الجمعة، 7 سبتمبر 2018

رعب الهالوين

تأليف : امل شانوحة


 
اين اختفى إبني ؟!

في ليلة 31 أكتوبر تشرين الأول من العام الماضي .. خرج جيمي ذو الثماني سنوات برفقة اولاد قريةٍ بريطانية صغيرة لجمع الحلويات في احتفال الهالوين مع غروب الشمس , بعد ان رفض اخوه الأكبر جون الخروج معه بحجّة ان لديه بحثٌ مدرسي عليه تسليمه بعد العطلة .. 

وبعد عودة امهما من وظيفتها المسائية كنادلة في مطعم المحطة لاحظت غياب ابنها الصغير , فدخلت الى غرفة ابنها المراهق لتسأله بقلق :  
- اين جيمي ؟ لم أجده في غرفته !
جون وهو مازال يكتب بحثه :
- إهدأي امي .. لقد ذهب مع رفاقه لجمع الحلوى , وسيأتي بعد قليل
- ان لم يأتي خلال ساعة , فعليك البحث عنه 

فيتنهّد ابنها بضيق : لا تقلقي فنحن بقريةٍ صغيرة , ومن المستحيل ان يضيع .. المهم الآن.. هل تعلمين يا امي ان اسفل هذه القرية انفاقاً حُفرت منذ الحرب العالمية الثانية ؟ وقد صوّرت خرائطها من المكتبة ووضعتها على جوّالي لتساعدني في البحث .. ويُقال انها رُدمت جميعها , لكني أظن بأنهم احتفظوا ببعضها سرّاً .. ما رأيك انت ؟  
امه : كل ما أعلمه ان هذه القرية كانت قديماً مدينة تجارية قبل ان تدمرها الطائرات النازيّة بالكامل , للتحوّل في ما بعد الى اراضيٍ زارعية ومراعي اغنام .. هذا ما قاله لي والدك .. (وقبل ان تخرج من غرفته قالت له) : حاول ان تُنهي دراستك قبل وقت العشاء

ثم ذهبت الى المطبخ وهي ماتزال تشعر بالقلق على صغيرها , فهذا اول عيدٍ لهم بعد انتقالهم من المدينة الى قرية زوجها المتوفي حديثاً
***

في مكانٍ آخر من القرية .. تجمّع الصغار حول منزل عائلة أعطتهم الكثير من الحلوى .. وحين لحقهم جيمي لم يتبقى له شيء ! فغضب من أصدقائه الجددّ :
- لما لم تنتظرونني ؟!!
فقال له كبيرهم (12 عام) : أنت تأخّرت في حمام المطعم , فذهبنا قبلك ..
واقتربت منه فتاة أخرى لتقول له بلؤم : اساساً هذه الحلوى لنا , فنحن اولاد القرية ..فإذا كنت تريد الشوكولا , إذهب انت وعائلتك الى منازل المدينة !!

فالتفت جيمي حوله بغضب , ثم أشار الى كوخٍ بعيد موجود قرب حقول الذرة :
- حسناً اذاً !! سأسبقكم الى ذلك البيت وأحصل على كل الحلوى لوحدي
فقالت له فتاةٌ صغيرة : لا !! ايّاك ان تذهب الى هناك ..فأمي تقول ان فيه رجلٌ مجنون !
فقال الولد الكبير : ليس مجنوناً فحسب , بل عصبيّ للغاية !
فقال جيمي بعصبية : انتم تؤلفون القصص كيّ تذهبوا دوني الى هناك , اليس كذلك ؟
فأمسكت الصغيرة ذراعه : لا تذهب الى ذلك البيت المرعب , يا جيمي  
لكن الولد الكبير تحدّاه قائلاً : لا تخافي , فإبن المدينة المدلّل لن يجرأ على الذهاب هناك  
جيمي بغضب : بل سأفعل !!

وركض باتجاه الكوخ .. وحاول بعض الأولاد اللحاق به , لكن كبيرهم أوقفهم :
- لا !! دعوه يذهب وحده ..ولا تقلقوا , سيلحق بنا بعد قليل فهو ولدٌ جبان .. ولنُكمل نحن جولتنا على البيوت قبل ان يتأخّر الوقت , فأهاليكم وصّوني ان أعيدكم الى بيوتكم سالمين .. هيا بنا !!
***

ووقف جيمي امام الكوخ متردّداً .. ثم استجمع قواه وصعد درجاته المهترئة التي كانت تصدر صريراً مزعجاً ..وكان الظلام حالك الاّ من ضوء القنديل الخافت الصادر من داخل الكوخ .. فطرق الصبي طرقاتٍ خفيفة على الباب وهو مازال قلقاً بشأن تحذيرات اصدقائه! 

وفُتح الباب ليظهر رجل بلحيةٍ شائبة قال للصبي بعد ان رآه بملابسه التنكرية البرتقالية وقناعه المصنوع من الخيش :
- آه .. هآقد بدأت ليلة الهالوين ! 
فقال جيمي بحماس : نعم .. خدعة ام حلوى ؟!!
العجوز بابتسامة : حلوى طبعاً .. هيا ادخل وخذّ ما تشاء من الثلاجة , فأنا وضعتها هناك كيّ لا تذوب من الحرّ
- لكن الجوّ بارد !
- ان كنت لا تريد حلوى لذيذة , فاذهب ودعها لأصدقائك
- لا !! بل اريد 

وأسرع الصبي باتجاه المطبخ , بالوقت الذي قام فيه العجوز بإقفال باب كوخه بالمفتاح الذي خبّأه في جيبه !
***

في هذا الأثناء .. طلبت الأم من ابنها الأكبر ان يذهب في الحال ويحضر أخاه لتناول العشاء .. فذهب جون مستاءً لهدره الوقت في البحث عنه في أرجاء القرية
***

لكنه عاد بعد قليل .. ليخبر امه ان جيمي ذهب الى كوخ العجوز المجنون على حسب ما قالته له الفتاة الصغيرة .. فطلبت منه ان يبقى في المنزل رغم اعتراضه , وذهبت وحدها الى هناك وهي تدعو الربّ ان لا تكون إشاعات القرية عن ذلك الرجل صحيحة !
***

