الأربعاء، 24 أبريل 2019

التفكير الإيجابيّ

تأليف : امل شانوحة

العلاج النفسيّ للطاقة السلبيّة !

عاد مساعد الطبيب الى الفيلا مساءً , بعد تثبيته للشجرة الإصطناعية في الحديقة العامة .. والتي في داخلها : كرسيٌ مريح , ولافتة مكتوبٌ عليها : ((إجلس هنا , لتغير حياتك للأفضل)) 
كما كان في الشجرة : كاميرات داخلية وخارجية موصولة بشاشة مراقبة في مكتب الفيلا القريبة من الحديقة ..
***

بعد خروج المساعد (خبير الكمبيوتر) من المكتب , سأله الطبيب الجالس في الصالة : 
- هل تأكّدت من عمل الكاميرات ؟
المساعد : نعم , كل شيء على ما يرام .. لكني لم أفهم بعد عمل الشجرة ؟
الطبيب : معظم المرضى يرفضون القدوم الى العيادات النفسية خوفاً من كلام الناس , او لرفضهم الإعتراف بمشاكلهم النفسيّة .. لذلك طلبت منك إختراع جهاز على شكل شجرة يقيس طاقاتهم السلبية اثناء مرورهم بجانبها .. وفور جلوسهم على الكرسي , نرُشّ على وجوههم مخدّراً يهدّأ نفوسهم المضطربة  ..لأقوم بعدها بالتكلّم معهم بالميكرفون عن طريق التنويم المغناطيسي ليخبروني بمشاكلهم .. ومن ثم أحاول مساعدتهم قدر الإمكان 

المساعد : لكن ليست كل المشاكل يمكن حلّها .. إفترض لوّ أن أحدهم يشعر بالحنين الى شخصٍ ميت , فكيف نحضره له ؟!
الطبيب : انت لا تعرف قوة التنويم المغناطيسي , فباستطاعتي إيهام المريض بأن صوتي هو صوت الميت .. فيتكلّم معي على إنني والده او حتى امه .. وبعد هذا الحديث , يشعر المريض براحةٍ نفسية لشعوره بأن الميت يراقبه من السماء .. هل فهمت الآن ؟
المساعد : سأفهم أكثر حين أراك تعمل على المرضى , مع اني أشكّ بنجاح التجربة 

وهنا ظهر صوت المنبّه من المكتب.. 
المساعد باستغراب : يبدو ان أحدهم دخل فعلاً الشجرة !
الطبيب : إذاً هيا بنا نساعده 
*** 

وكانت الحالة الأولى : لطفلٍ من اولاد الشوارع , فتحت له الشجرة بابها بعد مروره بجانبها حزيناً ..
وما ان جلس على الكرسي , حتى إنغلق الباب عليه .. وقام المخدّر المرشوش بتهدئة فزعه !

وفي الفيلا .. إستطاع المساعد قياس طاقة الولد السلبية , قائلاً للطبيب :
- انه حزينٌ جداً رغم صغر سنه ! فكيف سنعرف سبب تعاسته ؟
الدكتور : تعاسته واضحة يا بنيّ , الفقر والحاجة .. لكن السؤال الأهم , ماهو حلمه ؟ .. هيا إفتح الميكرفون لأتكلّم معه 
وبدأ الطبيب يحدّثه : 
- ماهو حلمك يا صغير ؟
فأخبره الولد بكلامٍ شبه مفهوم : بأنه يحلم بنوع من الشوكولا ذاقه منذ ايام , بعد ان نسيّه أحدهم فوق مقعد الشاطىء

وحين سمع المساعد حلم الصبي , قال للطبيب : حلمه بسيطٌ جداً !
- لكن بالنسبة له صعبُ المنال 
المساعد : وهل أشتري له ما يريد ؟
الطبيب : لا !! اريده ان يعتمد على نفسه 

ثم قام الدكتور بتكرار عنوان بيته , كيّ يحفظه الصبي ..
وأنهى كلامه قائلاً :
- ستنسى موضوع الشجرة فور خروجك منها .. والآن إستيقظ!!!
وما ان خرج منها , حتى عاد للشحاذة في الطرقات وكأن شيئاً لم يكن !  
***

