الأربعاء، 3 أبريل 2019

عاشق القهوة

تأليف : امل شانوحة


إدمانٌ قاتل !

في أحد الأيام .. دخل رجلٌ عجوز الى محل قهوة صغير , أُفتتح حديثاً بالمنطقة .. وبينما كان يشرب قهوته , لاحظ شِعّار المحل الذي كان عبارة عن رجلٍ مقطوع الذراعين , بقبعةٍ كبيرة من القشّ تُخفي معالم وجهه ! 

فسأل صاحب القهوة (الشاب الثلاثيني) :
- قهوتك لذيذة , لكن لما اخترت شِعّار محلك مُخيفاً هكذا ؟!
فإذّ بالشاب يعاتبه , وهو يتلفّت حوله بقلق :
- لا !! لما سألتني عن ذلك اللعين ؟
- ماذا تقصد ؟!
فتنهّد الشاب بضيق : هاهو الآن يطالبني بإخباركَ قصته ..

ورغم ان العجوز لم يفهم ما يعنيه ! الا انه استمع للقصة الغريبة وراء الشِعّار , حيث قال الشاب :
- قبل خمس سنوات كنت طالباً بالسنة الأخيرة للهندسة .. وجلست في يوم أقرأ قصصاً تاريخية حزينة في مكتبة الجامعة .. وشدّني موضوعاً عن رجلٍ عاش في القرن الماضي , إسمه مايكل ولقّبه الناس : بعاشق القهوة .. وكان رجل أربعينيّ عاش معظم حياته حبيس المنزل لأنه عانى من حساسيةٍ نادرة تجعل جلده يتقشّر ويتجرّح فور تعرّضه لضوء الشمس , لهذا لم يكن يخرج من بيته الا نادراً وفي المساء فقط ..وفي إحدى الأيام أُفتتح اول محل قهوة في منطقته .. وأحضر له صديقه كوب قهوة بناءً على طلبه , بعد ان أعجبته رائحة تحميص الحبوب الخارجة من مدخنة المحل.. وما ان شرب كوبه الأول حتى أصبح مهووساً بها .. المشكلة ان العجوز كان يقفل محله عصراً , ممّا شجّع مايكل للخروج لأول مرة نهاراً , بعد ان لبس قميصاً طويلاً يُخفي يديه , وقبعة من القشّ تحمي وجهه من أشعة الشمس .. ولم يكترث من سخرية الناس في الشارع , طالما انه سيحصل على كوب قهوته اليومية التي تنسيه همومه وآلامه ..لكن في إحدى الأيام أطال السهر مساءً مع اصدقائه , فاستيقظ في اليوم التالي متأخراً , وكان ما يزال نصف ساعة على إقفال محل القهوة .. فركض كالمجنون الى هناك !! وتعثّر فوق السكّة التي تفصله عن المحل , بلحظة مرور القطار الذي بتر ذراعيه ..ولسوء حظه , كان طبيب المنطقة خارج البلدة .. فقام المجبّر بكويهما لوقف النزيف , أدّى لاحقاً لتلوّث الجرح وإصابة مايكل بحمّى شديدة .. ولم يستطع اطباء المستشفى علاجه , فمات متأثّراً بجراحه .. وكُتب على شاهد قبره : عاشق القهوة ..

العجوز : يالها من قصةٍ حزينة !
- لا تتأثّر هكذا , فقريباً ستلعنه 
- من تقصد ؟!
صاحب المحل بضيق : ستعرف لاحقاً 

فخرج العجوز من عنده , وهو يقول في نفسه : ((هذا الشاب إمّا أحمق او مجنون !))
بينما تمّتم صاحب القهوة بغيظ : انت من جلبت الشؤم على نفسك , فتحمّل نتيجة سؤالك الفضوليّ
*** 

في صباح اليوم التالي .. لم يشعر العجوز (الذي يعيش لوحده) برغبة في الخروج من المنزل , فدخل المطبخ لعمل قهوته ..
وبعد ان أنهاها وصبّها في الكوب .. سمع صوتاً من خلفه يقول :
- رائحتها جميلة 

وحين التفت وراءه , شاهد رجلاً أربعينيّ بذراعين مقطوعتين وقبعةً كبيرة من القشّ تُخفي جزءاً من وجهه المُتقشّر المجروح وكأنه مسلوخ ! 
فسأله العجوز بصوتٍ مرتجف : من انت ؟!
فقال الرجل : انا مايكل , صاحب الشِعّار .. ألم تعرفني ؟!

