الجمعة، 27 أكتوبر 2017

إنتقام المشرحة

تأليف : امل شانوحة


انتقام,مشرحة,مخيف,قاتل,سفّاح,جثث 
انا أرى قاتلهنّ !

كانت (إيلين) أمهر طبيبة مُشرّحة في مدينة جورجيا الأمريكية .. حيث عُرفت بحلّها لأصعب الألغاز المتعلّقة بموت او مقتل الجثث التي عملت عليها بمساعدة الشرطة الجنائية .. ولهذا كان من المنطق إستدعائها للعمل على حلّ لغز السفّاح المتسلّسل الذي نشر الرعب بين نساء المدينة , بعد ان قتل أكثر من ثلاثين فتاة وسيدة بأقل من سنة ! 

وفي يوم وصول إيلين الى المشرحة التي امتلأت بجثث النساء المجهولات الهوية بعد ان تمّ تشويه وجههنّ وقطع اصابعهنّ ممّا صعّب التعرّف عليهم , قامت على الفور بفحص أجساد بعضٍ منهنّ , وقراءة ملافّاتهنّ .. 

ومن ثم سألت المحقق :
إيلين : مكتوبٌ هنا انهنّ ماتوا جميعاً بعد خنقهنّ بوشاحٍ حريري , دون ان يظهر ايّ اعتداءٍ آخر عليهنّ , حيث جرت عمليات التشويه بعد موتهنّ وليس قبله ؟! 
المحقق : هذا صحيح .. فالقاتل خنقهنّ حتى الموت دون إستغلالهنّ جسدياً , بل حتى انه لم يسرق أموالهنّ ..وهذا الغريب في الموضوع !
- الأمر به لغز بالتأكيد , خاصة انه لا يوجد ايّ مشترك بينهنّ سوى انهنّ جميعاً قدِمنا من القرية التي بجانب غابات جورجيا , حيث انه مسقط رأسي ايضاً ! 
المحقق : أعرف , ولهذا اخترناك انت بالذات , فلربما تعرّفتي على إحداهنّ 
- كيف وهنّ مشوّهاتٌ هكذا ! 

- معك حق .. كما ان هناك مشترك ثاني بينهنّ : وهي وسيلة القتل الواحدة 
- واين هي الأوشحة التي خُنقهنّ بها ؟ 
- تم إزالتها من قِبَل المشرّح الذي كان يعمل قبلك 
- وهل توجد جثة جديدة مازال في رقبتها الوشاح ؟
- نعم توجد واحدة الآن في الثلاجة رقم 121 ..أحضروها البارحة إلينا , ولم يتم فحصها بعد
- هذا جيد , فأنا اريد الكشف عليها دون ان يعبث أحد بالأدلة 

ثم طلبت من عامل المشرحة إخراج الصبيّة المخنوقة كيّ تراها ..ومن ثم تركها العامل والمحقق وحدها في المشرحة لتقوم بعملها 
***

وبعد ان كشفت عليها الطبيبة تأكّدت بنفسها إن جسم الفتاة الصبيّة لم يُمسّ رغم جمالها الفائق الذي لم يشوّه على عكس البقيّة ! لكن الأغرب كان ما حصل لإيلين بعد ان وضعت يدها على الوشاح المربوط حول رقبة المجني عليها , حيث شعرت بشيءٍ روحي غير مفهوم يسحبُها نحو الماضي ! 

فقد رأت نفسها تقف بالقرب من إمرأةٍ ليس لها ملامح واضحة , وتبدو بأنها تعرّضت لحادث إصطدام مروري  
وكانت إيلين (في الرؤية) تحاول مساعدتها , لكن المرأة حاولت إبعاد يد الطبية عنها بخوف :
- ارجوك لا تقتليني يا إيلين !! ارجوك لا تفعلي !!