في صباح اليوم التالي , راقب الطبيب كاميرا مدخل الفيلا .. 
فسأله المساعد : الم يأتي الولد بعد ؟
- سيأتي , انا متأكّد من نجاح خطتي ... آه , هاهو !! إسرع ونفّذ ما قلته لك 

فخرج المساعد ليرى الولد تائهاً قرب الفيلا دون ان يفهم سبب قدومه الى هنا !  
فناداه الشاب : هاى انت !! أتريد شيئاً ؟
الولد بارتباك : لا سيدي , انا آسف ..سأذهب حالاً
- لا انتظر !! هل تستطيع جزّ العشب ؟ فمزارِعنا مريض , وسيأتينا ضيوف على المساء .. 
فأجاب الولد بحماس : بالطبع أستطيع !!

وأدخله المساعد الى حديقة الفيلا .. وعلّمه طريقة استخدام ماكينة القصّ التي عمل عليها لساعات , الى ان أنهى عمله بإتقان .. 

وبعد انتهائه , إقترب منه الشاب وهو يقول :
- هذه أجرتك .. بالإضافة لكيس شوكولا وصلني هدية , وانا لا أحب الحلوى
فقال الصبي وهو يطير فرحاً : انا أحب هذا النوع بالذات !! 
- اذاً هو لك 
فأخذه سعيداً .. وقبل ذهابه ناداه قائلاً :
- على فكرة !! السوبرماركت القريب من هنا يبحث عن اولاد في مثل عمرك للعمل بتوضيب الأغراض بالأكياس .. فإن كان يهمّك الأمر , إذهب اليه الآن .. فالراتب لا بأس به 
الصبي بحماس : أحقاً ! سأذهب اليهم حالاً  

وبالفعل توظّف الولد هناك , وابتعد عن الشحاذة في الطرقات .. وقام الدكتور بالإتفاق مع صاحب السوبرماركت على إكرام الصبي بالحلوى في نهاية كل شهر .. وبذلك حقّق حلمه الطفوليّ
***

في مساء أحد الأيام .. نادى المساعد الطبيب لمعالجة شخصٍ جديد دخل الشجرة .. 
وظهر بالكاميرا : رجلٌ مشرّد , قويّ البنيّة .. والذي أغضبه كثيراً إنغلاق الباب عليه , لكن المخدّر هدّأه قبل ان يكسره ..
ثم سأله الدكتور عن احلامه .. فأخبره المشرّد بعشقه الكبير للملاكمة 

فقام المساعد بالبحث بالإنترنت عن أقرب نادي رياضيّ .. 
ثم اتفق الطبيب مع المدرّب على دفع كافة المصاريف لدروس الملاكمة , التي سيرسلها له فور قدوم المشرّد للتسجيل في ناديه .. 

ومن بعدها .. كرّر الدكتور عنوان النادي على مسامع المشرّد الشبه النائم ..وأقنعه بأن باستطاعته أن يصبح ملاكماً مشهوراً في حال ركّز على أهدافه.. 
ومن ثم أيقظه , ليخرج الرجل مُتناسياً ما حصل له داخل الشجرة! 
***

ولم يتصل المدرّب بالطبيب الا بعد يومين , حين قدم المشرّد لا شعورياً ليسأله عن مبلغ التسجيل
الطبيب باهتمام : وماذا قلت له ؟
المدرب (من الجوّال) : قلت كما طلبت مني , بأني سأدرّبه بالمجّان لحين فوزه بالمباراة الأولى , ثم أشاركه الجائزة .. وهو الآن يتدرّب بنشاطٍ وقوة , فلياقته عالية بالنسبة لحالته البائسة ! 