وحين فتح لها الباب , أرته صورة ابنها من جوّالها :
- عفواً يا سيد .. هل رأيت ابني جيمي ؟
- نعم .. كان هنا قبل ساعة تقريباً .. وأعطيته الكثير من الحلوى ثم ذهب .. أظنه الآن برفقة أصحابه , او في طريق عودته الى البيت

وهنا ! انتبهت الأم على قفازيّ ابنها فوق الكنبة بالداخل , وهو ايضاً لاحظ ارتباكها .. لكنها فضلّت ان لا تسأله عن شيء لأنها خائفة من مواجهته لوحدها .. فشكرته وأسرعت باتجاه مخفر الشرطة لتبليغ عن فقدان ابنها
***

رئيس المخفر : مازالت الساعة التاسعة مساءً , وبالعادة الأولاد يتجوّلون حول المنازل حتى منتصف الليل ..
الأم فزعة : قلت لك !! لقد رأيت قفازيّ ابني بالداخل , وهو لم يذكر بأنه أدخله الى بيته .. وهذا الرجل معروفاً عنه انه مجنون ! واريدك حالاً ان تُرسل معي عناصر للبحث في منزله ..والا والله !! طرقت البيوت منزلاً منزلاً , وأثرت ضجّة كبيرة في القرية ..
- حسناً إهدأي قليلاً .. 
وأرسل معها شرطيين لتفتيش كوخ العجوز 
*** 

وقد لاحظت فور دخولها مع الشرطة الى بيته بأنه قام بإخفاء قفازيّ ابنها , فصرخت عليه بغضب :
- اين هو ابني جيمي ؟ تكلّم يا هذا !!
لكن العجوز التزم الصمت .. فقام الشرطيان بالبحث في كل مكان , حتى في قبو منزله لكنهم لم يجدوا شيئاً .. فاعتذرا منه , رغم اعتراض الأم التي أصرّت على إختطافه ابنها .. 

وقبل ان يُجبراها على الخروج من منزله , فاجأهم قائلاً :
- آه ! كدّت أنسى .. بعد ان أعطيت الصغير الحلوى وذهب في حال سبيله .. رأيت نوراً خافتاً داخل حقل الذرة , وأذكر انه كان يضع شمعة داخل اليقطينة البلاستيكية التي كان يحملها
الشرطي مستفسراً : أتظن ان الصغير تعمّق في الحقول ؟
العجوز : لا ادري 
الشرطي الآخر : ومتى رأيت ذلك النور ؟

ففكّر العجوز قليلاً , ثم قال : بعد ذهاب الولد دخلت الى الحمام , وحين خرجت رأيت النور .. يعني عشر دقائق او ربع ساعة لا أكثر .. وأظنه هو , لأنه لم يقترب أحدٌ آخر من بيتي طوال المساء
فأمسكت الأم بقميصه بغضب:ولما لم تلحق بإبني قبل ان يضيع بالحقل ؟!! 
العجوز : يا سيدة .. انا نظري ضعيف , وظننت بأنها حشرات مضيئة لا أكثر .. برأيّ ان تسرعوا بالبحث هناك , فالحقل يمتدّ لمسافة طويلة كما تعلمون  
***

وأسرعت الأم كالمجنونة بالطرق على ابواب جيرانها لتخبرهم بما حصل .. فتجمّعوا الرجال بمصابيحهم برفقة الشرطة لتمشيط الحقول وهم ينادون بعلوّ صوتهم على الصغير .. 

وامام سياج الحقل .. وقفت الأم تبكي وتترجّى رئيس المخفر : 
- ارجوك دعني أبحث معكم
- قلت لا !! 
فقال ابنها جون بقلق : اذاً دعني أرافقهم انا
رئيس الشرطة بحزم : نحن لا نريد ان نجده , وتضيع انت وامك .. هيا عودا الى المنزل , فلربما تحصل معجزة ويعرف الصغير طريق العودة
فعادا حزينان الى منزلهما , وقلبهما ينهج بالدعاء بأن يكون جيمي الصغير بخير !
***

ومع ظهر اليوم التالي .. انتهى تمشيط المكان دون وجود أثر للصغير ! فعادت الأم لتصرّ على الإحتمال الأول : بأن العجوز خطفه 
رئيس المخفر : إتهامك هذا لا دليل عليه , فنحن فتّشنا منزله ولم نجد سوى أقفاصٍ حديدية فارغة في قبوه ! 
الأم وهي تبكي بهستيريا : لكنني رأيت قفازيّ ابني هناك , وحين عدنا كان أخفى أثره .. لهذا كذب علينا بشأن الحقل كيّ يهرب بجرمه .. صدّقني !!

وهنا دخل الشرطي وهو يقول : سيدي !! لقد ذهبنا من جديد الى منزل العجوز كما أمرتنا , لكننا لم نجده هناك
فصرخت الأم بغضب : أرأيت !! أخبرتك بأنه خطف ابني , والآن هرب من القرية .. كان عليكم القبض عليه .. والله لن أسكت على استهتاركم , فربما يعذّب ابني الآن , او يعتدي عليه او ..
وانهارت قواها فجأة لتقع مغشيّاً عليها !
*** 

استيقظت الأم في بيتها في ساعة الغروب .. لتسأل ابنها بتعب :
- جون ! اين انا ؟!
- أحضرتك الشرطة الى هنا , بعد ان أعطاك الطبيب إبرة مهدّئ 
فحضنت ابنها وهي ترتجف بخوف : الملاعيين ! لقد تركوا الخاطف يهرب , ولا أدري ماذا يفعل بأخيك الآن
وانهارت بالبكاء , بينما شعر ابنها بالعجز وقلّة الحيلة امام هذه المصيبة الكبيرة !
***  

وفي الليلة الثانية , وبعد ان نام أهالي القرية وعمّ السكون المكان .. أصرّت الأم ان تذهب من جديد الى كوخ العجوز لتفتّشه بنفسها , ولم يستطع جون إيقافها لذلك إضطر لمرافقتها .. 
واقتحما معاً كوخ العجوز الذي أغلقته الشرطة بالشريط الأصفر , وبحثوا في كل مكان لكنهما لم يجدا شيئاً , فالمكان شبه مهجور حتى ثلاجته كانت خالية ولا أثر للحلوى التي أعطى منها ابنها (كما قال للشرطة) .. 

