الأربعاء، 27 فبراير 2019

ولا في الخيال

فكرة : اختي اسمى
كتابة : امل شانوحة


حبٌ بين ممرّضة ورجل بغيبوبة ! 

- ستكونين المسؤولة عن قسم المرضى الميؤوس منهم 
قالتها رئيسة الممرّضات , للممرضة الجديدة التي سألتها :
- وهل جميعهم يحتضرون ؟
- المفترض , فمعظمهم تجاوز السبعين من عمره .. ماعدا شاب بحالة غيبوبة منذ شهور , إِثر حادث سيارة .. آه قبل ان أذهب , ستنامين غداً في غرفة إستراحة الممرّضات , لأن دوامك ليليّ
نانسي : لا مشكلة عندي , فأنا تركت بيتي بعد ان أخذ طليقي ابني.. 
فقاطعتها رئيستها بلؤم : لم اسألك عن حالتك الإجتماعية , كلّ ما يهمّني هو ان تقومي بعملك على أكمل وجه.. مفهوم !!

وعادت الى مكتبها .. لتبدأ نانسي يومها الأول بإطعام العجائز وتنظيفهم ومساعدتهم بتناول دوائهم .. الى ان وصلت الى غرفة الشاب فاقد الوعيّ وهو بنهاية الثلاثينات من عمره , ووسيماً للغاية .. فجلست بجانبه تتأمّله بحسرة :
- أليس حراماً ان يُدفن هذا الجمال بالحياة ؟!

وقرّبت كرسيها من سريره لتبدأ بمحادثته , بعد ان تصفّحت ملفّه الطبي المعلّق على جانب سريره :
- سيد آدم .. اسمٌ جميل .. حالتك الصحّية لا بأس بها .. والكسر الذي في يدك وقدمك تشافيا الشهر الماضي .. نبض قلبك سليم ومستقرّ ..حتى إصابة رأسك لم تكن خطيرة لهذه الدرجة , فلما لم تستيقظ حتى الآن ؟! .. المهم دعني أعرّفك بنفسي .. اسمي نانسي وانا ممرّضة جديدة هنا , وليس عندي اصدقاءٌ بعد .. لذا قرّرت ان أخبرك بقصتي , لعلّي أؤنس وحدتك 

وبدأت تحدّثه عن زوجها الذي عاملها بقسوة , قبل ان يطلّقها ويحرمها من ابنها ذوّ السبع سنوات الذي لم تره منذ شهور 
وظلّت تخبره بذكرياتها الحزينة , الى أن غفت على كرسيها من شدّة التعب 
***

وهكذا أمضت الممرضة نانسي شهرين بمكالمة المريض آدم كل ليلة , بحثت خلالهما عن حلٍّ لمرضه .. الى ان شدّ إنتباهها موضوع وجدته بالإنترنت عن إمكانية إتصال الأرواح في عالم الماورائيات .. وبدأت تدرسه بعناية وتقوم بالتمارين الذهنية لإتقان الطريقة ..

وبنهاية الشهر , ذهبت الى غرفته وهمست له :
- سألتقي بك في المنام .. إنتظرني يا آدم
وأغلقت عيناها بعد ان استرخت على الكرسي بجانب سريره .. وبدأت تقوم بتمارين تنظيم التنفّس , وتستعدّ عقلياً للقيام بالإسقاط النجميّ والخروج من الجسد ... وظلّت تطبّق كل ما تعلّمته في الأسابيع الماضية , الى ان غفت 

وحصل ما كانت تأمله ! حيث رأت في منامها : بحيرة صغيرة هادئة امامها شجرة , يسند آدم ظهره عليها وهو شارد الذهن .. 
فجلست بقربه , وهي تقول :
- معك حق ان لا تعود الى واقعنا , فالمنظر هنا جميل وهادىء ..أتمنى لوّ بإمكاني البقاء معك , لكن من واجبي ان أخبرك عمّا يحصل في غيابك 

وبدأت تحدّثه عن وضعه الصحّي بعد الحادث .. وان باستطاعته الإستيقاظ متى يشاء لإنهاء غيبوبته التي دامت ستة أشهر 
كما أخبرته عن العمر واللحظات الجميلة التي تضيع من حياته .. لكنه لم ينطق بحرفٍ واحد ! واكتفى بنظرة او نظرتين جانبيتين طوال المحادثة ..

