الأربعاء، 26 سبتمبر 2018

الإنتقال عبر الزمن

تأليف : امل شانوحة


بين الماضي والمستقبل !

في أمسيةٍ هادئة , وعلى جسر البوابة الذهبية في كاليفورنيا تعطّلت حافلة صغيرة زرقاء تقلّ الشباب الستة الذين ارادوا القيام بنزهة لاسترجاع ذكريات مدرستهم الثانوية التي جمعتهم قبل سنوات ..
- اللعنة !! الم تتعطّل حافلتنا الا هنا ؟ 
- لننزل ونحاول إصلاحها ..

وأثناء محاولتهم حلّ مشكلة المحرّك المعطّل , صرخ أحدهم قائلاً :
- انظروا هناك !! دعونا نوقف العجوز قبل ان ينتحر !
وأسرعوا اليه , حيث كان يقفّ على الحافّة ..
- يا عمّ توقف !! لا تنتحر .. دعنا نتكلّم قليلاً
فقال لهم مبتسماً : لا تقلقوا يا شباب , فأنا لن اموت .. سأسترجع بعض ذكريات شبابي , ثم أعود إليكم .. انتظروني قليلاً 
وقفز فجأة من فوق الجسر ! 

فأطلّوا الشباب الستة برؤوسهم لرؤية جثته أسفل الجسر , لكنهم لم يجدوا سوى الضباب يغطي البحر , كما كانت الرؤية معدومة مع هذا الظلام
فقال أحدهم : دعونا نعود الى الحافلة ونُكمل إصلاحها , فقد انتهى أمره
- يبدو انه مشرّد وأتعبته الحياة !
- او مجنون , الم تسمعوا ما قاله ؟ المسكين , يظن انه سيعود! 
***

بعد مرور بعض الوقت .. إستطاعوا أخيراً إصلاح الحافلة .. وقبل ان يصعدوا اليها , سمعوا صوتاً من خلفهم يناديهم :
- يا شباب !!
فصرخ أحدهم برعب بعد رؤيته للعجوز يتقدّم منهم وهو سليم البدن وملابسه غير مبلولة : 
- يا الهي ! هذا جني , أهربوا بسرعة الى السيارة !!!
لكن العجوز عاد وناداهم محاولاً ايقافهم : لا , لا تذهبوا !! الا تريدون معرفة الى اين ذهبت ؟

في هذه اللحظات .. كان أحد الشباب يقول لصديقه السائق مرتعباً:  
- هيا قدّ السيارة بسرعة !! ما بك تجمّدت في مكانك ؟!
فأجابه : بصراحة ..اريد ان أعرف ما حصل له 
- لا يا مجنون !! لا تنزل اليه

وشاهد الأصدقاء الخمسة صديقهم وهو يذهب ناحية العجوز ليتكلّم معه , فنزلوا بتردّد من السيارة وتوجهوا اليهما..
وهنا أدار صديقهم وجهه اليهم , وهو يقول بحماس : 
- إسمعوا ما يقول ! لقد انتقل للماضي عن طريق شقّ زماني موجود  أسفل الجسر
أحدهم : هذا غير معقول !
العجوز : إن كنتم لا تصدقوني , فتعالوا معي .. 

وأخذهم قرب العامود الذي قفز منه .. وقال لهم :
- أترون هذه الاشارة المحفورة على عامود الجسر .. مكتوباً امامها حرف (ض) يعني الماضي .. اما هناك .. إمشوا معي قليلاً .. ستجدون محفوراً حرف (س) اي المستقبل .. وهذا يعني ان قفزتم من هنا ستذهبون الى المستقبل .. لكنني دائماً أقفز من العامود الثاني كيّ استرجع ذكريات شبابي مع زوجتي التي توفيت قبل أعوام ..
فنظروا الى بعضهم باستغراب ! .. فأردف العجوز قائلاً : 
- الم تروني بأعينكم وانا أقفز من فوق الجسر ؟ فكيف اذاً عدّتُ سليماً اليكم؟ 