وحين نزلا القبو بمصابيحهما اليدوية .. بدأت الأم بالطرق على جدران القبو وهي تتنصّت بأذنها على الحائط 
فسألها ابنها : امي ! ماذا تفعلين ؟
- أبحث ان كان هناك ممرّاً سرّياً خلف الجدران , لأنني أظنّ انه يستخدم هذه الأقفاص لنقل الأطفال الى مكانٍ آخر 
- انت تبالغين يا امي , وأظن ان أخي مازال تائهاً في الحقول وعلينا البحث هناك , لا ان نضيّع وقتنا هنا
فقالت بعصبيّة : قلت لك ألف مرة !! بأنني رأيت قفازيّ أخيك في صالونه , وهذا يعني انه أدخله المنزل ليخطفه 

وظلّت تبحث في كل شبر بالقبو لكنها لم تجد شيئاً .. ثم أجبرها ابنها على العودة الى المنزل قبل شروق الشمس واستيقاظ سكّان القرية .. فعادت يائسة الى بيتها , لتنهار باكية فوق سرير ابنها المفقود
***

ومرّ شهران .. أمضتها الأم بالتجوّل لساعاتٍ طويلة داخل الحقول بحثاً عن أيّ أثر لإبنها , لكنها لم تعثر على شيء .. 
ورغم شفقة اهالي القرية على حالتها النفسيّة المتدهورة , الا انهم لم يقدّموا الكثير لمساعدتها !
***

وذات يوم .. وبعد خروج الأم من الحقل عصراً بعد ان أنهكها البحث هنا وهناك , قالت لها مزارعة :
- كان الله في عونك .. لكن برأيّ عليك ان تستسلمي لقدرك , كما فعلت العائلتين من قبلك
فاقتربت منها لتسألها باهتمام : وماذا حصل لتلك العائلتين ؟!

فارتبكت المزارعة وكأنها نطقت بشيء ما كان عليها البوح به ! الا ان ام جيمي أمسكتها من ذراعيها بقوة , وأصرّت عليها ان تطلعها على ما تعرفه من معلومات .. 
فخافت السيدة من نظرات الأم الشرسة التي أوشكت على فقدان عقلها بعد ضياع ابنها .. وقالت لها بتلعثم :
- منذ خمس سنوات سكنت في قريتنا عائلة قادمة من المدينة , وفي عيد الهالوين ضاع ابنهم الصغير وبحثوا عنه في كل مكان , وحين يأسوا عادوا من حيث أتوا
- أحقاً ! ومن ايضاً ضاع ولده هنا ؟
المزارعة بتردّد : بعدها بسنة .. أتت عائلة أخرى وحصل الشيء ذاته , لكن مع ابنتهم التي كانت في عمر ابنك تقريباً , وعادوا ايضاً للمدينة بعد ان فقد الأب عقله لأنها كانت ابنته الوحيدة

فصرخت الأم بعصبية : ولما اذاً تسكتون عن ذلك المجرم الذي يخطف اولادكم ؟!!
- هو لا يخطف سوى اولاد المدينة
- آه ! الآن فهمت .. اذاً هو مخطّطٌ بينكم لطرد الغرباء من قريتكم , اليس كذلك ؟!!!

وتجمّع القرويين على صراخ الوالدة حيث استطاعوا بصعوبة إقناعها بالعودة الى بيتها برفقة ابنها جون الذي قفز من حافلة المدرسة بعد ان رأى تورّط امه بمشكلة جديدة مع الأهالي ! 
*** 

وفي المنزل .. إنفجر ابنها غاضباً من تصرّفاتها المتهورة :
- كفى يا امي , كفى !!
- جون ..انت لا تعرف بالسرّ الذي أخبرتني به تلك المرأة .. فهي قالت بأن جيمي ليس أول من ..
مقاطعاً بعصبية : لا اريد ان أسمع شيئاً عن جيمي .. لقد مات يا امي ..مات !! وعليك تقبّل الأمر
فصرخت بغضب : لا !! ابني لم يمت بعد , والا اين جثته ؟
- ربما سقط بحفرةٍ ما داخل الحقول الواسعة , او دهسه أحد بالطريق العام ودفنه في مكانٍ مجهول .. او ..
مقاطعة بغضب : أسكت يا جون , أسكت !! 

فاحتضنها بقوة محاولاً تهدأتها , لتنهار باكية بين ذراعيه : 
- اخوك لم يمت يا جون .. إحساسي الأمومي يخبرني بذلك
جون بيأس : امي رجاءً ..وضعنا المادي صعبٌ للغاية بعد تركك لوظيفتك .. وعملي المسائي بالكاد يكفي لدفع فواتير المنزل .. وانا خائف ان أرسب في الثانوية العامة ويضيع مستقبلي .. فأنت تركت على عاتقي مسؤولية كبيرة لا استطيع تحمّلها لوحدي .. ارجوك ساعديني ولوّ قليلاً 

وانهار باكياً من شدّة الإرهاق والتعب الذي تحمّله خلال الشهرين الماضيين التي أمضاها بين دراسته صباحاً والعمل مساءً .. 
فحتضنته امه بعد ان استوعبت خطورة الموقف , وقالت له :
- لم اكن ادري ما تتحمّله بنيّ ! انا آسفة .. وأعدك انني سأعود الى العمل منذ الليلة 
- أحقاً امي !
- نعم .. وانت اهتم فقط بدراستك 
فحضنها بسعادة وارتياح : شكراً جزيلاً لك , وأعدك ان أعمل واساعدك فور تخرّجي
الأم : لا , لأنني سأرسلك حينها الى الجامعة .. والآن اذهب وارتاح في غرفتك لحين وقت العشاء
***

وقد قبل صاحب المطعم بصعوبة إعادتها للعمل , لكن خوفه من عصبيتها التي زادت بعد فقدان ابنها منعه من إعادتها الى وظيفتها السابقة كنادلة , فجعلها مسؤولة عن غسل المواعين , وبراتبٍ أقل بقليل من عملها السابق .. فرضيت ام جيبي بقراره لحاجتها الماسّة للمال 
***