وقبل ان تنتهي مدّة التجربة , غنّت له مقطعاً كانت تغنيه لإبنها الصغير لينام .. 
وقالت له بحزن : نمّ هانئاً يا صديقي آدم .. آراك قريباً

ثم ابتعدت عن البحيرة .. لتستيقظ من منامها بعد ان أشرقت الشمس , وهي في غرفة العناية الخاصة بالشاب الثريّ
*** 

ورغم ان محاولاتها الثمانية الماضية لم تأتي بنتيجة ! الا انها داومت على تطبيق التجربة الروحية كل مساء , للإجتماع معه في عالم الأحلام .. 
لكنه التزم الصمت في كل محاولة , ومع ذلك لم تيأس وظلّت تفضّفضّ له عن مشاكل عملها وعن اشتياقها الكبير لصغيرها .. 

الا انها هذه المرة نسيت ان تغني له المقطع ذاته قبل ذهابها .. وقبل ابتعادها عن البحيرة , تفاجأت به يدنّدن اللحن ! 
فأسرعت ناحيته , وهي تقول بدهشة وسعادة :
- أكنت تسمعني ؟!

وقبل ان يجيبها , أيقظتها رئيستها من النوم :
- نانسي إستيقظي !! لما تنامين هنا ؟! 
فأجابت بنعاس : آه آسفة ! غفوت دون ان أدري
الرئيسة بنبرةٍ آمرة : هيا إسرعي الى الغرفة المجاورة , ونظّفي العجوز الذي أوقع الحساء على ثيابه

وحين ذهبت .. إقتربت نانسي من آدم النائم , ومسحت على رأسه بحنان وهي تقول :
- كنت أدري انك تسمعني يا عزيزي , سأعود اليك هذا المساء .. إنتظرني
***

وفي عصر ذلك اليوم .. سمعت نانسي بالصدفة زوجة آدم (التي كانت تزوره مرة في الأسبوع) وهي تتحدّث مع شاب في رواق المستشفى
- اللعين !! لا يريد الموت ليريحنا 
صديقها : قال الطبيب إن حالته ميؤوساً منها , علينا فقط الإنتظار قليلاً يا حبيبتي 
زوجة آدم بغيظ : كلّه بسببك !! إتفقنا على ان تراقبه من بعيد , فلما أنقذته بعد سقوط سيارته بالبحيرة ؟ لكان مات الآن وورثته , وتزوّجنا في القصر الذي اشتريته بالخارج
- أردّت إبعاد الشبهات عني , فسكرتيرته تعرف انني أخذت سيارته للتصليح ..ولولا عملي البطولي هذا , لكانت الشرطة حقّقت معي كما حقّقت مع الميكانيكي عن سبب تعطّل فرامل سيارته .. المهم انني قمت بواجبي , ولي نصيب من الميراث كما وعدّتني
- لا تقلق , وفي حال لم يمت سأتصرّف بطريقتي .. وبجميع الأحوال نقود آدم ستكون لنا , فلا تكن طمّاعاً يا جيم
صديقها : انا المحاسب العبقري جيم آرثر .. والجميع يعرف انني طمّاع وخبيث , مثلك تماماً .. ولا تنفع معي الوعود , وأريد نصيبي نقداً .. فنحن نشبه بعضنا كتوأم الروح , ألم يكن هذا كلامك؟ 

وابتعدت نانسي مذهولة ممّا سمعته ! دون ان يلاحظا وجودها (اثناء مساعدتها لعجوز لتحريك قدميه بالرواق) .. وتضايقت بعد معرفتها بأن حادث آدم كان مدبّراً .. فهل تخبر الشرطة بالأمر ؟ وهل سيصدّقونها ؟
***

وفي إحدى الليالي , واثناء إلتقاء الروحين في عالم الأحلام .. كان ما يزال آدم هادئاً كعادته , الى ان أوشكت التجربة على الإنتهاء .. وقبل ان تغادر نانسي البحيرة , زلّت قدمها وكادت تسقط في البركة , لكنه فاجأها بأن أمسك يدها ! 
فقالت بسعادة ودهشة :
- آدم ! وأخيراً تجاوبت معي
فردّ عليها لأول مرة : 
- هذا أفضل من البقاء صامتاً وانا استمع الى ذكرياتك السيئة مع طليقك
- اذاً كنت تستمع لكلامي !
آدم : طبعاً , فأنا نائم ولست ميتاً
- اذاً حان الوقت لتعود الى واقعنا 
- لا اريد
نانسي باستغراب : لماذا ؟!
فتنهّد آدم بحزن : لأن عالمي يتدمّر من حولي .. فهناك من يسرق شركتي حتى أوشكتُ على الإفلاس .. كما أشكّ بأن زوجتي تخونني 
فأجابته بجدية : هي فعلاً تخونك 
آدم بقلق : ماذا تقصدين ؟!

