الثلاثاء، 4 نوفمبر 2025

الصفحة البيضاء

تأليف : امل شانوحة 

وحش الكتّاب


إستيقظ الكاتب على صوتٍ غاضب : 

- أمازلت نائماً ؟! إنهض وأطعمني حالاً !!


أضاء المصباح ، مُتردّداً بين الحلم والهلوسة.. ليجد الشقة صامتة ، الأبواب مغلقة ، والنوافذ شاهقة في الطابق العاشر.. لا أثر لاقتحام ، ولا مجال للخيال أن يتجسّد ! 


فظنّه حلماً مزعجاً ، وعاد إلى السرير .. لكن ما إن أطفأ النور ، حتى دوّى الصوت من جديد : 

- لا أصدق أنك ستعود للنوم مجدداً ! 


فقفز من فراشه مرتعباً ، يبحث عن الصوت الذي لم يصدر من تلفازٍ او هاتف ! لا شيء سوى دفتر أفكاره على الطاولة ، مفتوحاً على صفحةٍ بيضاء 


فتساءل بنفسه بقلق :

((أين اختفت المسودّات ؟ أين قصصي التي ملأت الدفتر؟!))

ليسمع إجابة الصوت :

- التهمت نصفها .. كنت جائعاً 


تراجع الكاتب ، كأنما يواجه وحشاً غير مرئيّ ! صارخاً بضيق : 

- هل هناك ميكروفون خفيّ او خدعةً ما ؟! 

فأجابه الصوت بازدراء : 

- ظننت الكتّاب أذكى من ذلك ! لكن حسب تقيمي لآخر جملك الركيكة ، يبدو أنك فقدت الشغف والموهبة معاً ! أين ذهبت شعلة الكتابة التي انارت لياليك؟! 


فرمى الكاتب بدفتره على الأرض ، غاضباً : 

- كفى سخافة !! أنا مُرهق ، ولا طاقة لي بالألاعيب الصبيانيّة !! 

فجاء الصوت متألماً :

- أوجعتني أيها الأحمق ! أنا صوت خطّك الرديء .. صوت موهبتك التي تموت جوعاً ، بعد أن هجرتني لشهرٍ كامل دون نشرك قصةً واحدة بمدونتك .. تركتني أتضوّر لجملٍ خياليّةٍ ابداعيّة ، وأنا الذي كنت غذاءك الروحيّ.. إن لم تطعمني الآن ، سآكل ما تبقى من أفكارك ، حتى لا يبقى سوى دفاترك الفارغة !! 


فاستلقى الكاتب على سريره يائساً : 

- حماسك لم يعد له اهميّة ، بعد الذكاء الإصطناعي الذي يكتب أجمل القصص بكبسة زرّ.. بسبب تلك التقنية المريبة ، مات الأدب واندثرت الحماسة ! 


فحاول الصوت نصحه ، بنبرةٍ صارمة : 

- لا تستلم الآن .. إن فعلت ، أضعت شبابك سدى ! الأفكار لا تموت ، لكنها تهجر من لا يقدّرها 


لكن الكاتب إكتفى بإدارة ظهره ، مُطفئاً مصباحه بعد ان غمره اكتئابٌ ثقيل.

***


مرّت الأيام ، والكاتب يبحث عن عملٍ آخر : مُدقّق ، مُحرّر ، او أستاذ لغة... لكن الأبواب مغلقة ، والتقنية أسرع من موهبته ! 

***


حتى جاء اليوم الذي تلقّى فيه بريداً إلكترونياً من منتجٍ ينوي تحويل إحدى قصصه القديمة إلى فيلمٍ سينمائي !

فتسارعت دقّات قلبه ، لأنها فرصة انتظرها طوال حياته


وركض نحو دفاتره القديمة ، ليستلهم منها تتمّة القصة المطلوبة (حسب رغبة المنتج لجزءٍ ثاني .. وبدوره وعده بتنفيذ طلبه بوقتٍ قياسيّ)..

لكن المفاجأة المرعبة ، انه وجد جميع صفحات دفاتره بيضاء ! 


فصرخ الكاتب بجنون :

- اين أنت أيها الصوت ؟!! ماذا فعلت بأفكاري ؟! 

فأجابه الصوت ببرود : 

- أكلتها كلها 

الكاتب : أعدها لي ، هذه فرصتي الوحيدة !  

- بالأساس لم تكن ملكك .. فالأفكار طيورٌ مهاجرة ، وأنت حبستها في دفاترك لسنوات ، ثم أهملتها.. فأطلقتها نحو من يستحقها.

- من سمح لك بسرقة مجهوداتي الشخصيّة التي أفنيت شبابي في كتابتها؟!

الصوت : وبعد كل ذلك الجهد ، تركت اقلامك تجفّ .. أتدري بماذا تذكّرني ؟ بمضخّة البئر ! توقفت عن ضخّ الهواء قبل لحظاتٍ من وصول الماء اليك ، فعاد إلى القعر .. وهناك وجده كاتبٌ آخر ، لا يعرف الكسل او الشكوى.


