الجمعة، 23 مارس 2018

الأجنحة المُجرّحة

تأليف : امل شانوحة


الأولاد ذويّ الإحتياجات الخاصة في خطر , عليّ إنقاذهم !

في آخر المساء .. استيقظت جاكلين على رنين جوالها .. فنظرت  لساعة المنبه بتعجب : 
- من يتصل في هذه الساعة المتأخرة ؟! .. الو..
فسمعت صوت ولدٍ صغير يرتعش خوفاً , وهو يقول بصوتٍ منخفض : 
- ساعدينا .. ارجوكِ
ثم سمعت رجلٍ يتكلّم من بعيد بنبرةٍ غاضبة : 
- ابحثوا عنه في كل مكان !! 
فهمس الصبي وهو يلهث برعب : عليّ الهرب فوراً !
جاكلين : لحظة !! لا تقفل الخط 
وانتهت المكالمة !
***

فبدأت الشكوك تساور جاكلين : يا الهي ! مالذي يجري ؟ يبدو من صوت الولد وكأنه في ورطة .. سأتصل فوراً بالشرطة

واتصلت بخدمة الطوارىء , ليردّ عليها متلقّي المكالمات قائلاً : 
- هنا مركز الشرطة , كيف نستطيع مساعدتك ؟
فأخبرته جاكلين بالأمر , ثم أسمعته مكالمة الصبي المُقلقة (والتي تسجلّت تلقائياً على جوالها) .. فردّ الشرطي بلا مبالاة :
- يبدو انه ولدٌ صغير يلعب بجوّال والده
- لا ! فصوته يدلّ على انه خائفٌ للغاية .. كما يبدو ان هناك اشخاصاً يبحثون عنه , وربما يكونوا لصوصاً إقتحموا بيته 
الشرطي : لا أظن ذلك .. فالأولاد مشاغبون هذه الأيام , وربما اتصل بكِ للتسلية او عن طريق الخطأ .. إنسي الموضوع .. تصبحين على خير
جاكلين : لحظة لا تقفل الخط ! ..الو ..الو .. اللعنة !! مالعمل الآن ؟
***

وقد حاولت تناسي الموضوع والعودة الى النوم , لكن صوت الولد المُرتجف علِقَ في رأسها .. 
وبعد ان أصابها الأرق , إتصلت بصديقها (الخبير في مجال الإتصالات والحواسيب) .. 
- آدم 
- جاكلين ! الساعة الثانية صباحاً .. ما الأمر ؟!
- أعلم انك تسهر كل ليلة في المستشفى .. هل زوجتك بخير ؟
- المسكينة مازالت على حالها .. المهم , ماذا تريدين مني ؟
- هل حاسوبك المحمول معك ؟
- نعم .. والإنترنت سريع في المستشفى 
- اذاً أحتاج الى مساعدتك 

ثم أرسلت له مكالمة الصبي ..
جاكلين : هآ .. ما رأيك ؟
آدم : يبدو لي بأن الولد خائفٌ بالفعل ! 
- هل تستطيع تحديد مكان المكالمة , فأنت خبير بالتلصّص ايها الهكر البارع ..
آدم معاتباً : جاكلين ! لا تتحدّثي بهذه الأمور على الجوال , أتريدين توريطي ؟!
- آسفة .. متى أحصل على النتيجة ؟
- لا ادري , لكني سأحاول إرسال الإجابة لك في الغد صباحاً
جاكلين : غداً ! حينها نكون تأخرنا كثيراً على الولد , فربما حياته في خطر 
آدم : الموضوع ليس بهذه السهولة يا جاكلين .. فهيا إقفلي الخط ودعيني أعمل .. تصبحين على خير
***

ولم تستطع جاكلين النوم حتى وقتٍ متأخر .. 
وفي الصباح الباكر , اتصلت به فور استيقاظها لمعرفة نتيجة بحثه..
- هآ آدم.. هل عرفت شيئاً ؟
فأجابها بصوتٍ مرهق : نعم حدّدت الموقع , وهو مركز للأولاد المعاقين
جاكلين بدهشة : أتقصد دار الأمل لذويّ الإحتياجات الخاصة ؟!
آدم باستغراب : بالضبط ! كيف عرفتي ؟!
- لأني قدّمت اليهم طلباً لتوظيف قبل ايام , لكنهم لم يردّوا عليّ بعد ! 
- اذاً ربما هم من اتصلوا بكِ
- آدم ما بك ! انت سمعت المكالمة بنفسك , وكان صوت ولدٍ لا يتعدّى عمره 10 سنوات 
آدم : وهل جميع الأولاد هناك معاقين عقلياً ؟

