفسها بعد ان رفعها الى السماء 
حيث قالت في نفسها , وهي هائمة بعينيه الجميلتين :
((انها الحياة مثالية التي حلمت بها دائماً))  
بينما كان مروان يقول في نفسه :
((تعاطفت مع كل اكاذيبي حول طليقتي المزعومة , هذا يعني انها تعلّقت بي.. وغداً سيبدأ الإمتحان الصعب))
***

في يوم التالي , عزمها على مطعمٍ آخر .. وقبل ان يطلبا الطعام , قام من مكانه وهو ينظر الى جوّاله قائلاً :
- دقيقة واعود اليك
ومشى بعيداً عنها ..

ومضت عشرون دقيقة على ذهابه ! بعد ان تركها في وضعٍ محرج امام النادل الذي ظلّ يسألها كل خمس دقائق عن طلباتها .. بينما ظلّت تتلفّت حولها في انتظار عودته , وهي تقول في نفسها : 
((لابد انه اتصالٌ مهم , فليس من عادته تركي كل هذه المدة .. مروان , اين انت ؟!))

دون ان تعلم بأنه يراقبها عن بعد , وهو سعيد بارتباكها ..فهذا يدلّ بأنها وقعت تماماً في غرامه , خاصة انه اختار الوقت المناسب لتلاحظ فيه غيابه .. 

وبعد عودته .. جلس امامها وهو يشير للنادل لأخذ طلباتهما , دون الإعتذار لها !
فكتمت مروى غيظها , وطلبت صحنها دون ان تعاتبه..

وهنا قال في نفسه :
((جيد , لقد نجحت بالإمتحان .. فعدم معاتبتها لي , يدل بأنها لا تعرف قيمة نفسها حين احتقرتها بتركي لها دون سببٍ مقنع .. لهذا سأبدأ الليلة بمرحلة الإنسحاب من حياتها))
***

في المساء وقبل نومها , ارسلت له رسالة صغيرة على الواتساب تقول فيها:
((سأنام الآن , فغداً لديّ امتحانٌ مهم .. تصبح على خير)) 

ورغم انه ظهر لديها بأنه قرأ رسالتها , لكنه لم يجيب ! ..مما جعلها تسهر ساعتين في انتظار ردّه , قبل ان تتشجّع لإرسال رسالة اخرى :
((مروان ! هل انت بخير ؟!))
فأقفل مراد جواله دون إجابتها , وهو يبتسم بمكر : 
((سأجعل بالها مشغولاً حتى الصباح , وهذا سيمنعها من التركيز في امتحانها))
***

في اليوم التالي .. دخل كافتريا الجامعة , ليجدها تنتظره بغضب.. 
وما ان جلس امامها , حتى سألته بعصبية : 
- لما لم تجيبني البارحة ؟ فبسببك سهرت حتى الصباح , ولم أكتب جيداً في الإمتحان !!
فعاتبها قائلاً : هذا بدل ان تسأليني عن همّي ؟
- وماذا بك ؟!
فتنهّد بضيق قائلاً : أخبرتني طليقتي البارحة انها لن ترسل ابني في العطلة الصيفية كما اتفقنا سابقاً ! وقرارها المفاجىء كسر قلبي , لأني مشتاقٌ اليه جداً .. وفي الوقت الذي راسلتني فيه , كنت في قمّة غضبي .. وخفت ان أحادثك بعصبية , فأضايقك قبل الإمتحان 

فأمسكت يده بحنان : آسفة مروان , لم اكن اعرف
- لا عليك حبيبتي , فقدري ان اعيش بعيداً عن ابني .. (ثم أمسك رأسه بألم) ..آخ أشعر بالصداع , واحتاج الى قهوة مركّزة
- سأطلبها لك بنفسي
وذهبت لشرائها , وهو يراقبها بمكر ..قائلاً في نفسه :
((كم هي ضحية سهلة))
***

وفي الأيام التالية , تغيّرت معاملته معها للأسوء ! حيث بدأ يستهزأ من ارائها وملابسها ومن تصفيفة شعرها ومن اصدقائها , ويقلّل من اهمية دراستها وشهادتها .. وصار لا يردّ كثيراً على رسائلها 

وحين عزمها على عيد ميلاده في إحدى المطاعم , تفاجأت بأن معظم المعازيم من صديقاته الجميلات الذي أخذ يغازلهم امامها دون الإكتراث لمشاعرها , وكأنه يتعمّد إثارة غيرتها ! 
وانتهت الحفلة دون ان يخبرهنّ بأنها خطيبته المستقبلية  
فخرجت من هناك غاضبة , دون لحاقه بها !
***

وفي يوم ..ضاق صدرها بلفّه ودورانه , فسألته مباشرةً :
- متى ستزور والدي كما وعدتني ؟
- ولماذا ؟
مروى : لخطبتي !
مروان بلؤم : ومن قال انني سأخطبك ؟
بدهشة : ماذا !
- مروى .. لا ادري كيف أفاتحك بالموضوع .. لكني تصالحت مع طليقتي .. وسأسافر اليها غداً , لنعود عائلة من جديد 