ومرّ قرابة عام على غياب ابنها .. 
وقبل اسبوع من عيد الهالوين الجديد .. زارتها صديقتها القديمة في المطعم , وكانت سيدة قزمة تملك صوتاً طفوليّاً بعد ان توقف نموها في سن الخامسة .. وبعد ان عرفت بقصة جيمي , فاجأتها باقتراحٍ صادم : 
القزمة : ما رأيك ان أكون انا ضحيته التالية ؟
الأم باستغراب : ماذا تقصدين ؟!
- الم تقولي بأن العجوز يأتي للقرية بهذا الوقت من كل سنة ؟
- نعم ..والشرطة رفضت طلبي باعتقاله لنقص الأدلة !
- اذاً سألبس ثياب الأطفال , وبحجمي وصوتي هذا لن يُدرك بأنني بالغة .. وسأضع كاميرا خفيّة في قناعي موصولاً بحاسوبك لتراقبي كل شيء .. وحين يحاول اختطافي تُسرعين الى الشرطة لتريهم الفيديو , وبذلك يقبضون عليه بالجرم المشهود

ورغم اعتراض الأم على مخاطرة صديقتها بنفسها , الا انها أصرّت على فعل ذلك لإنقاذ الأطفال من شرّ العجوز المريض نفسيّاً ..
*** 

واتفقا سرّاً على القيام بالمهمّة في ليلة الهالوين .. 
وذهبت القزمة مع حلول الظلام وهي تلبس ثياب تنكرية تغطي كامل يديها ووجهها , بينما كانت ام جيمي تراقب الوضع في بيتها من خلال كاميرا الحاسوب بقلقٍ شديد .. 

واذّ بها ترى العجوز يفتح الباب لصديقتها التي قالت له بحماس وبصوتٍ طفوليّ :
- خدعة ام حلوى ؟!!
فابتسم بمكر حين رآها بمفردها , وأجاب :
- حلوى بالطبع .. ادخلي يا صغيرة وخذي كل ما تريدينه من الثلاجة 
وحين دخلت , أقفل الباب خلفها ..ثم هجم عليها وثبّتها بالأرض , ثم ربط يديها الى الخلف ..

وهنا أصبحت الرؤية مشوّشة لدى ام جيمي التي قالت بفزع : 
- يا الهي ! ماذا يحصل هناك ؟ لا ارى بوضوح .. أكيد يقوم بتقيدها الآن 
وحين سمعت صرخة صديقتها الأخيرة قبل ان يغلق العجوز فمها بالشريط اللاصق , أسرعت هي بالإتصال بالمخفر .. ليردّ عليها الرئيس بسخرية :
- كنت متأكّداً انك ستتصلين بنا هذه الليلة 
ام جيمي : إسمع !! العجوز يقوم بخطف صديقتي الآن
فردّ الشرطي بنبرةٍ ساخرة : وهل بات يخطف الكبار ايضاً ؟!
- انها قزمة وتلبس ثياباً تنكّرية , لذلك يظن بأنها طفلة
- وهل انت معها لتعرفي ذلك , ام هو حدسك اللعين من جديد؟  

وهنا رأت شيئاً في حاسوبها أوقفها عن متابعة الكلام مع الشرطي .. حيث رأت العجوز يحمل صديقتها الى القبو بعد ان أزاح الأقفاص الحديدية ليظهر باباً سرّياً تحتهم ! 
فقالت الأم وهي تتمتمّ بذهول : النفق تحت القبو , وليس خلف جدرانه ! 
فسمعها رئيس الشرطة : ماذا تقولين ؟! .. أيّ نفق ؟! 

لكنها لم تجيبه , لأن ما شاهدته لاحقاً بالحاسوب جمّد الدم في عروقها :
حيث رأت من خلال كاميرا صديقتها أكثر من طفل مسجون داخل اقفاص حديدية , لكنها لم تلاحظ ابنها بينهم ! فقالت بصوتٍ منخفض :
- هيا يا صديقتي أديري الكاميرا , دعيني أرى جميع الأولاد
فقال الشرطي (من الهاتف) : عن أيّة كاميرا تتحدثين ؟! 

وكان آخر ما شاهدته ام جيمي : وجه العجوز وهو يزيل قناع صديقتها عن وجهها , ليصفعها بقوّة بعد ان عرف انها بالغة ..ثم انطفأت الكاميرا ! 
فصرخت الأم بهستيريا : لا , لا !! ليس الآن 
ولم تنتبه انها مازالت ترفع سمّاعة الهاتف , الا بعد ان رفع الشرطي صوته ليسألها بقلق :
- ماذا يحصل معك ؟! .. تكلّمي يا امرأة !!!

فقالت له : لقد صوّرت كل شيء , سأحضر حالاً الى المخفر ومعي حاسوبي لتقبضوا بسرعة على المجرم قبل ان يؤذي الأولاد وصديقتي معهم
ثم أغلقت الهاتف , مسرعةً ناحية المخفر لتُري الشرطي ما سجلته
*** 

وقبل وصولها الى هناك , وصلت مكالمة للعجوز وهو مازال في السرداب .. ليقول المتكلّم له :
- إهرب فوراً !! فقد تمّ اكتشاف مخبئك 
فأسرع العجوز بفتح الأقفاص وتقيد الأطفال بالسلاسل مع بعضهم , بما فيهم القزمة ليقودهم سريعاً الى مكانٍ آخر 
***

في المخفر .. دخلت الأم كالمجنونة وهي تحمل حاسوبها الصغير التي وضعته امام رئيس الشرطة وهي تقول :
- أنظر بنفسك !! لقد صوّرت صديقتي كل شيء 
لكن الرئيس وبعد ان ضغط بعض ازرار الكمبيوتر قال لها :
- اين ؟ .. لا يوجد فيديوهات على حاسوبك
الأم بدهشة : ماذا !
وتوجّهت ناحيته (خلف الطاولة) لترى بأن الفيديو غير موجود ! فقالت بعصبية :
- هل حذفت الفيديو ؟!
- ولما أحذفه ؟! فأنا لم أجد شيئاً من الأساس
فصرخت بغضب : انت كاذب !! لقد حذفته لتنقذ صديقك المجرم
فقال لها بلؤم : كلمةٌ أخرى وأزجّ بك في السجن.. هل فهمتي ؟!!