جاكلين : لا .. بل يوجد منهم المعاقون جسدياً , وكذلك المنغوليين , وبعض اطفال التوحّد .. الا ان العامل المشترك بينهم : انهم ابناء عائلاتٍ غنيّة , فتكاليف العلاج في المركز مرتفعة الثمن  
- أتعنين ان الأثرياء الذين يخجلون من اولادهم المعاقين يرمونهم في هذا المركز ؟!
جاكلين : نعم ..وبالمقابل تتعهّد الإدارة بالسرّية التامّة , ومنع الصحفيين من الدخول وتصوير الأولاد .. حتى ان السكرتيرة أخبرتني : بأن أقاربهم من أعمام وأخوال لا يعرفون اصلاً بوجودهم , حيث ادّعى ابائهم بوفاتهم أثناء الولادة ! 
آدم : هذا محزنٌ للغاية ..لكن ما لا أفهمه ! كيف عرف ذلك الولد المعاق رقم جوالك ؟!  
جاكلين : لا ادري ! لهذا سأذهب اليهم بعد قليل , لأطمئن بنفسي على الأوضاع  
آدم : حسناً .. لكن انتبهي على نفسك , فالأمر مثيرٌ للريبة !
***

وقد استقبلها مدير المركز بترحابٍ لم تجده في مقابلتها السابقة معه ! 
وحين لاحظ ارتباكها , سألها عن السبب .. فأخبرته جاكلين عمّا حصل معها البارحة ..
المدير : وكيف عرفتي بأن الولد اتصل بك من هنا ؟!
فأجابته بثقة : لي مصادري الخاصة
- عزيزتي .. ليس مسموحاً لأحد الدخول الى مكتبي ..وفي حال فرضنا انه تسلّل أحد الأولاد الى هنا .. فلا أظنهم يملكون الذكاء الكافي للبحث عن ملفّك لمعرفة رقم جوّالك.. ومن ثم الإتصال بك من هاتف مكتبي لطلب المساعدة ! 
جاكلين : أظنك تستهين بهم .. فكما لاحظت من تجولي بالمركز , بأن عندكم اولاد مصابون بالتوحّد , وهؤلاء ليسوا اغبياء بل العكس تماماً يعدّوا فائقيّ الذكاء .. وانا أشكّ بأحدهم 

فسألها باهتمام : ومن هو ؟
جاكلين : أعرف شكله فقط ..لأني صادفته المرّة الماضية وهو يلعب بالممرّ , قبل دخولي لإجراء المقابلة ..وحينها أخبرته بإسمي , وبأنّي ربما أعمل لديكم قريباً 
- ولما أخبرته بأسمك الكامل ؟!
جاكلين : كنت أفتح حديثاً معه لأحثّه على الكلام .. لكن قبل ان أعرف اسمه , نادتني السكرتيرة لدخول مكتبك ..
المدير : حسناً , لنتجوّل معاً في الدار .. وان رأيتي ذلك الولد , أشيري عليه..
***

ودخلت جاكلين مع المدير الى صالةٍ كبيرة يجتمع فيه الأولاد للعب .. لكنها رأت الصبي (الذي تبحث عنه) يراقبها من بعيد بقلقٍ واضح ! وقبل ان تُشير عليه .. أومأ برأسه (بأن لا تفعل) والخوف ظاهرٌ في عينيه !
المدير : سيدة جاكلين .. هؤلاء هم جميع المعاقين في مركزنا .. فهل عرفتي الولد الذي اتصل بك ؟ 
وقد اضّطرت جاكلين للكذب : لا , فجميعهم متشابهون ! 
المدير : الم تقولي انك تكلّمت سابقاً مع ولدٍ متوحّد , ام انك قصدّتي ولداً منغولياً ؟!
فأجابت بارتباك : صدقاً لا اذكر .. انا آسفة على إزعاجك
المدير : يبدو ان ما حصل معك البارحة كان مجرّد كابوس 

