السبت، 22 يونيو 2019

شبكة المتورّطون

تأليف : امل شانوحة


تجارة الأطفال !

في ليلةٍ باردة .. نام المشرّد فوق قصاصات الكرتون وهو يتغطّى ببطانيته القذرة , قرب بوّابة نفق القطار .. واستفاق فجأة بعد إحساسه بشيءٍ قاسي يُرمى على ظهره ! 

وحين إدار رأسه , رأى رجلاً يشير الى سيارةٍ صغيرة وهو يقول :
- لقد أصبحت لك !!
وابتسم له ابتسامةٍ مريبة , قبل نزوله الأدراج للحاق بالقطار..

وحين عدّل المشرّد جلسته , رأى مفاتيحاً بجانبه ! 
فتعجّب من تخلّي الرجل عن سيارته بهذه السهولة , وإن كانت تبدو مستعملة 
فأسرع نحوها لمعاينتها من الداخل ..

وفي بادىء الأمر ..ظنّ المشرّد ان السيارة مُعطّلة , لكن صوت محرّكها بدى قويّاً , كما ان خزّانها مليء بالوقود !

ففكّر في نفسه بقلق :
((لما أهداني ذلك المجنون سيارته ؟! ..هل ملّ منها ؟ ام انه على وشك شراء سيارةٍ جديدة ؟ .. ربما كان سكراناً ولم يُدرك ما فعله ؟!.. او انه مجرّد شخصٌ كريم , أشفق عليّ حين رآني نائماً في الشارع بهذا الجوّ البارد ؟.. لا ادري , لكن حدسي يشعرني بأن هناك شيءٌ مريب في الموضوع !))

وبعد ان قادها المشرّد لبعض الوقت , ركنها على جانب الطريق لتفتيشها جيداً .. 

وحين فتح صندوقها , وجد فيه : رفشاً , وشريط لاصق .. وكيس من الحلوى .. وحبلٌ سميك .. وكشّاف كبير يستخدم في التخييم .. كما فاحت من الصندوق رائحةً قذرة .. وظهرت في زواياه , بقعٌ داكنة بلون الدماء ! ممّا زاد من شكوكه .. 

فعاد الى السيارة لتفتيش درجها (بجانب المقوّد) .. فرأى فيه جوّالاً قديماً , لكنه غير معطّل ! 
وحين بحث فيه : وجد صوراً لأطفال مقيدين داخل أقفاصٍ حديديّة , والخوف بادٍ على وجوههم ! 

فوقع الجوّال من يده بعد تسارع دقّات قلبه , لعلمه بأن السيارة أُستخدمت في عمليات خطف الأطفال !

وكانت الفيديوهات المُسجّلة على الجوّال محذوفة بالكامل , فيما عدا فيديو مخيف : لثلاثة اطفال يبكون في مكانٍ مظلم , يُضاء لثوانيٍ بنورٍ ساطع يخترق شقوق السطح , قبل ان يخفت من جديد!

ففكّر في نفسه : ((لا تبدو كأنوار الكشّاف , بل كأنها .... ضوء منارة ! .. (ثم تنهّد بضيق) .. يا الهي ! ماذا أفعل الآن ؟.. هل أرسل الأدلّة الى الشرطة ؟.. أم أتأكّد من الموضوع اولاً))

ولم يجد نفسه الا وهو يقود سيارته الى هناك .. 
***

حين وصل قرب المنارة .. قام بتفتيش الشاطىء بحثاً عن المكان الذي يستخدمه المجرمون كسجن للأطفال 

وبعد ساعة من الذهاب والإيّاب في تلك المنطقة .. وجد كشكاً صغيراً بعيداً عن البحر , مرسوماً عليه شطيرة نقانق ..لكن حجمه كان صغيراً بالنسبة لأقفاصٍ حديدية تستوعب خمسة اطفال على الأقل (كما ظهر بالفيديو) 

رغم هذا شعر برغبةٍ في معاينته.. واستخدم الكشّاف لرؤيته من خلال الشقوق الخشبيّة .. فوجده خالياً من الداخل ! لكنه لمح قفلاً كبيراً على أرضيته .. فلم يجد نفسه الا وهو يكسر باب الكشك .. ثم استخدم الرّفش (من صندوق السيارة) لكسر قفل الأرضيّة الصدأ..  

وكان حدسه في مكانه , حيث ظهرت امامه ادراج تصله الى قبوٍ مظلم !
***

في الأسفل .. وجد نفس المكان الذي ظهر بالفيديو , حيث ساهم نور المنارة على إضاءة المكان المعتم من وقتٍ لآخر .. واول ما لاحظه هو الرائحة القذرة الخارجة من الأقفاص الفارغة , مُختلطة مع رائحة السمك العفنة القادمة من شباكٍ مرمية في الزاوية , والتي لاحظ المشرّد أنها تحرّكت للحظة !