لكنها استيقظت على صوت امرأة دخلت غرفة آدم , وهي تسألها : 
- هل أخي بخير ؟
نانسي بنعاس : آه عفواً ! غفوت قليلاً .. نعم صحة السيد آدم بخير
وجلست اخته امامه حزينة .. فتركتهما نانسي سويّاً .. 

وبعد قليل ..عادت لتغيّر المصلّ , وسمعت الأخت تقول له بحزن :
- السنة الماضية ماتت أمنا , ولا أتحمّل خسارتك انت ايضاً..ارجوك عدّ اليّ , فأنا بحاجتك يا آدم
نانسي : عفواً على المقاطعة .. هل كان السيد آدم يحب امه ؟
الأخت : ما هذا سؤال ! طبعاً , فهو كان ابنها المدلّل
- هل يمكنني ان اسألك .. ما نوع عطر امك ؟
- ولما تسألين ؟!
نانسي : كنت قرأت مقالاً عن تعلّق الذاكرة بالروائح والعطور , فربما..
الأخت : كانت امي تصرّ على نوعٍ محدّد لم تغيره طيلة حياتها , وانا بدأت باستخدامه بعد وفاتها ليُذكّرني بها .. والعطر معي في الحقيبة 
- لوّ سمحتي .. رشّي قليلاً منه امام أنفه , لربما ظنّ والدته بجواره , فيفتح عينيه

وبالفعل قامت الأخت برشّ العطر امامه , لتلاحظا على الفور تحرّك جفونه .. قبل ان يبتسم 
الأخت بحزن : وهآقد عاد لعالم الأحلام من جديد !
فتفكّر نانسي قليلاً قبل ان تقول : هل كان لديه قطة او كلب تحضرينه له , لعلّ رائحته تجعله يستيقظ 
- لا , أخي يتحسّس من الحيوانات .. لما تصرّين على موضوع الروائح ؟
نانسي : أظن علاج الغيبوبة سيكون بتنشيط المخّ عن طريق الشمّ , وليتني أعرف الطريقة ! 

وهنا سمعت زوجة آدم تقول لها من الخلف , بنبرةٍ ساخرة : 
- أتظنين باستطاعتك علاج مرضٍ صعب كالغيبوبة التي عجز عنها أذكى اطباء العالم ؟  
نانسي : كنت فقط ..
الزوجة مقاطعة بلؤم : هيا إذهبي الى عملك , واتركينا بمفردنا

فخرجت نانسي من الغرفة متضايقة , بينما قالت الزوجة لأخت آدم:
- لم أكن اعلم انك عدّت من السفر
الأخت : سأبقى مع اخي الى ان يشفى 
فأجابتها بلؤم : هذا ان تعافى اصلاً
فقالت الأخت بنفسها بضيق :
((انا متأكّدة إن لك يداً بحادثة أخي .. ليت باستطاعتي إثبات ذلك لأبعدك عن حياة آدم للأبد , ايتها الطمّاعة الشريرة !!))
***

وفي غرفة إستراحة الممرّضات ..أخبرت نانسي صديقتها عن محاولاتها الفاشلة بإيقاظ السيد آدم , قائلةً :
- أكلت موزة قرب أذنه , لربما يتقزّز من الصوت ويستيقظ .. كما جلبت سبّورة ابني الصغيرة وخربشتها بأظافري .. وحرّكت ايضاً ملعقة شاي بقوة .. فجميعها اصوات تضايق الجميع !
الممرضة الثانية : أتظنين إن علاج الغيبوبة سيكون بهذه السهولة ؟ برأيّ على الطبيب صعقه بالكهرباء , او إغراقه بحوض الإستحمام لينتفض وينقذ نفسه ..او ما رأيك لوّ جلبت أفعى او عقرب من الحيوانات الأليفة لأخي المجنون , وأقوم بتهريب إحداها الى هنا .. لربما لدغة العقرب توقظه من سباته 
نانسي : لا طبعاً , أتريدين قتله ؟! هو فقط نائم نوماً ثقيلاً وليس ميتاً..  جيد انني المسؤولة عنه , والا لكنت قتلتي المسكين .. (ثم تنهّدت بحزن) ..المشكلة انه مكتئب جداً , ولا يريد العودة الى حياته السابقة
صديقتها : وما أدراك بذلك ؟!