ثم عادت إيلين للواقع بعد ان أرعبها المشهد .. وصارت تتمتمّ بخوف :
- ماذا يحصل ؟! مالذي رأيته الآن ؟! وكأنني تلبّست في جسد القاتل !

وقد قضّت هذه الحادثة الغريبة مضجع الطبيبة , حيث ظلّت تفكّر بالأمر طوال الليل , وكأن ما رأته أعاد اليها بعض الذكريات التي حاولت نسيانها منذ مدّة طويلة !
***

وبعد ايام من الفحص والتشريح , لم تقدّم إيلين ايّ شيء جديد للتحقيق , فالجثة كانت كبقيّة الجثث : حيث تمّ خنقها حتى الموت دون سببٍ واضح 
***

وبعد شهرٍ واحد .. وصلت للمشرحة جثة سيدة خُنقت ايضاً بوشاحٍ حريري , لكن الجديد في الموضوع : انه كان هناك ورقة عُلّقت بدبوس في طرف الوشاح , مكتوباً فيها :
((يصل الى يدّ الطبيبة إيلين شخصياً))
ممّا أرعبها وأرعب فريق المحققين , فكيف للقاتل ان يعرف بإسم الطبيبة الموكّلة بتشريح الجثث ! 

حتى انه وصل الأمر الى ان يظنّ المحققّ المسؤول عن القضية بأن هناك شرطياً فاسداً بينهم يُسرّب المعلومات للسفّاح 
ثم جاء دور إيلين بفحص الجثة الجديدة .. 

لكن ما ان حاولت فكّ الوشاح المشدود حول رقبة الجثة حتى حصل الأمر ذاته , فقد رأت رؤية مخيفة أخرى : 
وهي ان السيدة المقتولة إستفاقت فجأة من موتها , وأمسكت يد الطبيبة بعنف , قائلةً :
- لما قتلتني يا إيلين ؟ لما حرمتني من ابني ؟ 

فانتفضت إيلين مُبتعدةً عن الجثة .. فانتبه المحقق (الذي كان يقف بجانبها) للرعب البادي على وجهها , فسألها بقلق :
- ماذا هناك دكتورة إيلين ؟ مالذي أخافك هكذا ؟!
فأجابته بتلعثم : لقد كلّمتني الجثة للتوّ !
فابتسم بسخرية قائلاً : أحقاً .. وماذا اخبرتك هذه الملعونة ؟
فلاحظت الطبيبة تعابيره الساخرة , فحاولت تغير الموضوع 
- لو سمحت .. خذّ الشرطي الذي معك , واتركاني أفحص الجثة بهدوء 

وبعد خروجهما , قال للشرطي باستهزاء..  
المحقق : يبدو انها بدأت تفقد عقلها 
الشرطي : هذا وهي رأت عندنا جثتين فقط , فماذا نقول ونحن نرى الجثث كل يوم

وفي داخل المشرحة .. 
إقتربت إيلين بحذر من الجثة ووضعت يدها مجدّداً على كتف المرأة المقتولة لكنه لم يحدث شيء ! فعرفت انها لا ترى تلك الرُؤى الاّ بعد لمسها للأوشحة .. وبيدٍ مُرتجفة إقتربت شيئاً فشيئاً منه .. 
وبالفعل !! ما ان لمست آداة الجريمة , حتى عادت لترى رؤية جديدة .. 

حيث شاهدت كيف حصلت الجريمة ! فالمرأة العجوز كانت خرجت من سيارتها بعد ان توغلت بالغابة , بسبب إنفجار إحدى إطارات سيارتها .. وفي هذه اللحظات !! قام القاتل المقنّع , المختبأ هناك (بعد ان نثر المسامير على طول الطريق) بالهجوم عليها وطرحها أرضاً .. 

ثم شاهدت الطبيبة إيلين تلك العجوز وهي ترجوه بأن لا يقتلها , لكنه جثى فوقها بعد ان أخرج وشاحاً حريري من جيبه ولفّه بإحكام حول رقبتها , وهو يقول لها :
- أعتذر عن قتلك يا سيدتي , لكنك لست المعنية بالأمر .. بل أريدها هي !!
وآشار الى الطبيبة إيلين التي كانت تقف بجوارهما .. 

