الجمعة، 19 يونيو 2020

من القاتل ؟

تأليف : امل شانوحة


جريمةٌ غامضة !

قبل ساعة من منتصف الليل .. إنتظر الإبناء الثلاثة مع عائلاتهم وصول والدهم الى القصر للإحتفال برأس السنة الجديدة .. وبدلاً منه , أتت الشرطة مع خبرٍ صادم ! حين أخبرهم المحقق :
- وجدنا والدكم مقتولاً في شارعٍ فرعي قرب البار 

وجاءت ردّة فعلهم مُتفاوتة : بعضهم انهار بالبكاء , وآخرون إنهالوا بالأسئلة على المحقق .. اما الأغلبية فكتموا فرحتهم لتحقّق حلمهم بميراثٍ طال انتظاره .. فالعجوز صرف الكثير من ماله على فتيات السوء , لهذا اراحهم مقتله المفاجىء !

وأردف المحقق : مازلنا ننتظر تقرير التشريح لمعرفة سبب الوفاة؟
الإبن الأكبر : الم تقل انه قُتل برصاصة في قلبه ؟!
المحقق : جرح الرصاصة لم يكن غائراً بعد اختراقها علبة دخانٍ حديدية في جيب قميصه ! 
الإبن الأكبر : أتقصد مات رعباً بأزمةٍ قلبية ؟!

المحقق : ربما , سأطلعكم لاحقاً على المستجدّات .. الى ذلك الوقت , يُمنع عليكم السفر لخارج البلاد , لأن الجميع مشتبهٌ به  
الإبنة الصغرى بعصبية وحزن : 
- وهل نحن سنقتل والدنا ؟.. أنظر حولك !! كنا جميعاً في انتظاره 
الإبن الأوسط : اهدأي اختي .. ايها المحقق , متى يمكننا إقامة مراسم الدفن؟ 
المحقق : بعد نتيجة التشريح .. (ثم اخرج دفتراً وقلماً) .. أعرف الوقت غير مناسب , لكن عليّ أخذ شهاداتكم .. اين كنتم وقت حدوث الجريمة ؟
الإبنة : جميعنا هنا منذ ساعات
المحقق : الم يصل احدكم متأخراً ؟

فنظر الجميع الى الحفيد الأكبر , الشاب جون (الإبن الوحيد لأخوهم الرابع المتوفي).. حيث قال : 
- كنت أعايد امي في المستشفى
المحقق : أيّ مشفى ؟
عمته بلؤم : مشفى المجانين .. فوالدته قتلت اخي 
جون بعصبية : امي ليست مجنونة !! لكنها فقدت اعصابها حين خانها ابي مع صديقتها المقرّبة .. ولوّ سمحتم , لا تفتحوا الموضوع ثانيةً !! 
المحقق : سنتأكد من اقوالك من اسماء الزوّار في المشفى , ومشاهدة ما صوّرته كاميراتها لهذه الليلة 

وهنا قال ولدٌ منغولي (12 سنة) : رأيت جون مع الخادمة في ساحة القصر وهي تعطيه شيئاً
جون بسخرية وإنكار : لا تصدّق اقواله سيدي .. فخياله واسع , كما ترى
فاقترب المحقق من الولد وسأله : ماذا أعطته ؟
المنغولي : شيءٌ صغير , لم اره .. فالحديقة لم تكن مُضاءة بعد بأنوار الميلاد 

فسأل المحقق جون : هل أعطتك مسدساً فضّيّاً ؟
فشهق العم الأكبر باستغراب , فسأله المحقق : ماذا هناك ؟
- ابي يحتفظ بثلاث مسدسات أثرية في مكتبه , أحدهم فضّي وهو المفضّل لديه !  
المحقق : أحقاً ! أروني اياها  
***

وصعد الجميع الى فوق .. ليكتشفوا إختفاء المسدس الفضّي من الخزانة الزجاجية , خلف مكتب والدهم ! 
المحقق وهو يحاول فتحها : مقفولة بإحكام ! .. اين مفتاحها ؟ 
الإبنة : في محفظة ابي 
وهنا قال الشرطي : سيدي !! وجدنا مفتاحاً صغيراً في بنطال الميت , قمت بوضعه في كيس الأدلة , وهو معي في سيارة شرطة
المحقق بحماس : ممتاز !! إذهب واحضره مع مسدس الجريمة 