وفضّلت نانسي عدم إخبارها عن لقاءاتها معه في عالم الأحلام كي لا يصل الأمر الى الإدارة ويفصلونها , فمن قوانين العمل ان لا يتعلّقوا عاطفياً بالمرضى .. 
***

وفي اليوم التالي .. دخلت عليها رئيسة الممرّضات صباحاً , لتراها نائمة فوق الكرسي بغرفة آدم , فقالت لها معاتبة :
- أعدّتِ للنوم هنا ! هذا إنذاري الأخير لك !! سأعاقبك ان رأيتك تنامين مجدداً في غرف المرضى , هل سمعتي ؟.. هيا الى عملك !!

وبعد ان ذهبت .. إقتربت نانسي من آدم وهي تقول :
- أظنه يمكنني الإلتقاء بك ولوّ كنت انام في غرفة الممرضّات , فروحي باستطاعتها إيجادك .. لا تقلق يا عزيزي 
وقبّلت وجنته بنفس اللحظة التي عادت بها رئيستها التي ما ان رأت المنظر , حتى صرخت عليها غاضبةً :
- كنت متأكّدة ان وجودك هنا كل يوم ليس لتفانيك بالعمل , بل انت تطمعين لشيءٍ أكبر .. اليس كذلك ؟!!
نانسي بارتباك : لا ! انا لم أقصد ان ..
الرئيسة مقاطعة : إحمدي ربك انني انا من رأيتك وليست زوجته .. وبسبب غلطتك هذه , سوف أقوم .. 
نانسي مقاطعة بقلق : رجاءً لا تطرديني , فليس عندي مكانٌ آخر أذهب اليه
- اذاً سأنقلك الى الطابق العلويّ حيث الأطفال الخدّج , طالما انك حنونة لهذه الدرجة .. هيا أنقلي اغراضك الى فوق , وانا سأتكّفل بأوراق نقلك 

نانسي بحزن : هل يمكنني على الأقل توديعه ؟ ..(وأشارت الى آدم النائم)
الرئيسة وهي تتنهّد بضيق : صبّرني يارب .. حسناً بسرعة , قبل ان يراك أحد 
فأمسكت نانسي يده لتودعه , والدموع في عينيها :
- حان وقت الوداع يا آدم 
لكنها تفاجأت به يشدّ على يدها ! فقالت لمديرتها بحماس :
- أنظري !! انه يشدّ على أصابعي
فأجابتها بحزم : حسناً سأخبر طبيبه بالأمر .. وانت إذهبي واحزمي امتعتك لتنتقلي الى عملك الجديد .. الآن يا نانسي !!
***

ومرّ اسبوعان لم تره فيهما لأن العمل مع الرضّع متعباً للغاية , وبالكاد تجد الوقت للنوم , حتى إنها أهملت التمارين الذهنية.. 
لكنها استطاعت أخذ إذن ساعة لزيارته والإطمئنان عليه , وحينها علمت بأن زوجته وقّعت على أوراق التبرّع بأعضائه في حال لم يستيقظ بنهاية الشهر
فقالت نانسي بنفسها بخوف :((يا الهي ! ستقتلته بالموت الرحيم .. وأكيد إدارة المستشفى لن تعارض , لأنهم سيربحون ايضاً من بيع اعضائه ..عليّ إيجاد حلٌّ سريع)) 

وظلّت تبحث في اوقات فراغها بالإنترنت عن أيّةِ طريقة لإيقاظ المريض من غيبوبته , لكنها لم تجد !
***

وفي أحد الأيام .. دخلت نانسي الى غرفة إستراحة الممرّضات لتأكل وجبتها .. وكانت هناك ممرضة أخرى غفت ورأسها على طاولة الطعام .. وحين قامت نانسي برشّ الفلفل على صحنها , استيقظت زميلتها من النوم , بعد ان عطست مرتين :
- أكان عليك رشّ البهارات امامي , الا تدرين بأن لديّ حساسية منها ؟!! 
نانسي : لم أكن أعلم انه سيوقظك !
الممرضة بعصبية : الفلفل اللعين يوقظ الميت من قبره  

