الاثنين، 13 يوليو 2020

إذا انتحرت , سأقتلك !!

تأليف : امل شانوحة

 
طاقتك الإيجابية ستنقذك من الموت ! 

إقترب شابٌ مُكتئب بخطواته المتثاقلة من حافة الجبل .. وتنهّد بضيق وهو ينظر للأسفل لمراقبة الضباب الذي أخفى العمق السحيق للوادي ..

أغمض عيناه المترقرقة بالدموع , وهو ينوي إنهاء حياته البائسة ..
وقبل ثواني من قفزه , شدّه أحدهم من ذراعه للخلف .. فسقط على الأرض من هول الصدمة ! 

ونظر خلفه .. ليجد رجلاً في الخمسينات من عمره , ينظر اليه بحنان ويقول :
- أنظر !! بيتي هناك 

فرأى الشاب كوخاً صغيراً يبعد امتاراً عنهما , بالكاد يُرى خلف الضباب .. وأكمل الرجل قائلاً :
- تعال نشرب الشاي معاً , ونتدفأ بهذا الجو البارد

فقال الشاب وهو ينظر الى رداء الرجل الأبيض :
- هل انت طبيب ؟
- نعم , طبيبٌ نفسيّ
- لا احب التكلّم عن مشاكلي الخاصة 
الطبيب : الكثيرون يتجنّبون القدوم لعياداتنا خوفاً ان يظنهم الناس مجانين .. لكن عملنا الحقيقي هو مشاركتكم همومكم , اما العلاج فبأيديكم .. وبصراحة لن اسمح لك بالإنتحار 
- وما شأنك انت ؟
- أصبح واجبي منذ انتقالي الى هنا , بعد إغلاق عيادتي في المدينة .. عقب قراءتي لمقال عن تزايد المنتحرين من هذا المكان بالذات 
- وهل استطعت إنقاذ احدهم ؟

الطبيب بفخر : خلال 5 سنوات أنقذت 34 شخصاً , معظمهم شباب في مثل عمرك  
- لا اظنك ستنجح معي , فحالتي ميؤوسٌ منها
- جميعهم يقولون الشيء ذاته .. تعال للداخل لنفضّفض قليلاً , فأنا مستمعٌ جيد .. ولا تخفّ , الجلسة مجانية.. هيا ماذا ستخسر ؟ على الأقل تخبر أحد بمعاناتك قبل انتحارك ..

فاقتنع الشاب باقتراحه , ومشى خلفه .. الى ان دخلا الكوخ الذي ليس فيه سوى كنبة مريحة وكرسي قرب موقد النار , وغرفة نوم داخلية ومطبخٌ صغير ..

فاستلقى الشاب المنهك على الكنبة .. بينما جلس الطبيب قربه على الكرسي , مُمسكاً دفتره وقلمه اثناء طرحه الأسئلة 
- اولاً .. ماهو اسمك ؟
- جاك
الطبيب : اسمك الكامل لوّ سمحت ؟
- جاك فقط , فأنا لا احب ابي ولا افتخر بنسبه 
- لماذا ؟
- هجر امي اثناء حملها بي , ليتزوج صديقته !  
- وما عمل امك ؟ 
- الغريب انها لا تعمل , ومع ذلك لم ينقصنا المال يوماً ! ربما ارسل اقاربها رواتباً شهرية , فأنا لم اسألها عن هذا من قبل
- وكم عمرك الآن ؟ 
جاك : 32 سنة

الطبيب : وماهي دراستك ؟
- تركت الهندسة في سنتي الثانية  
-  لكي تعمل ؟
جاك : بل لتسكّع مع اصدقاء السوء الذين تسبّبوا في ادماني لسنوات .. الى ان بلّغت امي الشرطة , فأرسلوني لمركز علاج المدمنين  
- وهل تعالجت هناك ؟
- نعم , وقاطعت امي بعدها
الطبيب : هي ارادت مساعدتك ؟!
- اعرف هذا , لكني فقدّت ثقتي بها وبالناس جميعاً .. حتى انني لم أزرّ قبرها !
- ثم ماذا حصل ؟
- عملت بوظائف زهيدة الأجر , بالكاد تكفي اجرة شقتي الصغيرة 

