السبت، 9 فبراير 2019

الطفل السجين

تأليف : امل شانوحة

ما مصير الطفل خارج السجن ؟!

حضنته ريما بقوة وهي تبكي وتقبّله , مُترجية ان لا تأخذه منها السجّانة التي أجابتها بحزم : 
- ليس أمامنا خيارٌ آخر , فقد أصبح عمر ابنك سنتين وعلينا أخذه منك
ريما : الم تقولوا ان حضانة الأم السجينة ستُرفع الى أربع سنوات؟
- لم يقرّوا القانون بعد , ربما لاحقاً .. والآن أعطني ابنك
ريما بقلق : والى اين ستأخذونه ؟ فأهلي لا يريدونه , وزوجي لم يعترف به اصلاً !

فقالت سجينةٌ أخرى بلؤمٍ وسخرية : لوّ لم تقتلي عشيقك لكان أخذ ابنه 
فتردّ ريما عليها بغضب : ليس عشيقي !! قلت لكم ألف مرة انني قتلت الرجل الذي اعتدى عليّ , لما لا يصدّقني أحد ؟!!! 
السجّانة : إهدئي يا ريما
لكنها أكملت باكية : أهذا ذنبي إنني انتقمت لشرفي ؟ وبدل ان يفتخروا بي اهلي , تخلّوا عني بسبب إشاعةٍ لعينة بأني كنت مغرمة بجاري اللعين !
فعادت وضايقتها السجينة اللئيمة : عزيزتي , لا دخان دون نار
فصرخت ريما عليها بغضب : أسكتي انت !!!

لكن السجينة تابعت مضايقتها : 
- زوجك يكبرك بعشرين سنة وهو كثير الأسفار , امّا جارك فقد سمعنا إنه كان شاباً وسيماً .. وانت كنت ..
ريما مقاطعة بنبرة تهديد : أحلف ان زِدّت حرفاً آخراً , سأقطع لسانك !! انا أشرف منك يا بائعة الهوى
السجّانة : إهدئا رجاءً .. وانت يا ريما !! كفّي عن المماطلة واعطيني الولد , فقد عاش معك بما فيه الكفاية

ريما بقلق : اريد فقط ان أعرف الى اين ستأخذوه ؟
- الى دار الأيتام طبعاً
ريما بخوف : لا لا اريد .. سيحطّمون نفسيته هناك
السجّانة بلؤم : وهل سيعيش أميراً بين السجينات ؟ أساساً انت دمّرتي مستقبله قبل ولادته .. فهيا هاته ولا تعانديني 

لكنها زادت تمسّكاً بإبنها الذي بدأ يبكي من قوة إحتضانها له , بينما تحاول السجّانة سحبه من بين يديها ...الى ان أتت رئيسة السجّانات , وأوقفت زميلتها قائلةً : 
- مالذي يحصل هنا ؟
السجّانة : لا تريد التخلّي عن أبنها
فترجّتها ريما وهي تبكي : ارجوك سيدة نجوى , لا أريدهم ان يؤذوا ابني

ففكّرت رئيسة السجّانات قليلاً , قبل ان تقول : 
- حسناً لا تقلقي , سآخذه انا
ريما بدهشة وارتياح : أحقاً سيدة نجوى ! يعني ستأخذيه الى بيتك
نجوى : لبضعة ايامٍ فقط , الى ان أجد له عائلة تتبناه وتُحسن تربيته
ريما : وانا أقبل , بشرط ان يفهموه بأنني امه الحقيقية

فقالت لها السجينة اللئيمة : من الأفضل ان تتركيه يعيش حياةً طبيعية , حتى لا يستهزأ الناس به حين يعرفوا بأن امه قتلت والده الذي كان عشيقها
ريما بغضب : لم يكن عشيقي يا ملعونة !!!
نجوى : اهدئي يا ريما واعطيني أحمد ..الا ترين انك تؤلمينه ؟ ..هيا هاته , وثقي بأنني سأفعل كل ما في صالح الولد
ريما وهي تمسح دموعها : وأنا أثق بك , فأنت أحنّ السجّانات .. خذيه , لكن عديني إنني سأراه ثانيةً