وخرجت من غرفة الممرّضات غاضبةً , بينما تجمّدت نانسي في مكانها بعد ان آثارت تلك الجملة إهتمامها ! 
*** 

وأسرعت الى غرفة آدم وهي تُخفي مرطبان الفلفل في جيبها .. واستغلّت خلوّ الغرفة من ممرّضته الجديدة .. وفتحت كاميرا جوّالها وهي تقول :
- سأصوّرك يا آدم وانت تشمّ البهار .. لربما اكتشفت علاجاً للغيبوبة , أُساعد بها المرضى حول العالم .. من يدري !
ثم أزالت قناع الأكسجين عن وجهه , ووضعت الفلفل امام انفه ..وهي تصوّر حركة عينيه بالجوال وتقول :
- هيا يا آدم ..إشتمّ البهار , ودعه يوقظ عقلك البليد النائم  

وماهي الا ثواني ..حتى عطس بقوة , جعلته يفتح عيناه !
نانسي بدهشة : يا الهي ! لقد استيقظت فعلاً
آدم بتعب : اين انا ؟! 
فأجابته والدموع في عينيها : 
- في المستشفى , فقد تعرّضت لحادث منذ سبعة شهور
آدم باستغراب : سبعة أشهر !
- نعم , كنت في غيبوبة طوال هذه المدة 

ثم اطفأت جوالها .. وأخذت تطمّئنه على حالته الصحيّة .. دون ان تذكّره بلقاءاتهما المتكرّرة في عالم الخيال , بسبب إرهاقه الشديد .. كما لم تخبره عن خيانة زوجته .. 
واكتفت باستدعاء الطبيب لفحصه والذي قام لاحقاً بالإتصال بعائلته لتبشيرهم باستيقاظه .. 

بينما عادت نانسي الى الطابق العلوي لقسم الأطفال , بعد ان قامت بنشر الفيديو باليوتيوب تحت عنوان : ((علاج سريع ورخيص للمصابين بالغيبوبة)) ..علّها بذلك تنقذ المرضى الآخرين حول العالم

وقبل ان تباشر عملها , وصلها اتصال من قريتها : بأن والدتها تحتضر .. فأسرعت الى مديرتها لأخذ عطلة الأسبوع للذهاب الى عائلتها 
***

وعادت بعد انتهاء العطلة حزينة بعد ان حضرت مراسم الدفن والعزاء , لتتفاجأ بخروج آدم من المستشفى وعودته مع زوجته الى بيته !
نانسي بقلق : لا ! فزوجته ستحاول قتله من جديد
رئيستها : عن ماذا تتحدثين ؟
- لقد سمعتها بأذني وهي تكلّم عشيقها عن خطتهما الفاشلة لقتله , كي يرثا امواله ! 
لكن رئيستها لم تصدّقها وقالت بعصبية : لست متفرّغة لهذه الخرافات , كما ليس لديك دليلاً على إدعاءاتك الباطلة
- وماذا عن علاجه ؟ فهو مازال ضعيفاً
الرئيسة : اخته تكفّلت بالأمر , وقالت بأنها ستوظّف معالجاً فيزيائياً وطبيباً نفسياً يداومان على علاجه في القصر .. (ثم همست لها) : وأنصحك ان تتركي الرجل وشأنه , فهو رجلٌ متزوج
نانسي : وما دخلي انا بالموضوع ؟ انا فقط قلقة على حياته , فزوجته لن تتوقف عن خططها الشيطانية قبل القضاء عليه  
- ان كان لديك معلومات مؤكّدة , فاخبريها للشرطة 

ثم ذهبت الى مكتبها .. بينما أسرعت نانسي الى صديقتها (موظفة الإستقبال) لطلب عنوان بيته .. 
***

عصراً , ذهبت نانسي الى قصر آدم .. وأدخلتها الخادمة الى حديقته وهي تقول :
- زوجته في السوق , اما السيد فهو هناك  

وكان يجلس شارداً وهو ينظر الى مسبحه , فاقتربت منه قائلةً :
نانسي : البحيرة في منامك كانت أجمل بكثير
فردّ باستغراب : عن أيّة بحيرة تتكلمين ؟! ومن انت ؟
- الا تذكرني سيد آدم ؟
- أظنني لمحتك بالمستشفى , فهل تعملين هناك ؟
نانسي بارتباك : أقصد .. الم تتذكّر لقاءاتنا العديدة في مناماتك ؟ 
فأجابها بلؤم : ولما أحلم بك اصلاً ؟!