العجوز بخوف : وكيف دخلت بيتي ؟!
- كنت عالقاً في عالم الأرواح لشهورٍ طويلة , عشتُ فيها بمللٍّ شديد .. الى ان سمعتك تسأل صاحب المحل عني , فعدّتُ مُسرعاً الى عالمكم المثير .. والآن كنّ لطيفاً وساعدني في ارتشاف قهوتك اللذيذة , فأنا بلا ذراعين كما ترى

فحمل العجوز كوب القهوة بيديه المرتجفتين , واقترب من مايكل.. لكن قبل ان يضع الكوب على فمه , سقط العجوز على الأرض دون حراك ! وانسكب الكوب امامه ..

مايكل بغضبٍ وقهر : لا !!! قهوتي .. أكان عليك ان تموت الآن ايها العجوز الخرِف .. يا الهي , كم كنت أتوق لشربة قهوة .... لحظة ! ما هذه الرائحة الجميلة ؟

واتجه نحو نافذة المطبخ , ليشاهد الجارة تعمل قهوتها الصباحيّة في البيت المجاور ..
- يا سلام ! قهوةٌ أخرى .. يبدو في هذا الزمان كثُر عشّاق القهوة.. حسناً لأذهب وأشاركها كوبها
وأختفى فجأة , تاركاً العجوز مُمددّاً على أرضيّة المطبخ !
***  

وما ان شاهدت تلك المرأة مايكل (بشكله المخيف) يقف في مطبخها يُطالبها بالقهوة , حتى صرخت بعلوّ صوتها :
- حرامي !! ..أنقذوني !!!

وانطلقت مُسرعة للهروب من بيتها .. لكن قبل تجاوزها باب المطبخ , مدّ مايكل قدمه امامها , لتتعثّر به وتطرق رأسها بقوة بحافّة الطاولة الخشبية .. وتقع على الأرض دون حراك , والدماء تسيل بغزارة من جبينها !

مايكل : مع انه كان بإمكاني الإختفاء ببساطة , فلما قتلتها ؟! .. آه صحيح , لأنها لم تعطيني ما أريده .. يبدو ان الناس في هذا العصر لا يشاركون قهوتهم مع الغرباء ... البخلاء ! 

وحين رأى شكله في مرآة الصالة , قال باستغراب :
- مع اني لست قبيحاً لهذه الدرجة , فلما يخافون مني ؟! .. (ثم تنهّد بضيق) .. عليّ شرب قهوتي اليومية , لكن اين أجدها في هذا العالم الواسع ؟

وهنا سمع صوت صبيّة تنادي على عامل التوصيل (دليفري) من النافذة العلويّة في المبنى المقابل , قائلةً بصوتٍ عالي :
- ستاربكس !! نعم هنا , في الطابق الخامس 

فقال مايكل في نفسه : ستاربكس ! اليس هذا محل مُتخصّص بالقهوة ؟ كنت سمعت الكثير عنه في عالم الأموات .. يبدو ان الجيل الجديد بليدٌ لدرجة طلب توصيل القهوة اليه ! آه لوّ كانت هذه الخدمة في زماني , لما قُطعت يدايّ التي أدّت لموتي بعد معاناتي الأمرّين .. (ثم تنهّد) ..لا وقت الآن للأحزان يا مايكل , لأُسرع قبل ان تشرب قهوتها وحدها
***

وبعد ان دفعت لعامل التوصيل , قامت بوضع السكر في كوب قهوتها الكرتونيّ , وحرّكته جيداً .. ثم أغلقت غطائه بإحكام ..لكن قبل ان تفتح الفتحة الصغيرة المُخصّصة للشرب , سمعت صوتاً خلفها يقول : 
- دعيني أتذوّق قهوتك المميزة يا آنسة 

وما ان رأته في بيتها ! حتى أسرعت ناحية الباب الخارجي لشقتها بفزعٍ شديد , مُحاولةً الهرب من هذا المسخ المخيف .. 
وحين فتحت باب المصعد , وجدت مايكل داخل المصعد يقول لها :
- أريد شربةً واحدة فقط ! 

