الجمعة، 7 أكتوبر 2022

الإحتفال السرّي

تأليف : امل شانوحة 

 

سن الأربعون


طُبّق في إحدى القرى الأمريكيّة قانونٌ سرّي بين رجال طائفةٍ دينيّة مُتشدّدة ، فرضه رئيسهم العجوز وهو : ((أيّ شاب يصل لعمر الأربعين  يحقّ له مرة واحدة في حياته أن يخالف إحدى الوصايا العشر ، كإحتفالٍ على نضوجه !))


وفي تلك الليلة الباردة ، وبعيداً عن نكد النساء وضجّيج الأولاد .. توجّه الرجال ، بمن فيهم الشباب الثلاثة الذين أتمّوا سن البلوغ (حسب قانون قريتهم) للإحتفال بهم وسط الغابة ، آخر الليل ..


وبعد تناولهم اللحم المشويّ .. تقدّم الشباب للإختيار من بين الأوراق المطويّة داخل صندوقٍ يحمله الرئيس ..

فحصل الأول على ورقة الزنا.. 

فهلّل فرحاً ، لرغبته بتجربة بيت الدعارة المتواجد بالقرية المجاورة ، بعكس نسائهم الممنوع لمسهنّ دون زواج ..


اما الشاب الثاني ، فسحب ورقة السرقة 

فسأل بقيّة الرجال ، ممازحاً :

- من يسمح لي بسرقة دكّانه ؟

فقال له الرئيس : إنصحك بإتمام المهمّة خارج القرية ، فعنصر المفاجأة ضروري لنجاح السرقة.. 

الشاب بفرح : وهل ستسمح لي أخيراً بالخروج من القرية ؟ 

الرئيس : فقط الليلة ، مثل الشاب الذي قبلك .. ويمكنك سرقة البقالة بمحطّة البنزين على الطريق العام


الشاب بقلق : ماذا لوّ قُبض عليّ بواسطة كاميرات المراقبة ؟!

الرئيس بلؤم : حينها سنتخلّى عنك ، كما فعلنا مع غيرك

- اذاً دعوني أسحب ورقة أخرى

- لا !! كل شخص لديه فرصة واحدة فقط 

الشاب : وإن تنازلت عن حقّي ؟

- لن نعاملك كرجلٍ ناضج ما حييت 


فنظر الشاب ، للرجال المتواجدين بالحفل : 

- يعني جميعكم نجح بارتكاب ذنبٍ كبير في حياته ؟!

فأومأوا برأسهم إيجاباً .. 

فسألهم الشاب : ومن منكم حصل مثلي على ورقة السرقة ؟

فرفع ثلاثة ايديهم..


الشاب بصدمة : ثلاثة فقط ، من ضمن ١٠٠ رجل ؟!

فأجابه الرئيس : حصل عليها اكثر من عشرين شاباً على مدى سنوات .. بعضهم استغلّ فتحي البوّابة للهروب لمناطق أكثر تحرّراً ! وبعضهم قُتل برصاص الباعة والحرس ..او قُبض عليه ، وانقطعت أخباره

الشاب بضيق : يعني اخترت أصعب مهمّة ؟!

الرئيس : لا ، هناك أسوء منها


فاقترب منه الشاب الثالث (جايكوب) وهو يقول بعصبية : 

- نفّذ مهمّتك دون مجادلة ، ودعني اختار ورقتي

فردّ الشاب بتردّد : حسناً .. سأحاول السرقة من دكّان صغير ليس فيه كاميرات  

الرئيس : المهم أن تعود للقرية بغضون ثلاثة ايام


فقال أحد الرجال مستفسراً : ماذا لوّ اشترى الحاجيات ، وأوهمنا انه سرقهم .. كيف سنتأكّد من صدقه ؟

الرئيس : هو سيخرج من هنا دون مالٍ او هويّة ، كيّ لا يهرب كما فعل الأغبياء السابقين 

الشاب بضيق : انها مهمّة صعبة ، فوالدتي ربّتني على الفضيلة

الرئيس بحزم : إيّاك معرفة النساء بقوانينا السرّية وإلاّ قطعنا لسانك !! هيا إذهب مع الحارس لتفتيشك ، قبل فتحه البوّابة..ونحن سنخبر امك اننا ارسلناك بمهمّة تسويقيّة


وبعد ذهابه مع الحارس .. جاء دور جايكوب الذي صرخ بسعادة ، بعد سحبه ورقة القتل ..

فاندهش الرجال من حماسه !


الرئيس : هذه الورقة لم تظهر منذ سنواتٍ طويلة ، فلما انت سعيدٌ بها ؟!