وكانت جاكلين على وشك ان تُسمعه صوت الولد المسجّل في جوالها , لتأكّد له صحّة كلامها .. لكنها فضلّت تغير الموضوع , لكيّ تعرف اولاً سبب خوف الولد من مديره ! .. فقالت له : 
- سيدي .. انا فعلاً أرغب بالعمل لديكم , لأني أحب التعامل مع هؤلاء الأطفال الأبرياء
المدير باشمئزاز : ابرياء ! بل قولي : شياطينٌ مزعجة 
جاكلين باستنكار : ماذا !
- المهم الآن .. نحن فعلاً بحاجة للمزيد من الموظفين

جاكلين بابتسامة : أهذا يعني انك موافق على عملي معكم ؟ 
- نعم ويمكنك البدء مع بداية الأسبوع .. وسنخصّص لك غرفة نوم في الطابق العلوي , بجانب غرف الممرّضات ..وباستطاعتك الذهاب الى بيتك بعطلة نهاية الأسبوع .. هل هذا يناسبك ؟ 
جاكلين بفرح : بالطبع , انا موافقة !!
وبعد ان سلّمت على المدير والسعادة تغمرها , لاحظت بأن ذلك الولد يبتسم لها من بعيد , وكأنه سعيد لانضمامها اليهم !
***

وخلال شهرين فقط .. بدأ الأولاد (ذويّ الإحتياجات الخاصة) يتعوّدون على معلمّتهم الجديدة التي كانت تُمرّر لهم سرّاً بعض الألعاب والحلويات , والتي هي ممنوعة في قوانين الإدارة ..
وكانت الأمور تجري على ما يرام , الى ان قامت إحدى الممرضات الحقودات بالإبلاغ عنها .. فطلب المدير رؤيتها في مكتبه..

وهناك عاتبها على مخالفتها الأوامر ..
جاكلين مُستنكرة : لا أفهم سبب منعهم من الحلوى ! فأهاليهم يدفعون لكم الكثير 
المدير : الموضوع ليس مادياً , لكن الحلوى تزيدهم نشاطاً
- وهل من المفترض ان يبقوا نائمين طوال الوقت ! فهم بالنهاية اولادٌ صغار , والحلوى مهمّة بالنسبة لهم
- ونحن لا يمكننا تحمّل مشاغبات اولاد لا يفهمون لغة الكلام  
جاكلين بضيق : عذراً سيدي .. يبدو انك لا تحب عملك
المدير بغضب : ماذا قلتي ؟!
جاكلين : الا يكفي انهم معاقين وايتام

- هم ليسوا ايتاماً
- ومالفرق بينهم ؟ فطوال هاذين الشهرين لم أرى سوى اب ووالدتين زاروا اولادهم , ولمرةٍ واحدة في الشهر .. وهذا لا يكفي ابداً ! ..علينا مطالبتهم بالمزيد من الزيارات ..
المدير مقاطعاً : الأثرياء لا يأتون كثيراً الى هنا خوفاً من كلام الصحافة , فمركزنا يعتبر مكاناً مشبوهاً بالنسبة لهم 
جاكلين بدهشة : لكن هذا ليس سجناً ليكون مشبوهاً ! ومن واجبهم تحمّل مسؤلية ابنائهم ! 

المدير بحزم : جاكلين !! لما تبتعدين كثيراً عن صلب الموضوع ؟ ..(ثم يقول بنبرةٍ آمرة) ..الحلويات ممنوعة هنا !! واذا تكرّر الأمر , سأقوم بطردك .. هل كلامي مفهوم ؟!! 
فخرجت من مكتبه وهي تكتم غيظها بصعوبة 
***

وبعد شهر .. لاحظت جاكلين إختفاء احد الأولاد ! ..فأخبرتها الإدارة بنبأ وفاته في منتصف الليلة الماضية , أثناء نومه .. وبأنهم نقلوا جثته الى المشرحة في انتظار قدوم اهله لدفنه بحديقة المركز , فالأهل عادةً يفضلون دفنهم بعيداً عن أعين الناس والصحافة ! 
لكنها لم تصدّق كلام السكرتيرة , ودخلت غاضبة الى مكتب المدير الذي كان يجري في هذه الأثناء مكالمةً هاتفية ..
جاكلين : كيف توفيّ جيمس ؟ فقد رأيته البارحة قبل ان ينام , وكان بصحةٍ جيدة ! ..ولما تقرّر دفنه هنا ؟!