فلم ترغب بمجادلته أكثر بعد ان علمت بأنه شرطيٌ فاسد , وأسرعت بوضع حاسوبها في حقيبتها وهي تقول : 
- لست بحاجة لمساعدتك , سأنقذ الأطفال لوحدي  
وخرجت من المخفر مسرعةً ناحية كوخ العجوز.. 
***  

وما ان وصلت الى هناك , حتى طرقت الباب بهستيريا :
- افتح الباب ايها المجرم !! افتح الباب والا كسرته !!
وتجمّع أهالي القرية حولها , وهم مستاؤون من إصرارها على اتهام جارهم من دون أدلّة !
وأسرع بعضهم لمناداة ابنها لتهدئة امه التي فقدت أعصابها , فتوجه نحو الناس المجتمعة قرب الكوخ ..

بهذه اللحظات ! أحسّت الأم بإبرة تغرز في جسمها , فالتفتت ورائها لترى طبيب القرية يقول لها :
- لا تخافي .. هذه الأبرة ستهدّئك
فقالت بعد ان غلبها النعاس فجأة : يا غبي ! ماذا فعلت ؟! ابني وصديقتي بالداخل , وكنت أحاول إنقاذهما من ..

وقبل ان تُكمل كلامها , سقطت مغشيّاً عليها ! فتوجّه ابنها ليحملها لكنه تفاجأ ايضاً بإبرةٍ أخرى يغرزها الطبيب في ذراعه ..
- ماذا تفعل ؟! انا لست مريضاً 
الطبيب : أنت بحاجة اليها ايضاً 
ليسقط الأبن بجوار امه !
***

بعد ساعات .. استيقظ جون وامه وهما داخل حافلة متوجهة الى المدينة , وقبل ان يستوعبا ما حصل ! وجدت الأم رسالة ورقية في جيبها مكتوباً عليها :
((لقد حزمنا أمتعتكما في صندوق الحافلة , لأنكما غير مرحبٌ بكما في قريتنا .. فلا تحاولا العودة الى هنا , أفضل لنا ولكم))

فقالت الأم لإبنها : علينا العودة حالاً , فجيمي وصديقتي عالقان داخل السرداب
فصرخ ابنها بغضب : امي توقفي !! الا تدركين بأن هذه الورقة تهديدٌ لنا ؟ فأن عدنا الآن , ربما يقتلوننا نحن الأثنين .. علينا ان نستسلم , فلا يمكننا محاربتهم جميعاً لوحدنا 

فرضيت الأم مُرغمة بالوضع رغم ان قلبها يتفطّر على ابنها وصديقتها التي ضحّت من أجلها .. وبعد ان هدأت , قالت لأبنها : 
- معك حق ..علينا التريّث قليلاً الى ان نجد دليلاً آخراً نوصله الى شرطة المدينة , فشرطة القرية متورطون بالأمر  
***

وبعد ان وصلا الى فندقٍ صغير .. لاحظ ابنها انهم لم يحزموا كتبه او شهاداته :
- اللعنة ! كيف سأكمل دراستي الآن ؟
- لا تقلق , سنعود الى هناك بعد ان يهدأ الوضع لإنقاذ اخيك جيمي
ففاجأها قائلاً : اللعنة عليه !! بسببه ضاع مستقبلي
الأم بدهشة : جون ! ماذا تقول ؟! هذا بدل ان تقلق على اخيك الأصغر
فقال صارخاً بقهر : وما ذنبي ان أخسر دراستي بعد ان كنت متفوقاً فيها ؟ وكل هذا بسبب رغبته بجمع الحلوى السخيفة .. انا أكرهه وأكره حياتي !! 
ودخل الى غرفته باكياً , تاركاً الأم في حيرةٍ من أمرها !
***

في صباح اليوم التالي .. اقترب جون من امه التي كانت غارقة في افكارها فوق سريرها , ووضع يده على كتفها قائلاً :
- انا آسف بشأن ما قلته البارحة , كانت أعصابي متعبة
- وانا ايضاً متعبة يا جون , واريدك ان تقف معي في هذه المحنة 
- سأفعل يا امي .. والآن اخبريني بما حصل لصديقتك بالتفصيل 
وأخبرته كيف حذف الشرطي الفيديو من حاسوبها ..
الأبن : وهل الحاسوب معك ؟

امه : نعم , من الجيد انني اشتريته صغير الحجم لذلك أخفيته في حقيبتي اليدوية ..خذه .. لكن ماذا تنوي ان تفعل به ؟
- يبدو ان الشرطي الأحمق لا يعرف جيداً بالتكنولوجيا لأنه يوجد برنامج يمكنني به إخراج كل الملفات المحذوفة سابقاً من الكمبيوتر
الأم بحماس : أحقاً !! يعني يمكنك إعادة ذلك الفيديو المهم ؟
- سأحاول الآن 
***

وبعد عدة محاولات , استطاع ابنها ايجاده ..
- تعالي امي !! لقد وجدته 
فخرجت امه مسرعة من الحمام لتجلس بجانبه وتشاهد الفيديو معه من جديد , فقال ابنها بدهشة :
- يا الهي ! كان معك حق , ظننتك تهذين حين قلت انك وجدت دليل إدانة ذلك العجوز .. أظن علينا ان نعرضه فوراً على شرطة المدينة
- لا , الأفضل ان تكون الشكوى جماعية
- لم أفهم !

الأم : في هذا الفيديو يمكننا ان نرى بوضوح وجه ولدين وفتاة , لذلك علينا ايجاد اهاليهم من نشرات الأولاد الذين فُقدوا بالقرية في السنوات الماضية .. ومن ثم نقدّم جميعنا شكوى الى الشرطة
ابنها : معك حق , فكلما زاد عددنا كلما أحدثنا ضجّة إعلامية
- لنبدا العمل فوراً .. لكن علينا اولاً معرفة الأعداد الحقيقية للمفقودين بتلك القرية الملعونة 
***  

واستطاعا خلال اسبوعين فقط جمع كل المعلومات الضرورية من خلال زيارتهما لجمعيات الأطفال والمكتبة القانونية ومكتب البلدية التي ساعدت في إيجاد عناوين اهالي المفقودين .. حيث علما انه خلال العشرين سنة الماضية تمّ اختطاف اكثر من ثلاثين طفلاً , معظمهم من اولاد الشوارع والغجر .. لكن كانت هناك عائلة فقدوا ابنتهم حين كانت في عمر جيمي , واليوم أصبحت في 12 من عمرها ..