جايكوب بقهر : لأنكم شنقتم والدي ظلماً ، بتهمة قتل الطفلة بعد إعتدائه عليها !

فقال الحارس العجوز : هو الوحيد الذي كان سهراناً تلك الليلة ..

وقال جار الرئيس : وانا شاهدته يحمل جثتها ، قبل مناداتي الحارس للقبض عليه 


جايكوب صارخاً : مُخطئان !! كانت بقرتنا مريضة تلك الليلة ، وابي سهر على رعايتها في الزريبة .. وتوجّه للطفلة بعد سماعه صراخها ، ليجدها مقتولة بحقل الذرة .. لهذا انا سعيدٌ اليوم ، للإنتقام من الظلمة 

الرئيس بحزمٍ وقلق : لا يحقّ لك سوى قتل شخصٍ واحد ، وتنفيذ الأمر قبل الفجر 

جايكوب مُعترضاً : ولما أعطيت الشاب الذي قبلي ، مهلة ثلاثة ايام؟

الرئيس : لأن السرقة تحتاج لتدبيرٍ وترويّ

جايكوب بعصبية : والقتل ايضاً !!


الرئيس بحزم : ممنوع تغيّر القانون الذي وضعته بنفسي .. معك حتى الفجر فقط !! 

جايكوب : يعني أقل من ساعتين !

الرئيس : صحيح

فنظر جايكوب للرجال : إذاً إنهوا سهرتكم باكراً ، لأني سأبدأ التنفيذ بعد قليل.. فأنا أخطّط لهذا اليوم منذ طفولتي 


وبعد ذهابه ، تهامس ثلاثة من كبار القوم (الذين وافقوا على إعدام ابيه) بخوف :

- ما كان علينا السماح له بالإحتفال معنا 

- بلغ الأربعين ، وهو قانون مُطبّق في قريتنا منذ ثلاثين عاماً

- لما لا نحاول إقناعه بإتمام مهمّته خارج القرية ؟

- لأنه مصرّ على قتل أحدنا ، للإنتقام لأبيه 

- اذاً لنحتمي بين نسائنا واولادنا ، فالقانون يمنعه إقتحام المنازل والزرائب


وتفرّق الجموع ، وهم يهرولون بأقصى سرعتهم للوصول الى منازلهم .. بعد اختفاء جايكوب داخل الغابة التي خبّأ فيها سلاح والده القديم ! 

***


قبل دخول الرئيس الى منزله ، سمع طلقةً قادمة من زريبة جاره !

- هل أنهى مهمّته بهذه السرعة ؟! 


وأسرع بدخول غرفته وهو ينهج رعباً ، فسألته زوجته التي استيقظت من النوم :

- من أطلق النار بهذه الساعة المتأخرة ؟!

فأجابها : ربما اراد جارنا إفزاع الثعلب من الٌإقتراب من قنّ دجاجه .. عودي للنوم


فأدارت وجهها .. بينما تنهّد بارتياح لانتهاء الأزمة ، بعد قتل جايكوب جاره الذي كان الشاهد الأساسي لتورّط والده بالقتل .. وبذلك انتهى كابوس الليلة


وقبل استغراقه في النوم ، سمع طلقةً ثانية !

فقال بنفسه بضيق : 

((الغبي !! أفهمته انه لا يحقّ له القتل سوى مرة واحدة ، لما يصرّ على مخالفة القوانين ؟ هل فقد عقله ؟!)) 


وأسرع للصالة ، وشقّ الباب الخارجيّ قليلاً.. ليرى الوضع هادئاً بالقرية ، فلا احد تجرّأ على الخروج لمعرفة مصدر الرصاص !


وقبل إغلاق الرئيس باب منزله ، سمع طلقةً ثالثة !

- لا هذا كثير !! 


وأخرج سلاحه من خزانته .. فلحقته زوجته التي استيقظت من صوت الطلقات الناريّة ، وهي تسأله بخوف : 

- اين تذهب بالبندقية ؟!

زوجها : يجب إيقاف الملعون

- من تقصد ؟! هل هناك دخيل على قريتنا ؟!

- ربما ! إنزلي مع البنات للقبو واحتمينّ هناك ، ريثما اعود


وهنا سمِعا طلقةً اخرى..

الرئيس بغضب : لقد فقد عقله بالفعل !!

- من ؟

فصرخ في وجهها :

- إحمي البنات يا امرأة !!


لتسقط فجأة امامه بعد إصابتها برصاصةٍ اخترقت نافذة الصالة ، وقلبها ! 

فصرخ الرئيس بهستيريا : يا مجنون !!!


وخرج من منزله ، ليُفاجأ بجثث كبار القرية الثلاثة مكوّمين فوق بعضهم عند باب حديقته ! 