فقام المدير برفع صوت المكالمة التي كان يُجريها مع اهل الطفل المتوفى (7 سنوات) .. وكأنه يريدها ان تسمع الإجابة بنفسها .. 
حيث قال والده :
- آه حقاً .. وأخيراً مات جيمس .. 
فانصدمت جاكلين من إجابة الأب الذي يبدو وكأن خبر وفاة ابنه المنغولي أراحه كثيراً ! 
فقال المدير للأب : سيد جاك .. المركز سيتكفّل بدفن ابنك في الحديقة الخلفية للدار , المخصّصة للمدافن 
صوت الأب : تمام .. اذاً سأرسل لك مبلغاً مع سكرتيري يكفي لتغطية تكاليف الجنازة .. 
المدير : وهل ننتظر قدومك انت وزوجتك لتحضرا ..
صوت الأب مقاطعاً : لا داعي لذلك .. فوالدته تقوم بجولة تسوّق في فرنسا .. اما انا فمشغول بأعمالي التجارية .. لهذا استعجلوا في دفن  المنغولي  

وهنا لم تعدّ جاكلين تتحمّل قساوة الأب , فاقتربت من مكبّر الصوت في الهاتف , لتقول له بغضب : 
- اسمه جيمس , وليس المنغولي !!
فأسرع المدير بقفل مكبّر الصوت , ليتكلّم وحده بالسمّاعة .. قائلاً للأب :
- أعتذر عن هذا سيد جاك .. نعم حاضر , سأقوم بالّلازم .. وداعاً
ثم أغلق الهاتف..

جاكلين بصدمة : لا أصدّق ما سمعته !
المدير : جميعهم يفعلون الشيء ذاته 
- جميعهم ! وكم ولدٌ مات هنا ؟! 
فقال المدير بارتباك : ماذا ! .. لا , انا أقول بصورةٍ عامة .. المهم الآن.. عليّ انهاء اوراق الدفن الرسمية لهذا الصبي , وانت إذهبي لإكمال عملك 
***

ودخلت جاكلين الى صالة اللعب غاضبة .. ووقفت قرب نافذةٍ جانبية تطلّ على مدافن المركز .. 
فاقترب منها نفس الولد المتوحّد .. وقال لها بحزن , وهو ينظر معها لعملية حفر القبر الجديد :
- لقد قتلوا جيمس ايضاً , اليس كذلك ؟
جاكلين بدهشة , بعد ان انتبهت لوقوفه بجانبها : ماذا قلت ؟!
فأشار الولد الى القبور وهو يقول : لقد قتلوهم جميعاً ! 

وقبل ان يعود الى طاولته , أمسكت جاكلين بيده لتستفسر منه أكثر , لكنه فاجأها بأن أفلت يده بعنف وهو منزعجٌ من تصرّفها !
جاكلين وهي تحاول تهدأته : آه ! انا آسفة ..لن أمسكك ثانيةً .. لكني لم اسألك بعد .. هل انت من اتصلت بي مساء ذلك اليوم , وطلبت مني مساعدتكم ؟!
فصار يتلفّت الولد حوله بقلق ..
فهمست له قائلة : لا تقلق عزيزي , فهذا سيبقى سرٌّ بيني وبينك .. هيا إخبرني , كيف باستطاعتي مساعدتكم ؟ 

لكن الصغير ابتعد عنها , وعاد للرسم من جديد .. فظنّت جاكلين بأنه لم يفهم سؤالها .. وعادت للإشراف على بقيّة الطلاب .. 