الطبيب : وهل ضيق الحال دفعك للتفكير بالإنتحار ؟
- بل كسرة قلبي
الطبيب : من حبيبتك ؟
- لا زوجتي
- آه متزوج ! هل لديك ابناء ؟
- طفلةٌ رائعة , حُرمت رؤيتها بعد الطلاق 
- الم تفكّر بشعورها حينما تكبر وتعرف ان والدها فضّل الإنتحار على العيش معها ؟
جاك بعصبية : قلت لا استطيع رؤيتها !! الم تسمعني ؟
- بلى .. لكن يوماً ما ستصبح فتاة كبيرة يمكنها زيارتك دون إذن امها .. الم تفكّر بالمستقبل ؟
- لا استطيع الإنتظار كل هذه السنوات 
- صدّقني , الحياة تمضي بسرعة .. الم تكن البارحة طفلاً صغيراً ثم مراهقاً , والآن شاباً يافعاً ؟

جاك بيأس : لا اشعر انني شاب , بل كهلٌ عجوز 
- طبيعي ان تُحبطنا الحياة من وقتٍ لآخر
- لا اذكر متى آخر مرة فرحت بها 
- الم تفرح ليلة عرسك ؟
- بلى
- وماذا عن يوم ولادة طفلتك ؟
- بكيت من فرط السعادة

الطبيب : اذاً الحياة لا تخلو من لحظاتٍ سعيدة .. لكنك تركّز طاقتك على ذكرياتك السيئة , وهو سبب إكتئابك 
- كل ما اتمناه ان اكون كبقية البشر , اعيش في منزلٍ مريح مع زوجتي وابنائي .. فهل ما اطلبه كثير ؟!
- لا , ويمكنك تحقيقه بسهولة 
- كيف ؟
- تزوج مرة اخرى , وحاول من جديد
جاك : المحكمة أمرتني بدفع نفقة الطفلة , ولا طاقة لي بتكرار التجربة
- اذاً جد عملاً آخر يزيد من مدخولك المادي.. 

فاكتفى جاك بالتنهد بضيق دون اجابة !
الطبيب : حسناً لنتكلّم عن شيءٍ آخر .. ما هو حلمك حين كنت صغيراً ؟ أقصد ماذا اردت ان تكون ؟
- لاعب بيسبول 
- هل كنت بارعاً ؟
- أفضل لاعب في الجامعة .. ولوّ اكملت دراستي , لأصبحت لاعباً محترفاً بعد التخرّج  
- ولما لا تتابع حلمك ؟
- كبرت على هذا 

الطبيب : أقصد لما لا تدرّب فريق البيسبول في الجامعة ؟
- مستحيل ان اعود لجامعتي القديمة 
- إذاً إخترّ جامعة اخرى , واعرض موهبتك على الإدارة .. فربما يوافقون على تدريبك فريقهم .. وتنتقل بعدها لتدريب الفرق المحترفة 
فسكت جاك وهو يفكّر بالأمر ..فأكمل الطبيب كلامه :
- ولوّ كنت محلك , أستغلّ وجودي هناك لإكمال دراستي .. وأتخرّج مع فريقي من الجامعة , لأكون قدوتهم .. ما رأيك ؟
جاك : حلمٌ جميل , لكن كما قلت لك : عليّ العمل بنقل البضائع بين المدن لتوفير المال لطليقتي , ولا وقت لديّ لمتابعة احلام المراهقة
- عملك كمدرّب يُكسبك ضعف راتبك الحاليّ , فكّر جدّياً بالأمر 

فأسرع جاك قائلاً , وهو يقوم من الكنبة ..
- لا , موتي اسهل بكثير .. أقفز من الجبل , وينتهي شقائي على الفور 

وتوجه نحو باب الكوخ الذي ما ان فتحه , حتى وجد شخصاً مقنعاً ينتظره بالخارج ..
وفجأة ! فقد وعيه , بعد تلقيه ضربة على مؤخرة رأسه 
***

حين استفاق .. وجد جثة الطبيب على الأرض , غارقاً بدمائه !
والرجل المقنع يجلس مكانه على الكرسي وهو يحتسي الشاي , ويراقبه اثناء محاولته فكّ رباطه عن الكنبة ..
جاك بخوف : دعني اذهب , ارجوك !!
الرجل المقنع : ليس قبل ان نتحدّث سوياً 
- وماذا تريد مني ؟!