ثم رأى ابن جاره يركض باكياً ، ويخبره بمقتل والده في الزريبة !

 فصرخ الرئيس بعلوّ صوته :

- لا يسمح لك بالقتل سوى مرة واحدة !!  


ففتحت النساء ابواب منازلها ، بعد سماعهنّ صرخة الرئيس .. وسألته احداهنّ بدهشة :

- من قال إن القتل مسموحٌ في قريتنا ؟! 

ثم انتبهت على الجثث قرب منزله : 

- من قتل كبارنا ؟ .. تكلّم رجاءً !!


فصرخ الرئيس على النساء : 

- أدخلنّ منازلكن فوراً !! فهناك قاتلٌ متسلّسل في قريتنا .. إحموا  الأطفال وكبار السنّ ، ولا تخرجنّ لحين انتهاء الأزمة !!


فأسرعنّ مع اطفالهن للإحتماء في قبو منازلهن .. بينما ركض الرئيس لمنزل حارسه ، لمساعدته بالقبض على القاتل الطليق .. ليفاجأ به مشنوقاً في صالة منزله ! 

- ماذا ! هل انتحرت ام قتلك الملعون شنقاً ؟ ماهذه الليلة المشؤومة؟!


وعاد للخارج ، متوجهاً نحو مصدر الطلقة الجديدة من الغابة..

ثم اختبأ خلف شجرة ، وهو يوجّه سلاحه نحو الظلام .. ويقول بصوتٍ مرتجف :

- إسمع يا جايكوب !! أعترف إننا تسرّعنا بشنق والدك دون التحقيق بمقتل الطفلة .. وكلّه بسبب جاري الذي شهد ضدّه .. 

وقبل إكمال كلامه .. ظهر نورٌ وسط الغابة ، مُتزامناً مع طلقةٍ جديدة !


فتوجّه نحو النور بحذر .. ليجد رجلين مقتولين قرب موقد النار ! كانا شاهديّ الزور على طباع والد جايكوب المنحرفة باستغلال الأطفال (حسب كلامهما)


الرئيس بخوف : حسناً يا جايكوب !! هآ انت قتلت الشهود الثلاثة ، بما فيهم الحارس الذي شنق والدك .. وثلاثة من كبار القرية الذين أصدروا الحكم بإعدامه.. كما أسامحك على قتلك زوجتي بالخطأ .. فقط سلّم سلاحك !! ولن يعرف احد انك مرتكب جرائم الليلة ، أعدك بذلك


ليشعر الرئيس فجأة بألمٍ مبرح ، بعد اختراق رصاصة قدمه الأولى .. ثم الثانية ..ثم ذراعه الأيمن .. ثم الأيسر ! حتى صار يتلوّى امام موقد النار بألمٍ شديد


وهنا خرج جايكوب من خلف الشجرة الضخمة (في الغابة) ، حاملاً بندقية والده ..


فسأله الرئيس بألم :

- الا يكفي قتلك زوجتي ، أتريد تعذيبي ايضاً ؟!! 

- قتلتها لأنها نشرت الإشاعات الكاذبة بين النساء ، لتثبيت التهمة على والدي .. وكنت أودّ قطع لسانها ، لكن موتها امام عينيك أفضل انتقام .. اما انت !! فتستحق الموت ببطء .. لأنك المجرم الحقيقي الذي اعتدى على الطفلة

الرئيس بخوف : كذِبَ من أخبرك بذلك ؟!

- رأيتك بنفسي وأنت تُدخلها مكتبك ، بعد أن أغريتها بالحلوى .

- هذه تخيّلاتك ، فالجريمة حصلت في وقتٍ متأخرٍ من الليل


جايكوب بغضب : إستيقظت لأساعد ابي برعاية البقرة ، ولمحتك معها .. ولأني صغير ، لم توافقوا على شهادتي بمحاكمة ابي ! .. فانتظرت سنواتٍ طويلة ، لأنتقم منكم جميعاً !! 

الرئيس : وما أدراك إن احتفالنا السرّي يسمح لك بهذه الفرصة ؟! 

- حين أذنتم لي ولأمي بوداع ابي ، همس بأذني بسرّ الرجال .. وطلب مني الإنتقام له ، بعد بلوغي الأربعين 

- وكيف تأكّدت من حصولك على ورقة القتل ؟! عادةً أضع ورقة واحدة لهذا الذنب الكبير ، وأكرّر الذنوب الأخرى بعدّة اوراق !  


جايكوب : لأني كتبت القتل في ورقةٍ صغيرة ، أخفيتها بيدي قبل إدخالها في صندوقك .. الأمر لا يحتاج ذكاءً خارقاً ، ايها الأبله !!  