وصارت تحدّثه باختصار عن ذكرياتهما معاً .. لكنه لم يصدّق كلمة مما قالته , بل ردّ عليها بجفاء :
- لا وقت عندي لهذه التخاريف..رجاءً إذهبي من هنا
فقالت وهي تحاول إمساك دموعها : 
- قبل ان أذهب سيد آدم .. اريدك ان تأخذ حذرك من زوجتك , فهي وعشيقها جيم آرثر يريدان التخلّص منك
فتفاجأ آدم من معرفتها بإسم محاسبه بالشركة !
- لحظة ! إخبريني بما قالاه بالضبط 
واخبرته بحوارهما السابق ..

آدم بحزن : لطالما اعتقدت بوجود علاقة سرّية بينهما , لكني تجاهلت شكوكي !
نانسي : هل صدّقت كلامي الآن ؟ 
- نعم , هذه الجزئية فقط .. لكن موضوع إنتقال الأرواح فهي غير منطقية بالنسبة لي , ولم أسمع بإمكانية حدوث ذلك من قبل ! أعتذر منك , فأنا لا أتذكّرك بتاتاً

وقبل خروجها من الحديقة , صارت تدنّدن ذات الأغنية .. وآخر ما لمحته هو تعابير الدهشة على وجهه وكأنه تذكّر اللحن ! لكنها لم تقلّ شيئاً وأكملت سيرها الى خارج القصر , وهي حزينة لأنه لم يتذكّرها جيداً

بينما قال هو في نفسه : ((هل كانت هي الملاك الذي شاهدته بمنامي يلمس شعري ويغني لي , ويرافقني بجميع احلامي ؟ ...لا , لا يعقل هذا !)) 
***

مرّ شهران لم تره فيهما .. لكن حياتها تغيّرت كثيراً في هذه المدة , بعد ان وصل الفيديو الى رئيس دولة افريقية يعاني ابنه الوحيد من الغيبوبة لعشر سنوات .. وحين طبّق عليه حيلة الفلفل , إستفاق اخيراً ! 
فأرسل لنانسي بطاقة سفر يدعوها الى قصره .. وذهبت الى هناك , ليعطيها اساور من ذهب وعقداً من الجواهر النفيسة والتي قامت لاحقاً ببيعهم والإحتفاظ بالمال للقيام بمشروع يؤمّن مستقبل ابنها ..وأخفت الأمر عن الجميع , وعادت للقيام بعملها المعتاد .. 

الى ان أتى يوم , زارها آدم بالمستشفى وهو يحمل باقة من الزهور
- هذه لك سيدة نانسي
بدهشة : لي انا ! كيف عرفت انني أعمل بقسم الأطفال الخدّج ؟
- سألت مديرتك .. وأظنني تذكّرت بعض احاديثك المملّة عن طليقك التي أخبرتني بها في مناماتي , مع اني كنت آمل ان انساها
- أحقاً تذكّرت تجربتنا الغريبة والمميزة ؟!
آدم : نعم , وأنا شاكرٌ لك على إنقاذك حياتي ..فقد شاهدت فيديو الفلفل , ولم أكن اعرف ان علاج الغيبوبة بهذه السهولة !
- هل تسمح لي بالسؤال عن ما حصل لزوجتك ؟ 

آدم بقهر : وظّفت محققاً لمراقبتها , فأكّد شكوكي السابقة ..كما راجعت تسجيلات كاميرا غرفتي بالشركة , وسمعت المحاسب وهو يخطّط معها للحادث .. وهما الآن موقوفان عند الشرطة .. لكن للأسف بعد فوات الأوان 
- ماذا حصل ؟ 
- كنت أعطيت زوجتي توكيلاً عاماً قبل سنوات .. وحين بدأت علاقتها السرّية , نقلت قسماً كبيراً من اموالي للخارج .. بينما كان محاسبي اللعين يؤكّد خسائري المتواصلة .. وقد حاولت الفترة الماضية إنقاذ شركتي من الأفلاس , لكن الأمر بات مستحيلاً بعد ان اشترت اللعينة بأموالي عقاراتٍ مُسجّلة بأسماء عائلتها .. لهذا قمت بتسريح الموظفين وإقفال الشركة قبل اسبوعين..  

