الخميس، 1 فبراير 2018

نهاية مُتغطّرس

تأليف : امل شانوحة


لا تؤذيني , ارجوكِ !

استلقى الشاب الغني (مايكل) في حوض استحمامه داخل قصره وهو يحمل الكأس بيده , مُستمعاً الى الحان الموسيقى الكلاسيكية .. لا شيء يعكّر صفوه هذه الليلة بعدما أذن لخدمه بإجازتهم السنوية 

فهو يستمتع الآن بالهدوء بعد شهورٍ قضاها بالحفلات والسهرات إحتفالاً بافتتاحه فرعاً آخر لشركته الضخمة .. فبالرغم انه في الثلاثين من عمره الا انه يُعدّ شاباً ناجحاً بسبب دهائه وقدرته على استغلال المواقف , كما انه يتمتّع بقدرٍ كبير من الوسامة واللسان العذب الذي سهّل له الطريق مع عددٍ كبير من العملاء , خاصة النسّوة منهنّ .. وهذا يعني انه ترك خلفه الكثير من الضحايا العاشقات له .. لكن هذا لم يكن يهمّه ابداً , فكل ما يريده هو النجاح وزيادة ثروته وسلطته ولوّ على حساب البريئات اللآتي يعتبرهنّ ضحايا سُذجّ لا يستحقينّ الشفقة منه ..

وفي تلك الليلة .. ظلّ يسكر في حوضه الدافىء حتى غفا .. لكنه استيقظ بعد توقف الموسيقى , وإذا به يجلس في حمامٍ مظلم بعد انقطاع الكهرباء فجأة عن قصره ! لكن تعبه منعه من الخروج من هناك , بل فضّل إكمال نومه في الحوض ..
وظلّ كذلك الا ان أحسّ بشيءٍ يجذب قدمه ببطأ نحو بالوعة الحوض ! فانتفض مرتعباً .. وأضاء جواله الذي كان بجانبه , فوجد شعراً اسوداً طويلاً يخرج من البلوعة ويطفو فوق سطح الماء.. 

فحاول الخروج من هناك , لكن يداً باردة سحبته من قدمه .. فأخذ يتخبّط في الحوض محاولاً إنقاذ نفسه من الغرق .. الاّ ان ذلك الشيء كان يسحبه بقوة الى اسفل الماء !
***

استيقظ مايكل بعدها ليعيش تجربة أشبه بالكابوس ! فهناك فتاة تلبس ثياباً ممزقة تجرّ قدمه بعنف داخل المجاري المُعتمة , بينما ظهره يحتكّ بأرضيه المجارير التي امتلأت بالقاذورات , وكانت الرائحة هناك لا تطاق .. فحاول إيقافها , لكنها كانت تمسك برجله بقوّةٍ تعادل ثلاثة رجال رغم جسدها النحيل ..وهنا صرخ بعلوّ صوته :
- إتركيني يا هذه !!! 

فالتفتت عليه , ليرى وجهها الشاحب وعينيها البيضاوتين , ممّا أخافه للغاية حيث تجمّد في مكانه ! بينما أكملت هي سحبه ..الى ان وصلا الى غرفة موجودة هناك  

ثم تركت قدمه , ليركض كالمجنون باتجاه الباب الذي وجده مقفلاً .. اما هي فقد جلست بهدوء على كرسيها , وبدأت تسرّح شعرها الطويل المبلول امام مرآتها المكسورة , وهي تدنّدن اغنيةً ما ..
ثم قالت له دون ان تنظر اليه : أتذكر هذه الأغنية التي أهديتني ايّاها في عيد ميلادي ؟ انا أغنيها دائماً 

وعادت لتدنّدن نفس الأغنية التي أحسّ الشاب بأنه سمعها من قبل ! فاقترب ببطأ خلف الفتاة ليشاهد وجهها الحقيقي من خلال المرآة , وقد عرفها على الفور ..انها إيميلي ..أكثر فتاة أحبّته في حياته , وأكثر النساء التي عرّفهنّ براءةً .. 

وكان تعرّف عليها قبل خمسة سنوات من خلال الفيسبوك , وهي الوحيدة التي لم تعرف شخصيته الحقيقية فهو اخترع لها شخصية رومنسية وطيبة بعيدةٌ تماماً عن خبثه ومكره .. 

وقد أغرمت به بجنون بعد سنة واحدة من التعارف.. وحين تأكّد من وقوعها اخيراً في شباكه , طلب منها ان تقابله في فندقٍ ما .. ولأنه يعرف تماماً بأن هذه المراهقة العذراء لن تقبل بعلاقة قبل الزواج , فقد دسّ لها المخدّر في شرابها ..

لتستيقظ في صباح اليوم التالي لوحدها بالفندق , وامامها على السرير  ظرف به رزمة من المال مع ورقة كتب عليها : ((لقد أخذت ما اريده , ودفعت لك ثمنه .. فلا تحاولي الإتصال بي مجدّداً , فلديّ العشرات غيرك ولا ارغب بتضيّع المزيد من وقتي الثمن معك .. التوقيع : حبيبك مايكل))

وفي مساء ذلك اليوم .. وصل خبر انتحارها لمايكل بعدما رمت بنفسها فوق الجسر .. لكن الشرطة لم تجدّ يوماً جثتها , ورجّحوا بأن جسدها سُحب ناحية المجاري لأن مصبّه كان قريباً من مكان انتحارها .. 

