الجمعة، 28 سبتمبر 2018

سبقٌ صحفيّ

تأليف : امل شانوحة


مذكرات رجلٌ بائس 

في عصر ذلك اليوم .. وقبل خروج الصحفية من مكتبها , أتاها اتصالٌ هاتفي :
- الو .. من معي ؟
فسمعت رجلاً يقول لها بصوتٍ مبحوحٍ خشن : أتريدين سبقاً صحفياً ؟
- بالتأكيد .. لكن من انت ؟
- سأعطيك العنوان , وحينها تعرفين من انا
وبعد ان أعطاها العنوان , أغلق الهاتف في وجهها ! 

فتردّدت الصحفية بالذهاب الى هناك وحدها , بعد ذهاب مصوريّ المجلة الى بيوتهم ..
لكنها رأت بأن العنوان لا يبعد كثيراً عن الفندق الرخيص التي نزلت فيه قبل شهرين .. 

فذهبت الى هناك .. لتصل مع غروب الشمس الى منزلٍ مهجور مكوّناً من طابقين , ومتواجد بأطراف حيٍّ هادىء !
وبعد نزولها من السيارة , أطلّت برأسها من خلال باب المنزل المخلوع , ونادت بعلوّ صوتها :
- هل يوجد أحدٌ هنا ؟!!! .. انا الصحفية التي كلّمتها اليوم عصراً
وحين تأكّدت من خلوّ المكان , قالت في نفسها : 
((من الأفضل ان أذهب الى الفندق , فقد حلّ المساء والمنزل مُعتم بالداخل .. كما أحسّ بشعورٍ مُقلق .. غداً أعود مع فريق عملي))

وقبل ان تستقلّ سيارتها , أُنيرت فجأة لمبةٌ صفراء مُعلّقة على الحائط الخارجي للمنزل الإسمنتي المُهدّم ! 
فقالت بنفسها بقلق : من أضاء تلك اللمبة ؟!
وتلفّتتّ حولها , لكنها لم تجد أحداً ! 

وحين اقتربت من النور , وجدت كلاماً مكتوباً على الحائط بالدهان الأحمر , كُتب عليه :
((مذكرات رجلٌ بائس : لمن يهمّه الأمر , إدخل الى منزلي وأقرأ مذكّراتي على جدرانه))
فأثار الأمر إهتمامها , خاصة انها مديرة تحرير مجلة إجتماعية .. فدخلت بحذر الى الداخل , بعد ان أضاءت نور جوالها .. 
فوجدت مكتوباً على جدران الصالة جزءاً من قصته , تحت عنوان:  
((طفولتي الحزينة)) .. قال فيها :

((كنت الإبن الوحيد لوالدين مُنفصلين , وكانت امي تعمل في النوادي الليلة , وابي بائع مخدرات صغير .. بداية موفقة اليس كذلك ؟ بالحقيقة هما لم يتزوجا أصلاً , لذلك أعتدّتُ على تلقيب اولاد الحيّ لي : بإبن الحرام ! كما انني لم أدخل المدارس , وأمضيت جلّ وقتي في الطرقات .. ومع الأيام تعوّدتُ على رؤية امي تعود كل مساء وهي تترنّح من السكر , او مصابة بكدمات بسبب زبونٍ ساديّ ! اما ابي .. فقد رأيته آخر مرة بعمر الخامسة , قبل ان يُقتل على يد أحد المدمنين بعد رفضه إعطائه حقنة مخدرات مجانية .. هذه كانت طفولتي .. اذا كنت تريد ان تعرف ما حصل لي في سن المراهقة ؟ فاصعد الى فوق .. ستجده مكتوباً على جدران الدرج))

فصعدت الصحفية الأدراج الإسمنتية المُكسّرة , لترى المكتوب هناك .. وكان فيه :
((قصة مراهقتي التعيسة : حين بلغت 13 من العمر , تفاجأت مساءً برجلٍ ضخم يقتحم غرفتي ! وحين استلقى بجانبي على السرير , قفزت منه مرتعباً , لأجد امي في الطابق السفلي تقول لي : (لا بأس يا جيم ستتعوّد مع الأيام , فهو دفع لي مبلغاً كبيراً بعد ان رآك البارحة وانت تأخذني من البار) .. ورغم صغر سني , الا انني فهمت قصدها .. فصرخت عليها : بأنها أمٌ سيئة , تبيع ابنها لتجبرهُ على دخول عالم الدعارة .. وحين رأيت الرجل ينزل الدرج غاضباً كيّ أرضخ لرغباته , هربت من المنزل ولم أعد اليه الاّ لاحقاً .. أتدري متى ؟ .. إكمل قصتي التي ستجدها مكتوبة على جدران غرفتي في الأعلى))
فقالت الصحفية في نفسها : يالها من حياةٍ بائسة بالفعل ! هل ممكن ان تسوء أكثر ؟ .. لأصعد وأرى 