فلم تجد نفسها الا وهي تسرع بنزول الأدراج , الى ان تعثّرت بإحداها ..فأكملت الدحرجة للأسفل , حتى توقف جسمها عن الحراك
مايكل بدهشة : ماذا ! هل ماتت ايضاً .. (ونظر من حولها) .. لا أرى القهوة معها , ترى اين تركتها ؟!

وعاد الى شقتها ليجد الكوب واقعاً على الأرض لكنه لم ينسكب , لأن غطائه مازال مُغلقاً .. 
فحاول ان يشرب منه , لكنه لم يستطع فتح المكان المُخصصّ للشرب بأسنانه , وباءت محاولاته في فتح الغطاء بالفشل 
- هيا إفتح , اريد تذوّق ستاربكس !! آه لوّ كان عندي أصبعاً واحدة لنجح الأمر

وهنا سمع صراخ الجارة وهي تطلب النجدة , بعد رؤيتها للفتاة (التي كسرت رقبتها) واقعة امام باب شقتها ! 
فقال مايكل بغيظ :
- عليّ الإبتعاد فوراً .... اللعنة على غبائي !! كان عليّ اللحاق بعامل التوصيل , لكنت وصلت الى محل ستاربكس وانحلّت جميع مشاكلي .. يالا حظيّ العاثر !
ثم اختفى فجأة من المبنى !
***

مشى مايكل وحيداً في الأزقّة وهو يفكّر :
- ثلاثة جثث حتى الآن .. وأصبح الوقت ظهراً , ولم أشرب بعد قهوتي اليومية ! ترى اين أجد أشخاصاً معتادون على شرب القهوة طوال الوقت ؟ .... آه عرفت , المكاتب !!
واختفى فجأة من الشارع !
*** 

وكان في إحدى المكاتب , رجلٌ ستينيّ يكتب بسرعة على حاسوبه وبتركيزٍ شديد .. وقبل ان يرتشف مجدداً من قهوته , تفاجأ بمايكل يقف قرب مكتبه 
- من انت ؟! وكيف دخلت مكتبي ؟
مايكل : أريد شرب القليل من قهوتك , وعليك مساعدتي
- ماذا ! يالك من مشردٍ وقح !! ..من سمح لك بالدخول الى هنا , وقطع حبل أفكار قصتي ؟ 
- آه ! هل انت كاتب ؟
الرجل بغضب : نعم , أعندك مانع ؟!!
مايكل : يمكنني جعلك أشهر كاتب في البلاد , بشرط ان أتذوّق بعضاً من قهوتك 
- ومن انت ايها الجاهل لتعلّمني الكتابة ؟! أخرج فوراً قبل ان أبلّغ الشرطة!!

فقال مايكل بحزمٍ ولؤم : قلت !! لن أذهب الى أيّ مكان قبل ان أشرب قهوتي , هل كلامي مفهوم ؟!!
الرجل صارخاً بعصبية : أخرج من مكتبي يا حقير !!
ورمى عليه كوب القهوة الذي اخترق جسمه الهلاميّ , ممّا أرعب الكاتب الذي كاد يسقط عن كرسيه ! 
فقال مايكل بغضب :
- لقد أخطأت كثيراً بتحدّيك لي .. 

ونفخ على وجهه دخاناً أخضر .. جعلت الكاتب يقع أرضاً بعد أن أُصيبت أطرافه بشللٍّ مفاجىء !
فاقترب مايكل منه وهو يقول :
- كنت سأجعلك كاتباً موهوباً لولا بخلك عليّ برشفة قهوة .. الآن لن تتمكّن من كتابة حرفٍ واحد لبقية حياتك ..والأسوء انك لن تجد من يُسقيك القهوة من جديد , ايها المغرور المتعالي !! 

وأختفى فجأة ! تاركاً الكاتب يبكي وحيداً على الأرض وهو عاجز عن تحريك أطرافه , او حتى الصراخ طلباً للنجدة !
***

وأمضى مايكل بقيّة يومه مُتسكّعاً بالطرقات , فهو لم يعد يشتمّ رائحة القهوة بعد إنشغال الناس بتناول غدائهم .. 