وحين ركّز كشّافه نحوها , رأى ولداً (8 سنوات) يختبأ تحتها .. 
وحين اقترب منه , صرخ الولد بخوفٍ شديد :
- ارجوك لا تقتلني !!
فقال المشرّد : إهدأ بنيّ , أتيت لمساعدتك

وما ان أمسك يده لإخراجه من هناك , حتى فقد الولد (شاحب الوجه) وعيه من شدة الخوف والجوع .. ويبدو انه هرب من خاطفيه , واختبأ اسفل الشباك لساعات وربما لأيام ! 

فحمله المشرّد وأسرع بالخروج من القبو مُتوجهاً للسيارة , ثم انطلق به الى أقرب مستشفى 
***  

حين استيقظ المشرّد (بعد نومه فوق كراسي الطوارىء , بانتظار علاج الولد) وجد شرطيان بقربه , واللذان أصرّا (رغم رفضه ومقاومته) على أخذه الى مركز الشرطة للتحقيق معه حول الولد الذي أحضره وهو على وشك الموت !
***

وكما هو متوقع .. لم يصدّق المحقق كلامه , رغم انه أعطاه عنوان القبو السرّي , لكنه رفض إرسال رجاله لمعاينته !.. وأودعه السجن بانتظار محاكمته 
***

في اليوم التالي .. زاره المحامي المُعيين من قبل الدولة , للدفاع عنه في يوم محاكمته التي ستبدأ بعد شهر .. والذي أخبره :
- كيف تريدهم ان يصدّقوا بأن المجرم أهداك سيارته , وبداخلها كل الأدلة التي تدينه !  
المشرّد : لكن هذا ما حصل بالفعل , أحلف لك !! 
ففكّر المحامي قليلاً , ثم قال : 
- إن كان هذا صحيحاً , فربما اراد توريطك بالموضوع قبل هروبه .. 
المشرّد : او انه لم يتوقع بأن ذكائي سيوصلني الى وكرهم القذر
المحامي : ربما ! على كلٍ سنعرف الحقيقة حين يستردّ الولد صحته , فشهادته ستحسم القضية .. وفي حال شهد ضدّك , ستحاكم بجرم تجارة الأطفال 

المشرّد بضيق : يا الهي ! .. (ثم سكت قليلاً).. عندي سؤال , سيدي 
- تفضّل 
- ماذا تفعل تلك العصابة بالأطفال ؟
المحامي : حسناً , سأفترض انك بريء وأجيبك .. الأطفال تُخطف لثلاثة اسباب : الصغار منهم يُباعون للأثرياء العقماء بغرض التبنّي .. والقبيحون او اطفال الشوارع يسلّموهم الى تجّار الأعضاء الذين بالعادة يقتلونهم بعد إجراء العملية .. اما الفتيات الجميلات والأولاد الوسيمون يُباعون لبيوت الدعارة .. هل فهمت الآن ؟
المشرّد بضيق : نعم , فقد سمعت عن اولئك الملاعيين اثناء عيشي في الشوارع لأكثر من سنتين

المحامي : واين كنت قبلها ؟
المشرّد بحزن : في شقتي الصغيرة قبل ان تستولي عليها طليقتي .. وبعدها بإسبوع طُرّدت من عملي كنادل بعد ان أوقعت العصير بالخطأ على ثياب رجلٍ أصرّ على مديري بطردي ! وقد حاولت بعدها كثيراً إيجاد عملٍ آخر , لكن دون جدوى .. فعشت على بقايا الطعام التي تُرمى بالحاويات خارج المطاعم .. الى ان أعطاني ذلك الرجل سيارته , لتوريطي بجرائمه اللعينة!! 
المحامي : وهل تستطيع وصفه لنا ؟
- لمحته لثوانيٍ فقط , قبل نزوله الى محطة القطار .. وكان رجلاً أربعينيّ , مفتول العضلات .. هذا كل ما أذكره !

وانتهت الزيارة بعد ان وعده المحامي بأن يطلعه على حالة الولد الصحيّة من خلال تواصله مع أهله (الذين فرحوا كثيراً بعودته) .. فشهادته كفيلة بإنقاذه من السجن لعشرين سنة على الأقل , في حال ثبتتّ التهمة عليه ! 
***

بعد ثلاثة اسابيع , وفي قاعة المحكمة التي ضجّت بالصحافة ومسؤوليّ جمعيات حقوق الطفل .. إنتظر المشرّد بدء المحاكمة وهو ينظر الى الولد الذي قدِمَ مع اهله للشهادة , والذي يبدو انه لا يتذكّره جيداً !