السجّانة الأخرى : انت محكومة بعشرين سنة بتهمة القتل , وسيصبح ابنك شاباً حين تخرجين من هنا
ريما بقلق : أهذا يعني انكم لن تخبروا أحمد عني ؟ 
نجوى : صدّقيني عزيزتي ..من مصلحته ان لا يعرفك قبل ان يكبر , حتى لا ينحرف إن علِمَ بأنه طفل غير مرغوباً به .. لكني أعدك بأنني سأزور عائلته المتبناة من وقتٍ لآخر لأطلعك على أخباره , كما سأحضر لك صوره لترين مراحل نموه .. والآن أعطني الصبي , فقد أضعتي الكثير من وقتنا يا ريما

فقبّلته ريما كثيراً قبل ان تسلّمه لها , لتنهار بعدها ببكاءٍ مرير .. وحاولت الأخريات تهدأتها وهنّ يشعرنّ بمصابها , حيث كان هذا العنبر مخصصّاً للسجينات الحوامل اللآتي يعلمنّ بإنهنّ قريباً سيشعرنّ بشعورها المؤلم حين يفارقنّ أطفالهنّ جبراً عنهنّ ! 
***

عادت السجّانة نجوى بالطفل الي بيتها الخالي ..فزوجها طلّقها بعد 15 سنة زواج بسبب عقمها , وتزوج غيرها وأنجب ثلاثة اطفال .. بينما بقيت هي وحيدة في المنزل بعد وفاة والديها .. لكنها شعرت بأن حياتها على وشك ان تتغير بسبب هذا الصغير التي قامت لأجله بالتسوّق بما يلزمه من طعام وملابس وألعاب  

وأمضت اليوم كلّه وهي تهتم به .. وبعد ان أطعمته وحممّته , نام هانئاً في سريرها الكبير المريح .. بينما استلقت بجانبه طوال الليل وهي تتأمّل ملامح وجهه البريئة , وهي تمسك بيده الصغيرة وتقول:
((ما ذنبك يا ملاك ان تولد بين الشياطين ؟ كم انا خائفة على مستقبلك من تعليقات الناس الجارحة ؟))

حتى نجوى نفسها لم تسلم من تعليقات الجيران حين رأوها عائدة بالطفل الى مبناها القديم , لكنها لم تردّ إخبارهم بقصة الصغير كيّ لا يتأذّى من تعليقاتهم في المستقبل .. واكتفت بإخبار جارتها بأنه ابن قريبتها المتوفية

وأمضت ليلتها بجانبه وهي تشعر بأنفاسه المتسارعة , بعد إحساسها بالأمومة لأول مرة في حياتها .. لكنها لم ترغب بالتعلّق به كثيراً , بسبب إنشغالها بعملها لساعاتٍ طويلة في سجن النساء , لهذا كان عليها إيجاد عائلةً بديلة له بأقرب وقتٍ ممكن 
***

منذ الصباح .. وبعد ان وضعته في مدرسة الحضانة القريبة من بيتها , بدأت بالبحث عن عائلةٍ في مقدورها الإهتمام به
وخلال الأسابيع اللاحقة .. بحثت في عشرات الملفات للشؤون الإجتماعية عن عائلات ترغب في رعاية الأيتام ..
***

وحين ذهبت الى العائلة الأولى .. وجدت لديهم ثمانية اولاد , أكبرهم في 12 من عمره وأصغرهم بعمر أحمد
نجوى باستغراب : طالما لديكم كل هؤلاء الأولاد , فلما تقدّمتم بطلب رعاية طفلٍ يتيم ؟!
الأب : لأننا نحب جمع الأولاد
نجوى باستنكار : جمع الأولاد !
الأم : يقصد نحب ان يمتلأ بيتنا بهم
نجوى : العدد ليس مهماً , الأهم هو التربية ..أنظري الى ابنك الصغير فهو بحاجة الى إستحمام , وجسم ابنك الكبير امتلأ بالكدمات !
الأب : هو ولدٌ مشاغب ويحب اللعب العنيف مع اصدقائه
نجوى بقلق : طالما كذلك , فربما يؤذي إخوانه الصغار او الطفل أحمد 
الأم : لا , ابني ليس عنيفاً لهذه الدرجة

في هذه اللحظات .. شاهدت نجوى الأبن الأكبر وهو يضرب اخته ويحطّم لعبتها لتبكي بقهر , دون ردّة فعل من الأبوين ! 
فقامت نجوى وهي تقول بعصبية :
- بدل ان تفكرا بتكبير عائلتكم , الأفضل ان تركّزا على تربية ابنائكم 
الأب : أهذا يعني اننا لن نحصل على الطفل أحمد ؟
نجوى بحزم : مُحال ان أتركه بينكم 
وخرجت من عندهم غاضبة..
***