وبعد عودة الشرطي .. لبس المحقق قفازاً بلاستيكياً لإخراج المفتاح من الكيس (حفاظاً على البصمات) وفتح بها الخزانة .. 
ثم عاين المسدسين المتبقيين , وقارنهما مع مسدس الجريمة (الفضّي اللون) قائلاً :
- تبدو المسدسات الثلاثة من نفس الحقبة الزمانية , تعود للحرب العالمية الثانية .. لهذا لم تقتله الرصاصة الصدئة .. 
الإبن الأكبر : ابي لا يسمح لأحد بلمسهم , فهل تظنه انتحر ؟!
المحقق : لا !! فالمسدس وجدناه في حضن والدك , وبالعادة يبقى عالقاً في اصابع المنتحر .. وأظن القاتل رماه هناك , بعد ان دسّ المفتاح في بنطاله بدل مكانها الأساسي في المحفظة , كما أخبرتموني .. ليس هذا فحسب .. فمعظم المنتحرون يطلقون النار على رؤوسهم وليس قلبهم .. كما وجدنا آثار مقاومة من والدكم ظهرت من خربشات يديه ... عدا عن جروح في وجهه إِثر محاولة القاتل حشر المسدس في فمه , ليبدو كأنه انتحار .. على كلٍ , سنعرف الفاعل في حال وجدنا شيئاً تحت اظافر المقتول اثناء عِراكه معه .. 

ثم طلب المحقق منهم البقاء بالقصر في الأيام القادمة لتسهيل التحقيق معهم 
وذهب مع رجال الشرطة , تاركاً العائلة في صدمةٍ كبيرة !
***  

بعد يومين .. تفاجؤا بحضور المحقق لسماع وصية الميت .. حيث اجتمع الأخوة الثلاثة مع الحفيد جون ومحامي العائلة في مكتب المرحوم بالطابق العلويّ بالقصر ..

وكما توقع المحقق : أحدهم محروماً من الميراث , وهو الحفيد الذي قال الجد عنه في الوصية : ((لن أعطي قرشاً لإبن المجنونة , قاتلة ابني المفضّل)).. مما أفقد جون اعصابه , فصرخ غاضباً : 
- وما ذنبي انا ؟!!
فسأله المحقق : هل كنت تعرف ان جدك سيحرمك من الميراث ؟
جون بغضب : لا طبعاً !! لوّ كنت اعرف , لما اتيت اليوم لسماع وصية الملعون 
المحقق : الم تتشاجر معه يوماً , فهدّدك بهذه النيّة ؟ 
جون بحزن : لا ابداً !
المحقق : حسناً .. الآن لوّ سمحتم , اريد التحقيق مع الخادمة على انفراد
فخرج الجميع من المكتب , فور دخول الخادمة اليه ..

المحقق : لا تخافي , اجلسي هنا .. الآن اخبريني عن السيد ؟ 
فتنهدت الخادمة بضيق : هو ميتٌ الآن , فلن أتكلّم عنه بسوء  
- هل كان يتحرّش .. 
مقاطعة : لا !! لكنه كان عنصرياً , يناديني بالعبدة والقاب اخرى سيئة .. واولاده اسوء منه .. رغم اني تربيت في هذا القصر بعد وفاة امي 
- وماذا عن راتبك ؟
- لم يعطني شيئاً منذ شهرين .. وحين طالبته قبل اسبوع من الجريمة , قال لي جملةً غريبة لم أفهمها !
- ماهي ؟
الخادمة : إصبري قليلاً وستحصلي على ضعف مرادك .. قالها مُبتسماً بحنان , على غير عادته !

المحقق : حسناً سؤالٌ آخر .. هل حصل شيءٌ غريب في القصر قبل مقتل السيد ؟
- مثل ماذا ؟
المحقق : شجار مثلاً بين الجد والحفيد , او احد ابنائه ؟
فسكتت بارتباك .. فقال لها المحقق بحزم :
- الأفضل ان تجيبي , والا سأتهمك بإخفاء الأدلة 
الخادمة بتردّد : حصل شجارٌ عنيف بينه وبين جون 
- متى بالضبط ؟ 
- قبل ثلاثة ايام من ليلة رأس السنة  