وقد أرعبها المشهد كثيراً , حيث تراجعت الى الخلف لتُسقط الأدوات الجراحية الموجودة قرب جثة العجوز في المشرحة (بعد ان عادت لواقعها)

فصارت إيلين تلهث بخوف , وهي تقول في نفسها برعب :
- مالذي يحصل معي ؟! ولما يريد القاتل خنق كل هؤلاء النّسوة لينتقم مني ؟ فأنا لم اؤذي أحداً في حياتي !

ومع الأيام .. بدأ الموضوع يُصيب إيلين بالإرهاق , حتى إنها فكّرت بترك المهمّة لمشرّحٍ آخر , الاّ ان المحقق (المسؤول عن القضية) رفض طلبها 
***

وفي خلال الأشهر التالية .. حدث الأمر ذاته للطبيبة مع ثلاثة جثثٍ أخرى .. حيث كانت تُشاهد طريقة موتهنّ بمجرّد لمسها للوشاح الذي قُتلن به , لكنها لم تُخبر أحداً بذلك لأنهم حتماً لن يصدّقوها ..
***

امّا في هذا اليوم بالذات ..فقد حدث شيءٌ كبير ! حيث وصلت للمشرحة جثة طفلة في العاشرة من عمرها , خُنقت حتى الموت بعد خروجها من المدرسة ..
وعندما كانت الطبيبة بمفردها في المشرحة , إقتربت من جثة الصغيرة وهي تقول :
- حسناً , لأرى كيف قتلك هذا اللعين 

لكن هذه المرّة رأت شيئاً مهمّاً (بعد ان وضعت يدها على الوشاح المشدود حول رقبة المجني عليها) 
فقد شاهدت تربّص القاتل المقنّع خلف بعض الأشجار القريبة من المدرسة , ثم هجومه اللاحق على الطفلة التي حاولت بشجاعة الهرب منه , الاّ انه تمكّن من خنقها في النهاية .. 

لكن وقبل ان تعود ايلين للواقع , شاهدت القاتل يقترب من وجهها (حيث كانت الطبيبة كالعادة تقف بجوارهما في الرؤية) ثم نزع قناعه , لترى إيلين وجهه بوضوح : فهو كان شاباً أشقر الشعر , بعيونٍ عسلية .. كما ان هناك أثراً قديماً لجرح في وجنته .. وقد قال لها (في الرؤية) :
- خنقتهنّ جميعاً لأصل اليك ايتها القاتلة !!
وقبل ان يضع يده حول رقبتها ليخنقها هي الأخرى , إستفاقت إيلين بفزع لتعود الى واقعها .. 

فأسرعت لغرفة المحقق لتخبره بمواصفات القاتل ..
وبالرغم ان المحققّ لم يصدّق انها رأت السفّاح بالرؤية , الاّ انه طلب من الرسّام ان يرسم القاتل على حسب المواصفات التي ستخبره بها إيلين .. وبعد ان وافقت هي على مطابقة الرسمة لشكل القاتل الذي رأته .. تم تعميم الصورة على جميع مراكز الشرطة في البلد للبحث عن مرتكب هذه الجرائم , مع إخفاء الموضوع عن الصحافة كيّ لا يفلت السفّاح من العدالة  
***

وبعدها بأسابيع قليلة , وفي مساء احد الأيام .. 
دخلت إيلين مكتبها (الموجود قرب غرفة المشرحة) بعد ان ذهب جميع الموظفين , لتتابع عملها على راحتها دون ايّ ضوضاء , فوجدت ظرفاً كبيراً على مكتبها !