وحين دخل القاضي الى القاعة , طلب من الولد الجلوس بجانبه على المنصّة لطرح الأسئلة عليه .. 

لكن حين تمعّن الصبي في ملامح القاضي , صرخ بعلوّ صوته وهو يشير اليه بفزع .. وبدوره ظهر عليه الإرتباك الشديد ! فأسرع بإصدار حكمه : بحبس المشرّد عشرين سنة بتهمة الإتجار بالأطفال , دون إعطائه الإذن للمحامي بالدفاع عنه ! 

فضجّت القاعة بالإعتراض , لعدم سماعهم شهادة الصغير والمشرّد !
وقام الحرس بإخلاء القاعة بناءً على اوامره .. 

واقتادوا المشرّد الى السجن المركزي , بعد ان وعده المحامي بإعادة المحاكمة , ورفع شكوى على القاضي الذي خالف قانون المرافعات !
***

في اليوم التالي .. نشرت الصحافة خبر المحاكمة السريعة المشبوهة .. وعُرضت على قنوات الأخبار : الفيديو المُسرّب من داخل المحكمة لردّة فعل الولد وفزعه من القاضي الذي يبدو انه رآه من قبل !

وعلى الفور !! إنتشرت إشاعة بتورّط القاضي بشبكة كبار المسؤولين المتورّطين باستئجار الأطفال للدعارة .. ممّا أجبره على التنحي عن عمله , دون التحقيق معه بشأن الشبهات ! بعد حصوله على دعم الجهات العليا التي قامت بتبرأته , مُكتفيةً باستقالته ! 

وفي الأيام التالية .. تجمّعت الناس الغاضبة امام بيته , وهم يرفعون شعارات : ((القاضي الفاسد)) .. ورموا الكثير من القاذورات والبيض على منزله وسيارته مُترافقاً مع أقذع الشتائم , ممّا أجبره على تغير محل سكنه الى جهةٍ غير معروفة !
***

ورغم كل ما حصل , لم يقم أحد بتبرئة المشرّد من التهمة .. حيث أصرّت الصحافة على أنه أحد رجال الشبكة المتورّطين بخطف الأطفال الفقراء من الشارع ! 

فبقيّ لعدة اسابيع مسجوناً بمفرده في الزنزانة , الى ان ضمّوا اليه سجينٌ آخر : ضخم البنية , مفتول العضلات .. والذي حاول المشرّد تجنبه قدر الإمكان , بعد ان أرعبته نظراته اتجاهه !
***

وفي إحدى الليالي .. وبينما كان المشرّد ينام في سريره .. قال له المجرم من السرير السفليّ : 
- كم أشفق عليك يا جاك .. فكبار المسؤولين ورّطوك بوساختهم كيّ يبعدوا الشبهات عن أنفسهم .. فشبكتهم ضخمةٌ جداً , وتضمّ أرفع الشخصيات بالبلد !  
فسأله المشرّد باهتمام : وما ادراك بذلك ؟!
فقال له المجرم الضخم : سأجيبك بعد ان تربط الحبل حول رقبتك  

ورفع له حبلاً , أخرجه من داخل وسادته.. 
فقفز المشرّد من سريره مُرتعباً !

فقال له المجرم بابتسامةٍ صفراء , وهو يربط طرف الحبل على شكل مشنقة :
- أظنك تتساءل كيف أدخلت الحبل الى هنا ؟ 
فأومأ المشرّد برأسه ايجاباً , ونظرات الخوف بادية على وجهه !

فأجابه : يا مسكين يا جاك .. انت الحلقة الأضعف في القضية , وعليهم التخلّص منك .. لكن ليس بقتلك , فهذا يُثير المزيد من الشبهات .. 
ومدّ الحبل اليه وهو يقول : أترى تلك الحلقة الموجودة في السقف .. اريدك ان تصعد فوق سريرك لتربط الحبل فيه , ثم تضع الطرف الآخر حول رقبتك .. وانا سأحملك , ثم أرميك لتسقط مشنوقاً 