بعد ايام .. أخبرتها جمعية حقوق الطفل برغبة امرأة ثريّة بتبنّي أحمد.. وعندما ذهبت نجوى اليها , إستقبلتها بكامل زينتها وهي منشغلة بتحضير حفلة لأصدقائها
نجوى : طالما انك سيدة مجتمع , فكيف ستتفرّغين لتربية الصغير؟
- سأعيّن له مربية وخادمة , لا تهتمي
- وهل ستشعريه بأمومتك ؟
- إسمعي سيدة نجوى .. الحقيقية انني كبرت في العمر , وجميع صديقاتي لديهم اطفال واريد واحداً لي
نجوى بدهشة : ألهذا السبب فقط ؟!
- ماذا تقصدين ؟
- هذا الطفل بحاجة الى حنان , فهو ليس كلباً او قطة تشاركينه مع صديقاتك او تضعيه مع إكسسّواراتك
السيدة بحزم : تحدّثي بأدب !! الا تعرفين مع من تتكلّمين ؟ 

فحاولت نجوى كتم غيظها وقالت : أنا الوصيّة على الطفل أحمد , وقد وعدّت امه أن اختار له عائلةً حنونة .. لذا أعتذر منك , فطلبك مرفوض
السيدة بعصبية : الا يكفي انني قبلت به , وأمه قاتلة وعديمة الشرف .. 
نجوى مقاطعة : هي قتلت الشخص الذي اعتدى عليها , وهي بنظري بطلة .. وانت بالنهاية سيدة لديها اهتمامات اجتماعية , ومنزلك مخصصٌّ للإحتفالات , وليس بيئةً مناسبة لتربية طفلٍ صغير
السيدة بلؤم : لم يعجبني قلّة احترامك لي
فوقفت نجوى وهي تقول : يبدو اننا لن نتفق , وداعاً 
وخرجت متضايقة من قصرها 
***

وبعد اسبوع .. ذهبت نجوى للعائلة الثالثة , والتقت مع الأم التي أخبرتها بحاجتها لأخٍ صغير لإبنتيها .. وقد أحسّت السجّانة ان رغبتها بالصبي هو لإرضاء زوجها التي لاحظت سرعة إنفعاله ونظراته الحادّة , كما إسرافه بالتدخين .. فوجّهت نجوى حديثها له: 
- هل ستخفّف من شرب الدخان بعد قدوم الطفل ؟
فأجابها بجفاء , وهو ينفث دخان سيجارته بلا مبالاة : 
- ربّيت إبنتين قبله , وهما بخير كما ترين  
- أهذا يعني انك لن ..

مقاطعاً بعصبية : الا يكفي انني سأتكفّل بلقيط , مُعرّضاً سمعة عائلتي للخطر ؟ .. (وعاد لإشعال سيجارة جديدة) .. برأيّ لا تقلقي على وجوده معنا , فمستقبله سيكون صعباً في جميع الأحوال .. ومواجهته لكلام الناس وتلميحاتهم ستضرّه أكثر بكثير من رائحة سجائري  
نجوى بضيق : بل تربيتك القاسية هي التي ستدمّره تماماً
الأب بلؤم : ماذا تقصدين ؟ 
فتجاهلته نجوى وهي تقول لزوجته : لا أظن ان بيتكم مناسباً للطفل 

وقبل ان تغادر البيت , لحقتها الأم قائلةً :
- رجاءً سيدة نجوى ..أحتاج لولدٍ في حياتي , فزوجي هدّدني بالطلاق ان لم أنجب له صبياً ..وربما حناني على أحمد يجعلني أحمل بولد
نجوى بعصبية : من الغبي الذي أعطاك هذه المعلومة الخاطئة ؟! ثم من واجبي ان أجد للطفل بيئةً سليمة يكبر فيها , لا ان أرميه في حضنك إرضاءً لزوجك المتسلّط 

وخرجت من بيتهم , وهي تتنهد بضيق وتتمّتم : 
- لا احد يستحقك يا عزيزي أحمد
وحينها خطرت في بالها ان تتكفّل هي برعايته ..