فقال أحد الشباب : وكيف عرفت بشأن الشقّ والبعد الزماني ؟ 
العجوز : من كتاب تاريخي قرأته قديماً بالمكتبة .. ولم أصدّق ذلك حتى بعد ان رأيت الحرفين المحفورين على الأعمدة والتي ذُكرت في الكتاب الذي نُشر بعد أشهرٍ قليلة من افتتاح الجسر عام 1937م ! ..لكن بعد موت زوجتي أردّت الانتحار بعد ان مللّتُ العيش وحدي , فنحن لم نرزق بأولاد ..وفكّرت حينها طالما انني نويتُ الموت , فلما لا أجرّب القفز من الشقّ الزماني للماضي ؟

أحد الشباب باهتمام : وماذا حصل حين قفزت منه أول مرة ؟
فأجاب بسعادة : والله لم أصدّق عيني حين استيقظت بجانب زوجتي في بيتنا القديم , وفي شهر عسلنا ايضاً ! حيث كانت نائمة كالملاك بوجهها النضر , فأنا تزوجتها وهي في سن العشرين بينما كنت أكبرها بخمس سنوات 
شابٌ آخر : وفي تجربة قفزتك الأولى , كم بقيت معها ؟ 
العجوز : يومٌ واحد
الشباب بدهشة : يومٌ واحدٌ فقط ؟!
- نعم .. فالبعد الزماني يسمح لك بتمضية 24 ساعة مع كل قفزة
أحد الشباب : لكنك عدّت الينا خلال نصف ساعة تقريباً ؟!  
العجوز : بل بالضبط ثلاث أرباع الساعة , لكني عشت مع زوجتي يوماً كاملاً .. 
شابٌ آخر : ولما تخبرنا بهذا السرّ , الا تخاف ان نطلعه للعامّة ؟ 
فتنهّد العجوز : لقد كبرت في العمر وايامي في الدنيا معدودة , لذلك أردّت نقل السر لكم قبل وفاتي .. المهم الآن .. من منكم يريد تجربة الماضي ومن يريد رؤية المستقبل ؟

أحد الشباب باهتمام : وهل جربت المستقبل ايضاً ؟
- نعم مرة , وانتقلت الى..
أحد الشباب مقاطعاً بحماس : الى التطوّر والحضارة والحاسوبات الذكيّة والروبوتات التي سيطرت على العالم , اليس كذلك ؟
العجوز : بالعكس تماماً .. كان عالماً مليئاً بالحروب والمجاعات وانتشار الفسوق والفساد في كل مكان , حتى ان بلاداً عظيمة تدمّرت تماماً بعد ان سيطرت دولٌ فقيرة في زماننا على مجريات الأحداث في ذلك العالم .. أمورٌ لم يستوعبها عقلي ! لهذا عدّتُ سريعاً الى حاضرنا , لأن التجربة لم تعجبني بالمرّة
فقال ذات الشاب يائساً : هذا مؤسف ! كنت أتمنى ان تنجح إختراعاتي العلمية في تطوير المستقبل
العجوز : لا تيأس , فأنا لم أخبركم بعد بأمرٍ مهم 
الشباب باهتمام : ماهو ؟

فأجاب العجوز : حين تقفزون من الجسر تجدون امام اعينكم ارقام كالعدّادات , وأنتم تختارون التاريخ الذي تريدون الإنتقال اليه .. انا دائماً أحدّد يوم عرسي .. اما حين جرّبت المستقبل , فقد اخترت التاريخ ما قبل نهاية العالم
فقال الشاب : أتقصد ان باستطاعتي رؤية المستقبل بعد عشرين سنة مثلاً ؟
- نعم , التاريخ الذي تشاء
فقال الشاب متحمّساً , وهو يذهب اتجاه المكان المخصّص للقفز الى المستقبل : 
- جميلٌ جداً.. أمِن هنا عليّ القفز ؟
فصرخ أصدقائه برعب : ماذا تفعل يا مجنون ؟!!
فأجابهم الشاب وهو يقف عند الحافّة : 
- أحتاج لمعرفة بعض المعلومات من المستقبل لتحسين ذراع الليزر الطبّي الذي أصنعه كمشروع تخرّجي  
الشباب يصرخون بخوف : لا تقفز , لا !!!!
وبعد قفزه , قال لهم العجوز : 
- لا تقلقوا , سيعود بعد ثلاث أرباع الساعة .. ارتاحوا في حافلتكم لحين عودته