المحقق : وهل سمعت شيئاً ؟
- رأيت جون يخرج من مكتبه , صارخاً بغضب : اللعنة عليك وعلى اموالك !!
- اذاً كان يعلم بحرمانه من الميراث ... (ودوّن شهادتها في دفتره) .. شيءٌ آخر .. الولد المنغولي أخبرني انه رآك مع جون في حديقة القصر ليلة الجريمة ؟
الخادمة : لا ابداً , كنت في المطبخ طوال الوقت .. (ثم سكتت قليلاً) .. هل السيد جون هو القاتل ؟
- غداً نعرف الحقيقة 
***

في صباح اليوم التالي .. إجتمع المحقق ثانيةً مع الورثة ليخبرهم بنتيجة التشريح ..
- والدكم مات مسموماً
وجاء الخبر صادماً للجميع ! 

فأخبرهم انهم وجدوا في حقيبة عمله : حبة فياغرا مسمومة.. 
الإبن الأكبر : لحظة ! أتقصد ان ابي بلع واحدة منتهية الصلاحية؟ 
المحقق : لا هي ليست طبّية .. ولا ندري من الفاعل ! يبدو انه غير محترف , والاّ لاكتفى بحبةٍ واحدة مسمومة .. فبعد ذوبان الحبة الأولى في جسمه , كان صعباً معرفة السبب الحقيقي لوفاته
الإبنة : قلت ان والدنا مات في شارعٍ قريب من البار , فهل اشترى الحبة الفاسدة منهم ؟

المحقق : هذا ما خطر بذهني .. وبعد مشاهدتي لكاميرات البار : وجدت انه كان هناك قبل دقائق من موته , ظهر كأنه يتفق مع إحدى فتياتهم على السعر .. ثم رأيته بكاميرا الباب الخارجي وهو يُسرع باتجاه سيارته , مُمسكاً بطنه بألم .. لكنه مات قبل وصوله للمشفى بعد تعطّل سيارته
الإبن الأوسط بدهشة : هل كانت سيارته معطّلة ايضاً ؟!
المحقق : نعم , الفرامل مقطوعة بفعل فاعل 
الإبنة : يا الهي ! القضية تعقّدت كثيراً .. 

المحقق : صحيح , يبدو هناك اكثر من شخص خطّط لقتله تلك الليلة ! واثناء تحقيقي مع ممرّضته , أخبرتني انكم كنتم ستقضون حفلة رأس السنة في فلة الجبل
الإبنة : نعم لكن والدي غيّر رأيه ذلك الصباح , وجمعنا للإحتفال في قصره مساءً
المحقق : يبدو قراره الأخير لم يصل للشخص الذي عطّل فرامل السيارة لتسبّب بحادثٍ مميت على طريق الجبل ! 

الإبنة بقهر : لوّ كان ابي وظّف سائقاً خصوصياً لما تجرّأ أحد على فعل ذلك , لكنه عنيدٌ جداً 
جون بسخرية : تقصدين بخيل 
العمة بحزم : تأدّب يا ولد !! 
المحقق : المهم , من غيركم يعرف بحفلة الجبل ؟ 

ففكّروا قليلاً , قبل ان تقول الإبنة الصغرى :
- طليقته 
المحقق : تقصدين امك ؟
فأجابت : لا , ابي تزوج اكثر من مرة .. فنحن الثلاثة من نفس الأم .. والمرحوم أخي (والد جون) من أمٍ ثانية , تعيش الآن في الغربة .. وأظنه تزوج قبل امي , لكن لا نعلم من هي .. فأبي لا يبوح بأسراره الخاصة 

المحقق : ومن هي طليقته ؟
الأخ الأوسط : والدة المنغولي .. تركته معنا تلك الليلة للإحتفال مع عائلتها 
المحقق باستغراب : اذاً هو اخوكم ؟!
البنت الصغرى : نعم .. لكن ابي رفض الإعتراف به رسمياً , وهذا سبب الطلاق بينهما ..
الأخ الأكبر : بصراحة لا ألومه فهي من فتيات الليل , ولا تستحق ثقته 
اخته بعتاب : هي أوقفت عملها فور زواجها بأبي
اخوها الأوسط بتهكّم : انت تدافعين عنها دائماً ! 
اخته : لا يهمّني رأيكما , فأنا احب اخي الصغير وان كان معاقاً ذهنياً 

المحقق : حسناً , سأحقّق مع طليقته لاحقاً .. هناك شيءٌ آخر .. تقرير الشرطة أكّد ان الرصاصة أُطلقت من المسدس الفضّي الذي ليس عليه الا بصمات والدكم  
الإبن الأكبر : من الطبيعي ان يلبس القاتل قفازات , لكن كيف حصل على مفتاح الخزانة ؟
المحقق : أظن المنغولي رأى الخادمة وهي تعطي المفتاح لجون بعد سرقته من محفظة والدكم , لهذا أخذناها قبل قليل للمركز 
جون بعصبية : هي لم تعطني شيئاً !! 
المحقق : لا داعي للإنكار 
جون بغضب : هل ستصدّقون كلام المعاق ؟!! 