وعندما فتحته , وجدت وشاحاً أصفراً عرفته على الفور : فهو كان وشاحاً أهدته لها امها (المتوفاة) في سن مراهقتها ! لكن الوشاح كان ملطخاً بدماءٍ قديمة , حيث تحوّل لونه الأحمر الى الأصفر الداكن ! 

وكانت بداخله رسالة كتبها القاتل بحروفٍ مُقتطعة من صحيفةٍ ما , كيّ لا تتعرّف الشرطة على خطّ يده .. وكان فيها :
((حاولت ان أقلّد طريقة قتلك لأمي , لكنك ستموتين بطريقة ستكون حتماً أشدّ إيلاماً)) 

وعلى الفور !! عادت ذكريات الطبيبة الى الماضي السحيق ..حيث كانت ماتزال في سنتها الأولى للطب .. وكانت في ذلك اليوم تتنزّه بسيارتها داخل الغابة إحتفالاً بحصولها على رخصة القيادة , لكنها لم تنتبه الى تلك السيدة التي ركضت فجأة خلف كلبها الذي عبر الشارع , فصدمتها ايلين بعنف .. 

وعندما نزلت من سيارتها لتُلقي نظرة عليها , وجدت بأن إصابتها خطيرة حيث كانت في تلك الأثناء تحاول التكلّم لكنها لم تستطع بعد ان إمتلأ فمها بالدماء .. لهذا اضّطرت إيلين القيام بالإسعافات الأولية التي تعلّمتها في الجامعة , وكان أول ما لاحظته هو إنكسار رقبة السيدة , فأسرعت بفكّ وشاحها الحريري الأصفر (الذي هدته لها امها) عن رقبتها , لتربط به عنق السيدة كيّ لا تُشلّ عند تحريكها .. 

وهنا خرج ولدٌ (في الثامنة من عمره) من منزلٍ قريب من الغابة , وأسرع اليهما وهو يصرخ برعب :
- امي !! 
فحاولت إيلين تهدأته قائلة :
- لا تخفّ يا صغير , سأعالج امك
فصرخ عليها وهو منهارٌ بالبكاء :
- لقد قتلتي امي !!
إيلين بخوف : لا لم اقتلها , أنظر !! هي مازالت حيّة .. (ثم سألته) ..هل لديكم هاتف في المنزل لأتصل بالإسعاف
الولد وهو يحاول إيقاظ امه : لا , الهاتف عندنا مقطوع منذ ايام

وهنا أسرعت إيلين بركوب سيارتها , وهي تقول له :
- هناك محطة قريبة من هنا , سأذهب لأتصل منها على الإسعاف ..وسأعود اليك قريباً
فبكى الولد بخوف : ارجوك لا تهربي , وابقي معنا !!
لكنها أسرعت بالذهاب ..

وهنا عادت الطبيبة بذاكرتها الى الواقع , وهي تتمّتم : كنت أريد مساعدتها بالفعل
وفجأة !! إنصفق باب مكتبها بقوة , لتفزع ايلين بعد رؤيتها للقاتل المقنّع داخل مكتبها وهو يقول لها :
- لقد تركتني وحيداً قرب امي , لأشاهدها تموت بين يديّ
ايلين بفزع : أأنت نفسه الولد الذي ..
مقاطعاً : نعم انا !! 

ثم أزال القناع على وجهه , ليظهر الشاب ذاته الذي رأته بتلك الرؤية !
وهنا أخرج سكيناً كبيراً من جيبه .. فارتجفت ايلين وصارت ترجوه بخوفٍ شديد :
- ارجوك انتظر ..لا تقتلني .. دعنا نتكلّم اولاً
- حسناً لا بأس .. اساساً أتيت اليك لنتحدّث بشأن قتلك والدتي دون ايّ شفقة يا مجرمة !!