فانتظروا هناك بقلقٍ وارتباك , وهم ينظرون الى ساعاتهم من حينٍ لآخر ليتفقّدوا الوقت الذي مرّ عليهم ببطءٍ شديد .. 
وفجأة ! رأوه وهو يصعد الجسر مُبتسماً..
فركضوا اليه ليسألوه : ماذا حصل ؟!
فأجابهم بابتسامةٍ عريضة وبحماس : 
- لن تصدّقوا ما رأيت هناك ! فقد استغلّيت اليوم بأكمله الذي عشته بالمستقبل لدراسة التطور التقني الذي أُضيف الى إختراعي والذي أحدث ثورة في عالم الطب , تماماً كما فعل الإنترنت في زماننا .. لكني لن أخبركم عنه قبل ان أُعيد تصميمه من جديد 
فقال الشاب الآخر : وانا ايضاً اريد الذهاب للمستقبل ..فأنا تخرّجت من الفندقية السنة الفائتة وأعمل في مطعمٍ متواضع .. وأحلم باختراع وصفة طعام جديدة تكتسح العالم , كما فعل دجاج كنتاكي وبيترا هت والدونات .. ومن ثم أفتح سلسلة مطاعم لبيعها حول العالم

فقال صديقه : وانا ايضاً عندي نفس فكرتك , لكني سأذهب الى الماضي لأكون انا مخترع كل الوجبات السريعة 
فقال صديقه الطباخ : لكن هذه سرقة !
- لا يهم , طالما انني سأكسب المال والشهرة حين عودتي 
وهنا نبّهه العجوز قائلاً : في حال نسبت هذه الإختراعات لك , ستعود للحاضر وانت رجلٌ عجوز
- لا يهمني .. فأنا لديّ ولدين صغيرين واريد ان أترك لهما ثروة بعد وفاتي , حتى لوّ لم أعش فترة شبابي
العجوز : انت حرّ .. وماذا عنك ايها الشاب ؟ 
- انا أعمل ملّحن أغاني , لذلك اريد الذهاب للمستقبل لأختار الأغاني التي حصلت على الجوائز العالمية ورضى أكبر عددٍ من المُستمعين حول العالم

بينما قال الشاب الآخر : اما انا فسأختار الماضي , فأنا صحفي وأحب التصوير لذلك أرغب في كتابة سيرة حياة الأشخاص الذين انشهروا في عالمنا وكانوا مجهولين في زمانهم .. كما اريد تصوير بعض الشخصيات المهمّة لبيع صورهم لعائلاتهم في زماننا 
فقال صديقه : أعجبتني فكرتك , لذلك سأذهب معك للماضي لشراء لوحات أشهر الفنانين القدامى لأبيعها لاحقاً في مزاداتنا وبأسعارٍ خيالية

وهنا قال العجوز : طالما اخترتم ما تريدون فعله , فعليكم ان تسرعوا بالقفز لأن الشقّ سيُغلق بعد انتهاء الضباب الذي لا يحدث الا كل ستة أشهر 
شاب : سؤال أخير يا عمّ , كيف نعود الى هنا ؟
العجوز : تبحثون عن الجسر في أزمنتكم .. ستجدونه امّا قيد الإنشاء او مهدّمٍ ومهجور , ثم تقفزون منه .. فطالما الجسر موجود في حاضرنا فلا مشكلة بالعودة

وانقسم الشباب الى قسمين , ثم قفزوا على التوالي بين زمن الماضي والمستقبل .. بينما عاد العجوز الى منزله , بعد ان أخبرهم بسرّه الذي احتفظ به لسنواتٍ طويلة
***