وحين وافقت ام الطفلة المفقودة على لقاء ام جيمي , أخبرتها بحزن: 
- فقدنا جاكلين من اربع سنوات تقريباً , ووالدها فقد عقله منذ ذلك الحين ولذلك لا اخرجه كثيراً من المنزل  
ام جيمي : وهل هذه هي ؟
وما ان أرتها الفيديو , حتى صرخت الأم بدهشة :
- نعم نعم !! هذه جاكلين .. يا الهي ! لقد كبرت كثيراً .. ماذا يفعل بها ذلك المجنون ؟ ولما يحتجزها داخل قفص الكلاب ؟!

وهنا سمع زوجها صراخها وخرج من غرفته مسرعاً , فلم تستطع منعه عن رؤية الفيديو ..ليعود الى غرفته , ويخرج منها ومعه بندقية قائلاً لأم جيمي بغضب :
- خذيني الآن الى منزل ذلك الحقير لأفرّغ الرصاصات في رأسه !!

وبصعوبة بالغة استطاعت ام جيمي وزوجته تهدأته واقناعه بتقديم الشكوى للشرطة .. ثم ذهبوا جميعاً الى هناك ليطالبوا بفتح تحقيق شامل عن تلك القرية المشبوهة .. 
فوافق رئيس مخفر المدينة على طلبهم بعد رؤيته الدليل بنفسه .. 
***

وانتشر الخبر سريعاً ليثير ضجّة اعلامية كبيرة بعد قبض شرطة المدينة على العجوز الذي ظهر وجهه واضحاً بالفيديو , ليتفاجأ الجميع بأنه رجل أعمال غني ومشهور في المدينة المجاورة والذي حاول محاميه الدفاع عنه بكل الطرق , الا ان الكلاب البوليسية استطاعت شمّ آثار الأطفال المفقودين من الأقفاص الفارغة التي وجدوها بسرداب كوخه ممّا أثبت التهمة عليه .. 
كما أصرّت ام جيمي على القاء القبض ايضاً على رئيس مخفر القرية الذي قام بإخفاء الدليل .. فتمّ التحقيق معه بالجرم المنسوب اليه..  
*** 

وفي المحكمة ومنذ الجلسة الأولى , إعترف العجوز بجرائمه في بيع أعضاء الاطفال التي كانت السبب الرئيسي في ثروته .. 
وحين سأله القاضي : وهل كان المال هو السبب الوحيد لإرتكابك تلك الجرائم ؟
فابتسم المجرم ابتسامةٍ صفراء قائلاً : بالحقيقة.. انا أعتبرها هواية أكثر منها وظيفة

فطرق القاضي بمطرقته مهدّئاً الأهالي المكلومين بعد ان انهالوا على المجرم بالسباب واللعان !!! 
وبعد ان هدأوا .. سأله القاضي عن مصير الأطفال المفقودين , فاعترف المجرم امامهم قائلاً : 
- كنت أعرف بأن هذه السيدة ..(وأشار الى ام جيمي) .. لن تتوقف عن ملاحقتي , لذلك قمت بإسراع عملية ببيع أعضائهم ونقلها الى جهات مختلفة من العالم

فصرخت ام الفتاة : انت كاذب !! لوّ كنت تريد قتلهم لما أبقيت ابنتي مسجونة عندك لأربع سنوات
فقال لها بلؤم : بصراحة كانت ابنتك جميلة جداً , لذلك كنت أأجّرها لمتعة كبار المسؤولين بالبلد .. ولن أذكر اسمائهم حتى لوّ أعدمتموني .. لكنها ماتت مع بقية الأطفال قبل ان تعتقلوني بأسبوع

وضجّت القاعة بالصراخ وحاول بعضهم القفز على المتهم لضربه , فأمر القاضي من الحرّاس نقل المتهم فوراً الى السجن الذي سيبقى فيه لبقية عمره بعد ان حكم عليه بالمؤبد مع الأشغال الشاقة , لكن قراره هذا لم يشفي غليل الأهالي .. 
***

وبعد إخراج المتهم من القاعة .. توجّه القاضي للقضية الثانية الموجهة ضدّ رئيس مخفر القرية وسكّانها بعد ان كشفت التحقيقات بأنهم جميعاً لديهم ملفّات اجرامية سابقة ! 
فابتدأ محامي أهالي المفقودين بالكلام قائلاً : 
- سيدي القاضي .. لقد أثبتنا بالدلائل انها قرية يسكنها المجرمون ! وربما دفع لهم ذلك الغني ليسكتوا عن جرائمه .. كما ان جميعهم وقفوا ضدّ ام جيمي , وطردوها مع ابنها بالقوة من قريتهم 
فردّ محامي أهالي القرية عليه : نعم , لقد كانوا مجرمين وتابوا بعد ان اشتغلوا بالزراعة ورعيّ الأغنام ..فهل سنظلّ نعاقبهم عن جرائمهم السابقة طوال حياتهم ؟!

وبعد المداولة , حكم القاضي ببراءتهم جميعاً ..ممّا زاد من غضب اهالي الأطفال وخصوصاً ام جيمي ..
*** 

ثم حان وقت نقل العجوز المجرم الى سجنه .. وأثناء خروجه من المحكمة مقيّداً برفقة الشرطة , تفاجأ الجميع بوابلٍ من الرصاص أطلقه والد الفتاة المجنون الذي كان ينتظره بالخارج , ليرديه قتيلاً 

ولاحقاً تم نقل جثمان العجوز الى التشريح , بينما نُقل الوالد المكلوم الى مستشفى المجانين ..حيث كان جميع الأهالي فخورين به , وهو بدوره غير نادم بما فعله ..
***

بعد مقتل المجرم وهدوء العاصفة بأسبوع .. حلمت ام جيمي بمنامٍ أزعجها للغاية : ((حيث رأت ابنها مسجون في مكانٍ مظلم ويستغيث بها لتنقذه !)) فاستيقظت فزعة .. وأخبرت ابنها الكبير بما رأته , والذي قال لها : 
- امي ! لقد إعترف المجرم بقتله لجميع الأولاد , فلما تعذبين نفسك ببقاء الأمل بنجاة جيمي ؟!
- لأنه لم يكن حلماً يا جون , بل رسالة أرسلها ابني عبر عقلي اللا واعي ..وانا متأكدة انه مازال مسجوناً بمكانٍ ما في تلك القرية اللعينة , فالشرطة لم تجد جثث الأطفال بعد
- هذا لأن اللعين وزّع اعضائهم في كل مكان , كما ان سرداب كوخه تمّ ردمه بالكامل بعد تفتيشه بدقة من قبل الشرطة دون إيجادهم أثراً للأولاد .. فكفّي يا امي عن التفكير بهذا الموضوع , ولنحاول ان ننظّم حياتنا من جديد ..وان كنت تريدين لوم أحدهم , فلوميني انا .. لأنني لم انتبه على أخي بسبب انشغالي ببحثي اللعين !!