- انا لم أقتلها !! لقد ذهبت فعلاً الى المحطة واتصلت بالإسعاف .. وحين عودتي اليكما , شاهدت من بعيد الشرطة وهي تنقل جثتها 
- ومن بعدها هربت وتركت كل المنطقة
- لا !! انا عدّت الى جامعتي
- اذاً سأخبرك بما فاتك يا عزيزتي .. فقد ظهرت نتيجة تشريح جثة امي : بأنها لم تمت من دهسك لها , رغم انها كانت ستعيش مُقعدة طوال حياتها 
الطبيبة بدهشة : اذاً انا لم أقتلها !

الشاب بغضب : دعيني أكمل !! امي ماتت بسبب إختناقها بدمائها التي نتج بسبب ربطك للوشاح حول رقبتها , مما أدّى لوفاتها 
ايلين بصدمة : لا ! انا لم أخنقها بالوشاح ..كنت فقط أربط عمودها الفقري المنكسر لأنني كنت أنوي حملها لأضعها في سيارتي وآخذها الى المستشفى , لولا خروجك المفاجىء الذي غيّر خطتي , فتركتك معها لأذهب واتصل بالإسعاف , لأنه في تلك الأيام لم يكن هناك جوّالات بعد ..

مقاطعاً بغضب : أعرف هذا !! لكنك لم تحضري الى التحقيق الذي فُتح بعد مقتلها , بل فضّلت الهرب من البلد والعودة الى دراستك وكأن شيئاً لم يحصل ! .. (ثم سكت قليلاً) .. فهل تعلمين مالذي حصل بعدها لإبنها الصغير .. الذي هو انا ؟

فسكتتّ ايلين بقلق , فأكمل الشاب قائلاً بقهر :
- بما إنني لا اعرف من هو والدي , فقد عشت طفولتي مع أمي التي لم يكن لديها أيّة أقارب .. ولهذا السبب وضعتني الشرطة بعد وفاتها بدار للرعاية الإجتماعية .. (ثم تنهّد بضيق) ..أترين هذا الجرح ؟
وآشار الى الجرح القديم الذي في خدّه ..
- هذا كان بسبب مشاجرتي مع أحد الأولاد المتنمّرين في الميتم , حيث حاول حينها سرقة طعامي كما يفعل مع الأولاد الآخرين .. وحينما قاومته , جرحني بسكينة الطعام وشوّه وجهي
- انا حقاً آسفة

الشاب بغضب : أسكتي ودعيني أكمل !! .. المهم .. هربت بعدها من المشفى الذي عالجوني فيه , لأتشرّد بالشوارع لسنواتٍ طويلة ..إضّطرت فيها لبيع المخدرات لصالح عصابةٍ صغيرة ..وكذلك قمت ببعض السرقات كي أسدّ جوعي ..الاّ ان الشرطة تمكّنت من القبض عليّ , وزجّوني في سجن الأحداث , حيث تمّ الإعتداء عليّ من قِبل السجناء الأضخم مني
- الهذا السبب لم تكن تمسّ النساء اللآتي خنقتهنّ ؟
- انا لم اقتلهنّ الاّ للوصول اليك
- لم افهم !

- بعد ان نقلوني الى سجن الكبار لتعاطيّ المخدرات , تعرّفت هناك على رجلٍ غجري يمتهن الشعوذة , وهو من علّمني طريقة التواصل معك ذهنياً , بشرط وجود رابطٌ معين بيننا .. فأخبرته انني لا اعرف شيئاً عنك , ولا أملك دليلاً ضدّك سوى وشاحك الأصفر الذي قتلتي به امي , والذي أحتفظت به على مدى سنوات  
- الهذا كنت اراك كلما لمست وشاحهنّ ؟