ولكيّ تتفرّغ لهذه المهمّة , قدمت إستقالتها لإدارة السجن .. ممّا أرعب ريما , لأن برحيلها إنقطع آخر خيط يربطها بطفلها أحمد ..
فانهارت باكية بين السجينات المُشفقات على حالتها التي تزداد سوءاً مع الأيام !
***

ومرّت السنوات .. وأصبح عمر أحمد عشر سنوات ..
وفي أحد الأيام , عاد من مدرسته باكياً : 
فسألته نجوى بقلق : ما بك حبيبي ؟!
ففاجأها قائلاً : هل انت امي الحقيقية ؟!
نجوى بقلق : ماذا تقصد ؟!
أحمد وهو يمسح دموعه : صديقي أخبرني بأن والدته التي هي جارتك قالت : بأنك لا تنجبين الأولاد ولذلك طلّقك زوجك .. فإذا كان هذا صحيحاً , فأبن من انا ؟.. ارجوك إخبريني

فحضنته قائلة : انت ابني !! انا من ربّيتك .. وكل ما قالته تلك الجارة غير صحيح 
فأبعدها عنه : امي !! رجاءً إخبريني الحقيقة ..من هو والدي ؟
- والدك توفّى قبل ولادتك , أخبرتك بذلك سابقاً .. وانا امك الحقيقية.. وأيّ شخص يقول غير ذلك , سأضربه بنفسي !!
- اذا كان والدي ميت , فأين هم أعمامي ؟ 
نجوى : أخبرتك أكثر من مرة انه كان وحيد أهله
- وماذا عن اسم عائلتي ؟ فأنا لم أجد أحداً بالإنترنت يحمل ذات الأسم

نجوى : أحمد !! كفّ عن إتعاب نفسك .. فأنت لا تملك أحداً سوايّ بهذه الدنيا , لذلك حاول ان ترضى بقدرك يا صغيري .. (ثم سكتت قليلاً محاولةً تمالك مشاعرها المرتبكة) ..هيا تعال لنأكل سوياً قبل ان يبرد الطعام
أحمد غاضباً : لا اريد شيئاً !! انا أكره حياتي 
وأسرع الى غرفته باكياً , وهو يشعر بان أمه تخفي عنه سراً كبيراً
***

ومع الأيام .. حاول أحمد التأقلم مع التعليقات الساخرة للطلاّب بعد انتشار إشاعة عنه بأنه يتيم , حتى بعضهم وصفه باللقيط القذر ! 
وحين لاحظت نجوى تدهور حالته النفسية , قامت بسحب ملفه من المدرسة وتسجيله في مدرسةٍ أخرى بعيدة عن منطقتهم 

أحمد بدهشة : لكن امي ! تلك المدرسة بعيدة جداً عن بيتنا 
نجوى : نحن ايضاً سننتقل الى هناك خلال هذا الأسبوع 
أحمد بدهشة : ماذا ! الم تخبريني بأنك ولدّتِ وكبرتِ في هذا الحيّ؟
نجوى : نعم .. لكنك أهم بكثير من ذكريات حياتي , ولن أقبل ان يؤذيك أحد ولوّ بكلمة  
- وماذا عن عملك في معمل الخياطة ؟ 
- لا تخفّ انا خياطةٌ ماهرة , وسأجد عملاً في أيّ مكان نذهب اليه 
أحمد : أحبك امي
وحضنته بحنان
***

وبانتقالهما الى مكانٍ بعيد ومدرسةٍ جديدة , تعرّف عليه اصدقائه الجدّد على أنه يتيم الأب , وبأن نجوى الخياطة هي والدته .. وأكمل حياته بسلام الى ان وصل للجامعة ..

وفي إحدى الأيام .. واثناء جلوسه في ساحة الجامعة , جلست امرأة بجانبه وهي تنظر اليه بعينين امتلأتا بالدموع ونظرات الشوق !
- انت أحمد من العائلة الفلانية ؟
- نعم , من انت يا خالة ؟ 
فسكتت قليلاً , قبل ان تقول بتردّد : انا ريما .. امك الحقيقية 
- عفواً !
- ارجوك دعني أخبرك بالقصة كاملة , ثم قرّر ان كنت ستصدّقني ام لا 