وبقيّ على هذه الحال الى ان حلّ المساء , فقال مايكل في نفسه بحزنٍ وقهر:
((لقد انتهى اليوم دون ان أشرب قهوتي ! ..لما لم يشفقوا عليّ , الا يرونني معاقاً ؟! ما هذا الزمان القاسي ؟ .. لحظة ! هل هذه رائحة قهوة ؟! أمعقول ان هناك مهووس مثلي يعمل قهوته في المساء ؟ ..لأذهب وأرى)) 
***

ووصل الى المبنى الذي يخرج منه رائحة القهوة , فقرأ اللافتة المعلّقة هناك , ثم قال :
- آه ! انه سكن للطلبة الجامعيين .. لأصعد فوراً الى ذلك الطابق

وهناك .. وجد فتاةً عشرينية إنتهت من تحضير قهوتها المسائية , والتي إرتعبت كثيراً حين رأته خلفها.. فقال لها مُحذّراً :
- إيّاكِ ان تُوقعي كوب القهوة !! 
فسألته بخوف : ماذا تريد مني ؟ فليس معي سوى مصروفي الأسبوعيّ  
- لا أريد المال , فقط أجيبني.. لما تصنعين القهوة في هذا الوقت المتأخّر ؟
- عندي امتحان غداً , وأردّت السهر للدراسة 
مايكل بابتسامة : وانا أعدك بأنك ستنجحين بتفوّق هذه السنة في حال أسقيتني بعضاً من قهوتك , فأنا أشتهيها منذ الصباح .. هيا لا تخافي , فأنا ليس لديّ يدين لأؤذيك .. فقط ضعي الكوب على فمي 

فاقتربت منه بحذر , وبيديها المرتجفتين وضعت الكوب على فمه 
..وقبل ان يرتشف منها , أضاءت عينيّ مايكل من شدّة الحماس والفرح , ممّا أخافها كثيراً لدرجة الإغماء وانكسار الكوب امامها  
فصرخ مايكل بغيظ :
- لا ! ليس الآن يا غبيّة .. يا الهي , مالذي يحصل معي ؟! .. أريد قهوة يا عالم يا ناس , هل ما أطلبه كثير ؟!!!!  

وحين لاحظ وجهها الشاحب وهي واقعة على الأرض , فكّر قليلاً قبل ان يقول :
- لا لن أؤذيها , فهي على الأقل لم تمانع مشاركتي قهوتها 
ثم نفخ على وجهها بدخانٍ أبيض .. وخرج من غرفتها وهو يقول :
- غداً سيتفاجأ أصدقائها بعبقريتها التي وهبتها لها , كما انها ستنسى انها رأتني كيّ لا ينعتوها بالمجنونة ..وداعاً يا مهووسة القهوة الصغيرة .. والآن لأذهب وأرى إن كان هناك طلاّب آخرون ساهرون للدراسة يحتسون القهوة ..  
***

وتوقف عند قسم الطلاّب الشباب , بعد ان اشتمّ رائحة قهوة تخرج من إحدى الغرف ..
فطرق الباب بقدمه .. وفتح له شاب يحمل قهوته , قائلاً بازدراء : 
- نعم , ماذا تريد ؟
مايكل بجدّية : أريد شرب قهوتك 
فقال الشاب بلؤم : ماذا ! هل انت متشرّد ام مجنون ؟.. برأيّ بدل ان تشحذ قهوة , إذهب واصلح وجهك المسلوخ , فقبعتك القبيحة لا تخفي بشاعتك
فكتم مايكل غضبه , وقال بحزم : اريدك حالاً ان تضع كوبك على فمي لأشرب منه
فنادى الشاب المُتنمّر بصوتٍ عالي :
- يا حرّاس !! هناك معاق مخيف داخل السكن , تعالوا وأطردوه من هنا !!

وحين سمع مايكل خطوات الحارس تقترب من المكان , قال للشاب المتغطرس :
- لقد أخطأت كثيراً يا ولد !! 
ونفخ دخاناً أحمر على وجهه , تسبّب بقطع لسان الشاب الذي صار يتلوّى على الأرض من شدّة الألم , امام كوب قهوته المكسور ..