المحقق : انا لم أعتمد على شهادته فحسب , هناك ادلة أخرى ضدّك .. فالممرضة أخبرتني ان جدك إتصل بها بعد ارتفاع ضغطه بسبب شجاره العنيف معك , والتي شهدت به الخادمة .. واثناء علاجها له , أخبرها عن خوفه من تشابُهك مع امك في جنونها .. ثانياً : التوقيت في كاميرا مشفى المجانين تبيّن خروجك المُبكّر , مما يعطيك وقتاً كافياً للحاق بجدك الى باره المفضّل .. حيث ظهرت لوحة سيارتك بكاميرا موقف البار , وايضاً تتبعك له فور خروجه من هناك .. اما الدليل الثالث والأهم : اننا وجدنا جلداً عالقاً تحت ظفر جدك , اثناء عراكه مع مُطلق النار.. وأظنك تُخفي الجرح تحت كنزتك ..

وأزاح المحقق الياقة العالية لكنزة جون , ليظهر خدش اظافر واضحة على رقبته .. 
فشهق الجميع بدهشة ! ليُكمل المحقق سؤاله :
- سنأخذك معنا لفحص جرحك , مع علمي مُسبقاً بتطابق النتيجة .. فهل قتلت جدك إنتقاماً منه ؟

جون محاولاً الإنكار : الم تقل بلسانك انه مات مسموماً , اذاً لست القاتل !!
المحقق : ومع ذلك ستُعاقب لشروعك في القتل 
ثم قيّد الشرطي يديه بالأصفاد .. ليخرج جون غاضباً من القصر , وهو يلعن الجميع !

بعد ذهابهما , سأل الإبن الأكبر المحقق :
- هل ستُوقف التحقيقات بعد إعتقاله ؟
المحقق : لا طبعاً , فنحن لم نجد من أعطى والدك الدواء المسموم  
الإبنة : ربما ممرّضته  
المحقق : لا , جميع الأدلة تثبت براءتها .. 
الإبن الأوسط : وماذا عن طليقته ؟ 
المحقق : سأعرف حين أقابلها .. والآن سأذهب للتحقيق مع الخادمة وجون في المركز .. القاكم لاحقاً
وتركهم وهم مرتبكون مما حصل !
***

في التحقيقات : إعترفت الخادمة ان جون أعطاها المال لسرقة مفتاح الخزانة .. وقبلت الرشوة , لكونها مفلسة تماماً .. ولأنه أقنعها انه يريده للإحتفال به برأس السنة .. وحلفت مراراً انها لم تعلم شيئاً عن مخطّطه الإجرامي 

وبعد تحقيقٍ مطوّل , أُعيدت للقصر مع تباشير الصباح لتجد الجميع نائماً 
فدخلت غرفتها .. حيث جافاها النوم لساعات رغم إرهاقها الشديد , لشعورها بتأنيب الضمير..

اما جون : فأثبتت الفحوصات الطبية ان جرح رقبته سببه العراك مع جده 
وبعد ضغطٍ شديد عليه : إعترف أن الرصاصة الطائشة أفسدت تمثلية الإنتحار التي خطّطتها امه المجنونة بعد علمها بحرمانه من الميراث .. 
***

في اليوم التالي .. حضرت طليقة المقتول الى مركز الشرطة بأوامرٍ صارمة من المحقق .. 