واستمع أحمد اليها وهي تخبره : كيف قتلت والده المعتدي , وكيف حُبست ظلماً 20 سنة , وكيف لم تفي أمه نجوى (سجّانتها السابقة) بالوعد بإبقائها على إطلاع على احواله 
أحمد بارتباك : لا هذا غير صحيح ! 
ريما وهي تمسح دموعها : واجه نجوى بما قلته لك , لا أظنها ستنكر ذلك .. وهذا رقم جوالي , إتصل بي في حال إقتنعت بقصتي 

فتركها مُسرعاً الى بيته , لسؤال امه عن الخبر الذي هزّ كيانه ! وأصرّ على معرفة الحقيقة .. 
نجوى بغضب : اللعنة !! ما كان عليها الذهاب الى جامعتك 
أحمد بقلق : أهذا يعني ان ما قالته صحيحاً ؟!
فتنهّدت بضيق : تعال إجلس بجانبي , فقد أصبحت شاباً ناضجاً لمعرفة أحداث القصة

وبعد تردّدٍ منها وإلحاحٌ كبيرٌ منه , أخبرته بكل شيء .. 
فالتزم أحمد الصمت والدموع في عينيه
نجوى بقلق : أحمد ! قلّ شيئاً بنيّ
- وماذا عسايّ ان أقول يا خالة 
نجوى بدهشة وحزن : خالة !
- نعم .. انت من اليوم خالتي نجوى 

وخرج من البيت حزيناً مكسوراً , تاركاً نجوى تبكي بقهر بعد أن أحسّت بخسارة ابنها التي ربّته بكل حبٍ وتفانيٍ لعشرين عاماً
***

مرّ شهران .. رفض فيهما أحمد رؤية نجوى او الكلام معها بالجوال 

الى ان أتى يوم تفاجأت فيه , بقدوم ريما الى بيتها..
- أنت ! كيف عرفت عنوان منزلي ؟
ريما : سألت صديق أحمد في الجامعة , ودلّني عليه .. رجاءً اريد الكلام معك بشأن ابني

وبعد ان دخلت.. لامتها نجوى بعصبية :
- كان عليك القدوم إليّ اولاً قبل مُفاتحة أحمد بالموضوع .. هآقد دمّرتي كل شيء قبل اسابيع من تخرّجه الجامعي
ريما بحزن : لم استطع الإنتظار اكثر .. أردّت رؤيته فور إطلاقهم سراحي , لكني بقيت شهوراً أبحث عن عنوانكم الجديد .. فأنت خنتي الوعد واختطفتي ابني !! وتركتني أموت بحسرتي في السجن 
- كان عليّ فعل ذلك لأحميه من ماضيك الأسود .. ثم انا ربّيته أحسن تربية , وعلّمته بأفضل المدارس والجامعات

ريما بغضب : كلّ هذا لا يعطيك الحقّ ان تحرمينني منه 
- دعك من هذا الكلام واخبريني , ماذا تريدين مني الآن ؟
- اريده ان يكلّمني , فهو يرفض الحديث معي
نجوى بعصبية : وبسببك يرفض الحديث معي ايضاً ..فهل ارتحتي الآن بعد ان دمّرتي ثقته بعائلته ؟ 
فتصرخ ريما غاضبةً : انا هي عائلته الوحيدة !!
- لا يهم الآن .. برأيّ ان تتركيه لحين انتهاء الجامعة  

ريما : وكم سيحتاج الى ان يتخرّج من جامعته ؟
- بقيّ اسبوعين على انتهاء الإمتحانات النهائية , ويتخرّج من قسم التجارة
فسكتت ريما قليلاً , ثم قالت : 
- انا سعيدة وفخورة بأن ابني جامعيّ .. ولا أنكر فضلك في تربيته وتعليمه , لكني حزينة لأنني لم أقدّم له سوى العار
وصارت تبكي..
- اهدئي يا ريما , سأجلب لك شيئاً تشربينه

وعندما عادت نجوى من المطبخ لم تجدها بالصالة , وسمعت بكائها قادماً من غرفته .. وحين فتحت الباب , وجدتها تبكي فوق سريره وهي تحمل صورته .. فاقتربت منها وهي تقول : 
- أعتذر منك 
ريما بحزن : لقد بحثت عنه كثيراً , لأني أعرف انه مازال محتفظاً بهويّة عائلته المزيفة التي أعطته إيّاها ادارة السجن .. وبعد ان تملّكني اليأس , نصحني أحدهم بالبحث عنه في الجامعات .. وهناك وجدّته  
- ريما , انا كنت.. 