وهنا أثارت كلمته الأخيرة انتباهها , فقالت بدهشة : 
- نعم .. البحث ! الم تخبرني سابقاً بأنك صوّرت خرائط الخنادق السرّية تحت القرية التي بناها السكّان القدامى ؟
- نعم ومازلت أحتفظ بها في جوالي .. لما تسألين ؟!
الأم : ماذا لوّ كان هناك سردابٌ آخر لذلك الكوخ ؟
- يا الهي ! لما لم ننتبه على ذلك ! اذاً دعيني أبحث عن تلك الصور من جديد 
*** 

ثم ذهبت الأم الى المكتبة لتكبير تلك الصور .. وجلست مع ابنها لتدقّق باتجاهات الخنادق .. لتكتشف لاحقاً ما كانت تأمله , فالسرداب الذي وجدته الشرطة كان مجرّد خندقاً قديماً للمؤن .. لكن هناك سردابٌ آخر طويل يمتدّ من مطبخ الكوخ الى أسفل حقول الذرة ! 
وهنا قالت لإبنها وهي تشير على نهاية الخندق بالخريطة :
- هنا !! سنجد أخاك جيمي
وأرادت العودة وحدها الى القرية , لكن ابنها أصرّ على مرافقتها 
***

في طريق العودة بالحافلة حيث كانت تستغرق الرحلة نصف يوم .. كان جون يُجري بحثاً في الإنترنت المظلم من حاسوب امه , فقال لها :
- أتدرين ان أرباح الأعضاء البشريّة في السوق السوداء بحدود 45 مليون دولار ! .. فالكبد وحده يساوي..
الأم مقاطعة بعصبية : أغلق الإنترنت اللعين !! فأنا لا اريدك ان تقرأ هذه الأمور المقرفة 
جون : كنت اريد فقط ان اعرف كم كسب ذلك العجوز اللعين من خطفه للأطفال
- وبماذا يهمّك الأمر ؟ هآقد مات مقتولاً , فمالذي استفاده من ثروته الملوثة بدم الأبرياء ؟.. هيا اطفئه حالاً !!

وبعد ان أعاد لها حاسوبها , جلس هادئاً في كرسيه .. بينما أسندت هي رأسها الى الخلف لتعود لذكرياتها القديمة مع ابنها جيمي .. اما ابنها جون فكان يفكّر بضيق :
((الى متى سنعيش كالفقراء المحتاجين , وغيرنا يكسبون المال من استغلالهم لنا ؟!))
***

ووصلا هناك في منتصف الليل بينما أهالي القرية غارقون في النوم .. لذلك لم يلاحظ أحداً منهم إقتحام الأم وابنها لكوخ المجرم التي قامت الشرطة بإغلاقه بالشمع الأحمر .. 
وقد وجدا بعد بحثٍ مطوّل داخل المطبخ باباً سرّياً داخل خزانة الصحون ! 
وحين فتحاه , وجدا ادراجاً نحو الأسفل .. 
فاستخدما الكشّافات ونزلا الى هناك , ليجدا امامهما ممرّاً طويلاً يمتدّ على طول حقل الذرة الذي فوقهما .. 

ومشيا طويلاً , حتى وصلا الى بابٍ مقفول بترباسٍ حديدي صدأ ..
وقبل ان تفتحه الأم سمعت أصواتاً غريبة من الداخل وكأنها فئران تقرض اللحم .. فأصرّ ابنها ان يفتحه هو بعد ان أشهر سكينة أخذها من مطبخ العجوز , ليجدا بالداخل اسوأ ما يمكن ان يتخيلاه ! 
جيمي وهو يأكل جسد طفلة كانت مسجونة معه ! حيث كان يكبرها عمراً 

وحين التفت عليهما كان وجهه ملطخاً بالدماء , ويمسك ما تبقّى من يد الطفلة , حيث كان يمضغ أصابعها الثلاثة في فمه ! 
في بادىء الأمر .. كانت ردّة فعل جيمي حين شاهد الضوء أن أغمض عينيه بقوةّ لأنه لم يرى النور لأكثر من شهرٍ ونصف ! وقفز خائفاً خلف الأقفاص الحديدية , ظنّاً منه ان العجوز عاد بعد ان تركه مع الولدين هناك , بقليلٍ من الطعام والماء الذي نفذ منذ الأسبوع الثالث .. 

اما جون فقد تجمّد في مكانه فزعاً من منظر أخيه الصغير الذي صار أقرب الى وحش منه الى انسان , حيث كان يمشي على يديه ورجليه بعد ان عُومل ككلب لأكثر من سنة ! 
لكن الأم أسرعت بمناداته :
- جيمي حبيبي !! هذه انا , امك .. أفتح عينيك وستراني

فسقطت يد الطفلة من يده , واقترب جيمي اليها مذهولاً ! 
وفتحت ذراعيها له , رغم ان ابنها الأكبر كان يشدّها من ثيابها الى الخلف خوفاً عليها من ذلك المخلوق المخيف الذي يُشبه أخاه !
لكن الصغير جيمي تذكّرها على الفور , وارتمى بين ذراعيها باكياً ..لتشاركه امه الدموع , الاّ ان جون فضّل البقاء بعيداً عنهما  

وقامت الأم ولكثرة اشتياقها لإبنها (الذي أصبح في التاسعة من عمره) بأن حملته بين ذراعيه الى خارج النفق بعد ان أصبح هزيلاً , ومنه الى داخل الكوخ .. بينما اكتفى جون بإضاءة طريقهم للخارج ..
***

وما ان خرجوا الثلاثة من الكوخ ..حتى تفاجؤوا بأهالي القرية مجتمعين بالخارج , بعد ان رآهم أحدهم وهما يقتحمان الكوخ وقام بإخبار الجميع 