فقال الرجل بنبرة تهديد : إن حاولت الإنتحار , سأقتلك !! 
- ماهذا الهراء ؟!.. ولما قتلت الطبيب ؟
- لا احب ثرثرة الأطباء النفسيين , فهي تصيبني بالصداع .. الم تلاحظ شيئاً بعد ؟
فقال الشاب المقيد : أشعر بشيءٍ قاسي تحت بنطالي ! 

فاقترب الرجل المقنع منه ورفع بنطاله , ليرى الشاب سواراً حديديّ حول فخده ..
- ماهذا ؟!
فعاد الرجل المقنع الى الكرسي , قائلاً بلا مبالاة : 
- قنبلةٌ موقوتة 
جاك بهلع : ماذا !
- لا تفزع , لن أفجّرها الآن 
- ماذا تريد مني بالضبط ؟!!
- سؤالٌ جيد .. بعد قليل سأفكّ قيودك .. فإن حاولت القفز من الجبل , أفجّر ساقك .. وكما تعلم , تمزيق عرق الفخذ يؤدي لنزيفٍ حادّ يودي بحياتك .. تماماً كما يحصل مع عضّات اسماك القرش
- أفهم من كلامك .. ان حاولت الإنتحار , تقتلني ؟
- بالضبط 
- وما المطلوب مني ؟

الرجل المقنع : ان تصحّح اخطاء حياتك .. أترى الجهاز الذي بيدي , استطيع بواسطته قياس طاقتك السلبية من خلال السوار الذي لا يستطيع احد فكّه سوايّ ..فإن وجدت ان سلبيتك زادت عن 90 بالمئة , أفجّر ساقك لتموت ببطءٍ وألمٍ شديد .. وإن نقصت سلبيتك عن 40 بالمئة , اضغط على هذا الزرّ , فينفكّ السوار وتتحرّر مني .. كما يوجد في الجهاز ..
- وماذا تستفيد من ذلك ؟!
الرجل بحزم ولؤم : لا تقاطعني يا ولد !! الجهاز فيه كاميرا وميكروفون , لرؤية وسماع كل ما يجري معك خلال يومٍ واحد 
- يومٌ واحد ؟!

الرجل المقنع : نعم , عليك تحسين نفسيتك خلال 24 ساعة فقط .. إعتبرني عزرائيل , أتيت لأخبرك انه بقي يوم واحد من حياتك .. فكيف ستقضيه , الأمر يعود اليك .. آه قبل ان انسى .. لا تحاول فكّ السوار , لأنه سينفجر على الفور .. وان أخبرت احداً بوجوده تحت بنطالك , سأقتلك انت والشهود .. (ووقف قائلاً) .. الآن سأدعك تذهب .. وان نجحت في الإختبار , يُكتب لك عمر جديد 

وما ان فكّ قيوده , حتى انطلق جاك هارباً من الكوخ .. والرجل المقنع يصرخ خلفه :
- إستغلّ يومك جيداً , فمصيرك بين يديّ .. هل سمعت ؟!!  
***

وبعد اختفاء الشاب في الضباب , أغلق الرجل المقنع الباب .. واقترب من جثة الطبيب وهو يقول :
- هيا استفق , لقد ذهب  
فقام الطبيب وخلع ردائه الأبيض المصبوغ بالدماء المزيفة , وهو يقول : 
- جيد انه استعاد وعيه بسرعة بعد ان ضربته بالعصا , خفت ان اكون تسبّبت له بنزيفٍ في المخ
- تتكلّم وكأنها اول مرة ننفذّ فيها خطتنا ! ..المهم , هل تظنه سينجح بالإختبار ؟
الطبيب : الجهاز سيحدّد ذلك 

الرجل المقنع : أتدري .. لوّ كنت مكانك لحصلت على براءة اختراع , فلا وجود لجهاز يقيس الطاقة السلبية في الأسواق !
- هو يقيس توترهم فقط 
- الم تقل .. 
الطبيب مقاطعاً : نعم , قلت ذلك لتُقنع المرضى بأنهم مراقبين  
- يعني لا يوجد بالسوار كاميرا وميكروفون ؟!
- فقط جهاز تنصّت لسماع حواراتهم خلال 24 ساعة القادمة .. فإن خفّت ذبذبات توترهم , فهو دليل على نجاح العلاج .. والآن اجلس لأريك الحالات التي عالجتها اثناء سفرك 