وبعد ساعات من التحقيق المتواصل : إعترفت انها قطعت سلك الفرامل التي تعلّمتها من الإنترنت .. وإنها إغتاظت حين غيّر العجوز مكان الإحتفال باللحظة الأخيرة .. ولم تنكر فرحتها بخبر مقتله , فهو كان سيئاً معها ومع ابنه المنغولي .. لكنها حلفت مراراً انها لا تعلم شيئاً عن حبتيّ الدواء المسمومة التي تسبّبت في موته! 
فمن الفاعل يا ترى , وماهي الأسباب ؟!
***

بعد مرور شهر على الجريمة .. جلس المحقق في مكتبه بمركز الشرطة , محاولاً جمع الأدلة .. فاقترب الشرطي ومعه كوب قهوة:
- سيدي , هذا ثالث كوب قهوة .. عليك الإستراحة قليلاً 
- مرّ وقتٌ طويل دون فكّ اللغز , رغم تحقيقي مع الكثيرين .. حتى شريكه القديم الذي طرده لسرقة العملاء لحسابه , لديه حجة غياب قوية .. فهو مغترب منذ سنوات ولا اتصال بينهما..فمن القاتل اذاً ؟!
الشرطي : أمازلت تصرّ ان الفاعل رجل وليست سيدة ؟
- تخيّل نفسك مكانه .. هل ستطلب الفياغرا من امرأة , وتفضح ضعفك امامها ؟
- بل سأطلبها من صديقٍ كتوم

المحقق : نعم صديق .. لكن الورثة أخبروني إن طباعه السيئة جعلت الجميع يتجنّب صحبته .. 
الشرطي : حتى الجيران أكّدوا ذلك , وقالوا إنه قضى معظم وقته في القصر والشركة والبارات ونادي الجولف 
المحقق بدهشة : نادي الجولف ! كيف لم أفكّر بذلك ؟ .. اريدك منذ الصباح ان تذهب لسؤال الموظفين : إن كان للقتيل اصدقاء يلعب معهم هناك 
- حسناً سأفعل .. والآن رجاءً عدّ الى بيتك واسترحّ قليلاً , فقد تأخر الوقت
***

في اليوم التالي .. أخبرهم موظف الإستقبال بنادي الجولف عن صديق مُقرّب للقتيل : وهو تاجرٌ ثريّ في مثل عمره , اسمه مايكل ..واعطاهم رقم جواله 
*** 

ظهراً , ذهب المحقق الى قصره لاستجوابه .. فأجاب مايكل بنبرةٍ حزينة :
- نعم هو صديقي , وصُدمت كثيراً بمقتله !
المحقق : قبل قدومي اليك , راجعت كاميرات النادي لأسبوع قبل الجريمة .. وبعد بحثٍ مطوّل , وجدت هذا الفيديو المثير

وأراه إيّاه عبر جواله : حيث كانا يأكلان سوياً في مطعم النادي .. 
وحين قرّب المحقق الصورة : ظهر مايكل وهو يعطيه كيساً شفافاً به حبتين زرقاوتين.. فأجابه بلا مبالاة :
- وماذا في ذلك ؟ ..شكى ضعفه لي , فأعطيته حبتين من دوائي 
المحقق بسعادة : حبتا الفياغرا مسمومتان , وهما السبب في توقف قلبه .. الأفضل لك ان تعترف بجرمك

فأسند مايكل ظهره على كرسيه الوثير .. ثم تنهد بضيق , قبل ان يقول :
- هو استحق الموت
فنظر المحقق للشرطيين بابتسامة نصر بعد إكتشافه القاتل اخيراً , وسأله :
- ولما قتلت صديقك ؟

ففتح درج مكتبه , ليجد الشرطيين يرفعا مسدساتهما نحوه ..
فقال مايكل وهو يرفع يديه مستسلماً : توقفا رجاءً !! اريد إخراج صورة قديمة من درجي 
ثم اعطاها للمحقق , قائلاً : 
- ستجد في الصورة ثلاثة اطفال .. انا وهو وحبيبة عمري 
المحقق : لحظة ! هل كنت تعرفه منذ الصغر ؟
- نعم لكنه لم يعرفني لقيامي بعمليات تجميل غيّرت ملامحي , كما انني تعرّفت عليه بإسمٍ مزوّر  
- اذاً كنت تخطّط لقتله منذ وقتٍ طويل ؟!
مايكل بقهر : 25 سنة , منذ لحظة معرفتي بانتحار حبيبتي 
- إخبرني القصة منذ البداية