وبعد قليل .. أشار اليها من بعيد لتأتي اليه ! 
وحين اقتربت من طاولته , رأت رسمته المخيفة : حيث رسم رجالاً يلبسون الكمّامات , ويحمل أحدهم بيده قلب طفلٍ مستلقي على السرير ! 
فسألته بقلق : ومن هؤلاء الرجال ؟
فهمس بخوف : انهم يقتلوننا .. ارجوكِ ساعدينا 
ثم وقف الصبي , وركض الى خارج الصالة ..
***

وفي عطلة نهاية الأسبوع , عادت جاكلين الى بيتها.. 
وبعد قدوم صديقها آدم لزيارتها , أرته رسمة الولد المتوحّد ..
- هآ ما رأيك ؟
آدم : يبدو انها رسم غرفة عمليات ! 
جاكلين بدهشة : لكن لا يوجد غرفة للعمليات داخل المركز ! فأين رآها ؟
آدم : اولاً أجيبيني .. هل سمحوا لك برؤية جثة جيمس ؟
- لا , حتى انهم لم يأذنوا لي بحضور الدفن ! ..لكني تابعت مراسم الجنازة من إحدى النوافذ  
- توقعت ذلك .. يبدو ان كلام الولد المتوحّد صحيحاً !

- ماذا تقصد يا آدم ؟!
- كنت قمت بالمزيد من الأبحاث عن مديرك .. واستطعت إختراق جهازه بعد جهدٍ جهيد , يبدو انه حريص على عدم إنكشاف امره 
جاكلين باهتمام : وماذا اكتشفت ؟
- انه يدخل الى (Deep Web) من حين لآخر ..أتعرفين ماذا أقصد ؟
- نعم , الإنترنت المظلم ! سمعت عنه .. لكن ماذا يريد من هناك ؟! 
- لقد أجرى الكثير من عمليات البحث عن ..
جاكلين بعصبية : لا تسكت الآن !! عن ماذا ؟

- عن تجّار الأعضاء البشرية 
جاكلين بفزع : ماذا ! .. أتقصد انه يبيع أعضاء الأولاد المعاقين في السوق السوداء ؟!
- نعم أظن ذلك , مع الأسف .. وأنت قلتي قبل قليل , بأن عائلاتهم لا تهتم حتى بحضور جنازتهم .. فمالذي يمنع مديرك الحقير من الإستفادة من بقيّة أعضائهم السليمة , سواءً الكلى او القلب والكبد ..
جاكلين مقاطعة : اللعين ! علينا ابلاغ الشرطة عن اعماله الغير مشروعة

آدم بحزم : لا طبعاً !! لأنه ان كان حقاً متورّطاً بالأمر , فهذا يعني انك تواجهين مافيا بحدّ ذاتها , وقد يقتلوك قبل ان تنطقي بحرف واحد للشرطة ..ولا استغرب ان كان جوالك مراقباً ايضاً
جاكلين بخوف : لا تخيفني يا آدم .. طيب مالعمل ؟
- ننتظر قليلاً لنتأكّد من معلوماتنا ..والى ذلك الحين , إيّاكِ ان يلاحظوا ايّ تغير في تصرّفاتك تجاه الإدارة .. إبقي الأمور كما هي , لأن الموضوع خطيرٌ جداً يا جاكلين 
- وكيف نتأكّد من شكوكنا ؟

فيفكّر آدم قليلاً , ثم يقول : انا متأكّد ان غرفة العمليات موجودة داخل المركز , لأن رسمة ذلك الطفل تؤكّد بأنه شاهد بالصدفة إحدى العمليات الجراحية .. ولهذا عليكِ إيجاد تلك الغرفة .. 
- حسناً , سأحاول جعل الولد يُخبرني بمكانها  
آدم : بالعادة المصابون بالتوحّد لا يحبون الكلام , لهذا دعيه يرسم لك مكان الغرفة السرّية 
جاكلين : معك حق , فهو يُحب التعبير بالرسم .. طيب ماذا بعد ان أجد الغرفة ؟ 

- على حسب تواريخ اتصال مديرك بتجّار الأعضاء , استطيع ان أخمّن : بأنه يقتل طفلاً كل ثلاثة اشهر .. ربما لكيّ لا يثير شكوك حقوق الطفل وجمعية حقوق المعاقين حول مركزه المشبوه  
جاكلين بضيق : وهل عليّ الإنتظار لثلاثة شهور أخرى , والعمل بشكلٍ طبيعي تحت إدارة هذا المجرم ؟! 
آدم : انت مُجبرة , هذا في حال أردّتِ إنقاذ بقيّة الأطفال .. وبرأيّ : استقيلي غداً من هناك , ثم قدّمي شكوى لدى الشرطة 