ريما مقاطعة بغضب : كنت تعلمين جيداً بأنني خسرت أهلي وكل الناس ولم يبقى لي سوى احمد أعيش لأجله .. وبإختفائكما , خلعتي قلبي من بين ضلوعي ! فهو ابني بالنهاية , ولا يحقّ لك ان تُبعديه عني !!
- معك حق , انا آسفة .. لكن يشهد الله اني أحببته كإبني الحقيقي , وخفت ان يعرف بأمرك فتسوء حالته النفسيّة
- ومالعمل الآن سيدة نجوى ؟ اريد مكالمته من جديد , فقلبي يتفطّر من الشوق اليه  
فهزّت نجوى برأسها بحزن , وهي لا تدري مالعمل !
***

في يوم التخرّج ..
دخلت نجوى بسعادة الى القاعة , بعد ان ارسل لها أحمد بطاقة لحضور حفل تخرّجه .. 
وتمّتمت في نفسها بفرح :
((أصيل يا أحمد , لم تُضعّ تربيتي فيك))

وبعد جلوسها بقليل , تفاجأت بريما تجلس بجانبها بطقمها الرسمي!
نجوى بدهشة : انت ! كيف دخلتي الى هنا ؟
ريما وهي تلوّح بالبطاقة بفخر : إبني أرسلها لي البارحة 
نجوى باستغراب : وانا ايضاً ! تُرى مالذي يحصل ؟!

وهنا اقترب أحمد منهما بلباس تخرّجه , قائلاً :
- لقد أعطونا مقعدين للأم والأب ..وبما انه ليس لديّ أب , فأعطيته لكما 
نجوى بفخر : إبني حبيبي
ريما بعصبية : بل ابني انا !!
فابتسم لهما : رجاءً لا تتشاجرا , كيّ لا تلفتا أنظار اصدقائي  
فاعتذرتا له ..
ثم قال لهما :
- فكّرت كثيراً في الفترة الماضية.. وأقتنعت بأن الله عوّضني بدل الأب بوالدتين حنونتين ..أمٌ أنجبتني , وأمٌ ربّتني .. 

وهنا ارتفع صوت الموسيقى بدخول لجنة الأساتذة الى القاعة .. 
فقال لهما :
- عن أذنكما , سيبدأ الحفل ..لا تنسيا ان تصفّقا لي حين استلام شهادتي
ريما ونجوى بحماسٍ وفخر : بالطبع سنفعل !! 

وما ان أذاعوا اسمه , حتى وقفتا تصفّقان وتصفّران له بعلوّ صوتهما 
ريما : هذا ابني البطل !!
نجوى : إبني أحمد , حبيبي !!
والأهالي تنظر اليهما باستغراب ! بينما كان أحمد يلوّح لهما بشهادته بفخر من فوق المسرح
***

بعد الحفل , ذهب ثلاثتهم الى المطعم للإحتفال .. وجلسوا ساعاتٍ طويلة يتحدّثون عن الماضي .. وأحمد جالسٌ بينهما , وهو سعيد باهتمامهما المبالغ فيه ! حيث كانتا تتناوبان على إطعامه كطفلٍ صغير .. 
حينها مازحهما قائلاً :
- أعان الله زوجتي المستقبلية , ستكون لديها حماتين قويتين 
نجوى : هذا صحيح .. وانا سأتكفّل بتعذيبها نهاراً
ريما : وانا مساءً
أحمد : جيد , هكذا ضمنت إنتحار زوجتي المسكينة 
وضحكوا بسعادة .. 

وأمضت ريما ونجوى سهرةً ممتعة , تُبشّر بأيامٍ جميلة قادمة برفقة أبنهما الحنون البارّ  

هناك تعليقان (2):

  1. عزيزتي أمل القصة جميلة وبها عدة معان وعبر، وكالعادة تلمس القارئ بالتأكيد.
    لي عدة ملاحظات عليها، لكن لا أريد أن أضع نفسي موضع الناقد وأنا لازلت أتعلم، عموما أنا أستمتع بقصصك كثيرا..

    تحياتي لك:)

    أختك في الله..

    ردحذف
  2. تسلمى جميلة جدا بصراحه اخر قصص كانت نهايتهم صعبه شوية اما المره ديه أفضل

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...