وجلسا قرب الموقد , بعد انقلاب الصورة الكبيرة التي فوقه الى تلفاز ! 
ومن خلاله , شاهد الرجل المقنع فتاةً مراهقة مربوطة بالكنبة ..
- إخبرني قصتها باختصار ؟

الطبيب : كانت تتبع رجيماً قاسياً أصابها بالهزال والإكتئاب شديد
- ولما كل هذا ؟
- لهوس امها بجعلها بطلة اولومبية بالجمباز .. فحاولت إقناعها باتباع حلمها بالغناء المسرحي  
- وهل وضعت لها السوار بنفسك ؟
- لا , استعنت بموظفي جيم .. لأن عليّ تمثيل دور الميت , ليقتنعوا بعنف الرجل المقنع وينفذوا طلباته دون مراوغة او تأجيل 
الرجل المقنع بقلق : اعرف هذا , لكن الا تخاف ان يفضحنا ؟
- أخبرته انها تمثيلية , وعليه وضع القناع خلال مشهد تهديده للممثلة .. وانت تعرف جيم جيداً , رجلٌ بسيط ولا خوف منه
- المهم , ماذا حصل للفتاة ؟

الطبيب : من خلال جهاز التنصّت , سمعت مشاجرتها مع امها التي حاولت جاهداً إقناعها بالعودة لتدريبات الرياضية , لكنها تمسّكت برأيها .. وفي المساء سمعتها تغني بتجارب اداء موسيقية 
- يعني حقّقت حلمها ؟!
- نعم , وسمعتها تبكي بفرح بعد مباركة امها لها بالنجاح 
- هل ذهبت معها الى المسابقة الغنائية ؟!
الطبيب : يبدو ذلك ! وبعد ارتفاع طاقتها الايجابية , ضغطت زرّ التحكّم عن بعد , لفكّ السوار عن قدمها 
- ممتاز !! وماذا فاتني ايضاً ؟
- سأريك الآن

وشاهدا على التلفاز : رجلٌ عجوز يحاول فكّ رباطه عن الكنبة 
الرجل المقنع باستغراب : ولما رجلٌ في مثل عمره يُقدم على الإنتحار ؟!
الطبيب : سأخبرك قصته باختصار .. عاد العجوز قبل سنوات الى منزله بعد طرده من العمل .. وفور وصوله , إنهالت زوجته عليه بالطلبات وتذكيره بالفواتير المتأخرة , مما افقده صوابه .. فدفعها بقوة , لتقع مُرتطمةً رأسها بحافة الطاولة وتموت على الفور.. وأبلغ الشرطة انها تعثّرت بالزيت المسكوب على أرضيّة المطبخ , فأفلت من العقاب .. ولم يخبر ابنائه يوماً بما حصل .. الا ان تأنيب ضميره رافقه طوال حياته ..وبعد زواج اولاده , قرّر الذهاب بنفسه لدار العجزة .. وبعد اشهرٍ هناك , هرب الى هنا بنيّة الإنتحار

الرجل المقنع : وهل وجود السوار على قدمه جعله يتجرّأ على قول الحقيقة لأولاده ؟ 
- نعم .. وسمعتهم يسامحوه , مُعتبرين موتها حادثة غير مقصودة .. وفي المساء احتفلوا جميعاً بعودة والدهم الى بيته .. مما رفع طاقته الإيجابية التي ظهرت على جهازي , وكان سبباً لفكّ سواره 

وهنا قطع حديثهما حوار الشاب جاك (الذي ظهر من ميكروفون السوار) وهو يسأل والده عن سبب هجرانه لأمه قبل ولادته ..فأنصت الطبيب والرجل المقنع للجهاز , ليسمعا الأب يجيبه بنبرةٍ حزينة :
- الخطأ خطأي منذ البداية , فقد تزوجت جاهلة رغم هوسي بالتعليم.. لهذا لم تفهم امك يوماً اهمية حصولي على شهادة الدكتورا , فتفكيرها يتمحور حول التنزه والسفر ! لهذا طلقتها وتزوجت زميلتي , لنكمل سوياً الدراسة الى ان اصبحنا دكاترة جامعة .. 
- وماذا عني ؟ 
- كنت ارسل لأمك مصروفاً كل شهر , وبدورها ترسل لي صورك .. الم تخبرك المرحومة بذلك ؟
فظهر صوت جاك من الجهاز كأنه مصدوم : 
- لا , ظننت جدي يصرف علينا !
- انا حزين لأنك لم تكمل دراستك يا بنيّ , فقد كنت متشوقاً لحضور حفل تخرّجك الجامعي لتعرّف عليك
- ابي .. هل جامعتك تحتاج الى مدرّب بيسبول ؟
- أخبرتني امك انك بارع بهذه الرياضة 
- صحيح 
- حسناً .. العميد صديقي , ويمكنني طلب مقابلة عمل لك .. لكن بشرط !! ان تكمل دراستك هناك  
- موافق