وعلى الفور !! ارسل الطبيب مبلغ الإشتراك من حسابه , بعد ان اشترط على المدرّب إكمال تدريب المشرّد الى ان يصل لمستوى المحترفين 
***

في الليلة التالية .. ظهرت بالكاميرا : سيدة تبكي بحرقة داخل الشجرة !
وقد أخبرت الطبيب : بأن صديقها يسيطر عليها بشكلٍ دمّر شخصيتها وأحلامها  
فاستمع الدكتور لتفاصيل علاقتها برجلٍ ساديّ يهوى تعذيبها نفسيّاً! 
وحين سألها ان كان لديها أصدقاء آخرين ؟ 
أخبرته عن صديق طفولتها الذي ينصحها دائماً بترك هذا الرجل ..

فقال لها الطبيب بالميكرفون : اريدك ان تتخيلي الآن إنك تزوجتي الرجل السيء .. فكيف ستكون علاقته بأهلك ؟
فأجابت بحزن : سيئة .. فهو يقول دائماً , بأنه سيمنعني من زياراتهم بعد زواجنا 
الطبيب : وكيف تتخيّلين علاقته بأولادك ؟
- سيئة ايضاً , فهو غير حنون على الأطفال 
- وكيف ستكون علاقتكما سويّاً ؟
السيدة بقلق : أحياناً أخاف منه حينما يغضب 
- وهل تظني انه سيضربك يوماً ما ؟
السيدة بقلق : ربما 
- وهل سيخونك ؟
- بالتأكيد !! فهو خانني أكثر من مرة 
صوت الطبيب : وهل في قرارة نفسك تظنين انه شخصٌ سيء ؟ 
السيدة بحزن : نعم 

الطبيب : وماذا عن صديق طفولتك , هل هو رجلٌ جيد ؟
السيدة : نعم جداً , وحنونٌ عليّ ..ويحب اللعب مع الأطفال 
- وهل تظنينه سيكون زوجاً مناسباً لك ؟
فأجابت بتردّد : نعم
- اريدك ان تتخيلي حياتك مع صديق طفولتك .. وكيف ستمضين فترة الأعياد برفقة عائلتكما , والأطفال تلعب من حولكم .. الن تكوني سعيدة ؟
- أظن ذلك 

الطبيب : اذاً بعد قليل .. ستأخذين قراراً حاسماً بالتخلّي عن صديقك الشرير , فنحن لا نعيش في هذه الحياة سوى مرة واحدة .. أتريدين ان تعيشي بشقاء ام بسعادة ؟
- بسعادة طبعاً 
- اذاً في هذه الليلة !! ستختارين الشخص المناسب الذي ستمضين حياتك السعيدة معه ... والآن ستستيقظي بعد العدد 3 , وستنسين كل شيء عن الشجرة فور خروجك منها .. سأبدأ بالعدّ : 1 – 2 – 3 ..إستفيقي !! 

وفور خروجها .. ظهر بالكاميرا الخارجية (المعلّقة بأعلى الشجرة) إنها اتصلت بصديقها السيء وأنهت علاقتها معه , قائلةً بحزم :
- إضحك كما تشاء , فأنا لن أعود اليك ثانيةً 

ثم رآها الطبيب ومساعده وهي تكسر شريحة جوّالها وترميها في حاوية الحديقة , قبل ان تسرع الى سيارتها وهي تبتسم ابتسامةٍ عريضة 

وفي مكتب الفيلا .. سأل المساعد الطبيب : 
- هل برأيك ستذهب الى صديق طفولتها ؟ 
الدكتور : أظن ذلك , فالفرحة واضحة عليها 
- وهل تظنه سيتزوجها ؟ 
الطبيب : على حسب ما ذكرته عن مساندته الدائمة لها , أظنه سيتقرّب منها فور معرفته بتركها للرجل الشرير .. فهي فتاةٌ بريئة وتستحق العيش مع شخصٍ يعرف قيمتها جيداً , تماماً كصديقها القديم .. فدعنا نتأمّل نهايةً سعيدة لقصتها
***