وخرج مايكل من سكن الطلبة وهو يقول بغيظ :
- هذا سيعلّمه درساً بأن لا يستحقر المعاقين .. والآن لأبحث في مكانٍ آخر عن قهوتي اللعينة !!
***

وقبيل الفجر .. كان مايكل يتمشّى في الشوارع الفارغة وهو يشعر بإرهاق ونعاسٍ شديدين :
- اريد شرب القهوة , فعينايّ ثقيلتان .. لحظة ! ما هذا ؟ انها رائحة قهوة ! اليس الوقت مبكّراً على شربها ؟ .. لأذهب وأرى ..
***

ووجد امرأة عجوز (تسكن وحدها) تقوم بصنع القهوة , فظهر خلفها في المطبخ .. 
فقالت بفزع وهي ترفع يديها مُستسلمة :
- ارجوك لا تقتلني , خذّ خاتمي فهو كل ما معي
مايكل : كل ما اريده يا خالة , هو شرب القهوة معك  
- حسناً .. سأسكب لك كوباً , لكن رجاءً لا تقتلني 
وقامت بوضع الكوب على فمه بيديها المرتجفتين , ليشربها مايكل وهو في قمّة السعادة .. 

وبعد ان أنهى كوبه , قال بارتياح : 
- يا الهي !! كم اشتقت للقهوة ومذاقها اللذيذ .. والآن سيدتي , أطلبي مني ما شئتِ .. ماهو حلمك ؟ .. هيا لا تخافي , فقط إخبريني بما تريدينه من الحياة ؟ 
فقالت بحزن : أتمنى عودة ابني وعائله , فبعد سفرهم بقيت لوحدي
- لك ذلك عزيزتي

وفجأة ! سمعت ضحكات اولادٍ قادمة من الصالة .. فقال لها مايكل:
- هيا إذهبي اليهم , فهم بانتظارك  

وحين دخلت الصالة , تفاجأت بأحفادها الثلاثة يقفزون فوق الكنب بسعادةٍ ونشاطٍ مُفرطين .. بينما انشغل الزوجان بجوّالاتهما .. وحين رأت العجوز ابنها , أسرعت باحتضانه وهي لا تصدّق عينيها !

في هذه الأثناء .. خرج مايكل الى الشارع وهو يستمع لصوت تحطّم الزجاج من الداخل , فابتسم قائلاً بخبث :
- قمت بإرجاع قرائنهم الشيطانية الذين سيتعبونها كثيراً .. كم أشفق على تلك المسكينة .. (ثم قال بارتياح) .. الآن صار بإمكاني العودة الى عالمي بعد ان حصلت على ما اريده , وسأعود الى عالم الأحياء في يومٍ آخر 
واختفى فجأة !  
***

خرج الرجل العجوز من المستشفى بعد تعالجه من أزمته القلبية , دون ان يُصدق أحد قصة مايكل المخيف الذي كاد يقتله !

وبعد ايام .. خرجت ممرّضته لجلب الدواء .. فاستغلّ العجوز غيابها لصنع كوب قهوة , بعد ان كان الطبيب منعه من شربها ..
وما ان سكبها في الكوب , حتى رأى مايكل خلفه 
- أانت مجدداً ؟!!
مايكل باستغراب : يبدو انك لم تمت بعد !
العجوز بضيق : وماذا تريد مني الآن ؟
- كما المرة الماضي , أعطني قهوتك .. وأنصحك ان لا تعاندني , فلا أظن ان قلبك الضعيف يتحمّل أزمةً ثانية
العجوز بقلق : حسناً سأفعل , لكن لا تؤذيني 

وبعد ان أشربه الكوب كلّه , قال مايكل :
- أحسنت يا عمّ .. الآن سأدعك بمفردك .. لكن أعدك ان ألقاك ثانيةً , فربما نصبح صديقين طالما ان كلانا مُدمن قهوة 
واختفى فجأة !
فتمّتم العجوز بضيق : عليّ إيجاد حلاً سريعاً لإبعاد الشبح بقبعته القشّ القبيحة !!