- أتغشّ في امتحان الرجولة ؟

جايكوب بغضب : وهل الرجولة عندكم بعصيان الربّ ؟!! ...(ثم تنهّد بضيق) ..المهم انني نفذت وصيّة والدي ، وقتلت المتورّطين بتشويه سمعة عائلتي .. ولم يبقى سواك

الرئيس بخوف : جعلتني معاقاً ، فماذا تريد ايضاً ؟

فردّ ساخراً : أن أُصبح رجلاً ناضجاً 

- هآقد بزغ الفجر ، وانتهت فرصتك

جايكوب غاضباً : ومن قال إن قوانينكم الغبية تهمّني !!

وأطلق النار على رأسه..


ثم أسرع لمنزل الحارس قبل شروق الشمس ، ووضع سلاح الجريمة امام جثته المشنوقة.. وكتب على جدار صالته :

((سامحوني ..لم أعد أحتمل اوامر كبار القرية ، فقتلتهم جميعاً.. وسأنتحر بعد قليل))

***


ثم عاد جايكوب الى منزله ، ونام على سريره بضميرٍ مرتاح .. بينما استيقظت قريته على مقتل تسعة من رجالها ! وهم يظنون أن حارسهم فقد عقله قبل انتحاره.. وبذلك خُتمت القضية دون معرفة أكثريّة الأهالي بالقاتل الحقيقي .. رغم شكّ بعض الرجال بأنه جايكوب (لحصوله على ورقة القتل اثناء تجمّعهم في الغابة) لكن لا أحد منهم تجرّأ البوح بذلك ، خوفاً من جنونه !


وبسبب ما حصل .. أُلغيت الحفلة السرّية ، لحماية الكبار من تهوّر الشباب .. خاصة بعد مقتل الشاب الذي فشل بسرقة البقّالة .. وهروب الشاب الآخر مع فتاة ليل ، لعالمٍ أكثر تحرّراً ! 


هناك 7 تعليقات:

  1. الصورة لناس من الاميش هم يشتهرون انهم ناس معزلون جدا عن باقي العالم لم اسمع انهم يقومون بامور مثل التي في القصة لكن العزلة عن العالم قد تؤدي لامور مشابهة

    ردحذف
  2. ان هذه القصص لتذكرني بالقرون الوسطى في اوروبا اللعينه
    ولكن اما كان يجب ان تظهر فيها ريم !
    في مرحلة ما ..
    مثلا يعني ..
    فترتقي هذه الصخرة مثلا ثم تكشف عن السر العظيم !
    مثلا يعني ..برضه ..
    هههههه ..حسنا ..لا تغضبين اخت امل فانا امزح
    وهذا ليذكرني بما قراته لاجاثا كريستي في كتابها تعال قل لي كيف تعيش حينما عانت
    من قراءها فقالت لاحدهم تعال تفضل خذ قلمي واجلس على مكتبي مكاني واكتب القصه بدلا مني كما تحب ههههه
    فاصيب الرجل بالفالج هههه

    ردحذف
    الردود
    1. طالما الظروف التي عشتها ضاغضة نفسياً ، فكتابة قصص الرعب والجرائم كانت اسهل لي .. الحمد الله تحسّنت الكهرباء والماء هذا اليوم ، فربما اجد افكارا هادفة واجتماعية بالأيام القادمة ان شاء الله

      حذف
  3. وللعلم فقط بقى يعني انني طلبت اوردر منذ ثلاثة ايام ولم يصل حتى الان

    كان بيتزا صغيره بالمصيفات الجويه
    وزجاجة سفن اب مجمده
    وكيس شيبسي وسط بالجبنه والفراخ المتنيله ع الفحم
    وكرتونة تفاهه
    وصندوق هيافه
    وقرطاس لب اخضر وراور
    والحساب عند اخونا بن اليمن عقابا له
    ههههه
    😅😅😅😅😅😅😅😅😅😅😅😅

    ردحذف
  4. رغم انها انتهت انتصار القاتل عن احدى طوائف الدينيه المتشدده وهي عادات موجوده وفي منها واقع الظلم والقهر استاذه امل قمة القهر انك ترى من يشوه سمعتك انتظر يعقوب 40 سنه لينتقم لابيه عندما تدتخل المصلحه والمال كحال قصة غوار ومقتل زوجته نوار ايام/استمري بما تشعري اكتبي ما تشعري به لانها راح تنبع من القلب استاذه امل الله يهدي بالك يارب بfo

    ردحذف
  5. لافيكيا سنيورا


    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
  6. لا شابوا ومیت شابوه للکاتبه

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...