في إحدى الليالي .. أيقظه مساعده بعد ان ارتفع صوت المنبه من المكتب .. ليريا على الشاشة : رجلٌ خمسينيّ يجلس مكتئباً داخل الشجرة .. 
وعلما بعد تخديره : بأنه يملك فكرة عبقرية للعبة أطفال , إحتفظ بها لسنوات ..وبسببها أصيب بأرقٍ جعله يتجوّل بوقتٍ متأخّر في الحديقة 

وهنا قال المساعد للطبيب : فكرته جميلة وتعليمية , وأظنها ستكتسح السوق ! فلما لم يتصرّف حيالها طوال عشر سنوات ؟!
الطبيب : أحياناً ما يوقفنا عن تحقيق حلمنا هو الخوف من الفشل , او سخرية الناس علينا ..او ربما فقط , قلّة همّتنا .. لذا اريد منك تصميم فكرته باستخدام الطابعة ثلاثية الأبعاد .. لنرسلها لاحقاً الى شركة تهتم بألعاب الأطفال 
المساعد : بإسمه هو ؟
الطبيب : طبعاً , فنحن لن نسرق فكرته .. ولا تقلق , سأكافئك على مجهودك بالعمل
- لم أقصد هذا سيدي , بل كيف ستصل الشركة اليه ؟ 
- آه ذكّرتني !

ثم سأل الطبيب الرجل عن إيميله واسمه الكامل ؟ 
وبعد ان اعطاه إيّاه وهو تحت تأثير التنويم المغناطيسي .. قام الطبيب بإيقاظه .. ليعود الى بيته دون ان يتذكّر شيء !  
***

وخلال اسبوع .. إستطاع مساعد الطبيب تحويل الفكرة الى لعبةٍ مميزة قام بإرسالها لشركة مختصّة بالألعاب الذكيّة , وأرفق البريد بإيميل الرجل .. 
وفور إعجابهم بالفكرة , أرسلوا طلباً بمقابلة الرجل في مكتبهم .. 
***

وبعد اسبوعين .. وصلت الأخبار للطبيب : بأن الرجل سجّل إختراعه بإسمه , وبأن الشركة ستقوم بطرح اللعبة في السوق قريباً.. 
فقال المساعد للطبيب : انا سعيد بأن اموره المادية تحسّنت كثيراً , لكن ألم يستغرب إتصالهم به ليسألوه عن التصميم الذي قمت انا بصنعه ؟! 

الدكتور : سيفكّر لاحقاً حين يهدأ حماسه .. فدعه الآن سعيداً بتحقيق حلمه القديم .. (ثم تنهد بضيق) .. آه لوّ كل واحدٍ منا يملك الجرأة على تنفيذ حلمه , لما دُفنت أفكارٌ عظيمة مع اصحابها في القبور , ولكانت حياتنا أجمل بكثير 
- معك حق سيدي 
- إذاً دعنا نُكمل حلمنا بمساعدة الآخرين 
***

ومع مرور الأيام .. إزداد عدد الأشخاص الذين دخلوا ارادياً لتجربة الشجرة الغريبة .. وكان منهم شاب تخلّى عن حلم الكتابة للعمل في محل والده المتوفي , فقام الطبيب بمكالمة منتج لقصص اطفال والذي اتفق مع الشاب على سلسلة من القصص , بيعت لاحقاً لعدد كبير من المكاتب والمدارس 

وايضاً كان من بين الحالات : والدٌ قاسي على اولاده .. فعرف الطبيب بعد تنويمه : بأنه عانى ايضاً من قساوة ابيه .. فاستطاع الدكتور إيهامه بأن روح والده تكلّمه للإعتذار عن سوء معاملته له , ولتحذّيره من إرتكاب الخطأ ذاته مع اولاده .. ثم أغدق عليه بالمديح , بعد ان شعر الطبيب ان الرجل بحاجة لسماع ذلك من والده 
وقد التقطت الكاميرا الخارجية : صورة الأب بعد خروجه من الشجرة وهو يشتري مجموعة من البالونات .. ويبدو انه اتخذ قراراً بأن يكون والداً حنوناً لأطفاله , بعد مسامحته لوالده أخيراً 