نانسي : رجاءً لا تيأس هكذا .. فشركتك متخصّصة بألعاب الكمبيوتر .. وتحتاج فقط الى فكرة لعبةٍ جديدة تكتسح السوق 
- ومن اين أجدها ؟
- هناك موقع متخصصّ بأفكار الشباب التي تحتاج الى دعمٍ ماديّ , ووجدت شاباً لديه فكرة لعبة ممتازة 
آدم باهتمام : أحقاً ! اذاً تعالي معه الى مكتبي الصغير في شقتي الجديدة , فقد بعت قصري لتسديد رواتب الموظفين .. سأكتب لك العنوان
***

وفي شقته .. اجتمع الثلاثة للبحث في موضوع اللعبة الألكترونية الجديدة , حيث شرحها الشاب قائلاً :
- كما تلاحظ سيد آدم ..السوق مليء بألعاب الحروب , لكن لعبتي موضوعها : إعمار دولة تهدّمت بسبب حربٍ أهلية , حيث احتلّت كل طائفة إحدى مرافق الدولة الهامّة : من ميناء ومعامل او بترول  ..وسيقوم اللاعب بدور الرئيس الذي عليه بناء دولته المنهارة من جديد : من إعادة الأمن بين السكّان , وتأمين الكهرباء والماء والغاز وغيرها , وذلك بعد ان يصلح بين الطرفين بإتفاقيات سلام .. كما عليه سحب الأسلحة من أيدي الأفراد والجماعات المسلّحة , كما وقف مطامع الدول الخارجية .. وبذلك يدرك اللاعب مساوىء العنصرية والعنف وأثرها على افراد المجتمع .. وسنسمّي اللعبة : الحاكم العادل

آدم : أعجبتني الفكرة !
نانسي : وهي مختلفة عن الألعاب الرائجة في السوق
آدم : لكني أرى برمجتك للعبة بدائية بعض الشيء , لذلك سأطلب من مبرمجين محترفين ان يعيدوا تصميمها.. امّا عن رسماتك لأبطال اللعبة , فأنا موافقٌ عليها

وبعد ان اتفق معه على نسبة ارباحه من بيع اللعبة , قال آدم :
- عليّ غداً الذهاب للبنك , لطلب قرضٍ سريع للبدء بهذا المشروع 
نانسي : لا حاجة لذلك 

وأعطته شيكاً بمبلغٍ كبير , وأخبرته بجائزة الرئيس الأفريقي لها .. وطلبت بالمقابل , اسهماً بشركته الجديدة .. 
ووافق آدم على ذلك , وكتب العقود معها ومع الشاب .. ليبدأ مع بداية الشهر ببرمجة اللعبة مع موظفيه القدامى الأكفّاء , وهو متفائل بنجاح عمله الجديد
***

ومرّت سنة على طرح اللعبة في السوق , وإنتشارها الهائل بين المراهقين حول العالم , ممّا رفع اسهم الشركة عالياً بين الشركات المبرمجة لألعاب الكمبيوتر .. 
بينما قرّرت نانسي ان تفتح مدرسة صغيرة للتمريض من ارباح اسهمها في الشركة , بعد ان تركت عملها القديم
***

وفي أحد الأيام .. دخل آدم الى مكتبها وهو يلبس طقماً رسمياً .. 
ومن دون مقدّمات , جثا على ركبته وهو يرفع الخاتم ويقول :
- هل تتزوجيني يا نانسي ؟
لكن ردّة فعلها فاجأته ! حين قالت : لا استطيع
بصدمة : ماذا قلتي ؟!
- آسفة يا آدم ..لا استطيع ان أتزوجك , او أيّ شخصٍ آخر لأنني..
وقبل ان تكمل كلامها , صرخ قائلاً :
- جميعكنّ تتشابهون !!  
- آدم ارجوك , دعني أشرح لك ..
- لما اهتتمت بي كل هذه المدة , طالما انك لا ترغبين الإرتباط بي ؟!!
- لأنني خائفة عليك من ..
وقاطعها , بعد ان أعاد الخاتم الى جيبه :
- لا اريد سماع تبريرات !! كنت اريدك معي بعد ان نقلت مقرّ الشركة للخارج , لكن يبدو انني سأسافر لوحدي
وخرج من غرفتها غاضباً , تاركاً إيّاها تبكي من صدمتها العاطفية
***