وبعد ان تذكّر مايكل قصتها , اقترب من شبحها قائلاً لها بخوف :
- انا آسف يا ايميلي , لقد أخطأت بحقك كثيراً .. أعتذر منك 
فقالت وهي تنظر الى شكلها في المرآة : لقد أحببتك بصدق يا مايكل 
- أعرف هذا , وانتِ بالفعل كنتِ أصدق النساء اللآتي تعرّفت عليهنّ , وكنتِ.. 
فقاطعته قائلة : هل حزنت لوفاتي ؟
- بالحقيقة نعم .. فأنا لم أرغب لك بهذه النهاية المأساوية

لكنها فجأة !! قفزت عليه لترميه على الأرض وتصرخ في وجهه:  
- كاذب !! لقد خدعت براءتي وحبي الصادق لك .. انا الوحيدة التي أحببتك لنفسك , دون ان أهتم لثروتك وجمالك 
فقال وهو يرتجف على الأرض : أعرف هذا .. ارجوك سامحيني 
فقالت وهي تجلس فوقه : لن اسامحك ابداً .. لقد قضيت عليّ , وسأقضي عليك الآن 

وهنا لم يجد نفسه الاّ وهو يطرحها ارضاً , بعدما رفعت عليه قطعة زجاجٍ حادة , أخرجتها من جيبها.. ثم أسرع نحو الباب ليجده هذه المرة مفتوحاً ! 
وركض بأسرع ما يمكنه في الممرّات النتنة المضاء جوانبها بلمباتٍ صغيرة وضعتها البلدية لعمّال المجاري .. 

ووصل أخيراً الى مصبّ الصرف الصحي نحو البحر .. وتوقف هناك متردّداً خاصة انه على علوّ طابقين .. لكن ما ان سمعها تصرخ وتناديه من بعيد : 
- مايكل !! مايكل لا تتركني مجدّداً ..ارجوك حبيبي !!!
وكان صوتها يقترب أكثر وأكثر من مكانه , فلم يجد نفسه الا وهو يقفز نحو البحر..
*** 

استيقظ بعدها ليرى نفسه يقف وسط جنازة تحت المطر .. وشاهد هناك اصدقائه واقربائه بلباسهم الأسود وهم يحملون المظلّات ويتابعون مراسم الدفن ..فاقترب منهم وهو يسألهم بقلق :
- من الذي مات ؟! جوزيف صديقي من تدفنون ؟ آدم .. جنازة من هذه ؟!
لكن لا احد أجابه , وكأنهم لا يرونه بينهم .. وعندما اقترب من التابوت شاهد نفسه مدفوناً بداخله ! 

وسمع أحد المعزّين يقول للآخر :
- لقد غرق في حوض استحمامه البارحة , يبدو انه كان سكراناً 
فصرخ مايكل برعب :
- لا !!! انا لم أمت يا اصدقاء , انا بخير .. انظروا اليّ !!
لكنهم لم يلتفتوا ناحيته ! ووقف هناك مذهولاً وهو لا يصدّق بأنه يشاهد عملية دفنه , وكيف رموا بالتراب فوقه !

ومن ثم ذهب كل واحداً منهم نحو سيارته .. فأسرع بركوب السيارة التي بها صديقيه , ليتفاجأ بأنهما يضحكان ويسخران من موتته !
حيث قال صديق طفولته جوزيف : واخيراً ارتحنا من هذا الشقيّ 
آدم (مساعده الأيمن في الشركة) بارتياح : نعم , وسنتقاسّم شركته فيما بيننا , بعد ان نعطي الفتات لأقربائه
جوزيف : طبعاً ..فاللعين أخفى عنهم نجاحاته المتكرّرة , وأوهمهم بأن شركته على وشك الإفلاس , وكأنه كان يخطّط لوفاته 

آدم : لا , لا أظن هذا المتغطرس يفكّر بالإنتحار .. لكني يبدو ان الله استجاب لدعوة البنات المظلومات التي خدعهنّ طوال عمره  
جوزيف : صحيح , يكفي ما حصل للمسكينة ايميلي بسببه 
آدم : رحمها الله .. (ثم ينظر من نافذة السيارة) .. وهآقد وصلنا الى قصر المغرور .. سنقدّم التعازي لأهله , ثم نذهب الى البار لنحتفل بفوزنا بشركة هذا الغبي 
جوزيف بابتسامة : اتفقنا اذاً , والمشروب على حسابي

ونزلا من السيارة وخلفهما مايكل مذهولاً تماماً مما سمعه ! فهو عاش حياته كلّها لا يثق بأحد سوى بهاذين الصديقين اللذين كانا اليوم أسعد الناس بوفاته !

وقبل ان يدخل مايكل الى قصره الذي اكتظّ بالمعزّين .. جلس على حافة بركة المياه في حديقته وهو يستذكر المعاصي التي ارتكبها في حياته .. كما تذكّر دموع الفتيات وهو ينهي علاقته القصيرة بهنّ.. كما تذكّر منظر  ايميلي وهي نائمة كالملاك على سرير الفندق بعدما خدّرها هناك ..

وفجأة ! سمع صوت ايميلي قادماً من تحت البركة تقول له :
- لقد وعدّتني بأن نبقى سويّاً طوال العمر .. هل تذكر ؟
وقبل ان يبتعد من البركة مرتعباً .. خرجت يدها من داخل البركة لتسحبه الى أسفلها , وهي تقول :
- لنعدّ الى بيتنا .. في المكان الذي يليق بغرورك ايها التافه

وسحبته مجدّداً الى بيتها العفن .. حيث علا صدى ضحكاتها في أرجاء المجاري القذرة والموحشة , ليواجه هناك مصيره المرعب والمجهول !  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...