فأخبره انهم ولدوا في حيّ شعبي فقير , يعلم سكّانها (بمن فيهم المقتول) بمدى حبه لماريا منذ الصغر .. وفي شبابهما سافرا للخارج لتحسين حياتهما .. لكنه عاد ثرياً قبله : بسبب سرقته لبضائع المرفأ اثناء عمله بالجمارك .. وتزوج منها بعد إغراء والدها بالمال .. ليس حباً فيها , بل غيرةً منه ! .. وحين علم مايكل بزواجهما , عمل ليل نهار لجنيّ المال على أمل إستعادة حبيبته .. وبعد عودته ثرياً للبلاد , وصلته اخبار عن المعاملة السيئة لزوجها الذي كان يستحقرها ويحبسها في قبو قصره , ويمنعها الإتصال بالآخرين او استخدام الهاتف خوفاً من تواصلها معه ! .. واثناء تخطيط مايكل لتحريرها , عاقبها زوجها بعزلها عن طفلتها .. فأحرقت نفسها حتى الموت !  

المحقق : ولم تكن التقيت بزوجها بعد ؟ 
مايكل : لا تواصلت هاتفياً فقط مع موظف لديه , أطلعني بأخبار ماريا قبل وفاتها 
المحقق : وبعد انتحارها , خطّطت للتعرّف عليه في نادي الجولف كشخصٍ جديد ؟
مايكل بغيظ وقهر : نعم , وكنت أضغط على نفسي كيّ لا أخنقه بيديّ هاتين !! 
المحقق : ومع الوقت , صار يثق بي ؟ 
- كثيراً الى ان طلب مساعدتي في مشكلته الطبية , فأعطيته حبوب السمّ التي احتفظت بها لهذا اليوم  

المحقق : لكنك أخطأت حين أعطيته حبتين , فالثانية هي من أوصلتنا اليك 
مايكل : كنت خائفاً ان يُضيّع إحداها , فتفسد خطتي .. (ثم ابتسم بحزن).. بعد إنتقامي من الحقير , لم يعدّ لديّ دافعاً للحياة .. الآن سأذهب للقاء حبيبتي ماريا 

وفتح فصّ خاتمه العقيقيّ الكبير لشرب ما فيه من سمّ , ليبدأ جسمه بالإنتفاض بقوة !
ورغم محاولة المحقق والشرطيان مساعدته , الا انه فارق الحياة 
***

لاحقاً .. حصل الحفيد جون وطليقة الميت على حكمٍ مخفّف بالسجن بضعة سنوات لمحاولتهما الفاشلة للقتل ..
اما المفاجأة الكبرى : حين قدِمَ محامي جديد لإخبار الورثة ببطلان الوصية السابقة الذي قام الجد بتغيرها قبل يومين من وفاته .. وبأنه عاد  من اوروبا فور سماعه خبر الجريمة (وإن كان متأخراً) ..

وكان نصّ الوصية الجديدة : ان جميع اموال العجوز الخاصة والعامة مُلكاً للخادمة السمراء ابنة ماريا : زوجته الأولى (وحبيبة مايكل السابقة) .. 
مما تسبّب بصدمة لأبنائه الذين فاجأهم خبر زواج والدهم بإمرأة داكنة البشرة , رغم عنصريته الشديدة التي ربّاهم عليها ! 

والصدمة الأكبر كانت للخادمة التي عرفت بانتحار امها حرقاً (وليس موتها اثناء ولادتها) وأن اسيادها هم بالحقيقة إخوتها ! لكنها لم تشعر بالشفقة لقسوتهم عليها في الماضي , لهذا طالبت برحيلهم من قصرها .. فخرجوا يجرّون أذيال الخيبة بعد تحطّم احلامهم بميراثٍ يُغنيهم مدى الحياة ! 

هناك 3 تعليقات:

  1. القصة رائعة جدا جدا و مشوقة استاذة امل
    وانا احب هذا النوع من القصص البوليسية المطولة و اتمنى ان تكثري منها
    كما لدي ملاحظة بأن القصة تحتمل جزء ثاني يتمحور حول تخطيط الابناء للتخلص من ابنة ماريا و الحصول على بعضا من الميراث ف بوجهة نظري الشخصية لا اعتقد انهم سيتركون الأمور تنتهي عند هذا الحد فهم سيصارعون حتى ان يحصلوا ولو على جزء بسيط من الميراث، فهل تفكرين في كتابة جزء ثاني في المستقبل ؟

    ردحذف
    الردود
    1. ربما لاحقاً اكتب جزءاً ثانياً , من يدري ؟!

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...