وحين صعدت ..وجدت غرفتين إحدى بابيها مدهوناً بالأزرق , فعرفت انها غرفة الصبي .. فدخلت لتجد سريراً حديدياً صدأً , وخزانة مُهترئة يعلو ابوابها العفن والرطوبة .. فقرأت على الحائط ما يلي :

((بما انك وصلت الى هنا , فهذا يعني ان قصتي آثارت اهتمامك .. لأكمل لك ما حصل بعد هروبي من المنزل : لقد تشرّدت بالشوارع عشرين سنة , اشتغلت فيها بكل الوظائف الدونية : من تنظيف مطابخ المطاعم , الى عامل محطة بنزين , لبائع مناديل على الطرقات , لمساعد دهّان , لعامل نظافة .. لكن جميعها لم يكن يكفي راتبها لاستئجار منزلٍ او حتى غرفة ! لهذا كنت أعمل نهاراً .. وأتسلّل الى هنا لأنام في سريري , لعلمي بأن امي تزاول عملها القذر طوال المساء .. لكني كنت أحرص على الهرب من المنزل قبيل الفجر , حتى لا تراني وتبيعني من جديد ! ..وبقيت على هذه الحال لسنوات..وحين بلغت العشرين من عمري , لم أعد خائفاً منها وواجهتها : بأن لي حقاً في منزل ابي .. فابتسمت قائلة : (تأخّرت يا جيم , فقد رهنت المنزل منذ شهور , واليوم وصلني إنذارٌ بالطرد من البنك) .. فحصلت مشاجرة عنيفة بيننا , فدفعتها دون قصدي لتسقط من فوق الدرج وتكسر رقبتها وتموت بالحال .. لكن لسوء حظي رآني أحدهم وانا أهرب من المنزل بعد سماعه لمشاجرتنا , فأبلغ الشرطة .. أتريد ان تعرف ما حصل لي لاحقاً ؟ ستجده مكتوباً في غرفة امي بالغرفة المجاورة))

فدخلت الصحفية الغرفة الثانية , ووجدت بقيّة القصة مكتوبة على المرآة :
((لقد قبضت الشرطة عليّ , وسجنوني عشر سنوات بتهمة القتل الخطأ .. لأخرج فيما بعد وأعمل عند صديقي الذي شاركني الزنزانة , حيث كان يعمل كقاتل محترف .. فأصبحت أحصل على المال الوفير مقابل قتلي للناس الأبرياء ! .. أتريد ان تعرف أهمّ جزء في حكايتي ؟ .. أنظر وراءك))

فنظرت الصحفية خلفها , لتجد رجلاً مقنّعاً يحمل سكيناً كبيراً وحادّاً .. فارتعبت قائلة :
- أهذا انت ؟!
- نعم , انا من اتصلت بك لتأتي الى هنا وتقرأي قصتي .. فهل أعجبتك ؟
فسألته وهي ترتجف من الرعب : ولماذا تريد قتلي ؟!
- لأنك هربت من منزل زوجك 
- أهو من دفع لك ؟!
- نعم , يبدو انه رجلٌ ساديّ أغضبه هروبك من سجنه وعودتك الى العمل .. ومع إن شخصيته لم تعجبني , لكنه دفع لي مبلغاً كبيراً

فصرخت بعلوّ صوتها : أنقذوني !!
ليعاجلها هو بطعناتٍ متتالية , أسقطتها على الأرض جثةً هامدة .. ومن ثم حمل جثمانها ونزل بها الى قبو منزله المُهدّم , حيث يوجد قبرٌ محفور سابقاً ! .. وبعد ان قام بدفنها , قال مبتسماً :
- وهذه هي الضحية رقم 22 .. غريب ان كل ضحايايّ من النساء ! المهم انني جمعتهنّ في مكاني المفضّل .. فهذا البيت اللعين كان أيضاً مقبرة طموحاتي وأحلامي ! 

وهنا أتاه اتصال على جواله , فردّ قائلاً :
- كنت أتوقّع اتصالك .. نعم لقد تمّت العملية بنجاح .. وزوجتك الآن في طريقها الى الجنة .. اما انا وانت , فلقاءنا حتماً سيكون في الجحيم !!

وأطلق ضحكةً مجلّجلة تردّد صداها أرجاء المنزل المهجور ! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...