ويبدو ان والده حضنه بفخر , لأن مؤشّر السوار ارتفع بسرعة .. وهذا دليل على تحوّل طاقة جاك السلبية الى ايجابية ! 
لهذا ضغط الطبيب على زرّ التحكّم عن بعد , ليقع السوار من ساق جاك الذي فضّل إخبار والده إنه يضعه كموضة حديثة للشباب ! 

في الكوخ ..
الرجل المقنع : هآقد عالجت مريضاً آخر ! 
الطبيب : وانت ساهمت في ذلك .. (ثم سكت قليلاً) .. كنت اريد اخبارك قبل ان يقاطعنا صوت جاك , ان هناك حالات أخرى عالجتها بغيابك 
- وماهي ملخصات قصصهم ؟

الطبيب : قمت بنصح شخص للعودة الى حبيبته , وطلب السماح منها بعد خيانته لها .. كما ساعدت عاطلاً عن العمل بإيجاد وظيفة , بعد اتصالي بزميلٍ قديم يعمل مديراً لمصنع احذية .. وأقنعت شخصاً يافعاً برفع قضية على جاره الذي اعتدى عليه في طفولته , لعلاج قلقه وخوفه وقلة ثقته بالناس .. أتدري ماذا فعل بعد إلقاء الشرطة القبض على المعتدي ؟
الرجل المقنع باهتمام : لا , ماذا ؟
- قفز بالمظلة 
- إنتحر !

الطبيب مبتسماً : لا , ذهب مباشرة بعد المحكمة الى نادي القفز بالمظلات .. اظنه اراد الإثبات لنفسه انه تغلّب اخيراً على مخاوفه 
- واكيد هذا رفع طاقته الإيجابية ؟
- زيادة الإدرينالين في جسمه رفع معنوياته كثيراً
الرجل المقنع : فقرّرت إزالة السوار عن قدمه ؟
- بالحقيقة سقط وحده بالهواء !
وضحكا سوياً ..

الطبيب : على فكرة يا مايكل , مازلت تضع القناع على وجهك 
الرجل المقنع (مايكل) : آه نسيت ! على الأقل يدفئني بهذا الجو البارد .. لا ادري كيف تتحمّل العيش هنا !

وحين ازاله : ظهر التشابه بينه وبين الطبيب ! فهو اخوه التوأم , وان كانا مختلفا بالمصير .. فمايكل بعد انفصال والديهما عاش مع ابيه العصبي .. ولكثرة المشاكل بينهما , هرب من المنزل في سن المراهقة , وانضمّ لعصابة سرقة السيارات .. ولولا ان اخاه الطبيب (الذي عاش مع امه) دفع كفالته , لقضى وقتاً طويلاً في السجن .. 

مايكل : بصراحة لا ادري من منا المنحرف ! 
الطبيب : لما تقول ذلك ؟!
- لأن اسلوبك في علاج المكتئبين عنيفٌ للغاية ! 
- الإنسان لا يشعر بقيمة ما حوله الا بوجود شيءٍ يُهدّد سلامته , لهذا طلبت منك تهديدهم بالقتل ليشعروا بأهمية حياتهم .. ففكرة الموت بعد يومٍ واحد اعطاهم الجرأة للقيام بأمورٍ أجّلوها لسنوات , والتي أدّت لتراكم مشاكلهم النفسية .. كما تمثيليتنا العنيفة دفعتهم لمسامحة الآخرين , وبدء صفحة جديدة من عمرهم  