في اليوم التالي مساءً , طلب آدم سيارة أجرة ..
وحين ركب فيها , لاحظ على الفور صورة الولد الصغير المعلّقة على مرآة السائق الأمامية.. وتذكّر صورة ابن نانسي التي أرته إيّاها من قبل
آدم : عفواً , هل هذه صورة ابنك ؟
السائق : نعم  
- هل تسمح لي ان اسألك , لما الصورة ممزّقة ؟
- مزّقت صورة طليقتي , فهي ممرّضة مغرورة
آدم : وهل كانت تعمل في مستشفى الطوارىء ؟ 
- نعم .. لكنها اليوم أصبحت أمرأة ثريّة لعينة , ومديرة لمدرسة تمريض .. لكن كيف عرفتها انت يا سيد ؟! 
آدم : هي صديقة زوجتي , وقد دعتنا لحضور حفلة خطوبتها
السائق بغضب : والله أقتلها ان تزوجت من بعدي , وأحرمها من ابنها للأبد ..وهي تعلم ذلك جيداً !! 

آدم باستغراب : طالما طلّقتها , فلما تحرمها من الزواج ؟!
- انا لا يهمّني ان تزوجت ام لا , لكني اشترطّت عليها ان تعطيني نصف مدخولها مقابل ان أريها ابنها مرة كل اسبوع , لكنها رفضت بحجّة انها لن تسمح لي باستغلالها .. البخيلة ! فضّلت المال على ابنها .. لهذا قمت بتهديدها بقتل كل من يقترب منها
فقال آدم في نفسه : 
((اذاً كانت تحميني منه ..لقد ظلمتها))

ثم قال لطليقها :
- ما رأيك لوّ اشتري لك ثلاث سيارات أجرة , تقوم بتأجيرها لسائقين آخرين , وتكسب المال وانت مرتاح في بيتك ؟ 
السائق بدهشة : أحقاً ! ..وبمقابل ماذا ؟
- لنذهب الى مكتب المحامي , وسأخبرك هناك 
- الن تذهب الى المطار ؟ 
آدم : لا , غيرت رأيّ
***

في اليوم التالي .. تفاجأت نانسي بآدم يدخل مكتبها , ومعه ورقة رسميّة :
- أبشري يا نانسي .. زوجك سيعطيك ابنك , بعد ان تخلّى عنه قانونياً
نانسي بدهشة : أحقاً ! كيف ؟.. لا تقلّ انك دفعت له المال 
- إتفقنا وانتهى الأمر .. 
- الطمّاع اللعين !! وكيف اجتمعتما سويّاً ؟
- قصة طويلة , أخبرك بها لاحقاً ... اما الآن

وجثا على ركبته , وهو يرفع الخاتم اليها مجدداً ويقول :
- ما رأيك ان تتزوجيني ؟ وأسافر انا وانت وابنك الى الخارج , ونترك جميع الأشرار وراءنا ؟ 
فسكتت بارتباك وتردّد .. 
فقال آدم :
- لكن اولاً عندي شرط
نانسي : وماهو ؟
آدم : تغنين لي ذات الأغنية كل ليلة , لأنام بارتياح وانا بجانبك
نانسي بابتسامةٍ حنونة : بالتأكيد , فأنت صغيري المدلّل

وعانقها , بعد ان ألبسها الخاتم..

هناك 3 تعليقات:

  1. ملاحظة : فكرة الفلفل هي فكرتي , ولا ادري مدى صحّتها طبّياً .. وأعتذر ان كنت أعطي أملاً كاذباً لأهالي المصابين بالغيبوبة .. لكني أتمنى ان يكون العلاج بهذه السهولة .. وربما يكون العلاج بالفعل عن طريق الشمّ , من يدري !

    ردحذف
  2. شكراش أستاذة أمل قصصك رائعة وانا أتابعها بشغف

    ردحذف
  3. السلام عليكم, أختي أمل أرسلت لك بالفعل طلب صداقة ورسالة بأني صاحب فكرة الرواية قبل أربع أيام, لكن يبدو أنكي لم تنتبهي لها بعد.

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...