ساد الصمت الغرفة ، قبل أن يختم الصوت كلامه : 

- وداعاً يا صديقي.. سأنام الليلة في دفاتر الكاتب الجديد الذي يطعمني يومياً من أفكاره الطازجة.. أما أنت !! فأصبحت بالنسبة لي ، صفحةً بيضاء.


واختفى الصوت.. تاركاً الكاتب يحدّق في دفاتره الفارغة بذهول ! كأنما ينظر في مرآة عقله الذي جفّ من الأفكار المبدعة ، عقاباً روحانياً على خيانة موهبته النادرة! 


هناك 3 تعليقات:

  1. يا ليتك لم تنشري القصه ولا قراتها لانها ليست من سردك ولا كلماتك انا كنت احترم كتاباتك لانها بسيطه ومن هاويه اما هذه القفزه المفاجاه من ركاكه الى سرد لغوي قوي وعمق ادبي وانتي تعرفين ما اعنيه جيدا انتي تنتقدين الذكاء الاصطناعي وهو الذي ساعدك في هذه القصه فانتي الان مدينه للذكاء الاصطناعي بجعل اسلوبك اللغوي فجاه يتطور وتشبيهاتك اللغويه كانت قويه
    شكرا لك ايها الذكاء الاصطناعي
    عودي كما كنتي امل الشغوفه والمحبه لكتاباتها بقلمها فقط البسيط الجميل واريد منكي قصص اخرى جميله كروحك وشكلك وانا ساقراها بصمت كما وعدتك ولكن اضطررت هنا للتعليق
    وهذا اخر تعليق، لكي مني كل المحبه والتوفيق
    دمتي بخير

    ردحذف
    الردود
    1. انا دائماً اكتب قصصي بنفسي .. الذكاء الإصطناعي هو لتصليح اخطائي الإعرابية ، ولصور الغلاف فقط .. احاول تصليح اسلوبي ، بقراءة القصص المحترفة التي اجدها بوسائل التواصل الإجتماعي .. لكن التطوّر عندك ، يعني الغشّ !
      احاول تحسين مستوايّ ، لكيّ اصل للمرحلة القادمة .. لي اكثر من ثلاثة اشهر اعمل على ترجمة افضل قصصي ، لبيعها بالأمازون .. لهذا عليّ تحسين لغتي الأدبية .. احاول ليل نهار ، وبالكاد انام .. واعاني من صداعٍ مزمن ، واراهق بالعينين .. لكني لا اتكلّم دائماً عن معاناتي مع الكتابة المتواصلة .. احياناً اقطع نومي المريح ، للسهر على كتابة فكرة غريبة رأيتها بمنامي .. لأجلس واكتبها بالظلام على جوالي ، مع انقطاع الكهرباء .. انا لا انكر ان الذكاء الاصطناعي احتلّ تماماً موهبة الكتابة ، كما فعل بموهبة الرسم من قبل .. لكن هذا لا يعني انني اسمح له بكتابة افكاري .. اقرأ قصتي (جزيرة ابليس) التي نشرتها بكابوس قبل الذكاء الاصطناعي بسنوات .. ستجد انني كتبتها بلغة ادبية قوية جداً ..وهذا رابطها
      https://www.lonlywriter.com/2017/04/blog-post.html

      فمالا تعلمه عني ، انني حفظت القاموس العربي كلمةً كلمة ، خلال سنة وشهرين .. لكني لم اجد نفسي بالكتابة الادبية القوية ، لاني احب ان تصل فكرتي لجميع الأعمار مع اختلاف مستوى تعليم القرّاء ..
      لكن هذا لا يعني انني لا استطيع الكتابة بطريقةٍ قوية .. واحياناً عندما اجد فكرة جديدة مبدعة ، احب كتابتها باسلوبٍ منمّق ، لكي اضعها ضمن القصص الفخورة بها ..

      لكن دائماً أتعرّض للنقد ، رغم كل جهودي المبذولة بهذا المجال .. على كلٍ ، سأتابع عملي للنهاية .. لأنه لا مجال للتوقف الآن .. اشعر بأن الفرج قريب .. سأحاول النجاح لا لأجلي ، بل لأجل عائلتي ..
      وحينما انجح ، لن اتذكّر سوى انتقادتكم المخيبة للآمال !
      لكن هذه هي الدنيا ، لا يمكنك ارضاء الجميع مهما فعلت !

      حذف
    2. أتدري ؟! للمرّة الثانية يُلهمني نقدك على تأليف قصة جديدة ، ستكون بعنوان (الكاتب المزيّف) كتبت مسودّتها قبل قليل ، وسأحاول نشرها قريباً !

      حذف

الصفحة البيضاء

تأليف : امل شانوحة  وحش الكتّاب إستيقظ الكاتب على صوتٍ غاضب :  - أمازلت نائماً ؟! إنهض وأطعمني حالاً !! أضاء المصباح ، مُتردّداً بين الحلم...