- لا طبعاً !! فلوّ بلّغنا عنه الآن سينكر المدير كل الموضوع , خاصةً اننا لا نملك ايّ دليل ضدّه .. (ثم تفكّر قليلاً) ..يبدو معك حق ..من الأفضل الإنتظار لحين إرتكابه غلطة جديدة .. وفي هذه الفترة , سأقوم بالبحث بين ملفّات المرضى عن الأسرار التي يخفونها , بالأضافة لبحثي عن تلك الغرفة السريّة 
آدم : هذا تفكيرٌ جيد .. واذا جاء ذلك اليوم ووجدتِ جثة ولد بداخل غرفة العمليات .. فلا تنسي ان تكشفي عنه الغطاء , لتتأكّدي بوجود آثار القطب الجراحية على طول جسده .. والأفضل ان تصوري المنظر بجوالك .. كما إفتحي عينيه 
- لماذا ؟

آدم : لأنهم يتاجرون عادةً بقرنية العين , فهي والكلى الأكثر رواجاً في السوق السوداء 
جاكلين باشمئزاز : يا للهول !
- أعرف .. سيكون المنظر مخيفاً ومقزّزاً , فهل انت مصرّة على متابعة الموضوع ؟
جاكلين بإصرار : نعم !! .. سأنقذ اولئك الأطفال مهما كلّف الأمر
***

وكما توقع آدم بالضبط .. لم يحصل شيء طوال الشهور الثلاثة , الى ان لاحظت جاكلين إختفاء أكبر الأولاد , وهو مراهق (15 سنة) ومعاق عقلياً .. وحين سألت عنه الممرضة , أجابتها بارتباك:  
- حالته انتكست فجأة , ونقلوه الى مستشفىً قريب !
فعلمت جاكلين بأنه الضحية التالية .. 

وكانت استطاعت قبل شهرين (بعد الحاحها المتواصل على الولد المتوحّد) معرفة المكان السرّي لغرفة العمليات , والذي يتواجد في قبو المركز (والذي يكون عادةً مقفولاً بإحكام) ..
***

وعند حلول منتصف الليل , نزلت جاكلين الى القبو .. 
وهذه المرة , إنفتح باب الغرفة السرّية بسهولة .. فقالت في نفسها :
- كنت متأكدة انها لن تكون مُقفلة هذه الليلة  
وحين تسلّلت الى داخل الغرفة , وجدت جثة الصبي المراهق مغطاة بملاءة فوق السرير , والقطن الملوّث بدمائه البريئة متناثرة على أرضيّة المشرحة 
فقالت جاكلين في نفسها بحزن : سامحني يا صغيري , لم استطع إنقاذك من أيديّ الملاعيين !

ثم اقتربت بخوف من الجثة ..وكشفت الغطاء عن جسده العاري , لتتأكّد شكوكها بعد رؤيتها لآثار القطب على طول جسده النحيل .. 
ثم استجمعت قواها وفتحت عيناه , لتتراجع الى الوراء بعد ان أفزعها منظر عينيه دون القرنية !

لكن فجأة ! أطبقت يدٌ تحمل قماشة مرطّبة على أنفها وفمها .. 
وإشتمّت على الفور رائحة المخدّر ..
وحاولت جاكلين بكل قوتها الإفلات من بين يديّ الرجل المقنّع , الى ان خارت قواها !
***

لتستيقظ بعدها وهي مقيدة اليدين والرجلين بأطراف السرير ذاته الذي كانت عليه جثة الولد قبل قليل .. 
فصرخت جاكلين بفزع بعد رؤيتها للأطباء الثلاثة وهم يقتربون منها , بعد ان أخفوا وجوههم بالكمّامات : 
- ماذا ستفعلون بي ؟!

وهنا دخل المدير الى غرفة العمليات , واقترب منها ..
- كنت أعرف ان فضولك سيوصلك الى هنا
جاكلين بغضب : ايها اللعين !! لما تقتل هؤلاء الأطفال الأبرياء ؟!!
المدير : لأنهم بشر لا فائدة منهم , مجرّد أجساد دون عقول .. حتى اهاليهم لا يرغبون بهم , فلما لا نستفيد من أعضائهم الجيدة ؟ 
جاكلين بعد ان بصقت عليه : انت مجرمٌ حقير !! وستنال قريباً عقابك

المدير بابتسامةٍ لئيمة : ومن سيعاقبني ؟ حتى اهالي الضحايا لن يرغبوا بإيصال الأمر للصحافة , فهم يخجلون من اولادهم المعاقين .. وانا متأكّد بأنهم سيتبرّأون منهم في حال وصل الخبر للعامّة
جاكلين مُهدّدة : لكني سأحرص على معاقبتكم جميعاً !!
فضحكوا ساخرين منها .. 