فسأله المشرّد وهو يرتجف خوفاً : ولماذا تريد قتلي ؟!
- الم تفهم بعد ؟ المكان السرّي الذي كشفته بفضولك تابع لأقوى عصابة في البلد , وهي تعمل منذ سنوات على خطف أجمل الأطفال لتسلية كبار المسؤولين .. والقاضي الشاذّ أحد عملائهم القدامى .. اما الصبي الذي وجدته هناك .. فهو الوحيد الذي تمكّن من الهرب , بعد ان نسي المجرم إقفال قفصه .. لكنه لم يستطع الخروج من القبو المقفل بإحكام , فبقيّ لثلاثة ايام مختبأً تحت الشباك .. وربما تظن نفسك بطلاً لإنقاذك حياته .. لكن برأيّ موته كان أفضل من تذكّره تلك التجارب المريرة التي خاضها مع رجالٍ قساة , قاموا باستئجاره أكثر من مرة .. اما عن تلك الشبكة , فلا أحد يتجرّأ القبض على المتورطين فيها .. وطالما انك أثرت ضجّةً اعلامية , فقد قرّروا التخلّص منك على هيئة إنتحار .. فليس في سجلاّت السجن شيء يدل على انني شاركتك الزنزانة في الأيام الماضية .. وبدورهم وعدوني بالحصول على حرّيتي , في حال نفّذت لهم المهمّة .. لذا لا اريدك ان تضيّع وقتي , والاّ كسرت جميع ضلوعك , وجعلتك تتمنى الموت ألف مرة !! ..فهيا كنّ مطيعاً , واصنع مشنقتك في الحال !!

فنفّذ المشرّد اوامره مُرغماً , وجسده الهزيل يرتجف بقوة .. ليقوم الرجل الضخم بحمله .. ثم رميه بقوة , أدّت لكسر عنقه .. وبعد عدّة انتفاضات , توقف جسده عن الحراك ! 
***

بعد قليل , فتح رئيس السجن باب الزنزانة .. وحين رأى جثة المشرّد مُعلّقة بالسقف , قال للمجرم :
- أحسنت يا جون !! .. والآن لملمّ أغراضك دون ترك دليل خلفك .. والحقني كيّ نُفرج عنك .. 
- وهل سترسلون صورة إنتحاره للصحافة ؟ 
رئيس السجن : بالطبع !! سنفعل أيّ شيء لحماية شبكتنا السرّية
فقال المجرم مبتسماً : كنت متأكّداً انك ايضاً متورّطٌ بالأمر
الرئيس مهدّداً : إن نطقت بكلمة , أعلّقك مكانه
(وأشار للمشرّد) ..
فقال المجرم وهو يخرج من السجن مع أغراضه :
- لا تقلق , لست غبياً مثله .. والآن أخرجني من هذا الجحيم
***

بعد شهرين , وفي وقت الظهيرة .. كان ذات الرجل (الذي أهدى سيارته للمشرّد) يجلس في سيارته الفارهة , خارج نادي رياضي للجمباز ..

فأتاه إتصال من القاضي , أجاب عليه الرجل بنبرةٍ حادّة :
((لا !! لا يمكنك استئجار ولدٌ آخر بعد ان فاحت رائحتك , وأصبح الجميع يعلم بتورّطك بشبكة الدعارة  .. نعم نعم , أفهم انه تمّ تبرأتك .. لكني أخشى ان تكون مراقباً من الصحافة , او من عائلة إحدى الضحايا .. فأنا لن أعرّض نفسي او اعضاء عصابتي للخطر .. لذا أبحث عن شخصٍ آخر يؤمّن طلباتك .. فأنا مشغولٌ الآن مع زبون أرفع منك مستوى .. ورجاءً , لا تحدّثني مجدداً .. أخاف ان يكون هاتفك مُراقب .. سلام)) 

ثم قام رجل العصابة بالإتصال بشخصٍ آخر , وهو يراقب الفتاة الصغيرة اثناء خروجها من النادي , قائلاً بالجوّال : 
((نعم سيدي .. قريباً ستصبح العصفورة في قفصك , فأنا اراقبها الآن .. لا ليست برفقة والدها , بل مع سائق العائلة .. لا تقلق , استطيع التخلّص منه بسهولة .. عليّ إقفال المكالمة الآن , للحاق بهما .. سلام))

ثم أخرج مسدساً وقماشةً مبلّلة بالمخدّر من الدرج , ووضعهما على الكرسي بجانبه .. وأسرع باللحاق بسيارة الفتاة , وهو يتمّتمّ : 
((سيسعد الوزير كثيراً بعارضة الأزياء الصغيرة .. فهي فاتنة وحيويّة .. لكن ليس بعد الآن)) .. 

وضحك بمكرٍ وخبث , وهو يلحق بالسيارة بعد توغّل سائقها في الغابة التي تفصلهم عن منزل عائلة الفتاة التي لن تراهم بعد اليوم !

هناك 3 تعليقات:

  1. القصه حزينه جدا قصصك محزنه جدا
    كنت اتمنى ان يقع القاضي والعصابه مسكين مشرد اطاح
    به بسبب طيبة قلبه
    جنون الحياه
    ياما بالسجن مظاليم واشدها الظالم اهلها
    ابدعتي استاذه امل
    قصه مبدعه متك

    ردحذف
  2. قصصك رائعة جدااا واتمنى ان تألفي اكثر واكثر نحن بانتظارك

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...