- بالضبط !! لأنها كانت صلة الوصل الوحيدة بيننا .. وقد حاولت لسنواتٍ عديدة معرفة ايّة معلوماتٍ تفيدني عنك .. ومنذ سنة وبضعة أشهر , وصلتني المعلومة التي كنت انتظرها : وهي إنك أصبحت طبيبة ماهرة في مهنة تشريح الجثث , ولهذا قمت بقتلهنّ جميعاً على أمل ان يتمّ إستدعائك لهذه القضية , خاصة انني إخترتهنّ ان يكون مسقط رأسهنّ هي نفس مدينتنا انا وانت .. وقبل ايام فقط , استطعت أخيراً معرفة اسمك الكامل وعنوان مكتبك هذا ..ولشدّة غبائك , قدمت وحدك هذا المساء لتكوني ضحيّة سهلة بالنسبة لي

وهنا حاولت الطبيبة ايلين الصراخ بأعلى صوتها , بعد ان اقترب من مكتبها وهو يلوّح بسكينته الضخمة (مهدّداً) :
- ارجوكم ساعدوني !! انا هنا مع القاتل !!
فابتسم قائلاً : لا تتعبي نفسك بالصراخ فلا يوجد أحدٌ بالخارج , لقد تأكّدت  من الأمر بنفسي  

ثم ومن دون مقدمات , هجم باتجاهها ! 
لكنها استطاعت بصعوبة الخروج من مكتبها , دون ان تُدرك بأن القاتل أرادها ان تهرب باتجاه المشرحة الضخمة .. 

وهناك حاولت الإختباء بين الخزائن وأسرّة التشريح الخالية .. بينما كان السفّاح يمشي ببطء وهو يدنّدن أغنية الموت , ويطرق بسكينته على جوانب الأسرّة الحديدية وهو يناديها قائلاً :
- اين انت يا دكتورة إيلين ؟!! 
فلم تجد إيلين ملاذاً للهرب , سوى بدخولها الى داخل درجٍ فارغ لثلاجة الموتى .. 

وبعد ان أمضت هناك بضع دقائق محاولةً كتم انفاسها الخائفة , صرخت بكل ما أوتيت من قوة بعد ان فتح القاتل فجأة باب الثلاجة عليها , ليظهر وجهه بالقرب من قدميها.. 
فترجّته وهي تبكي بشدّة : 
- ارجوك لا تذبحني .. انا لم أقصد قتل امك , أحلف لك !!

فصار يُمرّر نصل سكينته الحادة فوق قدميها , بينما كانت هي تحاول حشر نفسها في زاوية الثلاجة المعتمة والضيقة ..
الشاب : قصدّتي ام لم تقصدّي قتلها , فالنتيجة واحدة .. فبسببك تحوّلت حياتي الى جحيم .. لكن لا تقلقي عزيزتي .. فأنا لن أخنقك او أذبحك , بل سأختار وسيلة موت بطيئة كيّ تتذكّري كل ما فعلته بي وبأمي في لحظاتك الأخيرة ..
بخوفٍ شديد : وماذا ستفعل ؟!
بابتسامة مخيفة : سأثلّجك

فعادت لتصرخ بكل قوتها :
- ساعدوني ارجوكم !!!!
- لا , لا تصرخي .. فأنا لن ارفع درجة البرودة , بل سأجعلها على الدرجة المتوسطة , كي تستمتعي بالجوّ اللطيف .. وغداً عندما يعود الموظفين الى هنا , سيجدونك قطعة من الثليج .. هذا اذا إفتقدوا وجودك أصلاً .. آه كدّت انسى .. خذي وشاحك معك الى الجحيم !! 
ورمى وشاحها الأصفر الى داخل الثلاجة (معها) .. ثم أقفل باب الدرج بإحكام .. 

وبينما كانت هي تطرق بقدميها على الباب (من الداخل) بكل قوتها , كان هو يعيّر برودة الثلاجة على الدرجة المتوسطة .. 

ومن ثم خرج بهدوء من هناك , بعد ان أطفا النور وأقفل باب المشرحة .. وهو مازال يدنّدن أغنية الموت , تاركاً إيلين تصرخ من داخل الثلاجة بصرخاتٍ مكبوتة , بالكاد تظهر خلف باب المشرحة الحديدي الضخم ! 

هناك تعليقان (2):

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...