ثم اقترب المدير منها وهو يقول : وكيف ستعاقبينا عزيزتي , ان كنتِ ستموتين بعد قليل ؟ 
فبدأت جاكلين تصرخ بهستيريا وهي تتحرّك يميناً ويساراً داخل السرير بعنفٍ وعصبية , محاولةً بيأس فكّ أصفادها ..

المدير : لا تحاولي الهرب , فقد انتهى أمرك .. ومع هذا سأخبرك بكل شيء قبل وفاتك .. (ثم تنهّد) .. حين كنّا نجري العملية السابقة .. أقصد قبل المنغولي جيمس .. سمعوا الأطباء صوت أرجل ولدٍ يصعد بسرعة الى فوق , فعلموا بأن أحدهم رأى العملية .. وعلى الفور أبلغوني بالأمر .. وقمت انا بمراقبة الكاميرات .. ووجدته اخيراً في مكتبي , لكني لم أرى وجه الولد حيث كان ظهره للكاميرا .. وكان حينها يبحث بين ملفات التوظيف التي على مكتبي ..ويبدو انه اتصل بك من رقمك الموجود في الملف ..وبينما كان يتكلّم معك , أرسلت الحارس الى مكتبي للقبض عليه .. لكنه هرب من هناك قبل الإمساك به .. الا ان الغبي الصغير ترك ملفك مفتوحاً .. لهذا لم استغرب زيارتك لنا في اليوم التالي

جاكلين والدموع تسيل على خدّيها : الهذا قبلت توظيفي عندكم , رغم انك لم تكن مرحِّباً بي في المرة الأولى ؟
المدير : بالطبع , لأني أردّت ان تبقي تحت أنظاري .. لكن مالا تعلمينه هو ان إحدى الممرّضات استطاعت سرقة جوالك من غرفتك ..ووضعنا بداخله بقّاق للتنصّت عليك .. وهكذا عرفنا بأمر صديقك : آدم أندرسون  

فارتعبت جاكلين كثيراً على صديقها : آدم يعرف كل شيء عنكم , وهو عبقري كمبيوتر .. يعني هاكرز محترف .. واذا لم اتصل به غداً صباحاً كما أفعل كل يوم , سيتصل فوراً بالشرطة
فضحك المدير بلؤم :
- وكيف تظنين اننا عرفنا بأنك ستدخلين اليوم الى هذه الغرفة ؟ 
جاكلين بحيرة : لم افهم !
وهنا نادى المدير بصوت عالي : آدم !! إدخل واخبرها بنفسك

ففتح آدم باب غرفة العمليات , ليرى صديقته مُقيدة بالسرير .. واقترب منها مطأطأ الرأس , قائلاً لها بندم : 
- انا آسف يا جاكلين 
جاكلين بصدمة : هل أبلغتهم عن خطّتنا يا آدم ؟!
آدم بحزن : انت تعرفين بأن زوجتي تحتضر وتحتاج الى قلبٍ جديد ..وهو وعدني بأن ..
فأكمل المدير قائلاً : وعدّته ان أعطي زوجته , قلبك الجريء
آدم وهو يمسح دموعه : سامحيني , ارجوكِ
جاكلين بغضب : ماذا فعلت يا آدم !! .. ماذا فعلت يا غبي !!! 

وهنا أسرع الطبيب بوضع المخدّر على انفها , لتغيب جاكلين عن الوعي وهي تدرك تماماً بأنها ذاهبة برحلة الّلا عودة !
*******

ملاحظة :
هذه القصة مستوحاة من أحداث حقيقية حصلت في اكثر من مركز للمعاقين حول العالم , كما في دور الأيتام وصولاً الى دار العجزة.. يبدو للأسف انه لا حدود لأطماع البشر ! 
حمانا الله وأيّاكم من شرورهم أجمعين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...