مروى بعصبية : الم تقل لي مراراً انك لا تطيقها ؟!!
- رجاءً إخفضي صوتك , فأنت تلفتين الأنظار الينا
- يعني بعد ان أوقعتني بحبك , تريد الهروب ايها الكاذب !! 
- باختصار عزيزتي , كنت أضيّع الوقت معك .. او بالأصح أتسلى بسذاجتك الغبية 

مروى بغضب : والآن تخبرني بنواياك اللعينة قبل يومٍ واحد من امتحاناتي النهائية !!
- وهل تظني نجاحك يهمّني ؟ فنهايتك ان تجلسي في البيت لخدمة زوجك واهله  
وقام من الكرسي وهو يقول : 
- عليّ الذهاب لترتيب حقيبة سفري , الوداع يا مروى .. وإيّاك ان تتصلي بي ثانية , مفهوم !!

وخرج من المطعم .. تاركاً مروى في انهيارٍ شديد , وسط الزبائن الذين أشفقوا على حالتها البائسة !
***

في تلك الليلة , احتفل مراد مع صديقه في البار .. حيث سأله صاحبه باستغراب :
- لا أفهم سبب تهافت النساء عليك لكيّ تحطّم قلوبهنّ ؟
مراد (مروان) : هذا لأنني اختار ضحيتي جيداً .. فلابد ان تكون : طيبة لحد الغباء , ومراعية لشعور الآخرين , ومضحيّة بوقتها لخدمتهم .. ثم أقوم بتعزيز ثقتها بنفسها بالمديح الزائد , واهتمامي بسماع تفاصيل حياتها المملّة للإستفادة من المعلومات لاحقاً في تدميرها .. وبعد تأكّدي من تعلّقها بي , انسحب رويداً رويداً من حياتها , ليزداد ملاحقتها لي خوفاً من خسارتي .. وبالنهاية أكسر قلبها بالوقت الذي تكون فيه بأمسّ الحاجة اليّ , كيّ تتذكّرني للأبد

صديقه : ولماذا تفعل ذلك ؟
مراد : لأنه يشعرني بنشوة الإنتصار , وكأني أحلق في الفضاء بسعادةٍ غامرة .. فأنت لا تدري كم اعشق تدميرهنّ عاطفياً !! 
وضحك بهستيريا وهو يحتسي الخمر , بينما صديقه يراقبه بقلق !
***

بعد محاولة إنتحارها الفاشلة عقب رسوبها وتخرّج صديقاتها , أجبرتها اختها الكبرى على العلاج النفسيّ .. 
وبعد إخبارها الطبيب باكيةً بكل ما حصل لها , قال لها :
- هذا هو الأسلوب التقليدي للرجل النرجسي
مروى وهي تمسح دموعها : ولما فعل ذلك ؟!

الطبيب : لأن النرجسيين لديهم مشكلة في المخ , فهناك نقص في إفرازات السعادة لديهم .. فكما يشعر المدمن بالبهجة بعد المخدرات , يشعر هو بال(إيفوريا) ..أيّ الفرح الزائد الناتج عن رؤية فتاةٍ تتعذّب بحبه .. وهو ذاته السعادة التي شعرتي بها في بداية العلاقة , حين رفعك الى السماء بمدحه الزائد .. فالتخطيط لتدميركنّ يشعره بالإثارة .. وباختصار : النرجسي شخصٌ شرير ومريض يا ابنتي ولا فائدة منه ..واحمدي الله انك لم تنساقي لمغرياته الجسدية قبل الزواج , ولهذا فسخ علاقته بك سريعاً .. فبعض مرضاتي تعرّفنّ بالإنترنت على ذئابٍ بشريّة أرغموهنّ على خسارة شرفهنّ وسمعتهنّ , بعد ان هدّدوهم بنشر صورهنّ في وسائل التواصل الإجتماعي .. حتى ان إحداهن قُتلت على يد اهلها !.. فاحمدي ربك انك خرجتي من هذا الكابوس بكسرة القلب فقط

فسكتت مروى قليلاً , قبل ان تسأله :
- وهل هناك علاج لمرضه النفسيّ ؟
- أمازلتي تهتمين بأمره بعد الذي فعله بك ؟
- لا , مجرّد سؤال
الطبيب : لكيّ يتعالج عليه ان يعترف لنفسه انه مريض , وهذا لا يحصل عادةً , لأن (الأنا) لديه عالية ..وهي تأتي من تقليده لإحدى والديه النرجسيين , او لدلالهم الزائد ..او العكس تماماً !! بسبب اهمالهما له في طفولته , يخترع شخصية خيالية لحماية قلبه من قسوة الناس .. فالنرجسيون بعكس ما يظهرونه , لديهم ثقة مهزوزة بنفسهم .. لهذا يحتاجون دائماً لأشخاص طيبين لامتصاص طاقتهم الإيجابية , فتدميرهم يشعرهم بقيمتهم المزيفة .. الم تلاحظي إصراره على الفوز بمناقشاته معك , حتى لوّ كان رأيه خاطئاً ؟
مروى : صحيح !