في جنازة أحد الأثرياء , وبعد ذهاب المعزّيين .. اقترب شاب من عائلة المتوفي ومعه ظرف به عدة صور ..
ابنة المتوفي الكبرى : ما هذه ؟
الشاب : صور المرحوم والدك
- مستحيل ! فأبي كان يكره التصوير 
- إفتحي الظرف وتأكّدي بنفسك
وتفاجأت عائلته بعدة صور لوالدهم الذي كان نادراً ما يخرج من المنزل !
- كيف هذا ؟ وكيف حصلت على صور شبابه ايضاً ؟! 
الشاب : هو صديق والدي المرحوم الذي كان يحب التقاط الصور , وقد امتهنت التصوير من أجله .. وقبل ايام كنت أرتّب حاجياته القديمة فوجدت ظرفاً بإسم والدكم .. وحين قرأت خبر وفاة والدكم بالصحيفة , أحضرتهم معي لأسلّمها لكم
- كم جميل ما فعلته , فنحن لا نملك الا صورته في الهويّة .. شكراً لك
- آسف سيدتي , لكني مصوّر ..وكما تعلمين ..مهنتي تحتضر هذه الأيام بوجود الجوّالات , لذلك أحتاج..
- أه فهمت .. كم تريد ؟
الشاب مبتسماً : بقدر أهمية الصور اليكم , فأنا أعرف انكم من عائلة ثريّة  
فكتبوا له شيكاً بمبلغٍ جيد , وبدوره سلّمهم الصور ورحل..
*** 

في مكانٍ آخر .. كان يُجرى مزادٌ علني لأحد لوحات فنانٌ معروفٌ قديم .. الا انهم تفاجئوا بشاب يوقفهم قائلاً :
- توقفوا !! هذه اللوحة مزورة .. واللوحة التي معي هي الحقيقية .. 
ثم وضع ذات اللوحة أمامهم .. 
فقال أحد الأثرياء معترضاً : لحظة ايها الشاب ! لوحتك جديدة , ولا يمكن ذلك بعد كل تلك السنوات
الشاب : هذا لأن جدي المرحوم كان يعتني بها دائماً , فوالده اشتراها من الرسّام مقابل رغيفيّ خبز .. ان كنتم لا تصدّقوني , فدعوا خبرائكم يتأكّدوا بنفسهم 
وبالفعل بعد فحصها وجدوا ان كل شيءٍ مطابق للمواصفات , عكس لوحة المزاد الذي كان توقيعها مشوّهاً ! 
وقد تمّ بيعها بسعرٍ غالي , واستلم الشاب الشيك لأنه وريث جدّه الوحيد
***

اما الشاب الآخر فلم يفزّ فقط بمنحةٍ دراسية بسبب اختراعه لذراع ليزر قادر على قصّ الزوائد الدهنية من أجساد البدناء دون قطرة دمٍ واحدة , بل ايضاً على براءة الإختراع الذي كسب بسببه آلاف الدولارات بعد ان قام بعمليته الأولى على سيدة بدينة تزن نصف طن , مُستعيناً بالطابعة ثلاثية الأبعاد لنحت جسمها بالليزر , لتفقد 450 كيلو من العملية الأولى التي تمّت بنجاح وببثٍ مباشر عُرض في نشرات الأخبار حول العالم , لتستقبلها عائلتها بدموع الفرح بعد ان تغيّرت حياة ابنتهم بين يومٍ وليلة وكأنها ولدت من جديد ! وبعد هذا النجاح الغير مسبوق له , تدافع البدناء لإجراء هذه العملية التي لا تكلّفهم الكثير من المال والوقت , ولا حتى الى التدخّل الجراحي!  
***

في وسط البلد .. إفتتح الشاب الآخر اول مطعمٍ له لوجبة حلويات جديدة فاجأت الجميع ! وبسرعة البرق انتشر خبرها بكافة وسائل التواصل الإجتماعي ليصطّف الناس طوابيراً لتذوق منتجه الجديد ذو التكلفة البسيطة واللذّة الفائقة .. وتدافعت شركات الطعام على تقديم عروضاتها لتبنّي فكرته على نطاقٍ واسع .. وقد قبل الشاب عرض إحداها بفتح سلسة مطاعم له , بشرط ان يحتفظ هو بسرّ الخلطة
بعكس زميله بالفندقية الذي عاد من قفزة الجسر كبيراً في السن ومليونيراً بعد ان ملك سلسلة ماكدونالدز حول العالم , كالمخترع الأساسي لها !
***  