مايكل : الغريب ان لا احد منهم فكّر بالإنتحار بعد خروجه من الكوخ !
- بعضهم حاول القفز من جديد , لكن صعقته بالسوار لأفهمه انه مراقب .. كما وجود توقيت على السوار يُظهر الساعات المتبقية من حياتهم (24 ساعة) جعلهم يسارعون بحلّ مشاكلهم المعقدة.. فلا احد يتحمّل آلام البتر , ولوّ قبل ثواني من موته 
- لا أنكر عبقرية فكرتك , لكني حزين على بقائك هنا في انتظار قدوم شخص او شخصين كل شهر للإنتحار .. ولوّ كنت مكانك , لأخبرت العالم كله بانجازاتي الإنسانية 

الطبيب : سأفعل ذلك بعد إنقاذي ل100 شخص على الأقل , حينها أدوّن تجاربهم في رسالة الدكتورا .. 
مايكل مقاطعاً : شهادةٌ اخرى ! انت مهووس بالعلم يا اخي 
- ربما كنا نتنافس معاً , لوّ سمعت نصيحتي وأكملت تعليمك .. لكنك رفضت , رغم تكفّلي بجميع المصاريف !
مايكل بقهر : انا كبرت على الدراسة .. ثم لا اريدك ان تُشعرني بأني أقل منك .. فلوّ عشت مع ابينا لأصبحت منحرفاً مثلي , لكنك محظوظ ان امي اختارتك للسفر معها للخارج

الطبيب محذّراً : اخي .. ان لم تتوقف عن هذه السلبية , سأضّطر لتقيدك بالسوار 
مايكل مبتسماً : بدأت أخاف من افكارك الشيطانية , ولا ادري من منا التوأم الشرير !
الطبيب : على الأقل نتشابه بالخباثة 
وأغرقا بالضحك..

هناك 11 تعليقًا:

  1. نشر القصة كان صعباً عليّ , لأنه كان عليّ انتظار الكهرباء لكتابة بضعة اسطر قبل انقطاعها من جديد .. سأحاول الكتابة كلما سنحت لي الفرصة , الى ان تحلّ ازمة الكهرباء في لبنان ..وآسفة على التأخير

    ردحذف
  2. جميلة كتاباتك دومًا .. متابعكِ الوفي من الجزائر ��

    ردحذف
  3. الله يفرجها عليكو استاذه امل
    تحيه لك قصه رائعه ونتظر دوما جديدك
    رغم التاخر بالنشر ولكنها جميله ومبشره
    كاتبة جاكلين الاولى

    ردحذف
  4. ربنا يفرج على لبنان وشعبها نسأل الله لكم السلامة ولا تحرمينا من قصصك الهادفة قدر المستطاع ، إن شاء الله نطمئن عليكم قريبا

    ردحذف
  5. انا متابعة وفية لك يا أمل يا حبيبتي و انا اتابعك منذ افتتحت مدونتك في سنة،2016 .معجبة بأفكارك كثيرا.حتى ان بعض قصصك تصلح ان تكون افلاما خوليوودية بامتيازفاختيار افكارك مميز يا مبدعتنا.اسلوب سردك للقصص مشوق جدا ولا يبعث على الملل.فرأت كل قصصك وهذه اول مرة اعلق فيها .اتمنى ان لا تتجاهلي تعليقي.صديقتك ليندا من الجزائر.حفظك الله ورعاك

    ردحذف
    الردود
    1. اهلاً بك اخت ليندا وبالشعب الجزائري العزيز .. شكراً لتعليقك الجميل الذي أثلج قلبي .. اتمنى ان تعجبك قصصي دائماً , وان اكون على قدر ثقتك بكتاباتي .. تحياتي عزيزتي

      حذف
  6. شكرا جزيلا لك تمنياتي بالتوفيق

    ردحذف
  7. مبدعـهه!.

    ردحذف
  8. احسنت استاذة امل مبدعة كالعادة والله أشعر بالحسرة على وطنا العربى كلة وبالأخص ليبيا وسوريا وفلسطين والعراق ولبنان التى لطالما عانت من المجازر والطائفية والحروب الاهلية والانقسامات واخيرا نفسى حاليا هههههه انا حاليا امضى فترة تجنيدى بجيشنا المصرى وعلى مايبدو فقد دقت طبول الحرب

    ردحذف
    الردود
    1. ابن اختي مصري , وهو خائفٌ ايضاً ان يأخذوه الى التجنيد الإجباري , خاصة انه سيتخرّج من الجامعة هذه السنة .. الله يحمي مصر ولبنان وكل الدول العربية , اللهم آمين

      حذف
  9. فكره شيطانيه والعنوان شيق والقصه روعه!!

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...