الطبيب : وبأنه يحاول التقليل من شأنك واحتقارك امام الناس للفت الإنتباه اليه .. وبأنه يفقد اعصابه عند انتقادك له , حتى على سبيل المزاح ؟
- نعم !
- وبأنه يحاول دائماً إثارة غيرتك بغزله للجنس الآخر ؟
مروى : ولماذا يفعل كل هذه التصرّفات الغير سويّة ؟! 
- لأنه لا يفهم من السلوك البشريّ الا السيء منها : كالغضب والحقد والحسد والغيرة , لذلك يفسّر غيرتك عليه بأنه حب .. اما أيّ شيء جميل تقولينه او تفعلينه , قد يغضبه لأن عقله لا يستوعبه!

مروى : بعد هذا التوضيح , أُعتبر نفسي محظوظة لأن الله أبعدني عن شروره .. لكن ماذا عن كسرة قلبي ؟
- سيعوّضك الله بأفضل منه .. فأنت أحببتي رجلاً لا يمكن الوثوق به لبناء عائلةٍ سليمة  
- الشيء الوحيد الذي لا أفهمه ! لما وضعني الله بهذا الإختبار الصعب؟
الطبيب : ربما لأنه اصطفاك عن بقيّة اقرانك 
- ماذا تقصد ؟! 
- ربما اراد الله ان تتعرّفي على هذا الصنف من الرجال , لتزدادي قوةً وصلابة .. فبعد الذي حصل معك , هل باستطاعة أيّ شيطان بشريّ خداعك بكلامه المعسول ؟  
- لا طبعاً !! 
- أحسنت !! وهذا هو الهدف الإلهي  

فتنهّدت مروى بضيق وهي تقول : 
- اذاً ليس امامي الا الدعاء بدعوة النبي نوح عليه السلام : ((اني مغلوبٌ فانتصر)) ..وحسبي الله ونعم الوكيل

وخرجت من العيادة بعد إدراكها بأنها لم تعد تلك الفتاة اللطيفة البريئة , بل حوّلتها تجربتها المريرة الى امرأةٍ حديدية لا يمكن لأحدٍ كسرها بعد اليوم .. فربّ ضارةٍ نافعة !

*******
ملاحظة :
إستلهمت القصة بعد مشاهدتي لهذا الفيديو : 



هناك 7 تعليقات:

  1. المفروض يعني عدم المؤاخذة تطلعو من لبنان لانو من زمان مابينعاش فيها
    و الله يقويكم و انشالله مابسير الا الخير ❤️

    ردحذف
  2. تحيه لك استاذه امل
    كان الله في عونكم نحن ب ال 2020
    وبلدكم يعاني فساد متل البلاد العربيه
    الفساد سبب كل شيء
    قصه جميله كسرت خط القتل والرعب بما سبقها
    مروه فتاه حالمه كسر قلبها مخادع هو شخص مجنون بجنون الحب والكسر
    ابدعتي بالوصف لو مثلا اضيف مقطع بعد سنوات مروه تقابل مخادع مرا او مروان وتلقنه درس
    ابدعتي بالوصف الاشخاص والاماكن
    لبنان الان بقصة نانسي والقتل
    سبحان مغير الاحوال نانسي التي اعتبرها الكثير رمز لعطف وانها مثال الامومه
    غريب القصه نتمى يوما تظهر الحقيقه
    تحيه لك
    نتظر ابداعات صاحبة قلم جاكلين

    ردحذف
  3. إنشاء الله ربي يفرجها عليكم الأخت أمل وعلى كل الامة الإسلامية

    ردحذف
  4. نعم انسة امل لكن لم اسمع ان الانترنيت سينقطع و ان هنالك احتمال لحرب مع اسرائيل و ايضا يبدو ان الوضع سيتحسن تدريجيا مع تشكيل الحكومة الله يكون معنا ومع اهل بلدها و القصة جميلة و تعالج مواضيع اجتماعية و اكرر حفظنا الله من كل سوء في بلدها الغير مستقر

    ردحذف
  5. الله قدير على كل شي ان شاء الله يتحسن الوضع الاقتصادي في بلدنا لان هنالك العديد من الناس صرفت من عملها و البعض الاخر يتقاضى ففط نصف راتب و هذا عدا غلاء المعيشة ان شاء الله تتشكل حكومة جديدة تحل مشاكلنا و مشاكل الشعب و ترحل كل هذه للطبقة السياسية الفاسدة التي لم تجلب للشعب غير الفقر و فرقت الشعب عن بعضه تحية لك ابنة بلدي

    ردحذف
  6. ينجينا الله من حرب اهلية او مجاعة اعان الله اخوتك و جميع اللذين خسروا وظائفهم و الله ينتقم من هذه الطبقة السياسية التي لا تخاف الله يجب ان نصلي دائما

    ردحذف
    الردود
    1. فعلا الدعاء والإلتجاء للخالق هو الحل , اسعدتني بتعليقاتك أخ جورج

      حذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...