وأسرع بلبس ثيابه قبل عودة الممرّضة (التي ستمنعه حتماً من الخروج) وتوجّه مباشرةً الى محل القهوة ..
***

وما ان لاحظ صاحب المحل (الشاب) وجه العجوز الشاحب , حتى أدخله مخزن الحبوب بعيداً عن الزبائن .. وهناك سأله :
- هل رأيت شبح مايكل ؟
العجوز بقلق : نعم .. لكن قبل ان نتكلّم , هل هو بالجوار ؟ 
- لا , فأنا أشعر بطاقته السلبيّة .. وأظنه تائهاً في الطرقات بحثاً عن قهوته اليوميّة , فهو لا يعرف المدينة جيداً ويعتمد فقط على حاسة شمّه القوية .. اساساً لا يجرأ على الإقتراب مني بعد ان أدّبته المرة الماضية 
- وماذا فعلت به ؟ 

الشاب بقهر : كان اللعين أجبرني على فتح محله وترك الجامعة , فانتقمت منه .. حيث قمت في أحد الأيام بصنع قهوة لذيذة , وبدأت بشربها مُتزامناً مع وقت وصول القطار .. وحين رآني من بعيد .. أسرع راكضاً لمشاركتي القهوة , فصدمه القطار بعنف 
العجوز باهتمام : وماذا حدث بعدها ؟
الشاب : كنت الوحيد من المتواجدين في المحطة الذي سمع صراخه وهو يقول باكياً : قُطعت يدايّ !! ..ومن بعدها إختفى لشهورٍ طويلة , قبل ان تسألني عن الشِعّار الذي أعاد روحه الى عالمنا من جديد !
- لحظة ! هناك شيءٌ يحيّرني بالموضوع  
- ماهو ؟

العجوز : طالما هو مدمن قهوة , فلما لا يشرب ما يريده من محلك؟ 
- لأنه لا يستطيع مخالفة شروط العقد الذي بيننا .. وقبل ان تسألني , سأجيبك .. بعد ان صدم القطار روحه , حُرم نهائياً من العودة الينا حسب قوانين عالمه الخفيّ .. وبما انني السبب في عقابه , كنت الوحيد الذي يمكنني إعادة حريّته من جديد .. لهذا أتاني بالمنام , وطلب مني توقيع إتفاقٌ بيننا , يتضمّن بعض الشروط 
- وماهي ؟

الشاب : اولاً غير مسموحٌ لي بإغلاق محله او تغير الشعار او تسليم إدارته لشخصٍ ثاني .. وبدوره وعدني ان لا يقترب مني مجدداً .. لكني قبل التوقيع , أضفت بنداً ثانياً : وهو أن لا يعود الى عالمنا الاّ اذا سمعني أقول إسمه من جديد .. لهذا تضايقت منك حين سألتني عن قصة الشّعار 
العجوز : ليتك ألّفت لي قصةً مغايرة ! 
- لم استطع , لأن روحه كانت قريبةً منا 
- أمعقول ان لا أحد غيري سألك عن شعار محلك المخيف ؟!
الشاب : معظم زبائني من طلّاب جامعات , وهؤلاء تركيزهم كلّه على جوّالاتهم !

العجوز : أتدري , لوّ كنت مكانك ما وقعت ذلك العقد  
الشاب : هو أتاني بالمنام , وأظنه اتفق مع قريني .. وبذلك وضعني تحت الأمر الواقع , وأجبرني على إدارة محله ليلاً نهارا 
- كان الله في عونك .. (ثم فكّر قليلاً) ..هل تظن بإمكاني التخلّص منه بالحيلة ذاتها ؟ 
الشاب : لا أدري ان كانت ستنفع مرتين , فمايكل ذكيٌ جداً .. لكن لوّ كنت مكانك , سأجرّب كل شيء  
- إذاً أعطني كوب قهوة كبير , وسأذهب فوراً الى المحطّة  
***

وفي محطة القطار.. وقبل وصوله بقليل , شاهد العجوز مايكل يقف في الجهة المقابلة من السكّة .. فوضع العجوز القشّة في القهوة وصار يشربها بتلذّذٍ كبير ليغيظه .. وفجأة ! رأى العجوز حفيده الصغير (الذي لم يره منذ سنتين) يقف مكان مايكل الذي اختفى من هناك .. وقبل ان يستوعب ما حصل ! ركض الحفيد مُسرعاً فوق السكّة باتجاهه وهو يناديه : جدي !! 

فلم يجد العجوز نفسه الا وهو ينزل نحو السكّة بأسرع ما يمكنه لإنقاذ حفيده الوحيد , مُتزامناً مع وصول القطار الذي صدمه بقوة وسحل اشلائه أسفل عجلاته ! ممّا صدم الركّاب المتواجدين في المحطة الذين ظنّوا بأنه أقدم على الإنتحار ! وأسرعوا بإبلاغ الشرطة التي أوقفت الرحلات لحين تجميع بقايا العجوز التي تناثرت فوق السكّة الحديدية ..