وايضاً قام الطبيب بإقناع رجلٍ اراد الإنتحار (بسبب خسارته لأمواله بالبورصة) بتمتّعه بالعبقرية التجارية التي تساعده على النجاح .. 
فخرج التاجر من الشجرة وهو متفائل بالحياة , وراغباً بإعادة ثروته من جديد

وكان ايضاً ممّن دخل الشجرة : رجلٌ ثريّ يشعر بالإكتئاب بسبب الملّل ! فهو عاش طفولته بين الخدم والمربّيين لإنشغال والديه بأعمالهما التجارية والخيريّة .. 
فاستطاع الطبيب إقناعه بأن العطاء ومساعدة الآخرين هي أجمل فرحة بالحياة .. وحينها أخبره الثريّ عن حلمه القديم بحفر آبارٍ للفقراء حول العالم .. فشجّعه الطبيب على فكرته .. 
وقد شاهده فور خروجه من الشجرة وهو يتصل بالمطار للحجز على دولةٍ إفريقية فقيرة , وهو في قمّة الحماس !
***

وبعد شهر .. واجه الطبيب ثلاث حالات فريدة من نوعها ..
الحالة الأولى : لشابٍ يعشق الإنحراف ولا يهمّه أحد ! وبعد ان طال حديثه معه , إستطاع الطبيب بصعوبة التوصّل الى شخصٍ واحد يقدّر رأيه , وهو استاذه في المرحلة الإبتدائية .. لهذا أوهمه بالتنويم المغناطيسي ان استاذه يحدّثه : ويلومه على إنحرافه , وعلى خيبة أمله فيه .. فانهار الشاب باكياً وهو يعتذر من استاذه الذي وعده بتنفيذ جميع نصائحه , وأن يعود صالحاً كما كان .. فطالبه الطبيب بإثبات ذلك فور خروجه من الشجرة 

وبالفعل .. رآه الطبيب ومساعده من الكاميرا الخارجية : وهو يتصل بصديقه الجامعي ويطالبه بجميع المحاضرات التي فاتته , بعد ان قرّر متابعة الدراسة وترك شلّة الفاشلين التي ساهمت في انحرافه 
***

اما الحالة الثانية : فهي لرجلٍ يعشق السرقة , مُفتخراً بخفّة يده ! 
فأسرع مساعد الطبيب بالبحث عن سيرك يعلّم ألعاب الخفّة , وحجز مكاناً للشاب .. 
ثم كرّر الطبيب عنوان السيرك , لكيّ يعلق في ذهن الشاب الشبه نائم .. 
لكن بعد خروجه من الشجرة , لم تظهر عليه ردّة فعلٍ واضحة !


وبعد اسبوعين .. أخبرهم مدير السيرك : بأن الشاب تسجّل عندهم , بعد ان قبضت الشرطة على اصدقائه السيئين .. وهو يتعلّم الآن جميع خدع الورق السحريّة التي أجادها بسهولة .. ويشعر بحماسٍ كبير بعد قبولهم مشاركته في عروضاتهم التي ستقام حول العالم 
***

اما الحالة الثالثة فهي أصعب ما مرّ على الطبيب : وكان لرجلٍ غاضب إحتاج لمضاعفة المخدّر لتهدأته من شدة طاقته السلبية ! لإصراره على قتل صديقه بعد سرقته حسابهما المشترك الذي أراد به فتح مطعمه الصغير 

ولم تنجح مساعي الطبيب لإزالة فكرة القتل من دماغه , لهذا اضطر ان يكتب شيكاً بالمبلغ المسروق .. وطلب من مساعده ان يُسرع للحديقة , ويفتح باب الشجرة ويدسّ الشيك بمحفظة الرجل النائم مع رسالةٍ قصيرة ..
وبعد ان قام المساعد بذلك , عاد الى الفيلا التي لا تبعد كثيراً عن الحديقة 