لكنهم تجمّدوا جميعاً في مكانهم بعد رؤيتهم للصغير الذي لم يمت طوال مدة محاكمة المجرم ! لهذا سمحوا لهم بالمبيت في بيتهم القديم , بل وقدّموا لهم العشاء بعد ان قام طبيبهم بفحص الصغير وإعطائه إبرة مهدّئ , بعد ان قامت والدته بتنظيفه جيداً  

الطبيب : سيرتاح قليلاً بعد الأبرة , فما واجهه السنة الفائتة كان كثيراً على ولدٍ في مثل عمره .. وانا بإسم اهالي القرية نعتذر منك لعدم تصديق قصتك
ام جيمي : لا بأس , وانا أعتذر لإتهامكم بالتورّط مع ذلك الحقير
***

وكان رئيس المخفر يريد أخذ أقوال جيمي بعد ان عاين بنفسه السرداب الذي دلّته عليه الأم , حيث وجد هناك جثة الطفلين : أحدهم أكله جيمي في الأسبوع الفائت , اما الطفلة فيبدو ان جيمي قتلها اليوم حيث مازالت جثتها دافئة ! الا ان الطبيب طلب منه تأجيل التحقيق ليومين آخرين كيّ يرتاح الصبي , فهو بالنهاية قتلهما لشدّة جوعه 
***

في المساء ..وبعد ان نامت الأم من التعب .. دخل جون غرفة أخيه الذي استيقظ بعد نومه ثلاث ساعات ليجده هادئاً في سريره ! فاقترب جون منه وهو يحمل حاسوب امه , وقال له :
- لم أكن أتصوّر انك ستصبح ذات يوم آكل لحوم البشر !
فاكتفى جيمي بالنظر اليه دون كلام.. 

فعاتبه جون قائلاً : 
- الا تدري ان حياتنا إنقلبت راساً على عقب بسببك .. فأنا تركت مدرستي رغم تفوقي لأعمل مكان امي التي فقدت أعصابها بغيابك.. وضاع مستقبلي بسبب رغبتك في جمع الحلوى اللعينة .. لهذا اريدك ان تخبرني بكل شيء حصل معك هناك وبالتفصيل المملّ كيّ أكتبه بمقال وأرسله للصحافة التي ستدفع لنا الكثير من المال حين تعرف بنجاتك من تلك التجربة , وبذلك نعوّض أموالنا التي خسرناها في رفعنا لقضيتك .. فهيّا تكلّم حالاً !!
لكن جيمي ظلّ ساكناً , ممّا زاد من غضب جون الذي فتح له ذلك الفيديو التي صوّرته صديقة امهما القزمة .. 
- أنظر !! اليس هذا هو اللعين الذي خطفك ؟ هيا إخبرني بما فعله بك وببقيّة الأطفال ؟ 

وما ان رأى جيمي وجه العجوز بالحاسوب , حتى جنّ جنونه !! وقفز على أخيه يعضّه وينهش من لحم بطنه ! وجون يصرخ بعلوّ صوته من الألم .. 
فدخلت الأم عليهما بعد ان استيقظت من صراخه لترى قميصه وقد امتلأ بالدماء ..فشدّت جيمي بكل قوتها لتبعده عنه , لكنها تفاجأت به يقفز عليها ويعضّها بعنف من رقبتها .. 

فلم يجد جون طريقة لإنقاذ امه الا بضرب أخيه بالحاسوب عدة مرات بقوة على رأسه , حتى سقط جثة امام امه التي مازالت تنتفض والدماء تنفرّ من رقبتها ! 

فأسرع جون الى خارج بيته صارخاً بفزع , ليجد بالصدفة رئيس المخفر يمرّ من هناك بسيارته , فأوقفه طالباً منه المساعدة وهو يلهث :
- جيمي .. لقد جنّ جنونه ! ارجوك تعال وساعد امي ..

وحين دخل الشرطي المنزل .. وجد جيمي مقتولاً ! والأم تحتضر ..فأسرع بطلب الإسعاف من طبيب القرية الذي قدم بسرعة وقام بالإسعافات اللازمة لإنقاذ الأم التي فقدت الكثير من دمها .. 

ثم قال الطبيب لجون قبل ان يضع امه في سيارة الإسعاف :
- امّا انت , فجروح بطنك سطحية .. سأرسل لك الممرّض بعد قليل ليطهّرها لك 
ثم توجّه بالكلام لرئيس المخفر : 
- بصراحة سيدي .. لقد فعلت كل ما بوسعي لإنقاذ السيدة , لكن حالتها خطيرة
رئيس المخفر : لحظة !! لا تنقلها للعيادة الآن .. انتظرني قليلاً
الطبيب بدهشة : ماذا ! لكن حالتها سيئة ..

الاّ ان الشرطي تركه , ليأخذ جون الى داخل منزله للحديث معه .. 
- اسمع يا ولد .. امك ستموت بكل الأحوال .. فما رأيك ان تحصل على مليون دولار ثمن أعضائها ؟
جون بدهشة : ماذا قلت ؟!
***

وبعد قليل .. خرجا سويّاً بعد ان احتشد أهالي القرية حول سيارة الإسعاف , فقال رئيس المخفر بصوتٍ عالي للطبيب :  
- عليك ان تُبقيها حيّة بالقدر الذي يلزم لأخذ أعضائها
فتفاجأ الجميع بأنه تحدّث هكذا امام ابنها , لأنه بذلك يكشفهم حيث كانوا جميعاً متورّطين بخطف الأطفال ونقل أعضائهم لتجّار المدينة !

فقال لهم الشرطي مطمّئناً :
- لا تقلقوا !! فجون أصبح واحداً منا , اليس كذلك ؟
فأجاب جون بخبث : لكننا اتفقنا على مليونين , لا تنسى ذلك 
فربت الشرطي على ظهره بفخر : أعجبتني ايها التاجر الصغير 

وسلّم عليه وسط تصفيق الجميع , ليُسرع الطبيب بنقل الأم الى غرفة العمليات السرّية التي كان أجرى بها سابقاً جميع عمليات إزالة أعضاء الأطفال والمشرّدين والكثير من الأشخاص الذين ظلّوا مجهوليّ الهوية حتى يومنا الحالي !  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...