اما الشاب الآخير .. فقد ذاع صيته بين ملحنيّ الأغاني حول العالم بعد ان أنتج الكثير من الأغاني التي تجاوز عدد المستمعين لها أكثر من مليار على قناة اليوتيوب في مدةٍ زمنية قياسية , ليُصبح أكثر ملّحن حاصل على الجوائز الموسيقية جعلت أشهر المغنين يتهافتون عليه طلباً لتلحين أغانيٍ ناجحة لهم 
***

وبعد سنوات .. اجتمع الشباب مجدداً فوق الجسر في أمسيةٍ هادئة تخلو من زحمة السير ..
فقال أحد الشباب باستغراب : 
- لما لا توجد الكثير من السيارات هذه الليلة ؟!
فقال الشاب الوحيد الذي عاد من تلك التجربة عجوزاً : 
- بل لما يضعون أسلاكاً شائكة تقطع الطريق نحو الجسر ؟! فقد جعلونا نمشي لمسافةٍ طويلة .. وقد أتعبتني المسافة , بعد ان أصبحت عجوزاً !
- ربما هناك اصلاحات
- برأيّ هذا أفضل , فنحن لا نريد للفضوليين ان يمنعونا من القفز ظنّاً منهم اننا سننتحر 
- تقصد تماماً كما فعلنا نحن مع ذلك العجوز .. أعتقد انه مات الآن , اليس كذلك ؟ 
- المهم اننا عرفنا سرّه وانتهى الأمر
- والآن يا اصدقاء , هل سنقفز من جديد ؟
- طبعاً ..فأنا اريد المزيد من الألحان الناجحة 
- وانا اريد شراء المزيد من لوحات المشاهير .. المضحك انني اشتريتها بسعرٍ بخس , لأن أوضاعهم المادية بالفعل مزرية ! 
- اما انا , فأريد وصفة طعام جديدة ..ماذا عنك ؟ هل تريد امتلاك سلسلة جديدة من المطاعم ؟

الشاب العجوز : نعم , أفكّر بسلسلة ستاربكس لتزداد ثروتي
- أخاف ان يزداد عمرك أكثر 
- لا يهم , المهم ان أترك لعائلتي ثروة كبيرة بعد رحيلي
- مع انني أشعر انه لا يحقّ لك نسب تلك الإختراعات لك
الشاب العجوز غاضباً : وهل انا السارق الوحيد بينكم ؟!!
- آسف لم أقصد .. وماذا عنك ؟ هل ستكتفي بتصوير المتوفيين ؟
- أعرف انني أقل واحداً منكم كسب المال من هذه التجربة , لكنني أعشق التصوير كما بيع السير الذاتية 
- ولما لا تصوّر الفضائح السياسية ؟
فابتسم الصحفي قائلاً : كأنك تقرأ افكاري ! فهذه المرة سأذهب الى زمن إغتيال الرئيس جون كينيدي .. وسأقف قرب المكان الذي قُنّص منه , وساكتشف ان كان الذي قبضوا عليه هو القاتل الحقيقي ام لا  
- أرى انك ستتحوّل الى صحفي سياسي بعد ان كنت تهتم بالأحوال الإجتماعية فقط
- نعم , اريد ان أكون مصوراً سياسياً محترفاً 
- أخاف ان يغتالوك انت ايضاً 