وفي الوقت الذي انشغل بعضهم بتصوير الشرطة , إتجه مايكل نحو كوب القهوة الذي تركه العجوز فوق المقعد , وهو يقول في نفسه :
((هل ظنّ ذلك العجوز الخرف إنني سأقع بالفخّ مرتين ؟ .. آه جيد انه وضع قشّة بداخلها , حسناً لأتذوّقها .. لا ! ما هذا ؟!! ..لما يضع ذلك الشاب الغبي الشوكولا مع القهوة ؟ انه يُفسد سمعة محلّي .. حسناً , سأجد طريقة لتملّص من بنود العقد ومعاقبته لاحقاً ..الآن اين يمكنني إيجاد قهوتي التقليدية لهذا اليوم ؟))
***

بعد ساعتين .. إنتهى الدفاع المدني من انتشال بقايا العجوز المتناثرة هنا وهناك , وقام عمّال النظافة بمسح الدماء .. وعاد القطار للعمل من جديد , وصعد الناس اليه للذهاب الى أعمالهم .. 

وهنا لمح مايكل رجل اعمال يدخل القطار وبيده كوب ستاربكس
مايكل : ستاربكس من جديد ! أتمنى ان تكون قهوة سادة كما أحبها .. لألحق به

ودخل مايكل القطار (دون ان يراه أحد) ليتفاجأ بأن في داخله أكثر من شخص يشرب قهوته الصباحيّة ! 
فقال بفرح : يا سلام , خياراتٌ كثيرة .. لكن من سأختار اولاً ؟.. أتمنى ان أجد معهم قهوتي المفضّلة .. (وبغضبٍ شديد) .. والاّ الويل والثبور وعظائم الأمور عليهم جميعاً !! 

ثم مرّ القطار في نفقٍ مظلم , ومصائر الركّاب مُعلّقاً على كفّ عفريت !
******

ملاحظة :
هذه أول قصة أكتبها من النوع الفانتازيا , إستلهمتها بعد مشاهدتي لفيلم أجنبي قصير بعنوان : The Jester , وهي عن مهرج في يوم الهالوين .. أنصحكم بمشاهدته , ففكرته بسيطة ومميزة.. وهو بجزئين :
الفيديو الأول :

الفيديو الثاني : 

مشاهدة مُمتعة , وأحلامٌ سعيدة !

هناك 8 تعليقات:

  1. رائع أستاذة أمل
    تصلح لأن تكون فيلما مرعبا معممزيد من الحبكة والفانتازيا المرعبة

    ردحذف
  2. من ابداعات استاذه امل
    شكلو تعشقين القهوه
    ههه انا لاحبها ابدا لهذا لن ياتي الي ذو القبعه
    قصه جميله رغم خلوه من رومانسيه
    ثانيا علقت على القصه سفينه تائه
    لكن نت عجب علي
    قصه جميله جدا
    لها وقع رغم خيالها

    ردحذف
  3. قصة ممتازة لكن هناك جزء لم أفهمه
    لما ساعد مايكل الفتاة الجامعية رغم أنها لم تقدر على جعله يشرب القهوة و لم يساعد العجوز التي أعطته قهوتها؟
    القصة ممتازة أحببتها

    ردحذف
    الردود
    1. هو وهب الفتاة الجامعية الذكاء فقط , لكنه لا يستطيع السيطرة على الأشخاص ..لذلك حين قام باتفاقية مع الشاب صاحب المحل , إلتقاه في المنام واتفق مع قرينه ليضعه تحت الأمر الواقع .. ولهذا أحضر للمرأة العجوز قرائن ابنها وعائلته الشيطانية ..فهو لا يستطيع التخكّم بالإرادة الحرّة للأشخاص .. كما انه أشفق على الطالبة لأنها رغم صغر سنها الا انها مهووسة مثله بالقهوة , لذلك أراد مكافأتها.. تحياتي لك

      حذف
    2. شكرا😊

      حذف
  4. انا لسه شارب قهوة 😅😅

    ردحذف
  5. قصة جميله
    اتمنى لو كنت بدال الفتاه الجامعيه لقد كانت اكثر واحده محظوظه بينهم..

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...