ثم أيقظ الطبيب الرجل وأخبره ان يفتح محفظته .. والذي تفاجأ بمضمون الرسالة التي فيها : 
((آسف يا صديقي لأني أضعت مالك بالقمار .. وقد أعدّت لك كامل المبلغ بعد ان تديّنته من قريبي الطبيب , والذي سأعيده له على دفعات .. وأعتذر لأنني تسلّلت الى بيتك وانت نائم لأضع الشيك في محفظتك , فأنا لا استطيع مواجهتك .. ورجاءً لا تبحث عني لأني سأسافر بعيداً .. كل ما أتمناه هو ان تغفر لي , فقد ظننت حينها بأني سأضاعف مالك بالقمار .. لكني خسرت أغلى شيء , وهو صداقتنا .. أرجوك سامحني))

فخرج الرجل من الشجرة وهو سعيداً باستعادة ماله الذي جمعه لسنوات , وعاد الى عمله بعد إختفاء مؤشراته السلبية التي تؤكّد تخليه عن فكرة القتل أخيراً

وفي الفيلا .. سأل المساعد الطبيب :
- لما جعلتني أعطيه من مالك الخاص ؟
- لأني لم استطع إخراج هاجس الإنتقام من رأسه .. وبالنهاية المال لن يكون أغلى من إنقاذ روحين من الهلاك .. 

وقبل ان يكمل كلامه , اضاءت الماكينة من جديد بعد إقتراب شرطي من الشجرة الإصطناعية ..
فقال المساعد للطبيب بقلق : برأيّ لا تفتح له الباب , فقد يسجننا لأننا لم نأخذ تصريحاً من البلدية لوضع إختراعنا في الحديقة العامة

الطبيب وهو ينظر الى التعابير البائسة على وجه الشرطي من خلال كاميرا مكتبه : 
- لكن طاقته سلبية , ويبدو انه حزينٌ جداً .. فهيا دعنا نعرف قصته .. ولا تقلق , بالنهاية سأنسيه الموضوع بالتنويم المغناطيسي كما فعلت مع الآخرين .. 

وحين قام بتنويم الشرطي .. أخبر الطبيب بأنه يشعر بذنبٍ كبير لقتله صديقه عن طريق الخطأ في عملية قبضه على تجّار مخدرات قبل سنوات .. ولذلك ترك عمله في الشارع وتحوّل للعمل الإداري الذي يشعره بالمللّ 

فاستطاع الطبيب إيهامه بأن الشرطي الميت يكلّمه ويخبره بمسامحته , لأن الوضع كان فوضوياً تلك الليلة بعد حصول تبادل نيران مع المجرمين 
كما أخبره بأنه يعيش حياةً جميلة في الجنة , ويأمره بالعودة سريعاً للعمل في الشارع ..

فنزلت دموع الشرطي وهو نائم ..وصار يتمّتم : 
- حاضر ..سأنفّذ طلبك وأعود لإنقاذ الناس كما كنّا نفعل سويّاً , يا صديقي العزيز
وخرج الشرطي متجهاً نحو سيارته وهو في قمّة النشاط والسعادة , وكأن روحه رُدّت اليه ! 

وحين شاهده مساعد الطبيب من الكاميرا الخارجية : 
- يبدو انه ذاهب لتقديم إستقالته من الوظيفة الإدراية ؟
الدكتور : أظن ذلك , فنحن أرحناه من تأنيب الضمير الذي لازمه لسنواتٍ عديدة

المساعد : ولما فعلت كل ذلك سيدي ؟ لما ساعدتهم جميعاً وبالمجّان .. حتى ان بعضهم دفعت من جيبك لتحقيق حلمهم ؟!