الصحفي : ان حاولوا قتلي , أعود الى هنا فوراً 
- وماذا عنك ايها الطبيب المحترف ؟
- اريد الإنتقال للمستقبل لاكتشاف الدماغ البشري بشكلٍ أوضح , ثم أعود لأحصل على جائزة نوبل في الطب .. فهذا هدفي الجديد 
- احلامكم كبيرة يا أصدقاء , انا يكفيني ان اكتشف وصفات طعام جديدة لأفتتح بها المزيد من المطاعم .. مع انني هذه المرة اريد ان أجرّب الماضي
- لا أنصحك بذلك , فأنت .. (وسكت)
- ماذا ؟ إكمل 
- انت بشرتك داكنة , وربما ان ذهبت الى ماضي يستعبدونك
- لن يفعلوا حين يتذوقون طعامي اللذيذ 
- انت حرّ , لكنني نصحتك
- يبدو انه لكل واحداً منّا حلمه .. فهيّا للنقسم بين الماضي والمستقبل ولنقفز الى هناك سويّاً

وبعد ان وقف كل واحداً عند الحافة التي يريدها , قال أحدهم : 
- أراكم بعد ثلاث ارباع الساعة .. واحد !! اثنان !! ثلاثة !! 
وقفزوا جميعاً لينتقلوا بين الماضي والحاضر .. 
***

في هذه اللحظات .. وصل الفريق الهندسي لتفجير الجسر بعد ان تآكله الصدأ من العاصفة الأخيرة التي ضربت البلاد قبل أشهرٍ عدة , ولأن كلفة تصليحه كبيرة , ولأنه ايضاً تمّ إفتتاح جسراً آخر يبعد كيلومترين عنه .. لذا قرّرت الحكومة هدمه !
المهندس صارخاً لموظفيه : هل الجميع جاهز ؟!!
- نعم سيدي , المتفجّرات في مكانها
- لا اريد أحداً من المارّة ان يتقدّم نحونا
- أبعدناهم جميعاً الى خلف الحاجز .. الا اننا وجدنا حافلة صغيرة عند مدخل الجسر , لكن ليس فيها أحد ! 
المهندس : طالما المكان مُؤمّن , فلنبدأ التفجير .. 1- 2 – 3 !!
ودوّى إنفجارٌ ضخم , ليتساقط الجسر قطعاً حديدية صدئة في البحر
***

وبعد ان قام كل من اصدقاء الستة بالحصول على ما يريده من الماضي والحاضر ذهبوا اتجاه الجسر في عالمهم , لكنهم تفاجئوا باختفائه !
فقال الشباب الذين كانوا بالمستقبل : اين الجسر المتهدّم ؟!
وقال الشباب في زمن الماضي : اين الجسر قيد الإنشاء , الم يبنوه بعد ؟!

وكان أسوأهم حظاً هو الشاب ذو البشرة الداكنة الذي كان هارباً من تجّار بيع العبيد , بعد ان رفضوا الأغنياء تذوّق اختراعاته في الطعام وأرادوه ان يعمل في حقول القطن كبقيّة العبيد 
التاجر صارخاً : هاهو !! لقد وجدت العبد الهارب 
- اللعنة .. عليّ الهرب من هنا سريعاً
لكنهم اطلقوا نار على قدمه , ليقيدوه ويجرّوه معهم الى مركز بيع العبيد..
***

اما الشباب الذين علقوا في زمن المستقبل فقد شعروا بأن عليهم تعلّم الكثير لمجاراة الناس الأذكياء في عالمهم وكيفية استخدام التكنولوجيا المتطورة 

لكن شاباً منهم كان قد إختار زمن نهاية العالم ليعلق هناك مع الظواهر الطبيعية المخيفة من زلازل وبراكين وحروبٌ طاحنة , علق في خضمّ أحداثها لللأبد ! 
***

اما في زمن الحاضر ..فقد كان العجوز من ضمن الناس الذين تجمّهروا لرؤية إنفجار الجسر , فتمّتم قائلاً بعد ان رأى الحافلة الزرقاء للشباب متوقفة قرب المدخل :
- المساكين ! علقوا في زمن الماضي والمستقبل الى نهاية عمرهم .. جيد انه ليس انا 

وضحك العجوز ساخراً , وهو يترنّح من السِكر مُبتعداً عن بقايا الجسر المُتهدّم ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لقاءٌ ساحر (الجزء الأخير)

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  رابط الجزء الأول من القصة : https://www.lonlywriter.com/2024/10/blog-post_4.html مفتاح الحرّية بعد ...