فتنهّد الطبيب بحزن وهو يستذكر ماضيه : 
- هذا لأنني مرّرت بجميع تجاربهم .. ففي طفولتي عانيت كثيراً من قساوة والدي .. وفي شبابي , تعرّفت على امرأةٍ سيئة قلبت حياتي جحيماً .. وفي إحدى الليالي تشاجرت معها وطردتها من بيتي , لتقود سيارتها ثملة وتموت بحادث سير .. فشعرت بعدها بتأنيب ضمير قادني للسكر والفشل في دراستي , ممّا أجبرني على العمل كأجير في عدة محلاّت تجارية , مُتخلّياً عن فكرة الطب .. لكن كل شيء تغير بعد ان أهداني صديقي كتاب عن قوة الطاقة الإيجابية أثّر بي كثيراً .. فعدّت لمقاعد الدراسة , وبدأت أنجح في عملي الى ان أصبحت طبيباً مشهوراً .. وكسبت المال الوفير من بيع كتبي النفسيّة , وخاصة كتاب ((كيف تبدأ من الصفر؟)).. ولأنني مررّت بالكثير من التجارب السيئة , لهذا لا اريد ان يمرّ بها غيري .. وسأعمل جاهداً على تغيّر أفكارهم السلبية التي تؤذيهم وتؤذي الناس من حولهم .. فالأمراض النفسية تأتي بعد تخلّينا عن أحلامنا التي ليست من السهل تحقيقها , فهي تحتاج الى مجهود فكريّ وجسديّ والذي مهما كان متعباً فهو مؤقت , اما النجاح والمجد فيدوم طويلاً لنا ولعائلتنا .. فالحلّ إذاً جداً بسيطٌ : غيّر عقليتك , يتغيّر مستقبلك .. وفي اعتقادي الجميع يستحق فرصة ثانية بالحياة  

المساعد : لكن أليس المفترض ان نغيّر مستقبلنا بأنفسنا ؟
الدكتور : نعم , لكن تغير روتين حياتنا هو أصعب قرار يواجهنا .. لذلك يحتاج بعضنا الى دعمٍ ماديّ او معنويّ لتشجيعه على اتخاذ قرارٍ مصيريّ يغير حياته للأبد .. وهذا ما فعلته لأجلهم .. بمساعدتك طبعاً

وهنا ظهر في كاميرا المكتب : إنفتاح باب الشجرة من جديد 
الطبيب : هيا لنعود للعمل , فما زال أمامنا الكثير لنقدّمه للآخرين  

وانغمسا سريعاً بمشاكل المرأة العجوزالنائمة داخل الشجرة , والتي حتماً لن تكون الحالة النفسيّة الأخيرة التي سيعالجانها بمهارةٍ وسرّية ! 

هناك تعليق واحد:

  1. ملاحظة : هذا تعليق الأخ حكم , حُذف من عندي بالخطأ .. سأنشره مجدداً :

    ((القصة رااااااائعة جداً
    طلبت مني زميلتي في الدراسة التي اسبقها بمرحلة دراسية ان اقرأ لها قصة لكي تستطيع النوم بسبب توترها و خوفها من امتحان يوم غد...

    وقفت تلك الطالبة الحزينة قربت تلك الشجرة
    و اذا بالطبيب يطلب من مساعده بفتح باب الشجرة لكي تدخل اليها...و فور دخولها لتلك الشجرة و جلوسها على ذلك الكرسي

    قام الطبيب برش المادة المخدرة عليها
    لتهدأ قليلا
    و سألها الطبيب ما سبب حزنكِ و قلقكِ و توتركِ

    فأجابت اواجه مشكلة في تذكر ما قرأت و ما حفظت و خوفي الشديد بعدم الاجابة بامتحان يوم غد

    الطبيب لا تخافي و اسمعي مني ..
    قبل دخولكِ للقاعة الدراسية ارفعي رأسكِ للسماء و قولي بنفس طيبة و متفائلة و قلب مؤمن
    "يااااااا رب اني استودعك ما قرأت و ما حفظت و ما درست ياااااا رب رده اليا في الامتحان "
    ثم ابتسمي و ادخلي قاعة الامتحان


    و اذا بتلك الطالبة يرتسم على الفرح و يشرق الامل في نفسها من جديد

    الطبيب:و فور خروجكِ من هنا ستنسين امر هذه الشجرة

    ستستفيقين بعد الرقم ثلاثة
    1...2...3 استفيقي😊))

    - شكراً لك أخ حكم على هذه الإضافة

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...